مدونة جستنيان

(تم التحويل من شريعة جستنيان)
جستنيان الأول، مصوراً على فسيفساء في كنيسة سان ڤيتاله، راڤـِنا، إيطاليا

المدونة القانونية Corpus Juris (أو Iuris) المدنية Civilis ("مدونة القانون المدني") هو الاسم المعاصر[1] لمجموعة من الأعمال الأساسية في الشريعة، صدرت من 529 حتى 534 بأمر من جستنيان الأول، الامبراطور الروماني الشرقي. ويشار إليها أحياناً بإسم مدونة جستنيان، على الرغم من أن هذا الاسم من الأنسب أن يُطلق على الجزء المعنون Codex Justinianus.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

لقد نسي التاريخ حروب جستنيان ، وحق له أن ينساها ، ولا يذكر اسمه إلا مقترناً بقوانينه. وكان قد مضى قرن من الزمان منذ نشر قانون ثيودوسيوس ، وأضحت كثير من أصوله عتيقة لا تطبق لتغير الظروف التي شرعت فيها ، وسنت قوانين جديدة كثيرة اختلطت بعضها ببعض في كتب القوانين ، ووجد تناقض كثيرين بعض القوانين والبعض الآخر عاق أعمال المحاكم والسلطة التنفيذية. يضاف إلى هذا أن تأثير المسيحية قد بدل كثيراً من الشرائع وغير تفسيرها. ثم إن قوانين روما المدنية كثيراً ما كانت تتعارض مع قوانين الأمم التي تتألف منها الإمبراطورية ، وإن كثيراً من التشريعات لم تكن تتفق مع تقاليد الشرق المصطبغ بالصبغة اليونانية. وقصارى القول أن شريعة روما كلها أضحت أكداساً من المواد القانونية التجريبية لا قانوناً منطقياً واحداً. ولم يكن جستنيان ، وهو صاحب النزعة القوية إلى الوحدة ، ليرضى عن هذه الفوضى كما لم يكن يرضى عن تمزيق أوصال الإمبراطورية. ولهذا عين في عام 528 عشرة من فقهاء القانون لينظموا قوانين الدولة ، ويوضحوها ، ويصلحوها. وكان أكثر أعضاء هذه اللجنة نشاطاً ونفوذاً هو الكوستر تريبونيان Tribonian الذي ظل إلى أن مات أشهر الموحين بخطط جستنيان التشريعية ، والناصحين له، والمنفذين لآرائه، وذلك رغم حرصه الشديد على المال ومظنة الكفر بالله. وأممت اللجنة الجزء الأول من عملها بسرعة أكثر مما كان خليقاً بها ، وأصدرته في عام 529 باسم القانون الدستوري ، وأعلن الإمبراطور أنه هو قانون الإمبراطورية ، وأنه يلغي جميع ما سبقه من التشريعات إلا ما تضمنه منها، وصُدِّر بهذه العبارة الجميلة:

إلى الشبان الراغبين في دراسة القانون : يجب أن يسلح جلالة الإمبراطور بالقانون كما يجب أن يعلو مجده بقوة السلاح ، حتى يسود بذلك الحكم الصالح في الحرب والسلم على السواء ، وحتى يتبين للناس أن الحاكم... لا تقل عنايته بالعدالة عن عنايته بالنصر على أعدائه.

ثم انتقل اعضاء اللجنة إلى القسم الثاني من مهمتهم ، وهي أن يضموا في مجموعة واحدة آراء فقهاء القانون الرومان ، التي رأوا أنها لا تزال خليقة بأن تكون لها قوة القانون ، ونشرت هذه الآراء باسم مجموعة القوانين والفتاوى المدنية ؛ وقالت اللجنة إن آراء الفقهاء والشروح التي وردت في هذه المجموعة ستصبح من ذلك الحين واجبة الطاعة على جميع القضاة ، وإن جميع ما عداها من الآراء قد فقدت ما كان لها من قوة شرعية ، وامتنع من ذلك الحين نَسْخ ما عدا هذه من آراء فقهاء القانون واختفى معظمها، ويستدل مما بقي منها على أن المحررين قد حذفوا ما كان من آراء مناصرة للحرية، وأنهم عمدوا إلى الغش والتزوير فبدلوا بعض أحكام فقهاء القانون الأقدمين حتى تكون أكثر ملاءمة للحكم المطلق.

