عبد الله حمدوه
عبد الله إبراهيم حمدوه السناري (1274هـ/1857م - 1350هـ/1931م)، من رواد التعليم في الحجاز، من أصول سودانية، قدم إلى مكة وعمره عشرون سنة، وطلب العلم على مشايخ الحرم المكي، افتتح كتّاباً تطور فأصبح فيما بعد من أوائل مدرسي مدارس الفلاح، درّس بها اللغة العربية الة أن أصبح مديراً لفرعها بجدة.
عبد الله إبراهيم حمدوه السِنَّاري (1274هـ/1857م - 1350هـ/1931م) سوداني، مُقرئ الحرم المكي الثابت. قدم إلى مكة وعمره عشرون سنة، وطلب العلم على مشايخ الحرم المكي، افتتح كتّاباً تطور فأصبح فيما بعد من أوائل مدرسي مدارس الفلاح، درّس بها اللغة العربية الة أن أصبح مديراً لفرعها بجدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السِنـَّاري ورحلة الكسب المعرفي
وُلِدَ عبد الله بن إبراهيم بن حمدوه السِنَّاري في السودان عام 1274هـ/1857م، وحفظ القرآن، ودرس مبادئ الفقه والحساب على نفر من مشائخ عصره، وعندما بلغ العشرين عاماً شد رحاله إلى مكة المكرمة، كعادة أترابه من الطلاب السودانيين النابهين الذين درجوا على مواصلة مسيرتهم التعليمية إما في رحاب الأزهر المعمور، أو الحرمين الشريفين بالحجاز. ونحن لا ندري أكثر من ذلك عن تفاصيل حياته الباكرة ومسيرته التعليمية في السودان، ومُسوغات رحلته إلى الحجاز بدلاً عن رواق السِنَّاريين في الجامع الأزهر. وفي مكة المكرمة جوَّد الصبي عبد الله معارفه القرآنية على يد الشيخين الجليلين إبراهيم سعد، وأحمد حامد التيجي، ومنها هاجر إلى الأزهر في قاهرة المعز، حيث درس العلم على عدد من فحول علمائه، أمثال الشيخ حسنين مخلوف العدوي المالكي، والشيخ عبد الهادي مخلوف، والسيد مهدي بن محمد السنوسي، وشيخ الإسلام عبد الرحمن الشربيني. وبعد أن استجازهم وأجازوه رحل إلي المدينة المنورة، وأدرك المسند العلامة السيد علي بن ظاهر الوتري، ودرس الحديث عليه، ولازم مجالس الشيخ محمد الظاهري المالكي صاحب حسن الوفا لأخوان الصفا، ونهل أيضاً من فيض علماء السادة الحضارمة، أمثال السيد هاشم بن شيخ الحبشي، والسيد علي بن محمد الجفري، والسيد محمد بن صالح جمل الليل المكي. وفي عام 1326هـ/1908م حصل عبد الله حمدوه السِنَّاري على الإجازة العالمية من علماء الحجاز الذين صادقوا له بالتدريس في الحرم المكي. ويُرحج الرأي بأن السِنَّاري كان كديدن أقرانه ينوي العودة إلى السودان، ليكون عالماً مرموقاً يُشار إليه بالبنان في بلد المليون ميلاً مربعاً، بيد أن هناك أسباب غير معلومة لدينا جعلته يؤثر البقاء في أرض الحجاز، حيث لمع نحمه في قائمة رواد التربية والتعليم الأهلي الذين وضعوا لبنات الانطلاقة التعليمية في عهد الملك عبد العزيز بن سعود.
