تثفيل

التثفيل centrifugation هو عملية فيزيائية تعتمد على تطبيق مبدأ القوة النابذة force centrifuge الناتجة من فعل الدوران المتسارع، الغاية منه فصل مزيج من المواد السائلة أو الغازية ذات الكثافة المتباينة، أو فصل الجزيئات أو القطيرات أو العناصر المعلقة في سائل.

ويستخدم التثفيل في الدراسات والبحوث العلمية التابعة لمجالات كثيرة مثال: البيولوجية الخلوية والجزيئية والتحاليل الطبية، وصار من التقنيات المستخدمة كثيراً في مخابر الفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية والصناعات المختلفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القوة النابذة والتثفيل

Mhjhiyytt.jpg

تؤدي قوة الجاذبية الأرضية الطبيعية إلى فصل حبيبات أو عناصر معلقة في سائل تبعاً لكثافتها وأوزانها. ويلاحظ أن هذه العناصر إما أن تطفو على سطح السائل، وإما أن تتوضع في قعر الإناء وتتجمع مشكّلة الراسب. ويطلق على هذه الحادثة الأخيرة اسم عملية الترسيب sédimentation. وتشكل درجة لزوجة السائل وحجم الحبيبات المعلقة فيه وكتلتها، عوامل هامة في مسار عملية الترسيب. وعندما تكون هذه الحبيبات متساوية الكثافة، فالحبيبات الأكبر هي التي تتوضع في الأسفل تليها الحبيبات الصغيرة فوقها. وهذا ما يلاحظ على سبيل المثال في حالة التربة المعلقة في الماء.

وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تكون الحبيبات أو الجسيمات المعلقة في السائل صغيرة جداً، فتكون عملية الترسيب بطيئة جداً حتى إنها تبدو شبه متوقفة كما هي الحال في المحاليل الغروانية solutions colloïdales. ويقوم الباحثون والمحلّلون بقياس ما يسمى سرعة الترسيب vitesse de sédimentation ويسميها بعضهم سرعة التثفل للعناصر المدروسة. وقد وجدوا أن هذه السرعة بطيئة نسبياً وهي في حدود 10-15 ميليمتراً في الساعة فيما يتصل بالكريات الدموية المعلقة في المصل عند الرجال، و15 ـ 25 ميليمتراً في الساعة عند النساء، وقد تبين أنها تتبدل تحت تأثير الحالات المرضية. وتنخفض هذه السرعة إلى عدة ميكرومترات في الساعة في حالة الفيروسات الكبيرة المعلقة في الماء، وأما الجزيئات البروتينية فيلزمها عدة أيام لتنتقل ميكرومتراً واحداً.

ويلاحظ وفقاً لهذه المعطيات أن عملية الترسيب بفعل قوة الجاذبية الأرضية أو الثقالة الأرضية، تأخذ وقتاً طويلاً على العموم قد يتجاوز الساعات أو الأيام، أما باستخدام عملية التثفيل الناتجة عن القوة النابذة فيمكن اختصار المدة اللازمة إلى دقائق معدودة.

تنشأ القوة النابذة نتيجة لدوران الجسم حول محور، وتتناسب هذه القوة مع عدد من العوامل أهمها سرعة الدوران وبُعْد الجسم المتحرك عن محور الدوران وكتلته وترتبط بالقانون الآتي:

F = 0.0001117 (rpm)2 . R . M

حيث ترمز F إلى القوة force وrpm إلى عدد الدورات في الدقيقة rotation par minute وR إلى نصف قطر دائرة الدوران radius ويقدر عادة بالسنتمتر وM كتلة الجسم المتحرك masse مقدرة بالغرام.

يضاف إلى ذلك درجة لزوجة السائل عندما تكون العناصر الخاضعة للتثفيل معلقة في سائل، ودرجة الحرارة بصورة عامة.

وتقدر قوة التثفيل بالمقارنة مع الجاذبية الأرضية التي تعبر عنها بالثقالة gravité ويرمز لها بالحرف G. وتبعاً لسرعة الدوران في المثفلة تخضع العناصر المدروسة لقوة تعادل على سبيل المثال: 5 أو 10 أو حتى 500.000 ثقالة أو أكثر وبهذه الصورة تفهم أهمية عملية التثفيل.

أما قياس ثابت الترسيب فيقدر بوحدة يطلق عليها اسم سفيدبرغ Svedberg (نسبة إلى العالم الذي شرح الموضوع في أبحاثه الخاصة بالتثفيل)، ويرمز لها بالحرف S وهي وحدة دقيقة جداً وتقدر بأجزاء الثانية. وقد وجد الباحثون أن مقدار ثابت الترسيب يختلف باختلاف المواد أو الجزيئات المدروسة، وعلى سبيل المثال يبلغ فيما يخص محلول زلال البيض ovalbumine في الماء بدرجة حرارة 20ْ مئوية مقدار 3.55 S، وفيما يخص خضاب دم الإنسان hémoglobine مقدار 4.28 S.