وبينا كانت اللجنة تقوم بهذا العمل الكبير أصدر تريبونيان Tribonian واثنان من زملائه كتاباً موجزاً في القانون المدني سمياه القانون Institutiones. وكان هذا الكتاب في جوهره عبارة عن شروح جايوس Gius معدلة ومصححة حتى تلائم روح ذلك العصر. وكان جايوس هذا قد لخص في القرن الثاني بعد الميلاد القوانين المدنية المعمول بها في أيامه. وأظهر في هذا العمل من البراعة ما يثير الإعجاب. وكان جستنيان في هذه الأثناء يصدر قوانين جديدة. فلما كان عام 534 ضم تريبونيان وأربعة من مساعديه هذه القوانين إلى النسخة الجديدة المعدلة من كتاب القوانين. وبعد صدورها أصبحت النسخة الأولى غير ذات موضوع، ولم يعثر عليها بعدئذ. ولما مات جستنيان نشر ما سنّه من قوانين جديدة باسم التشريعات الجديدة. ولم تنشر هذه باللغة اللاتينية كما كانت تنشر الكتب السابقة بل نشرت باللغة اليونانية، وكانت هي آخر ما صدر باللاتينية من كتب القانون في الإمبراطورية البيزنطية. وقد أطلق على هذه المؤلفات كلها فيما بعد اسم مجموعة القوانين المدنية. وكان يشار إليها في غير دقة باسم قانون جستنيان.


قانون جستنيان والدين

جرى هذا القانون على ما جرى به قانون [ثيودوسيان] فجعل الشريعة المسيحية الأصلية قانون الدولة. وقد بدأ بتقرير التثليث وصب اللعنات على نسطوريوس، وأوتبكيس، وأبولينارس. واعترف بالزعامة الدينية للكنيسة الرومانية وأمر كل الهيئات المسيحية بالخضوع إلى سلطانها. ولكن الفصول التي جاءت بعد المقدمة أعلنت سلطة الإمبراطور على الكنيسة فقالت إن جميع القوانين الكنسية كجميع القوانين المدنية تصدر عن العرش، ثم مضى كتاب القانون يذكر القوانين الخاصة بالمطارنة، والأساقفة، ورؤساء الأديرة، والرهبان، ويحدد العقوبات التي توقع على القساوسة الذين يقامرون، أو يرتادون دور التمثيل أو يشهدون الألعاب. وجعل عقوبة المانيين والمارقين المرتدين هي الإعدام. أما الدوناتيون، والمنتانيون، واليعقوبيون وغيرهم من الطوائف المنشقة فكان عقابهم أن تصادر املاكهم، وأن يحكم عليهم بأنهم غير أهل لأن يبيعوا أو يشتروا، أو يرثوا أو يُورَثوا. وحرمت عليهم الوظائف العامة، والاجتماعات، كما حرموا من حق مقاضاة المسيحيين أتباع الدين القويم للحصول على ما لديهم قِبَلهم من الديون. وأباح القانون في بعض مواده الرحيمة للأساقفة أن يزُوروا السجون، ليحموا المسجونين من سوء استعمال القانون.

قانون جستنيان والنظام الطبقي

بدل القانون الميزات القديمة التي كانت تتمتع بها بعض الطبقات. من ذلك أن المعاتيق لم يعودوا يعاملون على أنهم طائفة خاصة قائمة بنفسها، بل أصبحوا يتمتعون من ساعة تحريرهم بجميع مميزات الأحرار، فيباح لهم أن يكونوا أعضاء في مجلس الشيوخ وأن يكونوا أباطرة. وقسم الأحرار جميعاً إلى طبقة ذوي الشرف أو الرتبة، وإلى طبقة عامة. وأقر القانون نظام الطبقات الذي نشأ منذ أيام دقلديانوس فقسمها إلى أشراف Patricii، وممتازين Illustres ومحترمين Specabites (وهي التي أخذ منها لفظ Respecabls أي محترم الإنجليزية)، وأصفياء Claricsimi، وأمجاد Gloriosi ولقد كان في هذا القانون الروماني كثير من العناصر الشرقية. وظهرت فيما ورد في هذه الشرائع من قوانين خاصة بالرق بعض آثار المسيحية أو الرواقية. مثال ذلك أن اغتصاب أمّة كان عقابه الإعدام كاغتصاب الحرة سواء بسواء؛ كذلك كان يحق للعبد أن يتزوج من حرة إذا وافق سيده على هذا الزواج. وكان جستنيان يشجع العتق كما تشجعه الكنيسة، لكن القانون كان يجيز بيع الطفل حين يولد في سوق الرقيق إذا كان أبواه معدمين. وكان في قانون جستنيان فقرات تشجع استرقاق رقيق الأرض، وتمهد السبيل لنظام الإقطاع. مثال ذلك أن الرجل الحر إذا زرع قطعة من الأرض ثلاثين عاماً كان يطلب إليه أن يبقى هو وأبنائه إلى أبد الدهر مرتبطين بهذه الأرض. وكان القانون هذا بأن يمنع الزارع من ترك الأرض؛ وإذا هرب رقيق الأرض أو صار من رجال الدين من غير رضاء سيده، جاز لهذا السيد أن يطالب به كما يطالب السيد بعبده.