الكُتَّاب السِنَّاري
يُعدُّ الكُتَّاب من أقدم المؤسسات الإسلامية لتعليم الصبية القرآن، ومبادئ القراءة والكتابة والحساب، وهو أيضاً رمز من رموز التعليم الأهلي في العالم الإسلامي، حيث يُؤسسه في العادة رجل من حفظة القرآن في بيته، وينفق عليه لوجه الله تعالى، أو ينشئه رجل من أهل اليسار، فيؤجر فقيهاً براتب معلوم ليقوم بأمر التدريس فيه. والكتاتيب (جمع كُتَّاب) كانت تمثل القاعدة الأولى للتعليم الأهلي في الحجاز، ونلحظ أن المستشرق سنوك هروغرونية قد تحدث باسهاب عنها في كتابه عن تاريخ مكة في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، ووصف تقاليدها العلمية وصفاً دقيقاً وممتعاً. وفي أول تقرير رسمي للحكومة العثمانية عن ولاية الحجاز لعام 1301هـ/1883م كان عدد كتاتيب مكة المكرمة يقدر بنحو ثلاثة وثلاثين كُتَّاباً، بها ألف وخمسون ومائة طالباً، موزعة في أنحاء مكة المكرمة المختلفة، وأشهرها كُتَّاب الشيخ عبد المعطي النوري في الشبيكة، وكُتَّاب إبراهيم فودة في أجياد، وكُتَّاب الشيخ أحمد حمام في حارة الباب، وكُتَّاب الشيخ عبد الله حمدوه السِنَّاري في باب الزيادة بزاوية السمان.
أسس الأستاذ عبد الله حمدوه كُتَّابه السِنَّاري عام 1300هـ/1882م في دار المراغنة لتحفيظ القرآن ودراسة اللغة العربية، ومبادئ الفقه وعلم الحساب، وبعد فترة قصيرة توسعت أعمال الكُتَّاب، وانتقل مقره إلي أحد بيوت الأشراف عند مدخل باب الباسطيه، ثم إلي زاوية السمان بباب الزيادة، وأخيراً إلي أحد البيوت القريبة من باب الباسطية. وكان الكُتَّاب السِنَّاري يضم جملة من العرفاء والأساتذه الأكفاء الذين ساعدوا الشيخ حمدوه في داء رسالته التعليمية، ونذكر من هؤلاء الشيخ مصطفى يغمور، وأحمد محمد سوركتي، والسيد أحمد مجاهد. وكانت مهامهم تتجلى في التدريس ومراجعة الدروس للطلاب، وتنظيم سير الدراسة، والإشراف العام، وتوجيه النصح والإرشاد اللازمين للطلاب. وبفضل هذا التنظيم الحاذق ظل الكُتَّاب السِنَّاري فنارةً علميةً يتحلق حولها طلاب العلم، في وقت لم يكن بمكة من المدارس النظامية سوي المدرسة الصولتية التي أُسست عام 1292هـ/1875م، والمدرسة الفخرية التي أُنشئت عام 1298هـ/1880م. وتخرج من هذا الكُتَّاب السِنَّاري عدد مقدر من الطلاب الذين واصلوا دراستهم في مدرسة الفلاح، أو في حلقات المسجد الحرام بمكة المكرمة.
