حافظ محمود

حافظ محمود (12 يونيو 1907 - 26 ديسمبر 1996) صحفي وناشط سياسي مصري. كان أصغر رئيس تحرير عرفته مصر حيث رأس تحرير جريدة الصرخة التي أسسها مع صديقيه أحمد حسين وفتحي رضوان، كما نشط في القضايا الاقتصادية وساهم في حركات التحرر من الاستعمار البريطاني لمصر.

أسس حافظ محمود جمعية القلم الأدبية وهو لا يزال صبياً ثم ما ان كبر قليلاً حتى أسس جمعية الاستقلال الاقتصادي وكانت فكرة حافظ محمود متطورة قليلا في ذلك العهد إذ كان يهدف إلى مخاطبة الوعي القومي لدي الشباب من اجل مقاطعه المنتجات البريطانية إيماناً بأن قوة اقتصاد العدو من صميم قوته العسكرية. كما أسس محمود حافظ نقابة الصحفيين في مصر وكان العضو الأول فيها وحاز رقم العضوية (1) ولقب بشيخ الصحفيين.

بعد ثورة يوليو 1952 بقي حس محمود حافظ الوطني يقظاً وكان من أهم المدافعين عن حرية الصحفيين والثوابت الوطنية وبقي حامياً عن حرية الكلمة والفكر والصحافة في عصور الرؤساء المصريين من جمال عبد الناصر مروراً بأيام محمد أنور السادات وانتهاءاً بعهد محمد حسني مبارك، واستمر قلمه ساهراً على قضايا الأمة وهواجس الشعب الشاغلة حتى وفاته في 26 ديسمبر 1996.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد حافظ محمود في 12 يونيو 1907 بمدينة القاهرة، وبرغم ولادته من اسرة ميسورة الحال إلا أن وفاة ابيه المبكرة وتعنت الوصي علي ممتلكات والده اثر فيه كثيرا ، و ما ان بدأ يكبر حتي بدأت أمارات التفوق و النبوغ العقلي والأدبي تظهر عليه في كل تصرفاته ، اذ كانت المدارس قديما تقيم اختبارات ذهنيه للطلاب المتقدمين للالتحاق بها حتي تبت في طلب الالتحاق فتقدم حافظ محمود الي مدرسة أم عباس الابتدائية واجتاز الاختبارات بنجاح لم يحدث من قبل انذاك وقررت اداره المدرسة الحاقه بالصف الثاني دونما المرور بالصف الأول. والطريف أن الموقف ذاته تكرر ابان التحاقه بمدرسة الخديوية الثانوية. ولما قرر الالتحاق بكلية الاداب تعنت الوصي مجددا والحقه بكلية التجارة فاذا بحافظ محمود يلتحق بكلية الآداب و يعدل أوراقه في كلية التجارة إلي " تجارة ليلي " ولم يكن القانون يعارض كل هذا وقتذاك .


البداية

حتي نعطي مرحله التكوين حقها فاني افرد مساحه الي مقتطفات من مقال فتحي رضوان في الهلال ( اكتوبر 1985 ) الذي يوضع الكثير من الحقائق و يغني عن الكثير من الكلام بلا طائل : " كانت صوره حافظ محمود القلمية من ولي الصور بالتقديم لا لطول سعيه في مجال الصحافه و الخطابه و الكتابه في دروب السياسه و الدب و الاجتماع و لا لانه عاصر اكبر الاحداث و عاشر اكبر الشخصيات و اقترب من القمه حتي كاد يعلوها و يستقر عليها و قد خرج من كل هذا سليما معافي ، لم يمس احدا شرفه بكلمه ، و لم يجرح خصما مهما اشتدت ضراوته و حميت عداوته ، و بقي هادي النفس ، خافت الصوت حسن العلاقه بالجميع بغير اضطرار الي المنافقة المصانعة.

كان دائما قريبا من الحكومة أو بعض سادتها دون أن يكون حكومياً، ودون ان يجني من هذا القرب جنيها او قرشا ، فقد بقي عفيفا خجولا متابيا لكل مواقف الوشاية والصغائر. ....اتذكر جيدا والده بلحيته البيضاء الجميله الوقوره يخطو الي المسجد مشغولا به عن الدنيا كلها الا انني كم صليت بعد ذلك مع حافظ في زنزانه واحده و معنا اخونا الحبيب احمد حسين .... و نسمع حافظ محمود يتلو بصوته الجميل الرخيم ، من المصحف او من محفوظه ايات تنسيا اننا في قبضه الحاكم و اننا لا ندري متي سنترك السجن و نستانف الحياه ، و تنسيا قبل ذلك اننا صبيه صغار فقراء ، و لاحول لنا ولا قوه و اننا نتحدي السلطة.