أجهزة التثفيل

Jhuyjhh.jpg

عمد الصناعيون تطبيقاً لمبادئ القوة النابذة إلى تصميم أجهزة أطلق عليها اسم المثفلات centrifugeuses. وهي أجهزة تتمتع بدرجة عالية من المتانة لمقاومة القوة الكبيرة التي تخضع لها في أثناء الدوران. إذ إن المثفلة الصغيرة التي لا يتجاوز نصف قطرها 10سم، والتي تدور بسرعة /3000/ ثلاثة آلاف دورة في الدقيقة (وهي سرعة معتدلة تستخدم عادة في مخابر التحليل)، تبيَّن أنها تخضع في محيطها لقوة تسارع أو ثقالة تعادل /1000/ ألف مرة قوة الثقالة الأرضية. وتكفي هذه القوة لفصل الخلايا أو الجراثيم المعلقة في سائل. ولكن وجد أنها غير قادرة على فصل العناصر الدقيقة كالفيروسات أو الجزيئات البروتينية التي يتطلب فصلها إخضاعها إلى قوى أكبر بكثير تولدها مثفلات تدور بسرعات كبيرة جداً. على سبيل المثال: تبيَّن أن هذه المثفلات الأخيرة عندما تدور بسرعة /60000/ دورة في الدقيقة أي /1000/ دورة في الثانية الواحدة، فإن القوة النابذة المؤثرة تعادل /200000/ مرة قوة الثقالة الأرضية. ولهذا أطلق على هذه الأجهزة اسم المثفلات الفائقة أو فوق المثفلات ultracentrifugeuses. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المثفلات فائقة السرعة قد صنعت من خلائط معدنية خاصة وترتبط بجهاز تبريد وجهاز تخلية من الهواء لمنع ارتفاع درجة الحرارة بفعل الاحتكاك. يضاف إلى ذلك وضعها في غرف موصدة في أثناء التشغيل لتجنب أي احتمال من انفجار أو كسر قد يحدث نتيجة لهذه السرعات الكبيرة الفائقة.


أنواع المثفلات

Ljiukyytrr.jpg

تُنتِج المصانع المتخصصة بالتجهيزات المخبرية أو الصناعية أنماطاً متعددة من المثفلات يتناسب عملها مع نوعية التطبيقات المطلوبة. وتختلف هذه المثفلات في أبعادها وفي سرعة دورانها اختلافاً كبيراً، ويمكن تصنيفها عموماً في ثلاثة أنماط رئيسة هي:

المثفلات ذات الأنابيب الثابتة: وهي المثفلات التي تشتمل على عدد من الأنابيب المناسبة لوضع المحاليل المطلوب فصلها، وتدور في محيط المثفلة وهي مغروسة بزاوية مائلة محددة (الشكل-1)، ولا تتغير درجة ميل الأنابيب أثناء الدوران. وفي هذه الحالة تتجمع العناصر في قعر الأنابيب بشكل مائل في الجهة المقابلة لمحور الدوران. وتستخدم هذه المثفلات الصغيرة عموماً في بعض المخابر وتوجد فيها أنواع تدور بسرعة كبيرة جداً، وتدخل في هذه الحالة في أصناف فوق المثفلات.

المثفلات ذات الأنابيب المتحركة: وهي المثفلات التي تحتوي أنابيب محيطية متمفصلة تكون في حالة الراحة معلقة بالاتجاه الشاقولي بفعل الجاذبية الأرضية. وعندما تبدأ المثفلة بالدوران تتحرك هذه الأنابيب موضعياً حول المفصلة، وترتفع بالاتجاه الأفقي نحو المحيط الخارجي (الشكل-2). وتأخذ العناصر المعلَّقة في السائل داخل الأنابيب بالتجمع تباعاً نحو القعر حسب سرعة دوران المثفلة وحسب حجوم هذه العناصر وأوزانها وحسب درجة لزوجة السائل.

وهي تستخدم بكثرة في مخابر التحاليل الطبية لقياس سرعة التثفل في الدم على سبيل المثال بكل دقة، وفي مخابر البحث العلمي لتقدير الأوزان الجزيئية لمختلف المواد كبيرة الجزيئات macromolécules كالبروتينات أو لإجراء عمليات فوق التثفيل التفاضلي وغير ذلك من الاختبارات والعمليات المعقدة.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض أنواع هذه المثفلات قد صمّم بطريقة تمكّن من تتبع مراحل التثفيل وقياس التدرّجات gradients التي تطرأ على المحاليل المثفَّلة. ويتم ذلك عبر نافذة خاصة تسمح بتسليط أشعة ضوئية على المحلول واستقبال الأشعة الصادرة على لوحة تصوير، أو تسجيل مراحل التثفيل باستخدام الخلايا الكهرضوئية cellules photo éléctriques.