السِنَّاري ومدرسة الفلاح
تُعدُّ مدرسة الفلاح من أفضل مؤسسات التعليم الأهلي التي أُسست في أواخر العهد العثماني في الحجاز، واستقام عودها في عهد الملك عبد العزيز بن سعود. ويرجع فضل تأسيسها إلى رجل الإحسان والتقوي الشيخ محمد علي زينل (ت 1389هـ/1969م)، الذي غرس نواتها في جدة عام 1323هـ/1905م. وبعد أن قطف ثمار غرسه الطيب حاول أن ينقل تجربته الناجحة إلى مكة المكرمة، حيث طفق يطوف على حلقات العلم بالمسجد الحرام، والكتاتيب والزوايا المنتشرة في ضواحيها، بغية أن يجد أذناً صاغية من أحد علماء الحرم المكي الإجلاء، فيوكل إليه أمر تأسيس مدرسة الفلاح بأم القرى، وبعد البحث والتمحيص استقر رأيه على اختيار الشيخ المربي عبد الله حمدوه السِنَّاري، الذي تعاهد معه على نقل كُتَّابه السِنَّاري وطلابه إلى مقر أوسع وأرحب يطلق عليه اسم مدرسة الفلاح بمكة المكرمة، وذلك في عام 1330هـ/1910م. وبهذه الكيفية فتحت مدرسة الفلاح أبوابها لطلاب العلم في مكة المكرمة تحت إشراف الشيخ حمدوه السِنَّاري، ورعاية المصلح الشاب محمد علي زينل. وبفضل جهد السِنَّاري انضم طلاب وأساتذة كُتَّاب الشيخ مصطفى يغمور، وكُتَّاب الشيخ أحمد محمد سوركتي إلى مدرسة الفلاح. وبذلك تضاعف عدد الطلاب والأساتذة، وتطورت مناهج التعليم تطوراً ملحوظاً، وضع مدرسة الفلاح في مصافي المدارس النظامية، واكسبها سمعة طيبة أهلَّتها لاستقطاب نخبة من العلماء المشهود لهم بالكفاية العلمية، أمثال: الشيخ عمر حمدان، والشيخ أمين السويدي، والشيخ عيسى رواس، والشيخ أحمد ناضرين، والشيخ محمد حامد العربي التباني، والشيخ يحيى أمان. وأُعيد تنظيم جهازها الإداري المعروف بمجلس النظار تحت رئاسة الشيخ محمد علي زينل، وعضوية الشيخ مصطفى النيلاوي، والشيخ عبد الرؤوف جمجوم، والشيخ محمد حامد أحمد، والشيخ يحيى محمد سليم، والشيخ محمد عطا الله الفاروقي الهندي. وكانت مهمة هذا المجلس تتبلور في وضع اللوائح والقوانين والأمور الإدارية والمالية المرتبطة بمدرسة الفلاح. أما الأمور الفنية والإدارة الداخلية فكانت تُوكل لمدير المدرسة، وقد شغل هذا المنصب نخبة من أقطاب التربية والتعليم في الحجاز، أذعيهم صيتاً الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري، والسيد أبوبكر أحمد الحبشي، والشيخ إسحاق عزوز، والشيخ صالح عبد الخالق فلمبان. وقد استمرت إدارة الأستاذ حمدوه أربعة عشر عاماً متواصلة (1336-1350هـ/1917-1931م)، لم يقطع صيرورتها إلا وفاته. وخلال هذه الفترة، حسب رواية الشيخ عمر عبد الجبار، لم يكن الأستاذ حمدوه "مديراً للفلاح فحسب، وإنما كان واعظها، بجانب ما يقوم به من التدريس في الفقه والنحو في بعض الفصول. كان رحمه الله علاوة علي محبة الشعب له، موضع تقدير الحكومتين الهاشمية والسعودية. وكان رجال الدين في فجر هذا العهد إذا تحدثوا عن الشيخ عبد الله حمدوه ذكروا دماثة أخلاقه، وطيب قلبه، وسلامه عقيدته، بجانب ما تحلى به من وقار، وسكينة، وتقوى، جعلت منه شخصية مهابة محترمة".
وكانت فترة الأستاذ حمدوه تمثل العصر الذهبي لمدرسة الفلاح، لأنها شهدت جملة من التطورات الأساسية في المنهاج التعليمية وترتيب المراحل الدراسية، حيث أضحت الفترة الدراسية مقسمة إلى أربع مراحل رئيسة هي: التحضيرية، والابتدائية، والرشيدية، والعالية، ومدة الدراسة في كل مرحلة ثلاث سنوات. ويدرس الطالب في المرحلة التحضيرية القرآن، والإملاء، والخط، والحساب، والفقه، والتوحيد، والمطالعة. وفي المرحلة الابتدائية يدرس القرآن، والتجويد، والإملاء، والخط، والحساب، والفقه، والتوحيد، والسيرة النبوية، والحديث، والنحو، والصرف. وفي المرحلة الرشيدية (الثانوية لاحقاً) يدرس تفسير القرآن، والحديث، والفقه، والتوحيد، والسيرة النبوية، والنحو، والصرف، والبلاغة، والانشاء، والمحفوظات، والتاريخ، الجغرافيا، والحساب، والهندسة، ومسك الدفاتر. وأما في المرحلة العالية (الثانوية العلمية لاحقاً) فيعمق الطالب دراسته في أصول التفسير، وأصول الحديث، وأصول الفقه، والتوحيد، والنحو، والصرف، والبلاغة، والانشاء، والجغرافيا، والحساب، والهندسة، ومسك الدفاتر، والجبر. وبذلك يستوي حظه في العلوم النقلية والعقلية، ويحصل على إجارة علمية تأهله لشغل منصب وظيفي في الدولة أو القطاع الخاص.
