تضارب القوانين

تضارب القوانين Conflict of laws (أو القانون الدولي الخاص private international law) هو مجموعة من القواعد الإجرائية التي تحدد أي نظام قانوني وأي اختصاص ينطبق على نزاع ما. فعادة ما تُطبق القواعد حينما يكون لنزاع قانوني عنصراً "أجنبياً" مثل عقد اتفق عليه أطراف متواجدين في بلدان مختلفة، بالرغم من أن العنصر "الأجنبي" يتواجد أيضاً في البلدان متعددة المناطق الاختصاصية مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا وكندا.

القانون الدولى الخاص هو الوجه الآخر لمصطلح القانون الدولى وهو يبحث أساسا في تنازع القوانين والاختصاصات عندما تكون أطراف التعاملات منتمية الى دول مختلفة وبالتالى يصعب تحديد القانون المستعمل في فض المنازعات. مجال تطبيق قواعد هذا القانون هو المعاملات الدولية بين الأفراد والشركات وقوانين الزواج المختلط والمواريث الأجنبية وكل التعاملات التى لا تكون الدول أو المنظمات الدولية طرفا فيها.

ويتكون القانون، بمعناه العام، من مجموعة القواعد التي تصدر عن السلطة التشريعية المختصة في بلد ما. والقاعدة القانونية هي عبارة عن خطاب ذي صيغة عامة ومجردة ملزمة موجه إلى الأشخاص. ولا توضع القاعدة القانونية لكي تطبق أحكامها بصورة مؤبدة، وإنما قد تتغير هذه الأحكام وذلك بتغيير الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وينتج عن هذا التغيير إلغاء القاعدة القانونية النافذة أو تعديلها. وهنا تظهر مشكلة التنازع بين القانونين القديم والجديد. وذلك لمعرفة نطاق تطبيق كل منهما، وهذا ما يسمى بتنازع القوانين من حيث الزمان،هذا من جهة ومن جهة أخرى، فقد تنشأ علاقات قانونية بين أشخاص ينتمون إلى جنسيات مختلفة (كما لو تزوج سوري من فرنسية في إيطالية)، وهنا تظهر مشكلة التنازع بين قوانين دول عديدة، وتبرز مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق في هذه العلاقة، وهذا ما يسمى بتنازع القوانين من حيث المكان. ويتضح من ذلك أن تنازع القوانين Conflits des Lois هو إمكانية تطبيق أكثر من قانون على علاقة قانونية ما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أشكال تنازع القوانين

أ ـ تنازع القوانين من حيث الزمان: «مبدأ عدم رجعية القوانين» تتعلق مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان بمسألة تطبيق القانون. فمن المعلوم أن القانون يطبق منذ تاريخ العمل به،أي منذ تاريخ دخوله حيز النفاذ، حتى إلغائه. ويلغى القانون بقانون آخر. وهنا يثور السؤال حول تحديد نطاق تطبيق كل من القانونين من حيث الزمان. والأصل هو أن القانون القديم يطبق على جميع الأفعال والتصرفات التي وقعت في الفترة التي تمتد بين تاريخ العمل به حتى تاريخ إلغائه. أما بالنسبة للقانون الجديد فلا يطبق إلا على الأفعال والتصرفات التي تقع بعد تاريخ العمل به. وهذا ما يسمى بمبدأ عدم رجعية القانون. وقد حكم مبدأ عدم رجعية القوانين نظريات عديدة منها النظرية التقليدية ومنها النظرية الحديثة.


النظرية التقليدية

تتبنى هذه النظرية معيار التمييز بين الحق المكتسب Droit Acquis، ومجرد الأمل Simple Expectitive. ووفقاً لهذا المعيار إذا تعلق الأمر بحق مكتسب فيطبق القانون القديم. وذلك لأن تطبيق القانون الجديد في هذه الحالة يعطيه مفعولاً رجعياً، ومن ثمّ يخالف مبدأ عدم رجعية القانون. أما إذا تعلق الأمر بمجرد أمل، فيطبق القانون الجديد استناداً إلى مبدأ الأثر المباشر للقانون. لكن النظرية التقليدية في حالات عديدة تشكل استثناءً من مبدأ عدم رجعية القانون وهي:

ـ إذا نصّ القانون الجديد على تطبيق أحكامه على الماضي، وذلك لأن مبدأ عدم رجعية القانون لا يقيِّد المشرِّع، وإنما يقيِّد القاضي فحسب.

