ذوات الدم الحار

(تم التحويل من حارة الدم)
صورة حرارية: ثعبان (ذو دم بارد) يلتهم فأر (ذا دم حار).

ذوات الدم الحار Warm-blooded هي الحيوانات التي تحافظ على درجة حرارة جسمها ثابتة رغم تبدل درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه، وهي تقوم بذلك بفضل آلية تنظيـم فيزيائيـة أو كيميائية، يكون الدور الأساسي فيها للجملة العصبية. والواقع أنه منذ 200 سنة تقريباً دخل تشارلز بلاغدن CH.Blagden، وكان حينها أميناً للجمعية الملكية في لندن Royal Society of London، غرفةً درجةُ الحرارة فيها 126 ْ مئوية، واصطحب معه فيها كلباً (في سلة كي لا تشوى أطرافه) وقطعة لحم نيئة. مكث بلاغدن في هذه الغرفة مع ما صاحبه 45 دقيقة، وخرج منها مع كلبه دون أن يتأثرا، في حين شويت قطعة اللحم وأصبحت صالحة للأكل.

تختلف الحيوانات ثابتة الحرارة فيما بينها من حيث حرارتها الداخلية. فدرجة حرارة الإنسان هي نحو 37 ْ، والكلب 38 ْ تقريباً، والقطة 38.5 ْ، والثور 39.5 ْ، والعصافير الصغيرة تصل حرارتها إلى 40 ْـ 41 ْ، أَمَّا طائر أبي الحناء (وهو من العصافير الصغيـرة أيضاً) فتصـل حرارتـه إلى 40.4 ْـ 44.6 ْ، والشحرور إلى 41 ْـ 45.1 ْ، وهي لدى الصقر42 ْـ 44.6 ْ.

كما أن هذه الدرجة تختلف من مجموعة لأخرى. فالثدييـات تراوح درجة حرارتها بين 36 ْ و38.5 ْ، والطيور بين 36 ْ و44.5 ْ، وذلك بحسب الأنواع. والزواحف تحافظ على درجة حرارة ثابتة عالية جداً، بتغييرها مواقعها واتجاهها نحو المواقع الحارة المشمسة لرفع حرارة جسمها بسرعة تصل إلى درجة واحدة في الدقيقة في الصباح عندما تكون درجة حرارة الهواء لا تتجاوز الصفر. وتستطيع الزواحف، بتغيير أوضاعها، أن تحافظ على درجات حرارتها في مجال ضيق جداً في الشمس الساطعة، وحين تغرب الشمس تفتش عن ملجأ لها لتخفف خسارتها للحرارة إلى أقل حد ممكن. وعندما تصير شروط الوسط سيئة، فإن هذه الحيوانات تدخل في سبات[ر] (بيات) طويل الأمد، يحدث خلاله تقنين كبير في غذائها الذي يزود الجسـم بالحرارة اللازمة للحيوان في أثناء السبات.

وتتأثر هذه الحرارة بالعمر: فهي لدى الحيوانات الصغيرة غير منتظمة، لكنها تصير أكثر انتظاماً عندما تتقدم بالعمر. فالدجاجـة مثلاً لا تنتظـم درجة حرارتها إلا بعد مرور 65 ـ70 يوماً على انطلاقها من البيضة.

كما تتغير الحرارة الداخلية بحسب ساعات اليوم. فالحرارة تكون عند الإنسان في حدها الأدنى 36.5 ْ عند السادسة صباحاً، وتصير في حدها الأقصى37.2 ْ عند الخامسة بعد الظهر. وتختلف هذه الأرقام أيضاً بحسب الأفراد.

كما أن العمل العضلي يحرض على إجراء تغيير كبير في درجة حرارة الجسم. وكل منا يعرف أنه إذا قام بحركات عضلية عنيفة فإنه يدفأ بسرعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أصل الحرارة الداخلية

