دار الضرب

دار الضرب اصطلاح أطلق على الدار المسؤولة عن سك العملة المتداولة في الدولة العربية الإسلامية، وقد استخدم العرب بعد فتحهم البلاد التي كانت تحت سيطرة البيزنطيين والساسانيين دور الضرب التي كانت موجودة فيها، وكان الساسانيون قد أقاموا نظامهم المالي على أساس العملة الفضية (الدرهم) لوفرة مناجم الفضة في الشرق، والتي كانت موزعة في أنحاء امبراطوريتهم كافة ولذلك وجد نحو مئة مركز لسك النقود في مختلف أرجائها.

بقي التعامل في العراق والمشرق بعد الفتح على أساس العملة الفضية (الدرهم) في حين استمر التعامل في الشام ومصر والمغرب بعد تحريرها من البيزنطيين على أساس الدينار الذهبي (السوليدس Solidus)، لأن مناجم الذهب الغنية كانت بيد البيزنطيين ثم ظفر العرب بعد الفتح بمناجم الذهب المصرية وسيطروا على تجارة الذهب واستيراده من إفريقية.

في خلافة عبد الملك بن مروان (65-86هـ/684-705م) تم إصلاح النقد وتعريبه لأنه كان لابد من إيجاد توازن بين قيمة الدرهم الفضي والدينار الذهبي، كما أن عبد الملك أراد أن يحرر الدولة الإسلامية من السيطرة البيزنطية اقتصاديا،ً وصارت الدولة هي المسؤولة عن عملية سك النقود، وأرسل عبد الملك السكة إلى واليه على العراقيين، الحجاج بن يوسف الثقفي (75-96هـ/694-714م) فسيرها إلى الآفاق لتضرب الدراهم على السكة الإسلامية، واتخذ الحجاج دار ضرب بالكوفة بعد أن سأل عما كانت الفرس تعمل في ضرب الدراهم، كما وضع الأوزان وجعلها حديداً، وكان الناس قبل ذلك يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره.

تشدد ولاة العراق في أمر الوزن وجودة الدرهم، وكان الوالي عمر بن هبيرة (102-105هـ/720-723م) أول من فعل ذلك، ثم اشتد خالد بن عبد الله القسري (105-120هـ) أكثر من ابن هبيرة، فلما ولي يوسف بن عمر (120-126هـ/737-742م) أفرط في الشدة، ولم يكن الخليفة العباسي المنصور (136-158هـ/753-774م) يقبل في الخراج من النقود غيرها.

ليست في مأثورات الدرهم العربي الأموي ما يلفت النظر إلا ذكر مدينة الضرب مما يدل على أن الخليفة فوض الولاة القيام بهذه المهمة، وقد استمر الولاة يشرفون على ضرب النقود حتى خلافة هشام بن عبد الملك الذي أمر واليه على العراق خالد بن عبد الله القسري أن يبطل السكك من كل بلد إلا واسط وكذلك فعل يوسف بن عمر الثقفي، فلما استخلف مروان (127-132هـ/744- 749م) ضرب الدراهم بالجزيرة بحران.

لم يظهر مكان الضرب على الدنانير الذهبية العربية الصافية الأولى وهذا يعني أنها كانت تسك في دمشق، ويرى العش أن الدنانير الصافية في إفريقية ضربت بادئ الأمر في دمشق لصالح المغرب، وأن الدارس إذا أمعن النظر في الخط على هذه الدنانير يرى أنه لا يختلف عن الخط المشرقي وأسلوبه.

لم يظهر اسم مكان الضرب على الدنانير إلا في سنة 198هـ /813م حين أصبح المأمون خليفة بعد مقتل أخيه الأمين، وازداد عدد دور الضرب في العصر العباسي نتيجة لاتساع النشاط التجاري والصناعي وظهور عدد من الدول ضمن نطاق العالم الإسلامي، فظهر اسم الفسطاط ومدينة السلام (بغداد) ودمشق والمحمدية (الري) ومرو وسُرَّ من رأى، وفي الأندلس، استؤنف ضرب الدينار 317هـ/929م في قرطبة في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر (300-350هـ) بعد أن كان قد توقف ضرب الدينار الذهبي في الأندلس نحو سنة 106هـ/724م.