المثفلات ذات الأسطوانة المثقبة: يختلف تصميم هذه المثفلات عن النمطين السابقين، إذ يتألف جهاز التثفيل فيها من أسطوانة داخلية مثقبة، قابلة للدوران حول محور أفقي أو شاقولي، يحيط بها أسطوانة موصدة أو خزان لتجميع المادة السائلة التي يجب فصلها أو استخلاصها. ويوصَل الخزان من ناحيته السفلية بأنبوب يصب في خزان آخر أو أوعية معدة لتفريغ السائل الناتج من عملية التثفيل أو تخزينه (الشكل-3).

يستخدم هذا النمط من المثفلات في مجالات تطبيقية مختلفة كما هي الحال في بعض التجهيزات المنزلية مثال: الغسالات الآلية وأجهزة عصير الفواكه أو في بعض الصناعات.

التثفيل الصناعي

Jgugjggug.jpg

تعتمد بعض المصانع على النمط الأخير من المثفلات لتنقية منتجاتها أو تسريع عمليات التجفيف والاستخلاص الصناعي. وهنا تستخدم مثفلات كبيرة تصمم بالحجم الذي يناسب الصناعة الخاصة لاستيعاب خطوط الإنتاج.

ويمكن إجراء بحوث حيوية متقدمة باستخدام النظائر المشعة radioisotopes قبل إخضاع الخلايا إلى عملية التثفيل لمتابعة مراحل استقلاب الجزيئات الموسومة بالنظير المشع وتحديد العضيات الخلوية التي لها الدور الأساسي في عمليات التركيب الحيوية. ويبرهن على حركة الجزيئات باستخدام طريقة التصوير الشعاعي الذاتي autoradiographie في كل مرحلة زمنية من التثفيل.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك طرائق خاصة من التثفيل التفاضلي تطبق لفصل الفيروسات أو جزيئات الدنا DNA أو الرنا RNA أو البروتينات وغيرها من الجزيئات المتناهية في الدقة، وقد أطلق عليها اسم التثفيل متساوي الكثافة c.isopycnique أو التثفيل المِنْطَقي c.zonale وفي هذه الطرائق تستخدم محاليل أملاح المعادن الثقيلة مثال كلور السيزيوم الذي يحدث التثفيل التفاضلي فيها مناطق من التدرّجات مرتبطة بالكثافة التي تتزايد من أعلى أنبوب التثفيل إلى أسفله.

وهكذا يلاحظ إن طرائق التثفيل المختلفة تستخدم في مجالات متنوعة في مخابر التحليل الكيماوي والطبي والتطبيقات الصناعية، وتطبق أيضاً في مراكز الطاقة النووية لفصل نظائر اليورانيوم 235 عن اليورانيوم 238.

المصادر

محمد أبو حرب. "التثفيل". الموسوعة العربية.

مراجع

  • Harrison, Roger G., Todd, Paul, Rudge, Scott R., Petrides D.P. Bioseparations Science and Engineering. Oxford University Press, 2003.
  • Dishon, M., Weiss, G.H., Yphantis, D.A. Numerical Solutions of the Lamm Equation. I. Numerical Procedure. Biopolymers, Vol. 4, 1966. pp. 449–455.
  • Cao, W., Demeler B. Modeling Analytical Ultracentrifugation Experiments with an Adaptive Space-Time Finite Element Solution for Multicomponent Reacting Systems. Biophysical Journal, Vol. 95, 2008. pp. 54–65.
  • Cole, J.L., Hansen, J.C. Analytical Ultracentrifugation as a Contemporary Biomolecular Research Tool. Methods and Reviews, 1999/2000.
  • Howlett, G.J., Minton, A.P., Rivas, G. Analytical Ultracentrifugation for the Study of Protein Association and Assembly. Current Opinion in Chemical Biology, Vol. 10, 2006. pp. 430–436.
  • Dam, J., Velikovsky, C.A., Mariuzza R.A., et al. Sedimentation Velocity Analysis of Heterogeneous Protein-Protein Interactions: Lamm Equation Modeling and Sedimentation Coefficient Distributions c(s). Biophysical Journal, Vol. 89, 2005. pp. 619–634.
  • Berkowitz, S.A., Philo, J.S. Monitoring the Homogeneity of Adenovirus Preparations (a Gene Therapy Delivery System) Using Analytical
  • Ultracentrifugation. Analytical Biochemistry, Vol. 362, 2007. pp. 16–37.