سلفية اجتهادية

تشكل السلفية الاجتهادية إحدى أول التيارات السلفية التي تشكلت في نهايات العصر العثماني و بدايات ظهور الفكر القومي العربي . كانت هذه المرحلة تحمل بوادر وعي بأزمة المسلمين و تخلفهم عن الحضارة و التقنية الغربية و كانت هناك حركة متزايدة من قبل بعض علماء الدين المسلمين إلى أن واقع المسلمين المتخلف يعود إلى حالة الجمود و الركود في الحياة الاجتماعية و الدينية . في حين اختار البعض التوجه نحو تبني نظريات الغرب العلمانية و نظرو فصل الدين عن الدولة ، كان رأي بعض علماء الدين مثل جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و آخرين مثل عبد الحميد بن باديس و السنوسي أن الإسلام غير متعارض مع التقدم إنما أفكار و وضعيات اجتماعية معينة هي من ساعد على ظهور هذا التخلف في العالم الإسلامي . تشكلت حركة إسلامية تدعو للاقتداء بالسلف في فهمهم للدين و نبذ الخلاف المذهبي و ترك الطرق و الإكار الصوفية التي كانت ممتزجة بالخرافات و السحر و الشعوذة . و في نفس الوقت كانت تلك الحركة تدعو لفهم الإسلام و كيفية اجتهاد السلف في المواقف المختلفة و استغلال هذه المرونة في الإسلام لتجديده بحيث يلبي متطلبات العصر الجديد و يؤمن حركية جديدة للمجتمع الإسلامي و يتابع تقدم الحضارة الإسلامية .

يمكننا ان نرصد ملامح هذه المدرسة في عصرنا الراهن في تلاميذ الرواد الأوائل لهذه المدرسة مثل يوسف القرضاوي و محمد الغزالي تلامذة محمد عبده و رشيد رضا .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رشيد رضا

كتب رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأمة وتقويتها، وخص العلماء والحكام بتوجيهاته؛ لأنهم بمنزلة العقل المدبر والروح المفكر من الإنسان، وأن في صلاح حالها صلاح حال الأمة، وغير ذلك بقوله: "إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمة، فاحكم على أمرائها وحكامها بالظلم والاستبداد وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس".

واقترح رشيد رضا لإزالة أسباب الفرقة بين المسلمين تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكل فرقهم، في المسائل التي تتعلق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وإحسان العمل، والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى كالشيعة، وتُرسل نسخ بعد ذلك من هذا الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية، وحث الناس على دراستها والاعتماد عليها.

وطالب بتأليف كتب تهدف إلى توحيد الأحكام، فيقوم العلماء بوضع هذه الكتب على الأسس المتفق عليها في جميع المذاهب الإسلامية وتتفق مع مطالب العصر، ثم تُعرض على سائر علماء المسلمين للاتفاق عليها والتعاون في نشرها وتطبيق أحكامها. بارك الله في عمر الشيخ الجليل وفي وقته رغم انشغاله بالمجلة التي أخذت معظم وقته، وهي بلا شك أعظم أعماله، فقد استمرت من سنة (1316هـ = 1899) إلى سنة (1354 = 1935)، واستغرقت ثلاثة وثلاثين مجلدًا ضمت 160 ألف صفحة، فضلاً عن رحلاته التي قام بها إلى أوربا والآستانة والهند والحجاز، ومشاركته في ميادين أخرى من ميادين العمل الإسلامي.

ومن أهم مؤلفاته "تفسير المنار" الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده الذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاته دون إتمام تفسيره، وهو من أجل التفاسير. وله أيضًا: الوحي المحمدي ونداء للجنس اللطيف، وتاريخ الأستاذ الإمام والخلافة، والسنة والشيعة، وحقيقة الربا، ومناسك الحج.



بن باديس

شخصية ابن باديس شخصية غنية ثرية ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة الإلمام بكل أبعادها وآثارها؛ فهو مجدد ومصلح يدعو إلى نهضة المسلمين ويعلم كيف تكون النهضة. يقول: إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوة، وإذا كانت لهم جماعة منظمة تفكر وتدبر وتتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة. وهو عالم مفسر ، فسر القرآن كله خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية كما شرح موطأ مالك خلال هذه الفترة، وهو سياسي يكتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع المسلمين وخاصة في الجزائر ويهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية ويشرح أصول السياسة الإسلامية، وقبل كل هذا هو المربي الذي أخذ على عاتقه تربية الأجيال في المدارس والمساجد، فأنشأ المدارس واهتم بها، بل كانت من أهم أعماله، وهو الذي يتولى تسيير شؤون جمعية العلماء، ويسهر على إدارة مجلة الشهاب ويتفقد القاعدة الشعبية باتصالاته المستمرة. إن آثار ابن باديس آثار عملية قبل أن تكون نظرية في كتاب أو مؤلَّف، والأجيال التي رباها كانت وقود معركة تحرير الجزائر، وقليل من المصلحين في العصر الحديث من أتيحت لهم فرص التطبيق العملي لمبادئهم كما أتيحت لابن باديس؛ فرشيد رضا كان يحلم بمدرسة للدعاة، ولكن حلمه لم يتحقق، ونظرية ابن باديس في التربية أنها لا بد أن تبدأ من الفرد، فإصلاح الفرد هو الأساس. وطريقته في التربية هي توعية هذا النشء بالفكرة الصحيحة كما ذكر الإبراهيمي عن اتفاقهما في المدينة: "كانت الطريقة التي اتفقنا عليها سنة 1913 في تربية النشء هي ألا نتوسع له في العلم وإنما نربيه على فكرة صحيحة". وينتقد ابن باديس مناهج التعليم التي كانت سائدة حين تلقيه العلم والتي كانت تهتم بالفروع والألفاظ - فيقول: "واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية، مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفني الأعمار قبل الوصول إليها" [2]. أما إنتاجه العلمي فهو ما جمع بعد من مقالاته في "الشهاب" وغيرها ومن دروسه في التفسير والحديث [3].

اقرأ أيضا