.... كان بيت حافظ محمود في شارع السيده زينب بيتا عجيبا جديرا بان يحفظ و لا يهدم ذلك لان بيت حافظ محمود كان مقرا لنشاط ادبي خاص في وقت كان فيه علم الناس بالندوات الادبيه علما ضعيفا و كانت الندوات التي جاءت بعد ذلك اجتماعات للوجاهه فيها ، و ازجاء الفراغ اكثر مما فيها من صدق و جد و اخلاص .... كان اطفال و شباب الحي كلهم يلعبون في الشارع .. و لم يخرج علي هذه القاعده الا فتي واحد : حافظ محمود فلم اراه قط يقذف بقدميه كره و لا حصاه ، بل لم اره قط في جلباب فقط او جلباب فوقه جاكته كما كان حالنا جميعا.. غير ان حافظ محمود كان لا يسير في الشوارع الا ببدله كامله و ربطه عنق من طراز البابيون غالبا ، و هويسير في جميع الاحوال بسرعه خاطفه كان ورائه موعدا و مطرقا كانه يخجل ان ينظر الي وجوه الناس او يترفع عن ان يكون فضوله معلنا بلا حياء .... و لبث ان دخلنا بيت حافظ ليسمعنا خطبا يرتجلها ، فلا ندري اذا كانت خطبا او الحانا جميله . .... ثم دعانا حافظ لان نكون اعضاء في جمعيه القلم و كنا فارحين بالانضمام و نحن اقرب ما نكون الي الطفوله العزيزه . .... لم ندرك انذاك اننا نخطو الخطوه الاولي نحو هذه الحياه الهائجه المائجه التي ولدت ثورات و جمعيات و افكار جديده و خطيره و شبانا سيحملون اسم تاريخ مصر الحديث علي اكتافهم و سيواجهون السجن و يقتربون من اعواد المشنقه و تطاردهم السلطات الاصليه و الدخيله ، كما ستلد مجلات و صحفا و كتبا ، و كان حافظ محمود بغير جدال ، هو اسبقا الي الصداره ففي وقت الذي كنا نمسك فيه الاقلام و لا ندري كيف نقبض عليها جيدا فاجانا حافظ بسلسله من المقالات غير المسبوقه تدور حول نفسيات و كانت كلمه نفسيات كلمه مستحدثه طارئه لميستعملها من قبلنا ابائنا و اجدادنا . .... و اتسع نطاق نشاط حافظ محمود فقام في حوش منزله مهرجانات الخطابه سمعنا فيها و تعلمنا منه كيف تكون الخطابه سمعناه فيها ، و تعلمنا منه كيف تكون الخطابه التي تحلو فيها نبرات الخطيب و تتناغم فيها الالفاظ ، حتي تصبح لونا من الطرب ثم ذهب حافظ الي قاعه سينما في شارع طلعت حرب و كان هذا شيئا غايه في الجدة .... و خرجت جريدتنا " الصرخه " .... و راس تحريرها حافظ محمود و راح يكتب المقال الرئيسي بها وزجت بنا السلطه الي سجن الاستئناف ، و كان لاعتقالنا صدي بعيد فقد نشرت الصحف صور ثلاث شبان ، لا يؤيدهم حزب كبير و لا يسندهم زعيم خطير و لا تحمي ظهورهم سلطه و لا يملا جيوبهم مال .... و اصبح حافظ محمود الخطيب عنصرا ثابتا في كل اجتماع كبير ، و المتكلم الاول في كل ندوه و اصبح اسلوبه في الكتايه و موضوعاته التي يطرقها ضربا جديدا من ضروب الكتابه – الادبيه و الصحفيه "

جمعية الاستقلال الاقتصادي

كما قال فتحي رضوان اسس حافظ محمود جمعية القلم الادبية و هو لا يزال صبيا ثم ما ان كبر قليلا حتي اسس جمعية الاستقلال الاقتصادي و كانت فكرة حافظ محمود نتطورة قليلا في ذلك العهد اذ كان يهدف الي مخاطبة الوعي القومي لدي الشباب من اجل مقاطعه المنتجات البريطانية ايمانا بان قوة اقتصاد العدو من صميم قوته العسكرية و كانت المفاجاة ان الجمعية نجحت في ذلك بنسبة كبيرة و انضم لها مئات الشباب و لما اتهمها طه حسين بانهم حفنة شيوعيين قام حافظ محمود مع محمود تيمور و محمد تيمور و ابراهيم ناجي بتكوين جمعيه شباب العشرين الادبية التي قدمت اعمالا ادبية راقية ذات فكر منفتح و اثناء احدي حفلات الجمعية فوجئ حافظ محمود بعميد الادب العربي يترجل سرداق الحفل و يقدم علي الملأ اعتذارا لشباب العشرين علي ظنه الخاطئ.

أصغر رئيس تحرير

عاد أحمد حسين من اوروبا في رحلة اثرت كثيرا في فكر هذا الرجل اوائل الثلاثينات من القرن العشرين و قرر انشاء مشروع القرش و كان يهدف الي جمع تبرعات بمعدل قرش من كل موظف من اجل انشاء مصنع طرابيش حتي لا يتم التعامل مع المصانع التي تديرها بريطانيا و بالفعل نجح مع رفاقه حافظ محمود وفتحي رضوان و اصبح الثلاثه شبان قادة المقاطعة الاقتصادية لبضائح العدو البريطاني في وقت كانت تلك النوعية من المقاطعه تعد نوعا عجيبا من محاربة الاحتلال .

ثم قرر الثلاثة اصدار جريدة صحفية تمثل رايهم الثوري و قاموا بتاجير جريدة الصرخة بالفعل و بحثوا عن رئيس تحرير لهم بلا جدوي فالكل تخوف من فكر الشباب الثلاثة فاذا بحافظ محمود يتولي منصب رئيس التحرير مطلع عام 1933 و عمره لا يتجاوز ال25 عاما ليكون اصغر رئيس تحرير في تاريخ الصحافة المصرية و بدا حافظا في كتابة مقالات نارية اعادت للاذهان مقالات الزعيم الراحل مصطفي كامل في صحيفة اللواء مطلع القرن المنصرم حتي اتت القشة التي قصمت ظهر البعير و كتب حافظ محمود مقالا بعنوان :" يا شباب 33 كونوا مثل شباب 19 " فكان يقصد ان يقوم الشباب بثورة مماثلة لثورة 1919 و حكي حافظ محمود كيف انه شارك و عمره 13 عاما في تلك الثورة جالسا علي كتف احد الرجال صارخا ضد الاستعمار شانه شان العديد من تلاميذ و فتية المدارس في ذلك العصر المجيد . و علي الفور القي القبض علي ثلاثتهم فكانت سابقة ان تقوم بريطانيا بالقاء القبض علي شباب بمثل اعمارهم فلقد تعودت بريطانيا ان تقبض علي سعد زغلول و رفاقه من الباشوات و لم يعتاد الراي العام المصري ان يري شبابا في مقتبل العمر يتذوقون مرارة الاعتقال و مهانة الحبس حتي ان العديد من المواطنين الشرفاء توجهوا الي المعتقل و قدموا الطعام الي الشباب الثلاثة الذين لم يجدوا الصبر الا في صوت حافظ محمود و هو يتلي آيات من الذكر الحكيم . و لما حان يوم المحاكمة دخل احد الباشاوات الوطنيون الا و هو محمد علي علوبه صاحب الباع السياسي الطويل و المحامي الكبير و تطوع للدفاع عن الشبان الوطنيين فماذا فعل ؟؟ ، لقد امسك بمقال حافظ محمود و قرائه بالكامل علي لسانه و اختتم فعلته قائلا : " لقد قلت عن اقتناع الكلام الذي تسبب في سجن وكلائي فاما ان تسجنونني معهم و اما ان تفرجوا عنهم مثلي " . و ارتجت القاعه من التصفيق و رفعت الجسله و قدم القاضي استقالته اذ كيف يبت في قضيه اصبح محمد باشا علي علوبه احد المتهمين بها و افرج عن حافظ محمودو رفاقه .