أما التطورات التي حدثت بعد وفاة الأستاذ حمدوه فكانت تصب في إطار الهيكل الذي أشرنا إليه أعلاه إلى أن وُضعت مدرسة الفلاح تحت رعاية وزارة المعارف السعودية، حيث عُدلت مناهجها ومراحلها على نظام المدارس الحكومية، فدُمجت المرحلة التحضيرية والابتدائية في مرحلة واحدة مدتها ست سنوات، والمرحلة الثانوية سارت على نظام المعهد العلمي السعودي. ويبدو أن عطاء الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري في تطوير مدرسة الفلاح بمكة المكرمة كان واحداً في الأسباب التي دفعت الملك عبد العزيز بن سعود على تعيينه عضواً في أول مجلس للمعارف أُنشأ بمرسوم ملكي عام 1346هـ/1927م برئاسة مدير المعارف الأستاذ صالح أبي بكر شطا، وعضوية الشيخ عبد الله حمدوه، والشيخ محمد أمين فودة، والشيخ محمد بن ناصر التركي، والدكتور عبد الغني، والشيخ محمد نور فطاني، والشيخ ماجد الكردي، والشيخ علي مالكي. وكانت صلاحية هذا المجلس تتبلور في إقرار ميزانية المعارف، والموافقة على تعيين المدرسين الذين يرشحهم المدير، والأشراف على المدارس وبرامج التعليم ومناهجه، ودراسة حالة الكتاتيب وتقديم تقرير عنها، واختيار الكتب المدرسية للمدارس الحكومية، ووضع النظم والقوانين التعليمية. وكان المجلس يعقد جلساته العادية أسبوعياً، وعند الضرورة أكثر من جلسة في الأسبوع، ويُعطى كل عضو من غير الموظفين مكافأة مالية تُقدر بجنية واحد عن الجلسة التي يحضرها. فلا شك أن هذه التعيين وهذه المهام تدل على أن عبد الله حمدوه السِنَّاري كان صاحب مساهمة فاعلة في وضع لبنات الإنطلاقة التعليمية التي شهدتها المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز بن سعود، وتؤكد على أن قيادة المملكة العربية السعودية كانت مقدرة لعطائه الجم واسهامه الراسخ في مجال التعليم والتربية.
تلاميذ السِنَّاري
لا جدال أن حمدوه السِنَّاري كان أنموذجاً للأستاذ السوداني الذي امتدحه عبد الله عبد المجيد بغدادي بقوله: إنه "استقام، واخلص، وانتج، وخلَّد أطيب ذكر، وأثمن أثر، وتلاميذه كُثر، وتطيب بهم المجالس العلمية". والشاهد على هذه التزكية أن عدد خريجي مدرسة الفلاح في المكة المكرمة كان يقدر بنحو أربعة آلاف طالب عندما توفي الأستاذ حمدوه، حصل 1636 منهم على شهادة ثانوية أو ابتدائية، وانخرط معظمهم في مرافق الدولة المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص. وكان لهم تأثير واسع في نهضة المملكة العربية السعودية وخارجها. ونذكر منهم: الأستاذ المربي إبراهيم سليمان نوري (ت 1384هـ/1964م) الذي أسهم في وضع قواعد النهضة التعليمية في المملكة العربية السعودية، حيث تم تعيينه مفتشاً ثانياً، ثم مفتشاً أول بمديرية المعارف العامة، ثم معاوناً لمدير عام المعارف، وعندما تم تحويل مديرية المعارف العامة إلى وزارة تم تعيينه مستشاراً دائماً لأول وزير لوزارة المعارف في العهد السعودي.