تستمد كل الحيوانات الحرارةَ اللازمة لها من مصدرين اثنين: من تحرر الطاقة الموجودة في المواد الغذائية بتفاعلات الاستقلاب (الأيض) التي تتم في الخلايا، ومن الوسط الخارجي الذي تعيش فيه. لذلك تُمَيَّز مجموعة من الحيوانات تستطيع أن تحافظ على درجة حرارة جسمها ثابتة مهما كانت درجة حرارة الوسط، معتمدة في ذلك على الاستقلاب الذي يُوَلِّد الحرارة اللازمة لها، لذا تسمى الحيوانات ثابتة الحرارة Homeotherms أو داخليات الحرارة Endotherms، وهذه حال الطيور والثدييات، وكانت تسمى ذوات الدم الحار، ومجموعة من الحيوانات لا تستطيع توظيف الاستقلاب لتأمين كل حاجاتها من الطاقة الحرارية بصورة كاملة، بل تعتمد، لكي ترفع درجة حرارة جسمها، على الحرارة التي تستمدها من الوسط أكثر من اعتمادها على حرارة الاستقلاب، لذلك يطلق عليها اسم الحيوانات متبدلات الحرارة Poikilotherms أو خارجية الحرارة Ectotherms، وهذه حال اللافقاريات والأسماك والبرمائيات والزواحف، وكانت تسمى ذوات الدم البارد.

وأهم منابع الحرارة لدى الحيوانات هو الجهاز العضلي الذي يعطي 32.3% من حرارة الجسم، ثم يأتي الكبد وأنبوب الهضم، وهما يطلقان معاً 17.5%، أما القلب الذي يعمل باستمرار فيولد 5% من الطاقة التي يطلقها الكائن، وكذلك الغدد والكليتين، وتعطي بقية الأعضاء ما يقارب 21.5% من الحرارة الداخلية.


تنظيم الحرارة الداخلية

تشمل آليات التنظيم عدداً من التفاعلات الكيميائية التي تسيطر عليها أنزيمات مختلفة. ونعلم أن نشاط الأنزيمات تسيطر عليه عوامل عدة، ومنها الحرارة. لذلك فإن أي تغير في درجة حرارة الجسم تؤدي إلى تغير كبير في التوازن الكيميائي الموجود في الجسم.

ويستطيع الحيوان ثابت الحرارة تنظيم حرارته من خلال مقاومته للبرد، الأمر الذي يتم عبر توليد الحرارة، ومن خلال مقاومة الحر الذي يعتمد على ضياع الحرارة، وذلك بآلية تنظيم معقدة.

مقاومة البرد

ادى انخفاض الحرارة، تتضيق الأوعية الدموية قرب سطح الجلد، مما يؤدي إلى قلة ضياع حرارة الجسم عبر الجلد. كما يزداد النشاط الاستقلابي، الذي يعود بعضه إلى زيادة الفعالية العضلية (مثل الرجفان وتناوب الوقوف من رجل إلى أخرى)، ويعود بعضه الآخر إلى عوامل هرمونية تتدخل في عمليات الاستقلاب. فالنشاط العضلي يزيد إنتاج الحرارة وذلك بزيادة أكسدة الغلوكوز وبفعل الاحتكاك.

إن المحرك الأول للطاقة الكيميائية هي الأعصاب المستقلة الذاهبة إلى النسيج الشحمي، التي تحرض تحلل الدسم، وكذلك تحرض إفراز الإبينيفرين من لب الكظر. ويزداد نشاط الغدة الدرقية لدى بعض الحيوانات كرد فعل للبرودة، الأمر الذي يزيد من معدل الاستقلاب. وقد يزداد أيضاً إفراز الكورتيزول من قبل قشرة الكظر بفعل البرودة. فإذا علمنا أن إفراز كلا المادتين يتم بوساطة من الوطاء (تحت المهاد hypothalamus) والجسم المخطط في الدماغ لأدركنا مدى التكامل الفيزيولوجي بين العوامل الهرمونية والعصبية في جسم كل كائن.

مقاومة الحر

تقاوم الحيوانات الحر بزيادة الإشعاع الحراري الناتج من توسع الأوعية الدموية الجلدية، فيتدفق الدم باتجاه الجلد، فإذا كان الهواء أبرد من الجلد انطلقت الحرارة إلى الهواء.

ويزداد الإشعاع الحراري من سطح الجسم بزيادة التعرق أو اللعاب. فعند الإنسان ومعظم الحيوانات الكبيرة (كالحصان والثور والخنزير) يبدأ التعرق لدى ارتفاع حرارة الجو. فالتعرق يتطلب طاقة حرارية يستمدها الحيوان من سطح الجسم. وهكذا يبرد الدم الموجود تحت سطح الجلد.