و استمر حافظ محمود في مقالاته النارية بجريدة السياسة الاسبوعية حتي قامت ثورة الشباب عام 1935 و تفاعل معها الملك فؤاد بشكل ايجابي و قرر تشكيل وفد برئاسه مصطفي النحاس لمباحثة بريطانيا بشكل نهائي علي ان يتم الغاء دستور 1930 المشين و عودة دستور 1923 الليبرالي عقب المباحثات . و في عام 1937 حصل حزب الاحرار الدستوريين علي اغلبية مقاعد مجلس النواب في هزيمة تاريخية لحزب الوفد و تقرر ان يصبح الدكتور محمد حسين هيكل وزيرا فقرر ان يتنازل عن رئاسه تحرير صحيفة السياسة الناطقه بلسان حال الحزب الي تلميذه النجيب حافظ محمود .

سعد قال مفيش فايدة

كان اول مشكله صادفت حافظ محمود في الموقع الجديد انه كتب مصححا واقعه تاريخية لا تزال عالقة خطا في اذهان شعبنا الي اليوم .. فدائما ما نقول ان الزعيم العظيم سعد زغلول قال مفيش فايدة و دائما ما تورد كتب مؤرخينا انه قالها في فراش الموت علي مجمل الوضع السياسي الا ان حافظ محمود قال ان الفقدان الامل في قضية مصر لم يتسلل ابدا الي الزعيم الجليل الذي قال مفيش فايدة الي عقيلته صفية زغلول حينما قدمت له الدواء قبل لحظات من وفاته فقال لها العبارة المذكورة لشعوره بقرب اجله و استشهد حافظا بالسيدة صفية زغلول التي كانت لا تزال علي قيد الحياة و اكدت ام المصريين الواقعه . كانت المشكلة هنا ان حزب الاحرار الدستوريين هو الحزب المنافس لسعد زغلول و حزبه الوفد فاذا برئيس تحرير لسان حال الحزب يقوم بكل حياد و امانه برفع الظلم عن الزعيم الكبير . ثم درب حافظ محمود مثالا اخر في احترام شرعية الحاكم حتي لو اخلفنا معه فحينما قامت بريطانيا بفرض مصطفي النحاس رئيسا لوزراء في حادث 4 فبراير 1941 الشهير و هددت العاهل المصري فاروق بن فؤاد الاول بالعزل ندد حافظ محمود بالاجراء البريطاني لانه مخالف للدستور المصري الذي يحصر حق عزل الحاكم المصري لمجلس النواب و الشيوخ و كتب سلسلة من المقالات بحق الملك جعلت العديد المؤرخون يقفون في حيرة بسبب هذا الفكر المستنير .

سر حافظ محمود

منذ شبابه و حافظ محمود عضوا في جماعات الجهاد ضد المحتل البريطاني و شارك كثيرا في حمل السلاح ضد الغزاة بل انه استغل حفل زواجه من اجل تهريب قطعه سلاح لم يستطع زملائه في الجهاد اخراجها من الحي بسبب تشدد المراقبة في ذاك الوقت ابان الحرب العالمية الثانية . و ذات مرة طاردته رصاصات الانجليز و اصيب برصاصه في ساقه الا انه استمر في العدو و افلت منهم قبل ان يقوم زملائه بمعالجته . و من المناهج الفكرية التي تشد انتباه متابع سيرة حافظ محمود الي جانب حتمية المقاطعه الاقتصادية للغزاة انه كان يؤمن بتلازم المسارين السياسي و العسكري فكان صباحا عضو و رئيس تحرير بحزب الاحرار الذي يشارك حزب الوفد في التفاوض مع بريطانيا و في ليل مجاهد من طراز فريد يراوغ رصاصات الانجليز في ظلمه العاصمة (!!) . و في فتره الاربعينات تقابل حافظ محمود مع ضابط بالجيش تم فصله و لمس في اسلوب كلامه حسا ادبيا فاقترح عليه ان يمارس الكتابه الصحفية .. فكان هذا الضابط هو الرئيس الراحل محمد انور السادات و فهل فكرة تلازم مسار السلاح و السياسة التي طبقها الزعيم الراحل ابان فتره رئاسته اتت علي خلفية صداقته المبكرة بحافظ محمود ؟؟ .

تاسيس نقابه الصحفيين

لعب حافظ محمود كبيرا اساسيا في تاسيس نقابه الصحفيين صباح 31 مارس 1941 و كانت مكافاة ان عين عضوا في مجلس النقابه في المجلس المؤقت لها لحين انتخاب نقيبا للنقابة الوليدة . حينما تاسست النقابه بدا صراع من نوع اخر داخل النقابه نفسها اذ اراد اصحاب الصحف السيطره علي ميزانيه و مجلس اداره النقابه و منصب النقيب ايضا و تجلي الامر بوضوح في اول جلسه للمجلس المؤقت الذي تولي اداره النقابه لحين اجراء الانتخابات فقد تم اختيار كلا من حافظ محمود و مصطفي امين كممثلين للصحفيين الشبان و في هذا الاجتماع قال جبرائيل تقلا صاحب و رئيس تحرير جريده الاهرام التي عقد في مبناها القديم اول اجتماع لمجلس النقابه المؤقت :" قانون المعاشات يطبق بعد عشر سنوات (!!) " فنهض حافظ محمود يدافع عن حقوق الصحفيين كعادته قائلا :" هذا ظلم ، كيف يعيش الصحفيين طوال العشر سنوات القادمه ؟ " و هنا نهض فارس نمر صاحب و رئيس تحرير جريده المقطم ثم جذب حافظ محمود من الجرافت قائلا :" عندنا قرشين للعيال بدك تخدهم ؟ " فابتسم حافظ محمود قائلا :" و هل اخذت شيئا منك يا باشا ؟! " . و هكذا انقسم الصحفيين في اول الامر الي اصحاب صحف و محررين .. الجانح الاول قاده الصحفيين الشوام ( السوريين ) الذين سيطروا علي الصحافه المصريه منذ سبعينات القرن التاسع عشر الي اربعينات القرن العشرين و الجناح الاخر قاده حافظ محمود و لم يكن معه اي فرد وقف كما وقف هو ضد الصحفيين الشوام الا انه و احقاقا للحق فان العديد من اصحاب الصحف تضامنوا مع جناح حافظ محمود و حقوق المحررين فقام حافظ محمود بعقد اجتماع عاجل مع هذه الفئه من الصحفيين و قرر ترشيح محمود ابو الفتح صاحب و رئيس تحرير جريده المصري المواليه للوفد في منصب نقيب الصحفيين كما تقرر ترشيح مرشحين من المحررين لكافه المناصب . و كانت المفاجاه ان جناح حافظ محمود كان يمثل الاغلبيه التي رفضت في اول جمعيه عموميه ان يقوم جبرائيل تقلا حتي بتقديم اوراق ترشيحه لمنصب النقيب و بالفعل تراجع تقلا باشا امام رغبه جحافل الصحفيين و اصبح محمود ابو الفتح بالتزكيه اول نقيب للصحفيين اما حافظ محمود فقد تم انتخابه كاول وكيل عام للنقابه و المحررين . و يومها كان حافظ محمود عند جبرائيل تقلا بمكتبه بالاهرام فنظر الاخير الي حافظ محمود شذرا و قال له :" اتفضل قوم من هنا و غادر المبني فورا احسن اقتلك " ثم تمتم في مراره :" كيف يكون محمود ابو الفتح نقيبا للحفيين و هو محررا عندي ؟؟ " .. و يجزم كافه اساتذه و مؤرخي الصحافه ان حافظ محمود بما فعله في الفتره من مارس – ديسمبر 1941 كان اول انقلاب في الصحافه المصريه .. انقلابا خلصها من سيطره الصحفيين الاجانب ( الشوام ) و جعل مصائرها في يد الصحفيين المصريين و نظرا لان الحدث كان جليلا فان العديد من الصحفيين حتي المغمور منهم حاول نسب قياده الانقلاب الصحفي الي نفسه الا ان كتب التاريخ و امانه المؤرخين تحفظ لحافظ محمود حقه . و كان المجلس ينتخب مره كل عام في ديسمبر ثم تطور الامر في نهايه الستينات و مطلع السبعينات الي كل عامين .. و قد انتخب حافظ محمود عضوا في مجلس النقابه 26 دوره متتاليه و هو رقم قياسي باعتراف اتحاد الصحفين العالمي و لم يكن حافظ محمود مجرد عضوا بل تولي العديد من المناصب داخل المجلس :

• ممثل الصحفين الشباب ( 1941 ) .

• وكيل عام النقابه لمده 21 دوره انتخابيه متتاليه ( 1941 – 1964 ) .

• سكرتير عام النقابه لمده 13 دوره متتاليه ( 1942 – 1954 ) .

• نقيب الصحفيين لمده 4 دورات متتاليه ( 1964 – 1967 ) .

• عضو مجلس النقابه لمده 26 دوره متتاليه ( 1941 – 1967 ) .

صاحب البطاقة الصحفية رقم واحد

في يوليو 1941 بدات نقابه الصحفيين في اصدار البطاقات الصحفيه و كان اول من تقدم بطلب البطاقه هو حافظ محمود ليسجل التاريخ انه اول عضو في نقابه الصحفيين و ان بطاقته الصحفيه تحمل رقما فريدا في خانه القيد الا و هو رقم واحد .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الجلاء البريطاني عن ارض نقابة الصحفيين عام 1948 !!

في عام 1948 و بينما العمل جاريا في تشييد مبني نقابه الصحفيين عسكرت الجيوش البريطانيه في ارض المقر مما اوقف عمليه البناء و التشييد مما سبب احباط للصحفيين و هنا قام حافظ محمود بارسال خطابا عاجلا الي ملك بريطانيا و رئيس وزرائها يطالبهم بجلاء القوات البرطانيه من ارض نقابه الصحفيين !! و قد توقع العديد من الصحفيين و علي راسهم فكري اباظه ان تكون نهايه حافظ محمود في تلك الخطوه الا ان المفاجاه التي زلزلت الوسط الصحفي وقتها هي استجابه القياده البريطانيه لطلب حافظ محمود و بالفعل خرجت القوات البريطانيه من مقر النقابه بجره قلم من حافظ محمود و استمر البناء الي ان افتتح المقر في الموعد المحدد . و من بين المواقف المؤثرة التي لم ينساها الجيل القديم لحافظ محمود انه كان يقضي نصف الوقت المخصص له كرئيس تحرير جريدة السياسة اليومية ثم يذهب الي ارض النقابة لكي يقوم بنفسه بحمل الطوب و الرمل مع البناة من اجل بناء مقر النقابة فكان حين يقول يوما لقد بنيت تلك النقابة علي يدي فكان رحمه الله يقصد القول لفظا و فعلا .

24 سنه رئيس تحرير

و من عجائب الاقدار ان حافظ محمود لم يكن اصغر رئيس تحرير فقط بل كان اطول من تولي هذا المنصب ايضا اذ تولي رئاسه تحرير ست صحف في فترات متباعده بلغت مجمعه لمده 24 عاما منها قرابه العشرون عاما متواصله :


• رئيس تحرير جريده الصرخه ( 1933 – 1934 ) .

• رئيس تحرير جريده السياسه الاسبوعيه ( 1938 – 1952 ) .

• رئيس تحرير جريده السياسه اليوميه ( 1944 – 1952 ) .

• رئيس مجلس اداره و رئيس تحرير جريده القاهره المسائيه ( 1953 – 1959 ) .

• رئيس تحرير جريده الجمهوريه ( 1962 – 1963 ) .