وفي العصر الفاطمي يجد الباحث أسماء كثير من المراكز منها حلب ودمشق وصور وطبرية وطرابلس وعسقلان في الشام، والفسطاط والإسكندرية في مصر، وزويلة والقيروان والمنصورية والمهدية في إفريقية، وكانت دور الضرب تسك العملة الذهبية والفضية والنحاسية (الدينار، الدرهم، الفلس).

كانت دور الضرب يتولاها القاضي في بغداد في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وقاضي القضاة في مصر الفاطمية وسورية، واستمر الأمر على ذلك زمناً بعد الدولة الفاطمية، يذكر المقريزي أنه كانت هناك دار ضرب بالقاهرة، وأخرى بالإسكندرية وثالثة بقوص، ولا يتولى دار الضرب إلا قاضي القضاة، ثم أصبح نظرها موكولاً لناظر الخاص وهو منصب استحدثه الملك الناصر محمد ابن قلاوون (709-741هـ ).

استمرت كلمة درهم تكتب على الدراهم إلى مابعد سقوط الخلافة العباسية، واختفت باختفاء كلمة دينار661هـ في بغداد و747-749هـ/1346-1348م، في مصرفي حكم سيف الدين حاجي الأول أحد ملوك المماليك الأتراك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دور الضرب في العهد العثماني

كانت أول عملة سكت في دار ضرب عثمانية هي الأقجة (عملة فضية) في بروسة سنة (727هـ/1326م)، ثم ازداد عدد دور الضرب في عهد خلفاء بايزيد الأول (792-805هـ/1389-1402م) فظهرت مراكز في أماسية، أدرنة، سيريز، أياسولوك (إفسوس) إضافة إلى بروسة.

أما أول عملة عثمانية ذهبية فقد سُكّت في اصطنبول سنة 882هـ/1478م، وقد أسس العثمانيون في امبراطوريتهم التي اتسعت، مراكز لضرب النقود في المدن ذات الأهمية الإدارية والتجارية وفي المراكز القريبة من مناجم الذهب والفضة الغنية، وفي سلطنة سليمان الأول القانوني (926-974هـ/1519-1566م) سكت عملة ذهبية تحمل اسم السلطان في كل من حلب ودمشق ومصر (القاهرة) وآمد والجزائر وتونس.

تدهور وزن الأقجة سنة 996هـ/1588م، فبعد أن كان يسك 265 إلى 278 أقجة من كل سبيكة فضة وزنها 100 درهم، صار يسك من تلك السبيكة 1000 أقجة، وكان من نتائج ذلك أن أغلقت كثير من دور الضرب، ولم يبق في القرن الحادي عشر الهجري إلا تلك الموجودة في اصطنبول والقاهرة وبغداد وطرابلس وتونس والجزائر، واتخذ العثمانيون وحدة نقدية جديدة هي القرش وكان وزن قرش سك سنة 1099/1688م ستة دراهم من الفضة، كما سكت عملة بقيمة نصف قرش (نصفية) وربع قرش (ربعية).

في 26 صفر 1256هـ/29 أبريل 1840م صدر فرمان باتباع أساليب جديدة لسك العملة على نمط النظم الغربية، وأدخلت آلات حديثة، واستعانت الدولة بخبراء من إنكلترة. وفي عام 1259هـ/1843م سكت عملة فضية جديدة عرفت باسم المجيدي.

نجدة خماش


انظر أيضاً

للاستزادة

  • البلاذري، فتوح البلدان، تحقيق محمد رضوان (المكتبة التجارية الكبرى، مصر).
  • محمد أبو الفرج العش، النقود العربية الإسلامية، مصدر وثائقي للتاريخ والفن، بحث ألقي في المؤتمر الدولي لبلاد الشام (الجامعة الأردنية 1974م).
  • محمد النقشبندي، الدرهم الإسلامي (المجمع العلمي العراقي 1969).
  • Lane-Poole, The Coins of the Turks in the British Museum, Catalogue of Oriental coins in the British Museum, vol. VIII (London 1883).