أما الحيوانات التي لا تملك غدداً عرقية، مثل الكلب والأرنب، فإنها تضيع حريراتها عن طريق تسـارع حركات التنفس. فالكلب يتنفس في حالة الراحة بمعدل 24 مرة في الدقيقة، لكن يصل ذلك إلى 240 مرة في الدقيقة بعد سباق طويل، ويتجلى ذلك بوضوح في لهاثه الشديد وتدلي لسانه ووضوح تبخر اللعاب من فمه، الذي يفتحه في أثناء ذلك، مساهمة منه في تسهيل فقدان الحرارة الداخلية. وكذلك الأمر عند العصافير التي تصل حركاتها التنفسية إلى 300 مرة في الدقيقة. كما تلجأ بعض الثدييات التي لا تتعرق، مثل القوارض، إلى تبليل فرائها بلعابها، مما يساعد في خسارة حرارة جسمها.

بعض ترتيبات التنظيم الحراري الخاصة

تملك الحيوانات القطبية آليات خاصة تقاوم بها البرد القارص. مثل وجود طبقات شحمية كثيفة تحت الجلد تحفظ به الحرارة الداخلية وتمنعها من الانتشار والضياع.

كذلك تقوم الأطراف بدور كبير في التنظيم الحراري لديها، فأطراف الثدييات القطبية أقصر من أطراف مثيلاتها في المناطق المعتدلة وأثخن منها، لكن حرارة هذه الأطراف أقل بكثير من حرارة بقية الجسم بالرغم من غزارة الدم الوارد إليها. والواقع أن أطراف هذه الحيوانات تستطيع مقاومة البرد أكثر من أي عضو آخر في الجسم، بسبب وجود ترتيب وعائي خاص فيها يسمى الشبكة الخارقة rete mirabile تتمثل بتوازي الشرايين الذاهبة إلى هذه الأطراف والأوردة الآتية منها وتَلامُسِ بعضها مع بعض. فالشرايين التي تحمل الدم الحار إلى الأطراف تمر موازية وملاصقة للأوردة التي تغادر الأطراف باتجاه القلب، الأمر الذي يؤدي إلى انتقال حرارة الدم الشـرياني إلى الدم الوريدي، وهكـذا يقوم الدم الشرياني الساخن بتسخين الدم الوريدي البارد الآتـي من المحيط، وبالتالـي لا يتسـنى لحرارة الدم (الحرارة الداخلية) الوصول إلى نهاية الأطراف، ومن ثم لا يضيع في الوسط البارد إلا القليل من الحرارة. وهكذا تبقى نهايات هذه الأعضاء منخفضة الحرارة، الأمر الذي يشار إليه فيزيولوجياً بـ«التيار المضاد» أو «التيار المتعاكس» Counter Current. توجد مثل هذه الترتيبات الوعائية أيضاً في زعانف وأذناب الحيتـان وعجول البحر، وكذلك في أجنحة طيور البطريق وأطرافه السفلية، وأطراف الحيوانات التي تخوض في الماء مثل اللقلق ومالك الحزين.

وتجدر الإشارة إلى أن الترتيبات الوعائية اللازمة لحدوث التيار المضاد لا يقتصر وجودها على حيوانات المناطق الباردة. فبعض الثدييات الاستوائية مثل الكسلان واللوريس والمدرع وآكل النمل حساسة جداً لتغيرات حرارة الوسط، فهي ترتجف عندما تنخفض درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه، ويعمل أيضاً عندها مبدأ التيار المضاد لحفظ حرارة الحيوان دون حاجة كبيرة إلى زيادة الاستقلاب لديه.

وُيذكر كذلك أن هناك آلية عزل فعالة لدى بعض الحيوانات تتمثل بوجود الوبر والريش والشعر الغزير التي تؤمن العزل والحماية، فتنتصب هذه العناصر بسبب القشعريرة التي تقوم بها عضلات هذه الأعضاء، فتتشكل طبقة عازلة من الهواء تمنع ضياع الحرارة عبر الجلد. حتى أن أحد القوارض وهو جرذ الماسك musk rat (يعيش قرب الماء ويمضي بعضـاً من الوقت منغمراً فيه) يحتفظ في فرائه بطبقة رقيقة من الهواء أثناء انغماره في الماء، تقوم بدور طبقة عازلة بينه وبين الماء الذي يسبح فيه.

وتمتاز أعماق المحيطات بدرجات منخفضة من الحرارة، لذا تقاوم الحيوانات التي تغطس إلى تلك الأعماق البرودة بإيقاف الدوران الجلدي لديها، كما تحول دورانها الدموي إلى الأعضاء المهمة في الجسم كالدماغ.

انظر أيضا

المصادر

[1]

  • Mark Blumberg (2002). Body Heat: Temperature and Life on Earth. Harvard University Press. ISBN 978-0674007628. {{cite book}}: Unknown parameter |month= ignored (help)

وصلات خارجية