• رئيس مجلس اداره و رئيس تحرير جريده الصحافه الشهريه ( عامي 1966 و 1967 ) .

حافظ محمود و جمال عبد الناصر

اتت الثورة و اغلقت الاحزاب و اصبحت الرقابة جاثمة علي صدر الصحافه و اغلقت الصحف الحزبية لغلق الاحزاب ذاتها و هنا راس حافظ محمود تحرير جريدة القاهرة المسائية اليومية و كانت المفاجاة ليس في تخصصها بل في الخطاب الاعلامي لتلك الجريدة فقد كانت تنادي بالوحدة العربية و بمبادئ تيار القومية العربية و كان ذلك عام 1953 قبل عامين من بداية التوجه الناصري لذا التيار . تصادم حافظ محمود مع الرئيس جمال عبد الناصر مبكرا و تحديدا عام 1953 حينما اكتشف حافظ محمود ان مجلس قياده الثورة يتجسس علي اجتماعات نقابه الصحفيين و لكل بعد ازمه مارس 1954 فتح الزعيم الراحل صفحة جديدة مع جميع الاطراف و كلف حافظ محمود عام 1956 برئاسة وفد مصري من خيرة الساسة و الادباء لزيارة العواصم الاوربية و شرح وجهه نظر مصر في تاميم قناة السويس و من بين الالغاز التي واجهت كاتب تلك السطور هي ان كل صور تلك الرحلة تدور في مصانع السلاح الاوروبية هل اوفد الزعيم الراحل حافظ محمود من اجل صفقة سلاح سرية ؟؟ . و من عظائم الامور ان الفترة التي قضاها حافظ محمود في اوروبا كانت تواكب انتخابات مجلس نقابة الصحفيين و نظرا لانه في اوروبا ادرك خسارة مقعده النقابي و لما عاد فوجئ بالصحفيين قد قاموا بترشيحه و انتخابه مجددا في مجلس النقابه و وكيلا لها . و في اواخر الخمسينات اشتد الصراع علي العرش السعودي بين الامير فيصل و الملك سعود و ساندت مصر حق سعود الشرعي في عرش ابيه مما جعل حافظ محمود يدعم موقف مصر الرسمي بعددا من مقالاته فارسل فيصل سفير السعوديه الي حافظ محمود قائلا له :" ان الامير فيصل يعرض عليك شيك بخمسون الف جنيه مع مرتب شهري تختار مقداره انت مدي الحياه بشرط ان تعدل عن موقفك الموالي للملك سعود " فرد حافظ محمود علي الفور :" اترشيني ؟؟ انا مصري و سانفذ السياسة المصرية " . و يلاحظ هنا الي اي صدي وصلت اليه مقالات حافظ محمود في الوطن العربي باسره . .. و لكن العلاقه بين الزعيم و الصحفي لم تدم بشكل جيد طويلا كمعظم الصحفيين اذ اتي تاميم الصحافة عام 1960 و قررت حاشية عبد الناصر ان تعد للزعيم وثيقه تاريخية بها رسالة شكر من الصحفيين علي التاميم (!!) مذيلة بتوقيع كل اعضاء النقابه من الصحفيين فوقع الجميع عدا صحفي واحد .. حافظ محمود .. فلقد كان الوحيد الذي جاهر برايه في ان هذا التاميم هو خطوة للوراء و انتكاسة لحرية التعبير بينما هلل لها كبار الصحفيين و الكتاب وقتها . و حينما تناهي الي مسامعه ان احدي الجهات الامنية تقلب في ملفاته القديمة من اجل البحث عن ثغرة ذهب اليهم بنفسه حاملا ملفاته و قال لهم :" اتحداكم لو وجدتم ما يدينني !! " و بعدها بفترة زاره وجيه اباظه من الضباط الاحرار و طمئنه من مرور الموضوع بسلام . و لكن في عام 1964 بدات اولي حلقات الصدام الاكبر و تمثل في فوز حافظ محمود في انتخابات نقيب الصحفيين في ما يمثل مفاجاة للنظام الذي كان يظن ان الصحفيين سوف يختارون المرشح الحكومي المعتاد .. و بدا حافظ محمود في سن ميثاق صحفي معاصر و قانون للمعاشات و نادي صيفي للنقابة و الاهم اعادة الانضباط الي العمل الصحفي فتصادم مع العديد من الكتاب اللذين يسبحون بحمد النظام دون سبب و سمح بفاصل من الحرية و المعارضة في صحيفة النقابة رغم الرقابة الشديدة . و حاول حافظ محمود تقويم التصرفات الغير المسئولة التي نراها الان في الصحفيين فعلي سبيل المثال تغيب الكبار احمد قاسم جودة و امينة السعيد عن حضور مجلس النقابه عدة مرات رغم انهم اعضاء منتخبين و لما تغيبوا الفترة القانونية التي تسمح للمجلس ان يقوم بفصلهم من المجلس قام حافظ محمود بفصل الاثنين رغم انتمائهم للتيار الحكومي و لما اعترض الاثنين قام حافظ محمود بتقديم استقالته و ترشح لمنصب نقيب الصحفيين مجددا و انتخب المجلس مجددا للمرة الثانية بدون احمد قاسم جودة و امينة السعيد فكانت رسالة لهم و للحكومة بتاييد عموم الصحفيين لقرار حافظ محمود . ثم اختبر حافظ محمود الادعاء الناصري الزائف بحماية حقوق العمال و حرية العمل النقابي