جسر الوند الاثري

الجسر(الحجري) الوند (ئه‌ڵوه‌ن) الاثري 1928

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ جسر(الحجري) الوند (ئه‌ڵوه‌ن) الاثري

غالباً ما تتباهى الدول والبلدان بمعالمها الاثرية والتاريخية بالاعتبار انها تمثل عناصر ارتباط سكانها بتلك المنطقة بارضها وتاريخها وحضارتها، وهي هوية روحية معنوية متصلة بكل من يمت جذوره بتلك البقعة من الارض ومنه من يستمد الهامه الفكري والعاطفي منها. وبالحديث عن قضاء خانقين فكما هو معروف ان هذا القضاء يمتلك ارضية ممتازة في موضوعة الاحتضان بالمعالم الاثرية والتاريخية، نظرا لأهمية الموقع الجغرافي التي تمتاز بها المدينة على مر الزمان، فقد اعطاها الفرصة كي تجمع بصمات الذين راودوها في التاريخ. ومن تلك المعالم جسر الوند ئه‌ڵوه‌ن (الحجري) الذي يتوسط المدينة ويربط ما بين الضفتين الشرقية والغربية، وهي تُملك كنزاً من الحنين لدى سكان مدينة خانقين وعلى مدار الازمنة.


نهر الوند او باللغة الكوردية (ئه‌ڵوه‌ن)         

ينبع النهر من جبال كرند في غرب ايران على ارتفاع (2000) متر ويدخل الأراضي العراقية على بعد (8) كم جنوب شرق خانقين ويقع عليه سد الوند الذي يعد ثالث اكبر سدود محافظة ديالى وهي تمثل خزين استراتيجي للمياه في قضاء خانقين ([1])، ويمر النهر لمسافة 50 كم من خلال السهول الخصبة ويصب في نهر سيروان (ديالى) شمال جلولاء، ويروي سهول خانقين من خلال تفرع سبع قنوات مائية أي ما يقارب12.5 الف هكتار من الأراضي ([2]).

تسمية الجسر

جسر(الحجري) الوند (ئه‌ڵوه‌ن) الاثري بعد عام 2003

وردت العديد من الاسماء على هذا الجسر في السابق فمنها جسر ألوند ئه‌ڵوه‌ن نسبة الى اسم الوند والذي ينبع من جبل الوند حيث منقوشات داريوش الكبير (ت 486ق.م) عرف النهر بأسماء هلمان وألوان في عهد السومريين واللوبيين، وما يزال يطلق عليه اهل المنطقة اسم (ئه‌ڵوه‌ن) بدون حرف الدال الذي دخل عليه من اللغة العربية، لان اسم الوان او ألون في لغة الماديين يعني (من ذلك العلى) وكان يقصد به ان النهر ينبع من جبال ألون القريب من عاصمة الماديين همدان اكباتان([3]).

وكذلك يسميه اهالي خانقين (کوپری) وهي كلمة من جزئين (كوپ) وهي كلمة تستخدمها الشعوب الارية وتعني التقوس و(ري) وتعني الطريق وبذلك يكون المعنى الطريق المقوس([4]).

وكذلك سمي بـ (الجسر الحجري) نسبة الى بعض الحجارة التي استخدمت في بنائه والتي كانت من بقايا آثار جسر حجري قديم كان مشيد على نهر الون وهو قريب نسبيا من موقع الجسر الحالي، سيتم ذكره تفاصيله لاحقا([5]).

تاريخ الجسر القديم

تذكر الكثير من المصادر فارسية ان الساسانيون الذين عاشوا في فترة مابين (226-651)م قاموا ببناء الجسر قبل 1600 عام اي في القرن الثالث الميلادي، وكان يعتبر الطريق من بغداد الى خراسان يمر فوقها ويؤدي الى قصر شيرين، وكان يتكون من 24 عمودًا، وقد ظل هذا الجسر قائماً حتى زمن ياقوت الحموي اي تقريبا في بداية العقدين من القرن الحادي عشر الميلادي، وقال عنها ان هذه القنطرة تتألف من اربعة ووعشرين طاقاً كل طاق عشرون ذراعاً ([6])، كان عرضه 150 مترًا وكان ارتفاعه من الأرض 6 أمتار([7])، وتوجد اثاره بقرب الاخر الذي هو موضوع البحث شرقاً باستقامة تكية خليفة شمس الدين في القسم الغربي من المدينة([8])، ورد ذكر جسر الوند في كلام عبد المؤمن عبد الخالق المتوفي سنة 1390م بانهاعظيمة وتتكون من اربع وعشرون طاقاً، بين كل طاق وطاق عشرون ذراعا ([9]) وتأثرت بالفيضانات الشديدة وتهدمت اركانها وقوامها.