ـ إذا كان القانون الجديد يتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة، فيطبَّق على الماضي حتى لو كان في ذلك مساساً بالحقوق المكتسبة.

ـ إذا كان القانون الجديد من القوانين الجزائية وكان أصلح للمتهم.

ـ إذا كان القانون الجديد قانوناً تفسيرياً فلا يطبق اعتباراً من تاريخ صدوره، وإنما من تاريخ تطبيق القانون الذي جاء لتفسيره.

النظرية الحديثة: تأخذ هذه النظرية بمعيار التفريق بين إنشاء الوضع القانوني (أو كما يطلق عليه في مصر المركز القانوني) La Situation Juridique وزواله من جهة؛ وبين آثار هذا الوضع القانوني، من جهة ثانية. ويترتب على تطبيق هذا المعيار ثلاثة حلول ممكنة وهي:

الحل الأول: الأثر المباشر للقانون الجديد: ومفاده أن القانون الجديد يطبق اعتباراً من تاريخ دخوله حيز النفاذ على جميع الأوضاع القانونية التي تنشأ في ظله، أو التي بدأ تكوينها أو انقضاؤها في ظل القانون القديم، إلا أنها اكتملت من حيث النشوء أو الانقضاء بعد دخول القانون الجديد إلى حيِّز النفاذ، أو ترتبت آثارها في ظل القانون الجديد.

الحل الثاني: تطبيق القانون الجديد بأثر رجعي.

الحل الثالث: الأثر المستمر للقانون القديم: اعترف أنصار النظرية الحديثة للقانون القديم بأثر مستمر على سبيل الاستثناء، وذلك استناداً إلى مقتضيات العدالة ومبدأ استقرار المعاملات، خاصة في نطاق العقود.

الحلول المنصوص عليها في القانون السوري

نظراً لصعوبة مسألة تطبيق القانون من حيث الزمان ووقتها، حرصت معظم التشريعات الحديثة على تقديم الحلول التي يجب اتباعها، وهذا ما فعله أيضاً المشرع السوري.

1ـ في القانون المدني:

ـ بالنسبة للأهلية: تنص المادة 7 من القانون المدني على أن القانون الجديد المتعلق بالأهلية يطبق بأثر فوري على جميع الأشخاص الذين تشملهم أحكامه.

ـ بالنسبة للتقادم: ميَّز القانون بين حالتين:

الحالة الأولى: إذا قرر القانون الجديد مدة للتقادم أطول من المدة التي قررها القانون القديم، فهنا يطبق القانون الجديد.

الحالة الثانية: إذا قرر القانون الجديد مدة للتقادم أقصر من المدة التي قررها القانون القديم، فإنه يجب تطبيق القانون الجديد حتى لو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك.

ـ بالنسبة للأدلة التي تعد مسبقاً: يسري بشأنها، القانون النافذ في الوقت الذي أُعد فيه الدليل، أو في الوقت الذي كان فيه إعداده.

ـ بالنسبة للعقد: لم يبين القانون المدني كيفية تطبيق القانون من حيث الزمان في هذه الحالة. إلا أن الاجتهاد القضائي استقر على أنه يطبق بالنسبة للعقود القانون الذي أُبرمت في ظله على شروط انعقادها أو صحتها وعلى آثارها. ويستثنى من ذلك إذا كان القانون الجديد يتعلق بالنظام العام، حيث يطبق على الآثار التي تنشأ عن العقود التي أبرمت في ظل القانون القديم بعد تاريخ العمل به.

2ـ في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية:

تنص المادة الأولى من هذا القانون على أن قوانين الأصول تطبق على ما لم يكن قد فصل فيه الدعاوى أو تمَّ من الإجراءات قبل تاريخ دخولها حيز النفاذ. ولكن المادة الثانية استثنت من الأثر المباشر لقوانين الأصول بعض الحالات التي يستمر فيها القانون القديم بالتطبيق وهي:

ـ القوانين المعدلة للاختصاص، وذلك إذا دخلت حيز النفاذ بعد ختام المرافعة في الدعوى.

ـ القوانين المعدلة للمواعيد، وذلك إذا كان الميعاد قد بدأ قبل تاريخ دخولها حيز النفاذ، وذلك إذا كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق.