عبر تاسيس و زعامة اتحاد النقابات المهنية و جلس عظماء و شيوخ الصحفيين و المهندسين و الاطباء و المحاماة معا في جلسة واحدة و اسسوا هذا الكيان التاريخي و علي راسه حافظ محمود ثم ما لبث ان سافر حافظ محمود الي براغ في تشيكوسلوفاكيا حيث مؤتمر اتحاد الصحفيين الدولي و لما طلب من الدول الحاضرة ترشيح نائبا لرئيس الاتحاد انتخب الغرب قبل الشرق حافظ محمود كاول عربي و مصري و افريقي يحظي بهذا الشرف الرفيع و لما عاد حلت الحكومة اتحاد النقابات المهنية بدعوي انه تنظيم شيوعي مع ان حافظ محمود في شبابه انتمي الي تيار ثوري يميني كما اوضحنا بل ان حزب الاحرار الدستوريين كان حزبا ينتمي الي تيار يمين الوسط (!!) . و هكذا قررت الحكومه ان تخلع النقيب بعد ان نظم مؤتمرا شعبيا و جماهيريا لمناقشة مشكلة الاسكان ثم مؤتمرا ثانيا لمشاكل التعليم قبل ان ينظم احتفالية عالمية بمناسبة مرور 100 علي انطلاق الصحافة الشعبية في عصر الخديوي اسماعيل و في هذه الاحتفالية ذكرت محاسن الخديوي الراحل مما اغضب القيادة السياسية وقتها التي لم تكن تعرف زعيما تولي البلاد و ابلي بلاء حسن الا بعد ثورة 1952 .. و هكذا ضجرت الحكومه من افكار حافظ محمود السابقة لعصره و قررت ان تنزل بثقلها في انتخابات 1966 فاصدرت صحيفتي اخبار الدار عن اخبار اليوم و صحيفة روزاليوسف اليومية من اجل الترويج لمرشحها الحكومي فتحي غانم و تسويقه كمرشح مقبول للصحفيين ( من عجائب الامور ان تاريخ اعاد نفسه و اصدرت الحكومه عام 2005 صحيفة روزاليوسف اليومية من اجل الترويج للفكر الجديد و الزعيم الجديد ) ثم في حركة استعراضية سحب 3 مرشحين ترشيحهم لصالح فتحي غانم و بالفعل شر البلية ما يضحك اذ كان بينهم احمد قاسم جودة و امينة السعيد و لما اتي يوم الانتخابات انتفض الصحفيين و انتخبوا حافظ محمود للمرة الثالثة علي التوالي نقيبا لهم و استثمر حافظ محمود تلك الثقة و طلب من الاتحاد الاشتراكي تاسيس امانه للصحفيين بالاتحاد و كان له ما اراد ثم انتخب نقيبا للمرة الرابعه . ثم اتت الطامه الكبري عام 1967 .. و تحديدا في فبراير حين تقرر ان ينعقد مؤتمر الصحفيين العرب في القاهرة و كان اهم بند في المؤتمر هو الذي اضافه حافظ محمود من ضمن افكاره المتطوره هو استخدام سلاح البترول في فك احتقان و تحرش العالم الغربي بمصر و سوريا و العراق وقتذاك و لو قدر للعرب ان يؤخدوا بهذا الاقتراح في فبراير 1967 لربما لم يحدث ما حدث في يونيو 1967 . و هكذا قررت مراكز القوي محاربة المؤتمر بدون سبب و كأن هي المعنية بمسالة سلاح البترول و لكن حافظ محمود كان بارعا و استغل صداقته بالاستاذ محمد حسنين هيكل و شرح الامر للزعيم جمال عبد الناصر الذي قال اعقدوا المؤتمر و اسمع الافتتاح و بعدين نحكم فاذا بالزعيم يدرك حقيقة الامر و يحضر بنفسه مؤتمر الختام و القي كلمة تاريخية و كانت المرة الاولي و الاخيرة في حياته التي يلاقي فيها الصحفين العرب اجمعين بهذا التجمع و لاقي الزعيم وقتاه ثناء لم يسمعه طوال حياته بشهادته لحافظ محمود و هكذا عادت الحرارة الي العلاقة بينهم و لكن حاشية السوء كانت تلعب من خلف الستار و لم تكن تريد ان يصبح حافظ محمود نقيبا للمرة الخامسة رغم رغبة الصحفيين في ذلك و هكذا قررت ترشيح امينة السعيد لمنصب النقيب مع اللعب علي وتر حرية المراة و حق المراة في ان تكون نقيبة للصحفيين و لكن الصحفيين انتخبوا حافظ محمود للمرة الخامسة فقام و لكن مراكز القوي استغلت انشغال جمال عبد الناصر بازمه ما قبل يونيو 1967 و اصدرت حكما قضائيا ببطلان الانتخايات و تعيين حارس قضائي علي النقابة لمدة سته اشهر و منع حافظ محمود من الكتابة و تخفيض راتبه الي النصف رغم انه وقتها كان يعول زوجته المريضة و بناته الاربعه الي جانب انه دخل عامه ال 61 . و حتي لا يشتم جمال عبد الناصر خبرا واصلت الحاشية الصحفية الموالية لمراكز القوي نشر مقالات تحمل اسم حافظ محمود في جريدة الجمهورية التي يعمل حافظ محمود بها منذ عام 1960 عقب غلق جريدة القاهره . و لكن الموقف انفرج عقب النكسة – للاسف – و بداية سياسه جدية من جمال عبد الناصر قبل ان يتوفي الاخير في سبتمبر 1970 .