أما تلميذه السيد علوي بن عباس المالكي فقد كان معلماً مقتدراً في مدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ومفتياً ثبتاً في كثير من القضايا الدينية والاجتماعية التي كانت تُعرض عليه، وله حلقة علم دائمة في الحرم المكي يتحلق حولها طلابه ومريدوه، وعرفه أهل مكة أيضاً مأذوناً يعقد الأنكحة لهم، وكانوا يحبونه "حباً جماً، ويستبشرون بعقده لزواج أولادهم"، وبجانب ذلك كان له سلسلة أحاديث رمضانية محضورة في إذاعة المملكة العربية السعودية بجدة.
وفي مجال التعليم النسوي تشخص آثار تلميذه عمر عبد الجبار (ت 1391هـ/1971م) صاحب المؤلفات المدرسية وتراجم الأعلام، والمربي الذي كرس جهده لخدمة التربية والتعليم. وفي العهد السعودي الزاهر اضطلع بعدة مهام تربوية ووظيفية، منها: مدير دار الأيتام، ومساعد مدير المعهد السعودي بمكة، ومدير شرطة الحرم، ومدير شرطة الآداب، وضابط بالأمن العام، ومفتش في أمانة العاصمة، ومدير عام الجوازات. وقبل أن تولد الرئاسة العامة لتعليم البنات انشأ الأستاذ عمر عبد الجبار مدارس الزهراء للبنات بمكة المكرمة، وكان لها تأثير واضح في توسيع دائرة تعليم الفتاة السعودية.
ونجد في مجال العمل الصحفي والتعليمي بصمات تليمذه الوفي محمد سعيد العامودي، رائد فكرة تأسيس البعثات العلمية للخارج، بحجة أنها تسهم في رفع مستوى التعليم وتجويد الكسب الأكاديمي. ويقال أنه قد قدم مذكرة في هذا الشأن -مع صاحبيه عبد الوهاب آشي ومحمد بياري- إلى الملك عبد العزيز بن سعود الذي ثمنها ووجه بدراستها، وبموجب تثمينه تم إرسال أول بعثة تعليمية حكومية إلى مصر. ولم يقف عطاء العامودي عند هذا الحد، بل كان يشمل كتاباته في المجلات المصرية مثل المقتطف، والهلال، ومقالاته المتنوعة التي كانت تُنشر في مجلة المنهل السعودية. وفوق هذا وذاك رئاسته لتحرير جريدة صوت الحجاز في أوائل عهدها عام 1352هـ/1933م، ومجلة الحج، ومجلة رابطة العالم الإسلامي، وعضويته في مجلس الشوري السعودي (1372-1375هـ/1952-1955م)
خاتمة
وبهذه الترجمة نخلص إلي أن اغتراب الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري وأمثاله من جيل العصاميين السودانيين كان اغتراب صفوة من الأفذاذ الذين قدموا أعمالاً جليلة، وخلَّدوا أثراً طيباً في البلاد التي زاروها، أو اتخذوا منها موطناً لأنفسهم وزراريهم. ومن هذه الزاوية فإن اسهاماتهم تصب في إطار إبداع الفرد السوداني في أراضي المهجر، وتمثل أنموذجاً فريداً لعطاء أبناء ذلك الجيل الذين عاشوا فوق أمجاد بنوها بنور العلم لا عُمد الرخام. عليه فإن سيرهم لا تصلح كمشروع بحث منهجي لدراسة ظاهرة الاغتراب السودانية في مضمونها الجمعي، لأن بواعثها واسهاماتها ونتائجها تختلف اختلافاً جذرياً مع ظاهرة الاغتراب الحالية التي تقوم على ألوان طيف شتى من البواعث والمسببات، والوسائل والغايات، والكسب والعطاء. وبالرغم من هذا التميز الذي لازمه تقدير موازٍ من المملكة السعودية إلا أن الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري ظل حبيس هامشية اغتراب أحادي، تجلى في عدم إدراك حجم إسهاماته التعليمية والتربوية في السودان، وذلك بخلاف صاحبيه السوركتي والقدال اللذان عاشا هامشية اغتراب مزدوجة، قامت على ثنائية بخس التقدير الرسمي لعطائهما في بلاد المهجر، وعلى تجاهل ذلك العطاء في وطنهما الأم. فعرفاناً لهذا الجميل المستهان يجب على الباحثين السودانيين أن يكرسوا طرفاً من جهدهم لهؤلاء الأعلام الذين جسدوا عطاء الفرد السوداني في أبهى صوره، لأنهم كانوا سفراء دبلوماسية شعبية حقيقية لا تقتات من سنام المال العام، ولا تنظر إلى التواصل مع الآخر من منظور مهنة مدفوعة الأجر.