وما تجدر اليه الاشارة ان هناك جسرين مبنيين على الطراز نفسه في ايران ([10]). فمنها جسر (شامنامشت) جسر قديم على نهر سيماره، على بعد 4 كم شمال درهشهر وأمام قرية شامكالان في محافظة إيلام. يعود تاريخ المبنى إلى العصر الساساني ، وتبدو بوضوح بقايا أساساته الخارجية وحواجز الأمواج. وكان للجسر ثمانية عشر نبعًا وكانت المسافة بين الركائز 15 مترًا وكان طول الجسر بأكمله أكثر من 270 مترًا. تتوافق هندسة الجسر ونوع مواده مع المعالم التاريخية في المدينة، الذي تم استخدامه منذ قرون ، متصل في خط مستقيم بقاعة مدخل التحف الساسانية في المدينة. وكتب أبو دلف ، مسافر عربي ، عن الجسر: "بين سمرة وطرحان ، هناك جسر كبير وجميل يبلغ حجمه ضعف حجم جسر خانقين". يقول ياقوت الحموي "سمرة بها نخيل وزيتون ولوز وثلج ، وفي الطريق بين سمارة والقرية المجاورة لها ، طهران جسر غريب ومذهل يعتبر من عجائب جسور العالم"([11]).

ميلاد الجسر الجديد

تؤكد أغلب المصادر المحلية والاقليمية ان بداية بناء الجسر الجديد يعود الى رواية الاميرة اخت الشاه محمد علي ميرزا دولاتشا الحاكم السابق لكرمانشاه عام 1860 عندما كانت تنوي الذهاب في زيارة دينية الى مزار الاضرحة الشيعية في كربلاء ونجف الاشرف وعند مرورها في مدينة خانقين عام 1855 واجهت صعوبة في عبور النهر لان الجسر القديم قد تهدمَ تماما ولم يكن هناك وسيلة أمنة لعبور النهر لذا قررت ان تعمل على بناء جسر يسهل عملية عبور النهر في كل فصول السنة، وبهذا عادت الى ايران وسعت الى بناء جسر في خانقين وتم أحضار عددًا من المهندسين المعماريين من أصفهان إلى خانقين، ومستخدمين خشب الجوز المستورد من كرمانشاه ([12]). ويضاف الى ذلك وجود بعض الاساطير ترافق عملية بناء الجسر رغم عدم وجود مصادر مدمغة لها، فمثلا يقال انه لم يكتفى ببناء الجسر بمواد البناء المعروفة آنذاك بل امرت الاميرة بان تجمع الرؤوس والايدي والارجل من الذبائح وتوضع القدور والمراجل على النار في الماء حتى تنضج نضجا تاما وتتهرى. فيستعمل هذا الماء في بناء الجسر ومبالغة منها في اتقان البناء ومتانته فالجسر مبني بالطابوق السلطاني وبمواد البناء المعجونة بهذا الماء، ورواية اخرى وهي سائدة بين آهالي المدينة الى ان الاميرة قد تركت كمية من الذهب داخل احد اعمدة الجسر.