حافظ محمود و محمد انور السادات

في عام 1971 انعقد المؤتمر الاسلامي في لندن و قرر الزعيم محمد انور السادات تكليف حافظ محمود برئاسة الوفد و بالتالي رئاسة المؤتمر .. و ما ان اطلقت حرية الصحافة عقب اكتوبر 1973 حتي راحت الاقلام تخط عشرات المقالات و الكتب عن مساوئ جمال عبد الناصر فاذا بحافظ محمود يسبح ضد التيار كالمعتاد و يكتب سلسلة مقالات تعدد مزايا جمال عبد الناصر و انه حاول بظروف عصره و ذكر الكتاب بقوانين الاصلاح الزراعي الذي اعاد الكرامة و الهيبة للفلاح المصري و السد العالي و تاميم القناة . و في عام 1979 كتب عددا من الصحفيين الكبار مقالات ضد مصر بالخارج و هو ما يعد خيانه عظمي لمبادئ الصحفيين و الوطنية و المؤسف ان هؤلاء الصحفيين الكبار لا يزالوا منهم الباقي علي قيد الحياة و نعتبرهم من شرفاء الوطن و ضجر الزعيم محمد انور السادات بكتابات هؤلاء و نبه النقابه لضرورة معاقبتهم و لكن النقيب علي حمدي الجمال لم يفعل شيئا و هنا و في مناسبة ادبية جلس الزعيم محمد انور السادات يتحدث للصحفيين عن مجمل الوضع السياسي ثم تطرق للصحفيين الذين يسبون مصر بالخارج و اعلن نيته تحويل نقابة الصحفيين الي نادي للصحفيين (!!) فاستبد الغضب بحافظ محمود و اشار الي وزير الاعلام منصور حسن للتدخل الا ان الوزير اثر الصمت فاشار مجددا الي النقيب فنهض علي حمدي الجمال مرتعدا و العرق يتصبب من جسده و راح يعدد حسنات الزعيم حتي مل الزعيم نفسه ثم اختتم النقيب مداخلته الفاجرة قائلا :" ما تتحول نادي و لا جمعية يعني هيحصل ايه يعني " .. فتلفت الكهل حافظ محمود ذو ال 72 عاما لعل احدا من شباب او حتي شيوخ الصحفيين يتحدث الا ان كلهم – كالمعتاد – هز راسه موافقا علي اي شي و كل شي و هكذا ادرك الرجل ان عليه ان ينهض حتي يدافع عن الكيان الذي بناه بنفسه فطلب الاذن بالكلام فبمجرد ان وقف حافظ محمود تعلقت الانظار به لمعرفتهم بتاريخه الطويل و هدات نفس السادات لرؤية استاذه الاول في عالم الصحافة و بدا حافظ محمود كلامه قائلا :" لدينا وثيقه موقعه من سيادتك تقر فيها بدور الصحافه في ثوره 23 يوليو ثم تاتي الان امام كاميرات العالم و تقول ان الصحافه ضد الوطن فكيف تناقض نفسك يا سياده الرئيس ؟ .. الصحفيين اللذين كتبوا ضد مصر لا يساون اكثر من 2% او 3 % من اعضاء النقابة فلماذا انت غاضب يا ريس ؟ " فقال الرئيس :" مش عارف اللي كتبوا يا استاذ حافظ ؟؟ " فرد الصحفي :" انا لما سبت النقابة تركت لهم ميثاق الشرف الصحفي " ثم راح حافظ محمود يسرد تفاصيل من هذا القانون حتي صاح السادات :" اهو انا عايز نصف دا ربع دا " و هنا حسم حافظ محمود الامر قائلا :" نعمل مجلس يحل مشاكل الصحفيين " ( و من هنا تأسس المجلس الاعلي للصحافة ) فابتسم انور السادات قائلا :" شايفين شيخ الصحفيين حلها ازاي " و دوي التصفيق الحاد و انتهي الاجتماع فلحق حافظ محمود و احسان عبد القدوس بالزعيم محمد انور السادات و كان احسان ظريفا حين سال الزعيم محمد انور السادات عن حكايه شيخ الصحفيين دي فقال الزعيم محمد انور السادات :" انت مش فلاح زي انا و حافظ يا احسان .. في كل شغلانه عندنا ليها شيخ هو كبرهم " فقال حافظ محمود ضاحكا :" بس انا كدا اول عجوز بقرار جمهوري " . و هكذا تاسس المجلس الاعلي للصحافة و ظل حافظ محمود عضوا بالمجلس و رئيسا للجنه شئون الصحفيين يحل مشاكلهم حتي وفاته .

نقيب النقباء

كان وجود شخص بتاريخ حافظ محمود علي قيد الحياة ( توفي عن 90 عاما ) هو حمايه لكل شيوخ الصحافه .. ففي عام 1985 ناقش مجلس النقابة الغاء المعاش لكل من يبلغ سن ال 70 توفيرا للنفقات و حينما سمح ناصف سليم بالامر ذهب اليهم و قال جملة واحده :" حافظ محمود عمره 78 مش هتدوا مؤسس النقابة معاش كمان " و انتقل المجلس لمناقشة البند التالي في جدول اعماله بلا تعليق . و نظرا لانه الوحيد الذي انتخب اربع مرات متتالية و لدفاعه عن حقوق الصحفيين حتي النقباء منهم سمي نقيب النقباء الي جانب صاحب البطاقه الصحفية رقم واحد و شيخ الصحفيين .

حافظ محمود و محمد حسني مبارك

كما هو معروف للجيل الحالي عادت الحكومة مجددا محاولة لاغتيال حرية الصحافة الا ان الرئيس محمد حسني مبارك تدخل و الغي قانون 1996 مطالبا الصحفيين بوضع قانون جديد و فوجئ شيخ الصحفيين حافظ محمود بتلقيه اتصالا هاتفيا رقيقا من رئيس الجمهورية يطلب منه بمودة ان يكون من ضمن الصحفيين المشاركين في وضع القانون و رغم ان شيخ الصحفين حافظ محمود بالفعل كان من ضمنهم بسبب تاريخه و عمله في المجلس الاعلي للصحافه الا ان هذا الاتصال الهاتفي كان يوضح ثقه و رغبه الزعيم محمد حسني مبارك في تواجد شيخ الصحفيين حافظ محمود في هذا الامر الجلل .. و بالفعل لعب شيخ الصحفيين حافظ محمود دورا كبيرا بشهاده كل الصحفيين المنتمين الي الجيل الحالي .. بل انه اقترح قانون العيب في الذات الصحفية و هو قانون يسمح للنقابه بان تتدخل بقوه ضد المسيئون لشرف الصحافه من الصحفيين انفسهم الا ان الطابور الخامس وقف بالمرصاد ضد القانون م اهي الا بضعه سنوات و ظهرت الصحافه الصفراء بلا رادع ثم صفحات الردح السياسي و الفني و الديني بلا رقيب .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاة حافظ محمود

رغم وفاته في سن التسعون الا ان حافظ محمود ظل حتي اليوم الاخير لوفاته متمتعا بكامل قواه و صحته العقلية و النفسية و البدنية و كان حاضر الذهن و الذاكرة بطريقة ادهشت الجميع فظل يكتب تاريخ مصر بمقال اسبوعي في الجمهوريه منذ عام 1967 تحت اسم ذكريات حافظ محمود كما يكتب مقالا اسبوعيا اخر بنفس الجريدة يوم الاثنين منذ عام 1960 الي جانب مقالا بجريدة المساء يوم السبت .. و كان يقطن بحي جاردن سيتي فيصمم بنفسه علي الذهاب سيرا علي الاقدام من منزله الي دار التحرير في شارع رمسيس علي سبيل الرياضة .. فلم يتكبر يوما و لم تعميه الشهرة و لم يغريه تاريخه و ظل متواضعا حتي مع ابسط الناس فلا يري احدا او و ينهض ليصافحه و لا يتحدث مع احد الا بصوته الدافئ الهادي ذو الرنة الموسيقية و ضحكة الباشوات التي لا تفارقه .. و حينما توفي في 26 ديسمبر 1996 كان مطلبه ان تخرج جنازته من بيته .. من نقابه الصحفيين .. و بالفعل خرجت الجنازة صباح الجمعه 27 ديسمبر 1996 و كم كانت المفارقة ان جدران النقابة الشابة التي بناها بنفسه و التي اختلطت رمالها بعرقه كانت متصدعه بسبب البدء في ازاله المبني القديم و بناء اخر حديث فكانت الجدران الشابه الضاحكه التي راته يوما ما في اوج مجده هي ذاتها الجدران الباكية المحطمة التي تشهد جنازته .. سار شيوخ الصحفيين و الشباب ما يبكون شيخهم .. كانت جنازتهم مؤتمرا ائتلافيا حضره كان الصحفيين و التيارات .. خبر وفاته كان الاول و الاخير الذي نشر علي صدر الصفحه الاولي في الصحافه الحكومية و المعارضة و المستقله علي حد سواء بنفس الاحتفاء و العرفان بالجميل . و لقد سار نعش الشيخ محمولا علي اعناق شباب الصحفيين من مبني النقابه حتي مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير فاذا بجموع المواطنين ينضمون في هدوء و سكون الي جنازة القلم .. جنازة المجاهد و السياسي و الاديب معا

مؤلفات حافظ محمود

1 – طلعت حرب ( 1936 )

2 – فلسفة الثورة ( 1953 )

3 – الاعلام العربي و الاعلام الصهيوني ( 1960 )

4 – المجتمع الاتشاركي الديموقراطي الوطني ( 1961 )

5 – المعارك الصحفية ( 1969 )

6 – مذكرات منسية ( 1972 )

7 – اسرار الماضي ( 1973 )

8 – عمالقة الصحافة ( 1974 )

9 – بنات سنة 2000 ( 1975 )

10 – حكايات سامي و سامية ( 1975 )

11 – اسرار صحفية ( 1976 )

12 – القاهرة بين جيلين ( 1980 )

13 – حكايات صحفية ( 1984 )

14 – حكايات الاصدقاء ( 1993 )

الاوسمة و النياشين

1 – جوقة الشرف من اليونان لدفاعه عن قضية تحرير قبرص ( 1956 ) .

2 – درع عيد الثورة الثالث من مصر ( 1955 )

3 – درع معركة بورسعيد من مصر ( 1959 )

4 – درع القوات المسلحة المصرية من مصر ( 1961 )

5 – وسام مأرب من جمهورية اليمن ( 1966 )

6 – درع نقابة الصحفيين المصريين ( 1967 )

7 – درع نقابة الصحفيين المصريين ( 1997 )

8 – درع نقابة الصحفيين المصريين ( 2004 )

9 – درع عيد العلم من مصر ( 1966 )

10 – درع اتحاد الصحفيين العالمي ( 1971 )

11 – جائزة الجدارة من مصر ( 1979 )

12 – وسام الجمهورية من الطبقة الاولي من الرئيس المصري محمد انور السادات ( 1981 )

13 – وسام الاستحقاق من الطبقة الاولي من الرئيس المصري محمد حسني مبارك ( 1988 )

14 – درع تكريم لمجمل حياة حافظ محمود في مجال الصحافة من المركز الكاثوليكي في مصر ( 1992 )

المصادر

• سلسلة النقابات المصرية : نقابة الصحفيين – المؤلف : رجائي الميرغني – الناشر : مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية التابع لمؤسسة الاهرام الصحفية المصرية / الطبعة : الاولي 2005 .

• تاريخ نقابة الصحفيين – المؤلف : الامير المليجي – الناشر : مؤسسة التضامن العربي / الطبعة : الاولي عام 1962 .

• السادات الحقيقة و الاسطورة – المؤلف : موسي صبري – الناشر : المكتب المصري الحديث / الطبعة : الثانية عام 1985 .

• هيكل و السياسة الاسبوعية – المؤلف : د.محمد سيد محمد – الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب / الطبعة : الاولي عام 1996 .

• الصحافة و الثورة .. ذكريات و مذكرات – المؤلف : رشاد كامل – الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب / الطبعة : الاولي عام 2002 .

• انقلاب في بلاط صاحبة الجلالة – المؤلف : عادل حمودة ، فايزة سعد – الناشر : مؤسسة روزاليوسف الصحفية المصرية / الطبعة : الاولي عام 1980 .

• سفاح صاحبة الجلالة – المؤلف : سعيد ابو العينين – الناشر : دار اخبار اليوم الصحفية المصرية / الطبعة : الاولي عام 1997 .

• نصف قرن بين السياسة و الادب – المؤلف : فتحي رضوان – الناشر : دار الهلال / الطبعة : الاولي عام 1998 .

• التكوين .. حياة المفكرين و الادباء و الفنانين .. باقلامهم – الناشر : دار الهلال / الطبعة : الاولي عام 1998 .

• نقابة الصحفين في 40 عام – تقديم : نقيب الصحفيين ( وقتذاك ) صلاح جلال – الناشر : نقابة الصحفيين المصريين ( كتاب تذكاري بمناسبة اربعون عاما ً علي تأسيس النقابة / الطبعة : الاولي و الوحيدة عام 1981 .

• تاريخ الصحافة المصرية – المؤلف : د. مها محمد كامل الطرابيشي – الناشر : دار الايمان / الطبعة : الاولي عام 2005 .