قانون جستنيان والمرأة

رفع قانون جستنيان من منزلة المرأة إلى حد ما. وكان إخضاعها للوصاية عليها طول حياتها قد انتهى في القرن الرابع، وبطل المبدأ القديم القاضي بأن الأبناء الذكور هم وحدهم الذين يحق لهم أن يرثوا آباءهم، وبذلت الكنيسة جهوداً كبيرة لتأييد المبدأ الجديد لأن كثيرات من النساء كن يوصين لها بأملاكهن. وحاول جستنيان أن ينفذ آراء الكنيسة الخاصة بالطلاق ، وحرمه إلا إذا أراد أحد الزوجين أن يدخل ديراً للنساء أو الرجال. غير أن هذا العمل كان خروجاً متطرفاً على العادات والقوانين القائمة وقتئذ ولذلك عارضه كثيرون من الشعب بحجة أنه سيزيد من حوادث التسميم ، وذكرت فيما سن بعدئذ من القوانين في الإمبراطورية الرومانية حالات كثيرة مختلفة يباح فيها الطلاق ، وظلت هذه معمولاً بها ، في الإمبراطورية البيزنطية حتى عام 1453 فيما عدا فترات منقطعة. ومحى من القانون ما فرضه أغسطس من عقوبات على العزوبة والعقم. وكان قسطنطين قد جعل الزنى من الجرائم التي يعاقب مرتكبها بالإعدام ، وإن لم ينفذ هذا العقاب إلا في حالات نادرة ، أما جستنيان فقد احتفظ بعقوبة الإعدام للزنى من الرجال ، اما الزانية فقد جعل عقابها الإقامة في دير للنساء. وأباح القانون للزوج أن يقتل عشيق زوجته إذا وجدها في منزله أو شاهدها تتحدث معه في حانة بعد إنذارها ثلاث مرات أمام شهود. كذلك فرض القانون عقوبات صارمة على من يزني بامرأة غير متزوجة أو بأرملة إلا إذا كانت حظية أو عاهراً. وكان هتك العرض غصباً يعاقب عليه بالإعدام ومصادرة الأملاك ، وكان ثمن هذه الأملاك المصادرة يعطى للمرأة المغتصبة. ولم يكتف جستنيان بتقرير عقوبة الإعدام للواط ، بل كان في كثير من الأحيان يضيف إليها التعذيب ، وبتر الأعضاء ، وعرض المذنبين على الجماهير في الشوارع قبل إعدامهما ، وإنا لنحس في هذا التشريع الصارم ضد الشذوذ الجنسي بأثر المسيحية التي روعتها آثام الحضارة الوثنية فدفعتها إلى هذا التزمت الوحشي.

قانون جستنيان والملكية

غير جستنيان قانون الملكية تغييراً أساساً. من ذلك أنه ألغى ما كان ينص عليه القانون القديم من حق الأقارب من العصب أن يرثوا من يموت دون أن يترك وصية؛ وجعل حق الميراث لأبناء الميت وأحفاده الخ من الظهور والبطون، وشجع قانون الهبات والوصايا لجهات البر ؛ وأعلن أنه لا يجوز النزول عن شيء من أملاك الكنيسة، سواء كانت ثابتة أو منقولة، أو كانت أجور أملاك، أو رقيق أرض، أو عبيد؛ فلم يكن يحق لأي رجل من رجال الدين أو غير رجال الدين ولا لأية جماعة دينية أو غير دينية النزول عن أي شيء تمتلكه الكنيسة أو بيعه أو الإيصاء به. وأضحت هذه القوانين التي وضعها ليو الأول وأنثميوس وأيدها قانون جستنيان هي الأساس الشرعي لثروة الكنيسة المتزايدة. فقد كانت أملاك غير رجال الدين تنقسم وتتفرق، أما أملاك الكنيسة فظلت تتراكم وتزداد جيل بعد جيل. وحاولت الكنيسة أن تحرم الربا، ولكنها عجزت عن تحريمه؛ وأجاز القانون القبض على المدينين الذين يتخلفون عن جلسات المحاكمة، ولكنه أجاز إطلاق سراحهم بالكفالة أو إذا أقسموا أن يعودوا حين يطلبون للمحاكمة.