وقد اضطلع بتصميم وتنفيذ الجسر المعماري الحاذق- ولي الاصفهاني- وعاونه في مهمته البنائون القديرون مثل عباس معمار باشي ورضا البناء([13]). واستخدم في المشروع نحو خمسة آلاف عامل، ويروى انه  توفي ألفين منهم  جراء الفيضانات الشديدة و السقوط من أعلى موقع البناء وحوادث اخرى احاطت بسير العمل ودفنوا في مقبرة  ماتزال موجودة حالياً في مزار قريب من موقع الجسر يسمى  بمزار الامام علمدار([14])، وبعد ان اتم بنائه اقيم مهرجانا فخما وتصدقت على الفقراء وصنعت المآدب وعبرت عليه سالكة الطريق الى بغداد فالعتبات المقدسة لأداء الزيارة. الحقيقة ان جسر خانقين جسر متين جدا له القدرة على ان تمر عليه وسائط النقل الحديثة ذات الاثقال الكبيرة، وفي العهد السابق قاموا بتغيير معالم الجسر وذلك بتهديم (قلع) سياج الجسر الذي كان مبنياً من الطابوق السلطاني وسيج بالحديد واخيرا قاموا ببناء جسر آخر قريبا من الجسر القديم وذلك تمهيدا لترك القديم بحيث لم يبق هذا الجسر الاثري في المدينة مثلما غيروا سكانها. وبعد سقوط نظام صدام حسين ورجوع السكان الى المدينتهم، جرت عملية اعادة بناء السياج الحجري وعادت جمالية الجسر([15]) وتم منع المركبات الكبيرة من السير عليه حفاظاً على هيكليته الهندسية، ويتألف من (12) فتحة ويستند على ركائز يصل  ارتفاع اعلاها الى 12م([16]).

دحض فكرة وجود الجسر في نهاية القرن التاسع وبداية قرن العشرين

في غضون رحلة المستكشف هنري بيندر  Henery Binder الى بلاد الكرد والاثوريين، في عام  1885 يذكر في كتابه المشهور (جاسوس في كردستان العثمانية) سرد تفاصيل رحلته الى بلاد ما بين النهرين او ميزوبوتاميا، (كردستان العراق)، وكانت رحلته بغضون 4 اشهر من فرنسا وحتى استانبول ونشرت هذه الرحلة عام 1887 وصل منطقة خانقين في الثاني من شهر تشرين الثاني من عام 1885 الساعة 12 ظهرا. يقول فيها " وجدنا امامنا وادي ألوند بالكامل النابع من نهر ديالى، وظهرت لنا واحة خانقين على ضفاف النهر، الا انه انحدر بعض الشيء الى الساحل، فكانت تختفي خانقين خلف تل صغير محاذِ للنهر، وبعد مضي ساعتين ونصف نصل الى الاسفل، ورأينا بقايا جسرِ صغير، أعمدتهُ ساقطة في التيار، تبدو كأنها تتعارك مع دوار الماء، كان يجب عبور النهر الا ان قاعهُ كان عميقا جدا، وكنا نخشى ان تتبلل الامتعة  التي كانت معنا، لذا اتبعنا احدى طرق القرية حيث انه لم يكن يمستطاعتنا محاذاة الهضبة، ثم انحدرنا الى مجرى النهر للبحث عن مكان جيد للعبور، الا انه لم نعثر على قاع جيد نعبر منه سيرا، لذا رجعنا الى نقطة الانطلاق، حيث يوجد قفة (وعَاء من خُوص أو نَحْوه لحَمْل البضائع وغيرها) تستخدم للعبور، وضعنا جميع امتعتنا فيها، وعبرت الجياد النهر خوضا، وقد غمرتها المياه حتى فوق الصدر، وحمل غراضه الى الضفة الثانية"([17]).

ويذكر الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، "أن الفترة التي امتدت بين سقوط بغداد في الحادية عشر آذار عام 1917 و إعلان الهدنة في 31 تشرين الأول 1918 شهدت معارك حربية عديدة بين الإنجليز والأتراك، حيث كان في جبهة ديالى الفيلق الثالث عشر التركي الذي كان لا يزال في إيران عند سقوط بغداد وهو بقيادة علي احسان بك وقد وصلته الأوامر بالانسحاب نحو العراق لإنقاذ ما يمكن انقاذه فيه فأسرع بالانسحاب عاجلا، المعروف عن علي إحسان بك انه قائد حاذق شديد المراس ويعدانسحابة من إيران عملا عسكريا رائعا حيث كان سير الفيلق بمعدل ثلاثة وثلاثين ميلا في اليوم الواحد وذلك على الرغم من ظروفه الإدارية الرديئة و موقفه المحفوف بالمخاطر إذ كان الروس يطاردونه من ورائه، وصل الفيلق إلى مضيق بايطاق الجبلي الجبلي في 13 آذار فاترك فيه قوة لتاخير مطاردة الروس له، ثم استمر في انسحابه حتى وصل إلى خانقين في 15 من آذار ولم يكن هناك جسر على نهر الوند فأوعز القائد إلى جنوده باقتلاع أبواب من دور خانقين ليصنع منها جسرا وبذلك تمت الفيلق عبور النهر([18]).