جيل العصاميين السودانيين
لفت الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحيم نصر انتباهي إلى إسهامات الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن حمدوه السِنَّاري (1274-1350هـ/1857-1931م) في مكة المكرمة، وذلك عندما أهديته نسخةً محققةً من كتابي الموسوم بـ (تاريخ حركة الإرشاد وشيخ الإرشاديين أحمد محمد السوركتي في إندونيسيا)، وكان نص الإهداء الوارد في صدر الكتاب يقرأ: "إلى جيل العصاميين من السودانيين الذين عاشوا فوق أمجاد بنوها بنور العلم لا عُمد الرخام: الأستاذ أحمد محمد السوركتي (1876-1943م) رائد حركة الإصلاح والإرشاد العربية في إندونيسيا، والداعية ساتي ماجد محمد القاضي (1883-1963م) الذي أصبح شيخاً للإسلام في أمريكا الشمالية، والأستاذ سعيد القدال (1903-1975م) مفتش التعليم المدني ووزير السلطنة القعيطية في حضرموت". وفور إطلاعه على هذا الإهداء علَّق الأستاذ نصر بقوله: إن قائمة العصاميين السودانيين الذين تركوا أثراً طيباً خارج السودان لا يستقيم ميسمها إلا بذكر الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري، فلا عجب أن هذا التعليق الموجز قد حفزني على البحث عن آثار هذا العلامة السِنَّاري، وبدأتُ مسيرة البحث والتنقيب خلال السبع سنوات الماضية في وسط كمٍ هائلٍ من الأدبيات المتناثرة التي تتحدث عن تاريخ التعليم الأهلي في الحجاز، وذكريات بعض أعلام الحرم المكي مثل الشيخ عبد الحميد مرداد التي نُشرت بعض فصولها في مجلة المنهل، وتراجم الأعلام التي أعدَّها الشيخ عمر عبد الجبار، وإصدارات الأستاذ أحمد السباعي عن تاريخ مكة، ومؤلفات الدكتور عبد اللطيف بن دهيش عن الكتاتيب في الحرم المكي. ولا أدعي أنني قد جمعتُ فأوعيتُ كل ما كُتب عن هذا العَلم السِنَّاري الفذ المشهور في الحجاز، والمغمور في وطنه الأم، بل إن المعلومات والقصاصات التي في حوزتي الآن تعينني فقط على كتابة هذا المقال القصير والمتواضع، الذي أمل أن يكون فاتحة خيرٍ تنداح دائرتها لإعداد بحثٍ أشملٍ، يليق بقامة الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري، وإسهاماته المعرفية التي كانت تضئ طرفاً من باحات أم القرى التعليمية وما حولها.
المصادر
- بقلم أ.د. أحمد إبراهيم أبو شوك
- عبدالله عبد الجبار: سير وتراجم 164ـ166
- محمد بن عبد العزيز الأحمد: نداء عام من علماء بلد الله الحرام ص:29.