تقنين العقوبات

حرم القانون سجن أي شخص إلا بأمر أحد كبار القضاة، وحدد الزمن الذي يمكن أن ينقضي بين القبض عليه ومحاكمته تحديداً دقيقاً لا يتعداه. وبلغ عدد المحامين من الكثرة حداً جعل جستنيان يشيد لهم باسلقا خاصة نستطيع أن نتصور مساحتها إذا عرفنا أن مكتبتها كانت تضم 150.000 مجلد أو ملف. وكان المتهم يحاكم أمام قاضي يعينه الإمبراطور، غير أنه كان من المستطاع تحويل القضية إلى محكمة الأسقف إذا رغب في ذلك الطرفان المتقاضيان. وكانت نسخة من الكتاب المقدس توضع أمام القاضي في كل جلسة. وكان وكيلا الطرفين يقسمان على الكتاب أنهما سيبذلان كل ما في وسعهما للدفاع عن موكليهما بذمة وامانة، ولكنهما يتخليان عن القضية إذا وجداهما مما يخل بالشرف والأمانة. وكان المدعي والمدعي عليه يلزمان أيضاً بأن يقسم كل منهما على الكتاب المقدس أن قضيته عادلة. وكانت العقوبات التي ينص عليها القانون صارمة ولكنها قلما كانت ملزمة فقد كان في وسع القاضي مثلاً أن يخفف العقاب عن النساء والقُصَّر، والسكارى الذين يقدمون للقضاء. وكان السجن للمحافظة على المتهمين حتى يحاكموا، ولكنه قلما كان يستخدم لعقاب المدنيين.

وقد أجاز قانون جستنيان عقاب المجرم ببتر اعضائه ، فكان في هذا أكثر رجعية من قانون هدريان وأنطونينوس بيوس. مثال ذلك أن جباة الضرائب الذين يزورون في حساباتهم، والذين ينسخون الآداب الدينية اليعقوبية كان يجوز عقابهم بقطع يدهم، اتباعاً للنظرية القائلة بأن العضو الذي اقترف ذنباً يجب أن يجازى بما أقترفه. وكثيراً ما يذكر القانون عقوبة جدع الأنف أو قطع الرقبة، وأضافت القوانين البيزنطية إليهما سلم العينين، وأكثر ما يكون ذلك لتشويه وجه الوارثين للعرش أو المتطلعين له. وكانت عقوبة الإعدام تنفذ في الأحرار بقطع رءوسهم، وفي بعض الأرقاء بصلبهم؛ وكان السحرة والفارون من الجيش يحرقون أحياء؛ وكان في وسع المواطن المحكوم عله أن يستأنف الحكم أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرته، ثم إلى مجلس الشيوخ ثم إلى الإمبراطور نفسه آخر الأمر.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ The name "Corpus Juris Civilis" occurs for the first time in 1583 as the title of a complete edition of the Justinianic code by Dionysius Godofredus. (Kunkel, W. An Introduction to Roman Legal and Constitutional History. Oxford 1966 (translated into English by J.M. Kelly), p. 157, n. 2)

وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بمدونة جستنيان، في معرفة الاقتباس.


نصوص لاتينية

المدونة القانونية كاملة


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

Institutiones, Codex and Digesta

ترجمات إنگليزية

Corpus Iuris Civilis كاملة

  • The Civil Law English translation (from Latin editions earlier than that of Mommsen and Krueger) by S.P. Scott, 1932; digitised

Codex

Codex and Novellae

  • Annotated Justinian Code English translation (from the Mommsen and Krueger edition) by Fred H. Blume, 1943; revised by Timothy Kearley, 2005-2009 (greatly preferable to Scott's translation)

مختارات