مايعني انه لم يكن هناك جسر فعلي قابل لعبور النهر في تلك الحقبة الزمنية، وما كان موجود هو عبارة عن اثار لجسر قديم مهدم يمكث في قاع النهر.

وان هذا الرأي يحمل في طياته العديد من التفسيرات، فقد يكون التأويل على انه لم يقصدوا المدينة الحالية انما كانوا في الاطراف والقرى المحيطة بها.

او انه بالفعل لم يكن هناك الجسر في تلك الحقبة الزمنية.


الباحث: أحمد خليل ارتيمتي


                   المصادر


[1] ). لاول مرة في تاريخها .. بلدة متنازع عليها تحقق الاكتفاء الذاتي من المياه “مبكرا”، وكالة كركوك ناو، http://kirkuknow.com/arabic/?p=63448

[2] ). صلاح الدين أنور قيتولي، تعريب قضاء خانقين من منظور جيوسياسي،مركز الدراسات الكوردية، السليمانية 2008، ص 23.

[3] ). مهدي باجلان، أخذ اسمه من أحد القادة.. نهر الوند شاهد تاريخي على شعب عريق، 21-09-2011، صحيفة التاخي، http://www.altaakhipress.com/printart.php?art=2100.

[4] ). ماجد محمد، مدينة خانقين.. بين الماضي والحاضر، https://www.pukmedia.com/AR_Direje.aspx?Jimare=76829

[5] ). ماجد محمد، مدينة خانقين.. بين الماضي والحاضر، https://www.pukmedia.com/AR_Direje.aspx?Jimare=76829

[6] ). عبد الرقيب يوسف ، حدود كوردستان الجنوبية من سنجار حتى بدرة، إكاديمية التوعية وتأهيل الكوادر، السليمانية، 2011، ص35-36.

[7] ). https://fa.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D8%A7%D9%86%D9%82%DB%8C%D9%86

[8] ). عبد الرقيب يوسف ، حدود كوردستان الجنوبية من سنجار حتى بدرة، إكاديمية التوعية وتأهيل الكوادر، السليمانية، 2011، ص37.

[9] ). محمود الوندي، شذرات من تاريخ خانقين، كركوك، 2018، ص183.

[10] ). مهدي باجلان، أخذ اسمه من أحد القادة.. نهر الوند شاهد تاريخي على شعب عريق، 21-09-2011، صحيفة التاخي، http://www.altaakhipress.com/printart.php?art=2100.

[11] ). https://wikijoo.ir/index.php/%D9%BE%D9%84_%DA%86%D9%85_%D9%86%D9%85%D8%B4%D8%AA

[12] ). https://fa.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D8%A7%D9%86%D9%82%DB%8C%D9%86

[13] ). محمود الوندي، شذرات من تاريخ خانقين، كركوك، 2018، ص183.

[14] ).رائد جعفر مطر، نهر وجسر الوند موسوعة شذرات المطر، http://raidmoter.blogspot.com/2017/11/blog-post_7.html

[15] ). خالد عوني، جسر الوندي يحكي قصة خانقين،

خواطر خالد عوسي  خواطر خالد عوسي / مدونة تحوي صور تاريخية منوعة لمواقع عراقية وعالمية،http://khaledausy.blogspot.com/

[16] ).رائد جعفر مطر، نهر وجسر الوند موسوعة شذرات المطر، http://raidmoter.blogspot.com/2017/11/blog-post_7.html

[17] ).هنري بيندر، جاسوس في كردستان العثمانية رحلات هنري بيندر Henery Binder الى بلاد الكرد والاثوريين، ت، د. أحمد عبد الوهاب الشرقاوي. درا البشير للثقافة والعلوم، ص156.

[18] ). د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج4  من سنة 1914- الى سنة 1918، دار الراشد بيروت لبنان، ص439.

__DISAMBIG__