3ـ في قانون العقوبات:

ميَّز المشرع بين حالتين:

الحالة الأولى: إذا نص القانون الجديد على إحداث عقوبة لفعل غير مجرم في ظل القانون القديم، أو نص على تشديد العقوبة المنصوص عليه في القانون القديم، فلا يطبق بأثر رجعي على الأفعال التي وقعت في ظل القانون القديم، وإنما يطبق بأثر مباشر على الأفعال التي تقع بعد تاريخ العمل به.

الحالة الثانية: إذا نص القانون الجديد على إلغاء العقوبة التي كان يقضي بها القانون القديم، أو نص على تخفيفها بالنسبة لفعل من الأفعال. يعتبر القانون الجديد، في هذه الحالة، أرحم بالنسبة للمتهم، لذلك نص القانون على تطبيقه بأثر رجعي على الجرائم المقترفة قبل تاريخ العمل به، شريطة ألا يكون قد صدر حكم مبرم بشأنها.

تنازع القوانين من حيث المكان

يدخل تنازع القوانين من حيث المكان في صلب موضوع القانون الدولي الخاص[ر]، وذلك لأنه يفترض وجود تنازع بين تشريعات دول متعددة. وقد ظهر مبدآن لتحديد القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة، وهما: مبدأ إقليمية القوانين، ومبدأ شخصية القوانين.

أ ـ مبدأ إقليمية القوانين: يقوم هذا المبدأ على فكرة السيادة، حيث تعتبر الدولة صاحبة السلطان المطلق في حدود إقليمها. ويترتب على ذلك أن قوانين الدولة تطبق على كل ما يحدث ضمن حدود إقليمها بغض النظر عن جنسية الأشخاص الذين يقيمون فيه، سواء أكانوا ممن يحملون جنسيتها أم أجانب. ويترتب على هذا المبدأ أن قوانين الدولة لا تطبق خارج حدود إقليمها حتى لو تعلق الأمر بمواطنيها.

ب ـ مبدأ شخصية القوانين: ويقوم هذا المبدأ على أن قوانين الدولة تطبق على رعاياها فقط، أينما كانوا، سواء داخل حدود إقليمها أم خارجها. وبالمقابل فإن قوانينها لا تطبق على الأجانب، حتى لو كانوا يقيمون داخل حدود إقليمها. وتبدو أهمية هذا المبدأ بصورة خاصة بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية من زواج، وطلاق، ووصية، وإرث.

ج ـ موقف القانون السوري:أخذ القانون السوري بمبدأ إقليمية القوانين كقاعدة عامة، ولكنه أخذ أيضاً بمبدأ شخصية القوانين على سبيل الاستثناء، وفي بعض الأحيان أخذ بالمبدأين معاً.

مبدأ إقليمية القوانين

أخذ المشرع السوري بهذا المبدأ في حالات عديدة أهمها:

ـ القواعد المتعلقة بتنظيم السير، ومراقبة الأسواق والمحلات الخطرة أو المقلقة للراحة.

ـ القواعد المتعلقة بالأشياء، سواء أكانت عقارات أم منقولات، وبالحقوق العينية المترتبة عليها.

ـ القواعد المتعلقة بالالتزامات غير التعاقدية.

ـ القواعد المتعلقة بإجراءات المحاكمة والاختصاص القضائي.

ـ القواعد المتعلقة بالنظام العام والآداب العامة.

مبدأ شخصية القوانين

أخذ به المشرع السوري بصورة خاصة في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، وأهمها: الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم، الشروط الموضوعية لصحة الزواج وآثار الزواج والطلاق والالتزام بالنفقة بين الأقارب والمسائل الموضوعية المتعلقة بالولاية والوصاية والقوامة وغيرها من النظم المنصوص عليها لحماية المحجوزين والغائبين والميراث والوصية وجميع التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت.

تطبيق المبدأين معاً: يطبق بالنسبة للأمور الجزائية المبدآن معاً، وهذا ما نصت عليه المادتان 15 و20 من قانون العقوبات. فقد جاء في المادة 15 أنه «يطبق القانون السوري على جميع الجرائم المقترفة في الأرض السورية». (وهذا هو مبدأ إقليمية القوانين). أمّا المادة 20 فتنص أنه: «يطبق القانون السوري على كل سوري، فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأرض السورية، على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري».(وهذا هو مبدأ شخصية القوانين).[1]

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ فواز الصالح. "تنازع القوانين". الموسوعة العربية.


المراجع

وصلات خارجية

الكلمات الدالة: