تاريخ بوگندا

علم بوگندا

تاريخ بوگندا هو تاريخ مملكة شعب باگندا، أكبر الممالك التقليدية في ما هو اليوم أوغندا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بوگندا في القرن 19 قبل وبعد الاستعمار

نظام الحكم

جماعة مسلحة للحرب من الباگندا.

أما عن الوضع السياسي في اوغنده، فقد وجدت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عدة ممالك أولهما وأقواهما مملكة بوغندة أو اوغندة وهما اسمان لمملكة واحدة وتقع شمال غرب بحيرة فيكتوريا تحدها مملكة بونيورو أو اونيورو، ومملكة بوسوجا شرقا ، ونورو غربا (1) وكاراجوي جنوبا.

هذا وقد وصلت مملكة اوغندا من الناحية السياسية الى درجة متقدمة لم تشهدها بقية الممالك الاستوائية أما اونيورو فقد ظلت محتفظة بقوتها لمدة قرنين حتى القرن التاسع عشر فتولت اوغنده الزعامة (2).

وللمملكة نظام هرمي فالملك أو الكاباكا على رأس الهرم الاجتماعي يتمتع بسلطات مطلقة على رعاياه وهو الميئول عن ادارة المملكة يساعده مجلس المملكة اللوكيكو يرأسه رئيس الوزراء في يده السلطة المركزية، ثم حكام الاقاليم، ويعتبر موتيسا وابنه موانجا من أشهر ملوك اوغنده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد عاصرا فترة التدخل الاوروبي، ونشاط البعثات التنصيرية (3)ز

الديانة

وكان أهالي البلاد يدينون بالوثنية، وانتشرت بينهم عبادة التواتم. ويعتبر الاسلام أول الأديان السماوية دخولا الى اوغنده. فقد انتقل اليها عن طريقين الأول طريق السودان ولو أن وجود منطقة السدود كان عقبة في سلبيل انتشاره، ولكن وصول القوات المصرية وامتداد الامبراطورية المصرية الى المديرية الاستوائية في أقصى جنوب السودان شمال اوغنده في عقد الخديوي اسماعيل كان عاملا هاما في نشر الاسلام.

الإسلام

أما الطريق الثاني الذي لا يقل أهمية وهو الأكثر قدما فهو طريق ساحل أفريقيا الشرقي حيث لعب عرب مسقط وعمان دورا هاما في نشر الاسلام في المناطق الداخلية وانتشر الاسلام سلميا بين السكان (4).

ويرجع الفضل الى التاجر المسلم أحمد بن ابراهيم في دخول الاسلام اوغنده قادما من زنجبار، وقد توغل في مملكة كاروجوي الواقعة جنوب اوغنده غرب بحيرة فيكتوريا 1844 باحثا عن العاج والرقيق. وقد اقنع هذا التاجر ملك اوغندا الملك سونا باعتناق الاسلام ، ورحب الملك بالتجار العرب الذين اشتركوا معه في حملاته العسكرية ضد أعدائه، ولكن سرعان ما حدث سوء تفاهم بين الطرفين وذلك لأن قوافل العرب كانت تحمل الأسلحة فخشى الملك سونا من أن يمد العرب أعدائه بالاسلحة فأصدر أمرا بمنع دخول التجار وعبور نهر كاجيرا ومنع التجار العرب من دخول اوغندا حتى تولى أميدسا أو موتيسا (1857-1884) الذي سمح لهم بدخول البلاد باعتبارها أقوى الممالك وانما تجاروا ايضا مع رومانيكا ملك كاراجوي.

موتيسا الأول كان كاباكا من أكتوبر 1856 وحتى وفاته في 1884.

وأقام العرب في اوغنده عدة مراكز تجارية، كما أقاموا مخازن لحفظ السلع وازداد الطلب في اوغنده على الأسلحة النارية والملابس القطنية، ومما ساعد على تقوية العلاقة في عقد الملك موتيسا الأول عدة عوامل منها انتقال عاصمة البوسعيد من مسقط الى زنجبار كما أوضحنا من قبل، فتزايدت القوافل العربية القادمة من ساحل شرق أفريقيا للحصول على منتجات أفريقيا الداخلية، كذلك أدى صعوبة الاتصال بالمملكة في موسم الأمطار على حاجة العرب الى اقامة المراكز الدائمة في اوغنده مما أدى الى ازدياد انتشار الاسلام (2).

هذا وقد أفاد التجار العرب من سماح موتيسا لهم بالاستقرار في العاصمة، فاستغلوا بحيرة فيكتوريا في نقل متاجرهم وسلعهم والاتصال بمستعمراتهم ومستودعاتهم التجارية الواقعة جنوب بحيرة فيكتوريا، واستخدموا الأدوات والمراكب الشراعية التي بنوها بأنفسهم وصارت تخترق مياه البحيرات من أقصاها وانتهز العرب الفرصة فأخذوا ينشرون الاسلام ولم تكن علاقة العرب ودية مع موتيسا ملك اوغندا فحسب بل مع رومانيكا حاكم كاراجوي ومع ميرامبو حاكم اونيا مويزي ومع جواوا حاكم اوهيهي وكان هؤلاء الزعماء يشنون الاغارات على جيرانهم ويقومون بتسليم اسراهم كرقيق للتجار العرب ويحصلون مقابل ذلك على الأقمشة التي كانوا يدفعونها رواتب لجنودهم ولما كان التجار العرب يعترفون بنفوذ السيد سعيد بن سلطان في زنجبار، فقد نقلوا هذا النفوذ الى اقليم البحيرات العظمى والمجاري العليا للكونغو والنيل (1).

المسيحية

موتيسا الأول من بوگندا، الذي زاره العديد من المستكشفين، مثل جون هاننگ سپيك وجيمس أوگستس گرانت وهنري مورتون ستانلي، دعا جمعية إرساليي الكنيسة إلى بوگندا. أحد الإرساليين من جمعية إرساليي الكنيسة كان ألكسندر مردوك ماكاي. موتيسا لم يتحول إلى أي ديانة، بالرغم من المحاولات المتعددة.

البعثات الكشفية والتنصيرية في اوغنده

ساهمت البعثات التنصيرية والكشفية في استعمار اوغندا، وكانت حركة كشف منابع النيل الاستوائية هي بداية الخطر الذي لحق بالبلاد. فقد ظلت منابع لانيل (2) تشغل أذهان الكثيرين حتى تم جلاء الغموض عنها في القرن التاسع عشر ، ويعزى الى محمد علي الفضل في ارسال البعثات الى النيل، فقد أوفد أولى هذه البعثات في عام 1839 ثم وصلت بعثة كشفية أخرى الى غندكرو (3).

وفي عام 1843 أرسلت جمعية الارساليت البريطانية المنصر الألماني كراف الى سواحل أفريقيا الشرقية، الذي استطاع لفت أنظار الدول الاوروبية الى ضرورة التوغل في داخل القارة. كما زودها بمعلومات جغرافية عن أفريقيا الشرقية. وكان كشف كراف بداية لدخول البعثات التنصيرية الى اوغندا اذ أسفرت جهوده عن انشاء عدة محطات للتنصير، كما أنه لفت الأنظار لوجود بحيرة عظيمة في اونيامويزي، وفي عام 1849 نجح في الكشف عن جبل الجون عند الحدود الشرقية لاوغنده (4) ومنها اتجه شمالا الى بلاد اتشولي ولانجو. وكان سبيك أثناء رحلته قد سمع بالبحيرة الغربية الكبرى والتي تعرف الآن باسم ألبرت نيانزا ولكنه لم يتمكن من الوصول اليها وعند وصول غندكرو في فبراير 1863 قابله صمويل بيكر فأوصاه سبيك باكتشاف البحيرة والتي أطلق عليها اسم بحيرة ألبرت (5).

وبعد عودة سبيك الى انجلترا اخذ يروج لفكرة انشاء مستعمرة تنصيرية في هذه الاقاليم ولاسيما في ممالك اونيوزو وكاراجوي واوغنده وذكر، يجب على جميع ارساليات الكنيسة أن توجه بصفة خاصة انتباهها لأنها سوف تجد ملوكا أقوياء لحمايتها ولسوف تجد تربة خصبة لسد حاجتها وشعبا ثريا (1).

أنا صمويل بيكر فقد عمل في مصر وحصل من سعيد باشا على فرمان بمساعدة عدد من موظفي الحكومة المصرية في السودان، فقضى عاما متتبعا روافد النيل عند الحبشة، وطاف بالبلاد عند نهر عطبرة والنيل الأزرق، والنيل الأبيض حتى ملتقاه عند السوباط ونشر رحلته في عام 1867 (2).

ثم عاد من رحلته الى الخرطوم ومنها تقدم جنوبا في النيل الابيض حيث عرضت عليها الجمعية الجغرافية الملكية أن يتقدم في النيل جنوبا باحثا عن سبيك وجرانت. وعندما علم بوصولهما الى منابع النيل اتجه الى البحيرة التي أطلق عليها اسم بحيرة البرت (3) 1864 تكريما لزوج الملكة فيكتوريا وشاهد المساقط المائية التي سماها شلالات مرشيزون تكريما لرئيس الجمعية الجغرافية (4).

وكان لبيكر جولات أخرى في منابع النيل الاستوائية فقد أوفدته الحكومة المصرية عام 1869 لاخضاع الاقاليم الواقعة جنوب غندكرو للادارة المصرية وانشاء عدة مراكز عسكرية وتجارية في تلك الأقاليم وفتح النيل للملاحة من غندكرو الى البحيرات الاستوائية العظمى ونقل السفن الى بحيرة البرت وذلك بهدف ادخال الحضارة والمدنية في هذه الجهات (5).

ولما كانت مشكلة منابع النيل ومساحة البحيرات الاستوائية لم تحل الا جزئيا على أيدي لفنسجتون وبرتون وسبيك وجرانت، فقد استطاع ستانلي أن يقنع أصحاب صحيفتي "تليك جراف" و"نيويورك هيرالد" بالتعاون معا لتمويل حملة كشفية هدفها حل المعضلات المتبقية عن جغرافيا أفريقيا الوسطى. وكانت النتيجة تكليف ستانلي بالقيام برحلة الى أفريقيا استغرقت حوالي عامين. وقد غادر ستانلي في 11 نوفمبر 1874 باجامايو وسلك طريق طابورة ثم وصل في فبراير 1875 الى الشاطئ الجنوبي الشرقي لبحيرة فيكتوريا وقام بالملاحة فيها وزار عام 1875 الملك موتيسا في عاصمته الجديدة روباجا ثم عاد الى الركن الجنوبي الشرقي من البحيرة واثبت أن بحيرة فيكتوريا بحيرة واحدة متصلة كما ذكر سبيك وليست مجموعة من البحيرات الصغيرة كما ذكر لفنتجستون وبرتون. ثم وصل ستانلي الى بحيرة ألبرت وأكل استكشاف منابع النيل. ثم توجه جنوبا الى تنجانيقا ثم قام بعدة اكتشافات في نهر الكونغو (1).

وفي عام 1874 اكتشف الكولونيل الأمريكي شايي لونج بحيرة ابراهيم احدى البحيرات التي ينبع منها نهر النيل وهي الواقعة شمال بحيرة فيكتوريا وسماها باسم ابراهيم باشا والد الخديوي اسماعيل وكانت تسمى بحيرة كيوجا مما يدل على دور مصر الحضاري في هذه الجهات (2) هذا وقد ذكرها جورج سفانيفورت في خريطته التي وضعها باسم بحيرة ابراهيم. كما اكتشف مجرى الني لمن واروندجانيالي مرولي وفويره (3).

وكان كشف الغموض عن المسطحات المائية أولى الخطوات التي مهدت لاستعمار هذه المناطق.

هذا وقد ارتبط التنصير بالبعثات الكشفية فقد ظلت المناطق الداخلية من القارة مجهولة من قبل الاوربيين حتى تم استكشاف معالمها الجغرافية خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان المنصرون هم الرواد الأوائل لحركة الكشف الجغرافي في أفريقيا الشرقية حيث سلكوا في توغلهم من الساحل الى الداخل طرق القوافل العربية واسترشدوا بادلاء من العرب والسواحيلية (1).

التزم المنصرون بخطة اثارة الأفارقة ضد العرب، سواء في شرق افريقيا في زنجبار أو في افريقيا الداخلية ووضعوا نصب أعينهم مقاومة الدين الاسلامي، والنفوذ العربي وعملت كل طائفة من المنصرين لتدعيم نفوذ ومصالح دولهم التي ينتمون اليها، كذلك مهدت البعثات الكشفية للدول الاوروبية وضع ايديها على المناطق الداخلية في أفريقيا (2).

ويمكننا لاقوم بأن أهم وأول الهيئات التنصيرية في شرق أفريقيا بصفة عامة كانت جمعية الكنيسة التنصيرية والتي تأسست في لندن عام 1799 باسم جمعية الارساليات الى أفريقيا والشرق وهي أول الهيئات البروتستانتية الانجليزية التي اهتمت بالتنصير في أفريقيا الشرقية والوسطى وأنشأت في راباي في عام 1844 أول مركز تنصيري في المنطقة بعد طرد البرتغاليين وكان مبعوثوها المنصر الألماني كراف (3) وبيمان وايرهادرت الذين كانوا يعملون لحسابها على الرغم من رعويتهم الألمانية (4).

وصل كراف زنجبار عام 1844 يحمل توصية من لورد ابردين وزير الخارجية البريطاني الى السيد سعيد بن سلطان الذي رحب به وزوده بتوصية الى ولاته بالساحل يدعوهم فيها الى تقديم المساعدة الى هذا الرجل الأبيض الذي جاء يدعو الله، ويعزى هذا الموقف من جانب السيد سعيد اما لاعتقاده بان المنصر الاوروبي لم يأتي الى أفريقيا الى لهداية القبائل الوثنية فحسب وليس لمحاربة الاسلام واعاقة انتشاره أو لرغبته في التودد للحكومة البريطانية ومحاولة استرضائها.

ولاشك أن توصية لسطان زنجبار كانت بالغة الاثر ولولاها ما استطاع كراف أن يحصل على مساعدة قاضي لامو المسلم في ترجمة الكتاب المقدس الى اللغة السواحيلية أو أن ينزل آمنا مطمئنا على حياته بأراضي قبيلة وانيكا الوثنية فيما رواء ممبسة. والتي كانت تدين بالولاء لزنجبار، وذلك بعد أن تعذر عليها مباشرة عمله وسط قبائل الجالا الصومالية (1).

ومنذ عام 1844 اتخذ كراف وزميلاه من ممبسة قاعدة للتوغل في الاقاليم الداخية وبحثو عن الاماكن التي تصلح لاقامة مركز للتنصير فأسسوا في راباي مركز للتنصير كما تجولوا في المنطقة في الفترة ما بين 1848-1849 هذا بينما كان ريبمان يسعى جاهدا لاكتشاف جبال كينيا خاصة كبيمناجارو (2).

بذل كراف جهادا كبيرا للاطاحة بالنفوذ العربي خاصة في شرق افريقيا ولكن رغم كل هذه الجهود لم يحقق مركز راباي للتنصير تقدما في أعماله وعجز عن جذب الأهالي اليه وذلك لأن التنصير في ساحل أفريقيا الشرقي لقى تحديا من جانب الاسلام، وقد عاد كراف الى اوروبا عام 1853 وتبعه ابرهارد وظل ريبمان بمفرده ثم عاد الى وطنه عام 1875 وتوقف النشاط التنصيري ابان العقد السادس الا أنه استؤنف بشكل جديد عقب زيارة فرير لزنجبار عام 1876 وانشئت جمعية الكنيسة التنصيرية بايعازه مستعمرة الرقيق المحررين في السهل الساحلي المقابل للمبسة واطلق عليها فريرتون نسبة اليه وتحت اشراف المنصر، ثم توالت البعثات الكشفية، ولعل أهممها بعثة ريتشارد بيرتون Richard Burton وسبيك Speke. وكان برتون ضابطا في الجيش الانجليزي اتقن اللغة العربية. وفي عام 1854 عمل في لندن، ثم قام بعدة رحلات الى شرق افريقيا بهدف الوصول الى النيل وفي عام 1856 اسندت اليه الجمعية الجغرافية اكتشاف ساحل أفريقيا الشرقي ومعه سبيك وفي عام 1857 وصلا زنجبار ونزلا عند الساحل الشرقي عند باجامايو ومنها توجها صوب الجنوب الغربي ومنها الى طابورة عام 1857 قرب بلدة اوجيجي. وعلما في طابورة بوجود ثلاث بحيرات عظمى هي نياسالاند وفيكتوريا و تنجانيقا. ثم استأنفا الرحلة فوصلا اوجيجي عند بحيرة تنجانيقا، والتي تم اكتشافها عام 1858. وتعتبر أول بحيرة يتم اكتشافها من تلك البحيرات الثلاث ثم عاد الى طابورة وعلما بأ، هناك بحيرة شمالا أعظم من تنجانيقا، فواصل سبيك الرحلة بمفرده بعد مرض برتون، ونجح في الوصول الى البحيرة وأطلق علهيا فيكتوريا نيانزا عام 1858. وقد سمع عن هذه البحيرة من التجار العرب فأكد بأنها منبع النيل ثم عاد الى زنجبار عام 1859 (1).

هذا وقد أثار نجاح سبيك حماس الجمعية الجغرافية فقررت ارساله في رحلة ثانية عام 1860 بصحبة ضابط من الجيش الهندي هو جيمس جرانت فوصلا الى زنجبار ومنه اتجها الى الشمال الغربي الى بحيرة فيكتوريا، وكان الهدف الرئيسي من الرحلة هو التأكد من خروج النيل من البحيرة وقد اتجها عبر نهر كاجيرا واخترقا مملكة كاراجوي في اوغنده فأحسن ملكها رومانيكا استقبالهما وديا. وألبغ موتيسا ملك اوغندا بوصولهما الى أراضيه فدعاهما لمقابلته، ووصل سبيك الى العاصمة باندا، فوجد أن سكان اوغنده على جانب كبير من الحضارة والتقدم، واكرم الملك موتيسا وفادته، وكان سبيك وجرانت هما أول من دخل مملكة اوغنده من الاوروبنيين. وهذا وقد حاول سبيك الافادة من الموقف فتحدث مع موتيسا عن المسيحية ومبادئها، ولكنه مني بخيبة أمل بسبب ميل الملك الى العرب والمسلمين، ولذلك قرر فور عودته ضرورة المطالبة بالقضاء على النفوذ العربي وارسال المنصرين الى اوغنده واتخاذها قاعدة للتوسع البريطاني في أفريقيا الوسطى (2).

واصل سيبك وجرانت الرحلة وطافا حول ساحل البحيرة الشمالي، حتى تتبعا مخرج نهر النيل من الجهة الشمالية حيث الشلالات التي أطلق عليها سبيك "شلالات ريبون" في يونيو 1862. ثم قصد في سبتمبر 1862 البريطاني بريس وبدأت أعمالهما في عام 1875.

وأخذ المنصرون يشجعون العبيد على الهرب من أسيادهم العرب، والالتجاء الى المستعمرة التي صارت تستقبلهم وتمنحهم حماية الجمعية ثم تقوم بتهيئتهم للخدمة عند الاوروبيين دون أجر أو بأجور زهيدة فاصبحوا أحرارا من الناحية النظرية واستقبلت المستعمرة الوافدين ليس فقط من ساحل القارة وانما من المناطق الداخلية ودعا فرير الى تعليم فرق من الافارقة وتهيئتهم كي يصبحوا كهنة فيكونوا أقدر على العمل التنصيري في المناطق الداخلية (1).

وجدير بالذكر أن الفرنسيين اسهموا في النشاط التنصيري وكما المنصرون الكاثوليك قد عملوا في زنجبار منذ عام 12860 ثم أنشأت جمعية الروح المقدسة عام 1863 مركزا تنصيريا دائما في زنجبار عرف باسم محطة او مركز الآباء السود وفي عام 1868 أنشأ آباء الروح المقدسة على الساحل مستعمرة العبيد المحررين (2).

ومضى المنصرون الفرنسيون في مزاولة أعمالهم ولقوا التشجيع من الأسقف شارل لافيجيري 1825-1892 الذي عمل كردينالا كما عمل أسقفا من قبل في الجزائر ووضع عام 1868 نظام الآباء البيض التنصيري ثم أخذ يدعو لشن حملة صليبية جديدة للقضاء على الاسلام. وفي 24 فبراير 1878 أصدر البابا ليو الثالث عشر مرسوما بانشاء اسقفيتين في أفريقيا الشرقية لتتوليا أعمال النصير وتختص أحداهما ببحيرة فيكتوريا والثانية ببحيرة تنجانيقا وان تكون هاتان الاسقفيتان تابعتين لاسقفية الآباء البيض في الجزائر برئاسة لافيجري (3).

استمر عمل الارساليات البريطانية رغم نشاط الارساليات الفرنسية ونجح ستانلي في زيارة الملك موتيسا ملك اوغندا عام 1875 الذي أحسن استقباله ويمكننا القول أن بعثات المنصرين بدأت تغزوا اوغندا بعد مقابلة ستانلي لموتيسا فطلب من بلاده ارسال المزيد من الارساليات التي مارست نشاطها في اوغنده، اونيورو، بوسوجا، تورو، والجون (4).

وهناك حقيقة هامة ينبغي ألا نغفلها وهي أن اوروبا راقبت بعين القلق والحسد نشاط مصر في أفريقيا وامتداد نفوذها في أفريقيا الوسطى فعملت على الحيلولة دون امتداد هذا النشاط جنوبا ولذلك لقيت دعوة ستانلي بارسال المزيد من البعثات لاوغنده تأييدا كبيرا وأقبل الشعب البريطاني على التبرع من أجل تاسيس ارسالية مسيحية في اوغنده فتم جمع أربعة وعشرين ألف جنيه ، وعرض المبلغ على جميعة الكنيسة التصنيرية في مقابل الزامها بارسال بعثتين الأولى في كاراجوي والثانية في اوغنده خاصة وأن شعب كاراجوي مسالم كما أن رومانيكا أكثر هدوءا من موتيسا.

وأوحت اللجنة بأن يسلك المنصرون طريق افريقيا الشرقية وأن يرسل كتابا الى جوردون لطلب مساعدته وأن يطلب حماية سلطان زنجبار لتأمين طريق الارساليتين حتى انيانيمبي وان تقدم الهدايا لموتيسا ورومانيكا (1).

تطوع للعمل كل من الضابط البحري شير جولد سميث والمهندس ألكسندر ماكاي والقس ويلسون والمهندس المعماري اونيل ، وجون سميث، وهو طبيب من أدنبره وفي 22 يونيو 1877 سمع موتيسا للبعثة بدخول ابلاد فكان سيرجولد سميث وويلسون أول من دخل المملكة من جمعية الكنيسة التنصيرية (2).

تمكنت الارساليات المسيحية سواء البروتستانتية أو الكاثوليكية خلال خميسن عاما من غرس المسيحية ونشر تعاليمها في جميع أنحاء البلاد وزاولت البعثات الانجليكانية نشاطها في اوغندا، بونيرو، تورو، بوسوجا، وألجون. أما البعثات الكاثوليكية الفرنسية ويمثلها جمعية الآباء البيض فقد مارست عهملها في بونيرو وتورو وبوجندا جنبا الى جنب مع الارساليات البروتستانتية (3).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تصدي المنصرين للنشاط المصري في اوغنده

بدأت علاقة مصر بمملكة أوغنده (بوجندة) منذ أن أوفدت الحكومة المصرية السير صمويل بيكر الى أعالي النيل عام 1869 للقضاء على تجارة الرقيق ومكافحتها في الاقاليم الاستوائية وفتح هذه الاقاليم للتجارة المشروعة ومع أن بيكر اعتقد أن الغرض من ارساله الى غندكرو انما كان توسيع ممتلكات مصر في جهات خط الاستواء قبل أي اعتبار آخر فأخذ على عاتقه اثارة الحروب وخوض المعارك والفتك بالأهالي (1).

وجدير بالذكر أن اختيار بيكر جاء بناء على مساهمته في كشف منابع النيل وخبرته في هذه المناطق (2). هذا وقد نجح بيكر في مهمته وبسطت مصر سيطرتها على أعالي النيل في المنطقة المعروفة باسم المديرية الاستوائية والتي امتدت من جنوب مديرية فاشودة الى جنوب خط الاستواء 1869-1889 كما بسطت سيطرتها على الادو ولابوري والرجاف على النيل الأبيض ومكركة جنوب بحر الغزال ومرولي على نيل فيكتوريا وماجنجو في بحيرة ألبرت وماسندي في اورندجاني على مدخل بحيرة فيكتوريا وفي البلاد الواقعة حولها وحول بحيرة البرت وكيوجا (3).

كما أصبحت غندكرو محطة هامة لتجارة الرقيق والعاج. وفي عام 1874 رفع بيكر العلم المصري عليها وأطلق عليها الاسماعيلية وجعلها عاصمة لمديري خط الاستواء (4).

ثم اتجه بيكر جنوبا ودخل مملكة اونيرو 1872-1873 والي كان يحكمها الملك كاباريجا، وتقدمت قواته في 22 مارس 1872 الى فويرا، وأسس بها محطة. وفي 15 أبريل وصل الى كوكي ثم دخل ماسندي عاصمة اونيورو. وكان كاباريجا قد أظهر الولاء للحكومة لامصرية وارسل هدى الى بيكر وفي 14 مايو 1872 أعلن بيكر دخول اونيرو تحت الحماية المصرية وبحضور الملك كاباريجا الذي تظاهر بالولاء لمصر ثم ما لبث أن قام بعدة اضطرابات فتم طرده من الحكم وعين ريونجا بدلا منه ولكن بسبب هذ الاضطرابات اضطر بيكر للتراجع الى ماسندي (1).

وعندما علم الملك موتيسا ملك اوغنده بدخول قوات بيكر اونيورو، أرسل لمقابلته ووجه اليه الدعوة لزيارة اوغنده. وكان هدف موتيسا هو التحالف مع بيكر ضد كاباريجا خصمهما المشترك . ولذلك ارسل قوات وامدادات لبيكر قدرت بستة آلف رجل ضد كاباريجا الذي ظل مسيطرا على الموقف بسبب التفاف الأتباع حوله في اونيورو وظل هو الحاكم الفعلي في البلاد فبدأ يفكر في خطب ود ممثلي الحكومة المصرية من جديد (2).

ثم هيأت الظروف في مصر لكاباريجا الفرصة لتحسين علاقته بها، لأن الحكومة لامصرية ارادت خلال هذه الفترة دعم نفوذها في المديرية الاستوائية جنوب السودان ومد سلطانها الى اقاليم النيل العليا وفتح هذه المناطق للتجارة ولذلك عهدت الى تشارلز جوردون بهذه المهمة وطلب منه ضرورة توطيد الصداقة مع الزعماء الوطنيين خاصة في المناطق المجاورة للبحيرات الاستوائية وأكد الخديوي اسماعيل في تعليماته لجوردون في عام 1873، بأنه لا يريد ضم أرضا وانما يريد فتح هذه الاقاليم للعالم والقضاء على تجارة الرقيق (3).

وبفضل هذا التعاون انفتح أمام مصر طريق التجارة ليس بينها وبين أعالي النيل فحسب وانما بين أعالي النيل وزنجبار (4).

وتم تعيين جوردون مديرا لخط الاستواء 1874-1876 ثم عين حكمدار لعموم السودان عام 1877 وعين ابراهيم فوزي بدلا منه في خط الاستواء ثم أمين باشا. واتجه الى السودان عن طريق البحر الأحمر ثم وصل الخرطوم ومنها اتجه جنوبا على ظهر البواخر المصرية، وصحبه ابراهيم افندي فوزي، ووصلت البعثة فاشودة ثم تابعت سيرها الى السوباط ثم غندكرو (الاسماعيلية) ومنها الى اللادو عاصمة مديري خط الاستواء بدلا من غندكرو، ثم تابعت سيرها جنوبا في بحيرة ألبرت وأنشأت بالدفلاي شمال البحيرة ترسانة لتنظيم الملاحة لأعالي النيل والبحيرة (1).

وعند وصول جوردون الى غندكرو قاعدة مأموريته في 17 أبريل 1874 وصل اليها مبعوثون من قبل موتيسا وكاباريجا محملين بالهدايا للخديوي اسماعيل وكانت هدية موتيسا تتكون من كمية من العاج وبعض منتجات بلاده وستة من الأطفال الرقيق، وأبدى الملك على لسان مبعوثيه رغبته الأكيدة في عقد أواصر الصداقة مع الحكومة المصرية وطلب ارسال فقيه لكي يلقن شعبه القرآن الكريم (2).

وكانت نتائج هذه الزيارة هامة بالنسبة لمصر وذلك من أجل تنمية تجارة السودان فقد وجد موتيسا أن التجارة مع السودان أيسر وأسهل وأسرع من التجارة مع ساحل زنجبار فالرحلة الى المنطقة الأخيرة تستغرق ثلاثة اشهر بينما كانت المسافة بين مملكة موتيسا وغندكرو قاعدة مصر لا تزيد عن عشرين يوما فقامة علاقات تجارية بين الطرفين أي بين اوغنده والسودان لا يوفر الوقت فحسب بل يوفر الحماية لموتيسا ايضا من خطر الاعتماد على زنجبار وحدها في امداده بالبضائع التجارية والأسلحة النارية (3).

هذا وقد أوصى جوردون الحكومة المصرية بارسال الفقهاء الى اوغنده وتلقين موتيسا وشعبه القرآن الكريم كما أوصى بارسال الهدايا اليه وأكد أن موتيسا في اوغنده يفوق كاباريجا حاكم اونيورو نفوذا وقوة وأنه لابد من توطيد أواصر الصداقة بين الطرفين. ويبدو أن الحكومة المصرية أرادت اقامة الصلات مع الحاكمين فأرسلت الهدايا الى حاكم اونيورو وكاباريجا (4).

أرادت مصر تدعيم سيطرتها على اوغنده فأرسلت الضابط الأمريكي شاليه لونج (1)، الذي عمل في خدمة مصر 1870 ثم عين رئيسا لأركان حرب جوردون 1874 فولاه مديرية خط الاستواء وكانت التعليمات الصادرة اليه هو العمل على تقوية روابط الصداقة بين الحكومة المصرية وموتيسا وتنمية التجارة بين السودان واوغنده واقناع الملك موتيسا بتصدير العاج لمديرية خط الاستواء بدلا من تسليمه للتجار في زنجبار واكتشاف منابع النيل ما بين غندكرو وبحيرة فيكتوريا تمهيدا لعمل السفن المصرية في المنطقة وقد اتجه لونج الى موتيسا في عاصمة روباجا واقام في اوغنده حوالي شهر تعددت خلاله مقابلاته مع موتيسا كما تفقد بحيرة فيكتوريا ثم غادر روباجا عائدا الى مديرية خط الاستواء ، واكتشف بحيرة ابراهيم (كيوجا) ووضع مؤلفا عند رحلاته في أفريقيا (2).

هذا وقد اكد شريف باشا، وزير خارجية مصر أن مصر ضمت منطقة البحيرات اليها بعد أن استولى جوردون على مرولي عند نيل فيكتوريا، وأن الجنود المصريين أسسوا عدة محطات في ماسندي عاصمة اونيورو، كذلك في اورندجاني وعند شلالات ريبون وفي الدفلاي، وبذلك تكون مصر قد بسطت سيطرتها حول بحيرتي فيكتوريا والبرت هذا وقد نشرت الوقائع المصرية عام 1876 أن جوردون أكد أن الملك موتيسا طلب منه عساكر وتم وضع ثلاثين جنديا في بلدة اورندجاني وذلك تأكيدا لما ذكره لونج.

وفي رسائل جوردون أكد أن الملك موتيسا أقام يمين الولاء لمصر عام 1876 وأن الحامية المصرية استقرت في روباجا عاصمة الملك. هذا وقد حصل لونج على اعتراف الجمعية الجغرافية والأمريكية على جهوده في شواطئ البحيرات الاستوائية وادخاله في زمرة المكتشفين والجغرافيين وأكثر التقارير الى الجمعيات العلمية والهيئات المسئولة (3) فرحبت به الجمعيات العلمية الفرنسية في باريس وروان وذلك لأنه انحاز لفرنسا وأكد أن لها السبق في أفريقيا عن بريطانيا كما ندد بسياسة بريطانيا الاستعمارية في افريقيا الشرقية والوسطى.

هذا وقد ظل يونج حتى آخر أيامه يؤكد توقيع معاهدة 1874 مع الملك موتيسا بينما رفضت السلطات البريطانية الاعتراف بها لمد نفوذها على المنطقة (1).

وقد انتهز لونج فرصة القاء محاضرة أمام الجمعية الجغرافية النورماندية في روان بفرنسا فذكر أنه أبرم المعاهدة ونشر المحاضرة بعنوان منابع النيل (2). وفي عام 1892 نشر كتابا عن مصر وأقاليمها المفقودة (3) وأكد فيه من جديد توقيع معاهدة 1874 مع موتيسا وأكد أن المعاهدة تمت بمساعدة أحد المترجمين العرب وأرسل خطابا الى الجمعية الجغرافية 1908 فيه نص المعاهدة. ولكن اختلفت التفسيرات حول هذه المعاهدة فقد انكرتها السلطات البريطانية وأكدت أن لونج كان مريضا خلال فترة اقامته لدى موتيسا لم تكن الفرصة سانحة له لتوقيعها ولكن الذي يهمنا سواء وقعت المعاهدة أم لا أن هناك حقيقة هامة إلا وهي امتداد النفوذ المصري المسلم الى منطقة البحيرات الاستوائية ودعم السيطرة المصرية حول بحيرتي فيكتوريا وتوطيد الصلات مع ملك اوغنده موتيسا (4).

أرسل جوردون ارنست لينان دي بلفون الى اوغنده بعد عودة لونج وأرسل معه نسخ من القرآن الكريم واتجه لبنان الى فاتيكو 1875 ثم فويرا ثم مرولي ودخل اوغنده حيث قابل الملك موتيسا في 13 أبريل 1875 وطلب لبنان انشاء محطات عسكرية في المناطق المؤدية الى البحيرات الاستوائية ونصحه موتيسا بمساندة ريونجا خصم كاباريجا ملك اونيورو وقد حرص جوردون على انشاء المحطات بين فويرا وألبرت لتسيير دخول المراكب البخارية (5).

وأخذ لينان يشجع موتيسا وشعبه للدخول الى الاسلام ثم اتجه الى بحيرة فيكتوريا لمقابلة المكتشف الشهير ستانلي الذي يقوم بجولات كشفين في منطقة البحيرات الاستوائية وعندما علم بمهمة لينان في اوغنده أرسل خطابه الشهير الى صحيفة الديلي تلجراف من روباجا في 14 أبريل داعيا المنصرين البريطانيين للقدوم الى اوغنده. وحاول ستانلي اقناع موتيسا باعتناق المسيحية مؤكدا له أن البلاد في حاجة الى الشباب المسيحي لبناءها وانقاذها. ونشر ستانلي رسالته الشهيرة في نوفمبر 1875 داعيا المنصرين للعمل في اوغندا "أنني أتكلم الى ارسالية الجامعات في زنجبار والى الأحرار في ممبسة والى زعماء الأنسنيين والى شعب انجلترا الورع اغتنموا فرصتكم أن سكان شواطئ البحيرة يدعونكم (1).

نلاحظ هنا مدى حقد ستانلي فما كاد يعرف بوصول ارنست لينان الى اوغنده حتى بدأ في اثارة الهيئات التنصيرية البريطانية لتسرع الخطى وتجد لها موضع قدم في اوغنده.

هذا وقد قتل ارنست لينان أثناء اشتباكه مع احدى القبائل الوطنية فأسرعت الحكومة المصرية بارسال رومولو جيسي في 7 مارس 1876 الى اوغنده وقد نجح جيسي في ارتياد سواحل ألبرت وقدم بيانات عن شواطئها ورفع العلم المصري عليها وعلى ماجونجو (2).

وفي نفس العام أرسل الكولونيل مانسون للقيام برحلة حول بحيرة البرت ونشرت الجمعية الجغرافية تقريره الى جوردون عن المنطقة ثم ارسلت مصر بعثة نوراغا مدير فاتيكو في السودان في 1876 الى موتيسا لكي يتفق معه على اقامة مركزين في الطريق الى بحيرة فيكتوريا وظل موتيسا على علاقته الطيبة مع جوردون وسمح لنور أغا بالاقامة في روباجا العاصمة واقام الأخير محطتين في أورندجاني وروباجا عاصمة موتيسا ورفع العلم المصري عليها (3).

ولكن بسبب دسائس المنصرين تخوف موتيسا من النفوذ المصري فانقلب على نور أغا لأنه لم يتنازل عن استقلاله لمصر وجرد الجنود المصريين من أسلحتهم وأصبحوا تحت رحمته في روباجا ومنع وصول الحمالين اليهم وأكد أن رفع العلم المصري على قصره كان نوعا من التكريم فقط وأصبحت هناك مشكلة بالنسبة لجوردون إلا وهي تخليص الحامية المصرية في روباجا من موتيسا خاصة وأن الأخير جلب الأسلحة من تجار الساحل الشرقي (1).

وخلال تلك الأزمة زار موتيسا أمين أفندي (2) أحد موظفي خط الاستواء وهو الألماني ادوارد شنتزر الذي اعتنق الاسلام وعمل طبيبا في الخرطوم فكلفه بالذهب الى اوغنده لتحسين العلاقات مع حاكمها فوصل العاصمة روباجا في 22 يوليو 1876 (3).

حرص أمين أفندي على اخراج الحامية المصرية سالمة من روباجا واقنع موتيسا بارسال بعثة الى القاهرة للتفاوض مع المسئولين كذلك اقترح عليه أن تعترف الحكومة المصرية به ملكا على اوغنده ونجح أمين أفندي في مهمته ولكن موتيسا رفض ابرام معاهدة مع مصر أو ارسال سفارة الى القاهرة ولكنه وافق على خروج قوات نور أغا سالمة من روباجا في 31 أغسطس 1876 (4).

خرجت القوات المصرية سالمة من روباجا وعلل جوردون ذلك الانسحاب من جانبه أنه علم أ، الملك موتيسا يشتري كميات كبيرة من البارود من زنجبار، وأنه عقد العزم على القيام بعمل عدائي ضد القوات المصرية كما أنه رفع العلم البريطاني الذي تركه ستانلي في العاصمة، وأنه أي جوردون اضطر لسحب القوات المصرية من ماسندي في أونيورو رغم فرار كاباريجا من العاصمة ولكن الحقيقة أن الموقف في أونيورو لم يكن يستدعي الانسحاب ولكن جوردون أراد افساح العمل لبلاده لنشر النفوذ البريطاني في اوغنده واستبعاد مصر (5).

ويمكن القول بأن المنصرين البريطانيين في روباجا أثاروا شكل الملك موتيسا تجاه النوايا المصرية وبالغوا في تجسيم الخطر المصري في اقليم البحيرات ولعب المنصر سير جولد سميث وزميله ويلسون دورا هاما في هذا المجال. وأيدت وزارة الخارجية البريطانية نشاط هؤلاء المنصرين كذل اعضاء البرلمان البريطاني والجمعيات الانسانية. ولعل أبلغ دليل على ذلك أنه عام 1877 اجتمع برئاسة اسقف كنتبري نفر من البرلمان قدموا الى اللورد دربي وزير الخارجية مذكرة احتجاج ضد ما اسموه توسع الحكم المصري جنوبا الى بحيرة فيكتوريا نيانزا وتدخل مصر في استقلال موتيسا. كذلك لا ننسى دور القنصل العام البريطاني في زنجبار جون كيرك الذي قاد حملة شعواء ضد النفوذ المصري كما طلب من التجار البريطانيون في ساحل شرق افريقيا وفي زنجبار من الحكومة البريطانية حمايتهم وقد استجابت وزارة الخارجية البريطانية وأبلغت الخديوي اسماعيل 1877 بأن أية محاولة للاعتداء على أراضي موتيسا ستقابل بالاستنكار من جانب بريطانيا كما قوبلت من قبل محاولاته للتوسع على حساب أملاك سلطان زنجبار (1).

ولا ننسى دور جوردون في سحب الحاميات المصرية ليس من اوغندا وروباجا فحسب وانما من أونيورو وعلل ذلك بأن المنطقة غير حصية ورغم أن الموقف لم يكن يمثل خطورة على القوات المصرية في هذه الجهات وانما أراد تهيئة المنطقة للنفوذ البريطاني.

ولكن على الرغم من انسحاب مصر من اوغندا واونيورو الا أن ذلك لم يكفل الراحة للمنصرين البريطانيين لأنه سوف يتورطوا في نزاع مع الملك موتيسا نفسه بعد أن يشعروا بأنه تخلص من النفوذ المصري وسوف تتوتر العلاقة بين الطرفين حتى وفاته.

وجدير بالذكر أنه في الوقت الذي وصل فيه المنصرون البريطانيون الى اوغنده كانت المملكة قد بلغت درجة كبيرة من القوة وبدأت في السيطرة على مملكة بونيورو في الغرب ومملكة بوساجا في الشرق والمناطق الجنوبية الواقعة في مواجهة الشاطئ الغربي لبحيرة فيكتوريا ايضا هذا في الوقت الذي ارسل فيه سلطان زنجبار الدعاة الى المملكة لنشر الاسلام فيها وحققت الدعوة نجاحا اذ اعتنق موتيسا الاسلام غير أن المنصرين البريطانيين لم يتركوا موتيسا الا وقد ارتد عن الاسلام واعتنق المسيحية خاصة وان التأثير الاسلامي تزايد في المملكة من محورين شرقي أي من ساحل شرق افريقيا ومن محور شمالي قادما من مصر. هذا وقد ظلت الصحف البريطانية تشن حملاتها ضد الاسلام.

فنشرت الديلي تلجراف مقالا في 17 سبتمبر 1870 ذكرت فيه: وسوف يعقد لواء النصر للاسلام في الوقت الذي تمحق فيه المسيحية (1).

ولذلك جاهدت بريطانيا منذ فترة مبكرة لمحاربة النفوذ المصري في اقليم البحيرات وكتب جولد سميث: "بأن موتيسا ضم نفسه الى مصر، وعلق على ذلك "لسوف يكون يوما سيئا على الارساليات المسيحية عندما يحل القمر المشرف على الزوال محل نور الشمس"، ولذلك بذلت الجمعيات التنصيرية في لندن جهدا كبيرا لمنع مصر من ضم اوغنده، والعمل على الحد من نفوذ السلطات المصرية فضغطوا على جوردون الذي كان يعمل في خدمة الخديوي اسماعيل خلال هذه الفترة لمنع ضم اوغنده واحترام استقلالها وشاركت حكومة دزرائيلي 1874-1800 في ذلك فقد شعرت بالقلق من التوسع المصري في أعالي النيل ورأت ضرورة محاربة هذا النفوذ (2).

هذا وقد شارك في الحملة ضد مصر قنصل زنجبار جون كيرك وكان حريضا على ارتداد موتيسا عن الاسلام فكتب لحكومته محذرا "اذا اعتنق موتيسا المسيحية فسوف يعمل على نشرها بين أفراد شعبه وسوف ينقذ أفريقيا الوسطى من نفوذ الاسلام الذي يقطع علينا سبل الرجاء ولذلك يجب علينا ابعاد المصريين عن المنطقة واذا مد جوردون نطاق الحكم المصري الى أقصى الجنوب فأنه سيصبح أكبر عقبة تقابلها المسيحية" ان اوغندا يجب أن تكون حرة وكذلك يجب أن تكون الحبشة اننا نرتكب خطأ مميتا، اذا سمحنا باستمرار اعتداء المسلمين الحالي على كلا الدولتين" (1).

وجدير بالذكر أن شركة افريقيا الشرقية البريطانية لعبت دورا هاما في مساندة المنصرين البريطانيين في اوغندا، فلم تكتف بدعم النفوذ البريطاني في ساحل شرق افريقيا وزنجبار، وانما أرادت التوغل وتوسيع هذا النفوذ الى المناطق الداخلية ساعد على ذلك أن جون كيرك تغرب من سلطان زنجبار خلال تلك الفترة وهو السلطان برغش حتى أصبح له نفوذا كبيرا استغلته في خدمة مصالح بريطانيا والتقت أهدافه التوسعية ورغبته في التوسع في شرق افريقيا مع آراء وأهداف وليم ماكينون (2) الذي قام بدور هام في تأسيس شركة أفريقيا الشرقية عام 1888 وأراد مد نفوذ بريطانيا الى الاقاليم الداخلية لبحيرة نياسا وبحيرة فيكتوريا ومملكة اوغنده. متخذا من زنجبار قاعدة للتوسع لتأسيس امبراطورية بريطانية في القارة فقامت الشركة بدور كبير في دعم السيطرة على بوغنده (3).

تدفق المنصرون البريطانيون على اوغنده ولكن هذا لم يمنع الأهالي من اغتيالهم فتم قتل اثنين من المنصرين هما اونيل وسير جولد سميث مما أثار عاصفة من الاحتجاج في بريطانيا فتم ارسال المنصر ماكي من ساحل شرق أفريقيا فالتقي المنصر ويلسون واستطاع الرجلان توطيد صلاتهما بموتيسا واستأثر ماكي بنفوذ كبير حتى أصبح بمثابة مستشار الملك. وفي عام 1879 تم ارسال فوج آخر من جمعية الكنيسة التنصيرية عن طريق النيل الى روباجا ثم بدأ ارسال عدد آخر عن طريق النيل وزودا بحرس من الجنود المصريين والسودانيين مما اثار هواجس وشكوك موتيسا. ولاسيما وأن تجار زنجبار اتهموا هؤلاء المنصرين بأنهم جواسيس لمصر ثم تبع ذلك وصول منصري جمعية الآباء البيض الفرنسية من الجزائر في 17 فبراير 1879 فرفض موتيسا استقبالهم ولكنه اضطر لاستقبال رئيسهم ليفنهاك (4).

تخوف موتيسا من تدفق المنصرين على بلاده خاصة وان البريطانيين منهم عملوا على نشر المذهب الكاثوليكي مما أحدث تفرقة في البلاد وخشى موتيسا من تزايد النفوذ البريطاني فطلب من ليفنهاج وضع اوغنده تحت الحماية الفرنسية. ولكن خلال تلك الفترة لم تكن فرنسا مستعدة لوضع يدها على المنطقة لانشغالها في غرب افريقيا وفي الهند الصينية (1).

ولم يكتف المنصرون البريطانيون بما وصلوا اليه من نفوذ في اوغنده وعكفوا على دراسة وتعلم لغة البلاد الحلية وأحرزوا تقدما في نشر المسيحية واستطاعوا ترجمة الانجيل الى اللغة المحلية، وكلما أبدى موتيسا تخوفه من تزايد نفوذ المنصرين كان ماكاي يقوم بخداعه مؤكدا له أن بريطانيا لا تهدف سوى مصلحته وأقنعه بارسال بعثة الى بريطانيا (2).

ولكن أمام تزايد النفوذ البريطاني ارتد موتيسا الى وثنيته فأصبح الموقف خطيرا بالنسبة للبعثات التنصيرية واضطرت البعثة الفرنسية للانسحاب في عام 1882 الى الشاطئ الجنوبي لبحيرة فيكتوريا ولم يقدر لها العودة الى اوغنده الى في عام 1885 بينما ظلت الارسالية البريطانية تمارس عملها. وفي مارس 1884 توفى موتيسا وخلفه ابنه موانجا الذي انضم الى انصار العرب والمسلمين وأمر باغتيال الأسقف هاننجتون في عام 1885 كما حكم على العديد من أتباعه بالموت في عام 1886 فاصبح في اوغنده ثلاث اتجاهات فريق اعتنق المسيحية على المذهب البروتوستانتي وآخر على المذهب الكاثوليكي وفريق احتفظ باسلامه (3).

وفي الوقت الذي أخذ فيه موانجا ينكل بالارساليات سقطت الخرطوم وقتل جوردون في يناير 1885 ولم يبق لمصر من اقاليم السودان سوى مديرية خط الاستواء التي لم تقع في يد المهدي وكانت تحت ادارة أمين باشا هذا وقد ساعد على استمراره في المقاومة وجود منطقة السد الى الجنوب من التقاء نهر السوباط بالنيل الأبيض وهو مساحة واسعة منبسطة من الأراضي تعيش فيها قبائل النوير والدنكا وتغطيها الحشائش الطويلة ويجري في وسطها كثير من روافد النيل مما أدى الى وجود حاجز طبيعي يفصل هذه المديرية ومركز الثورة في الشمال كذلك كان أمين باشا يمتمع بسمعة طيبة بين الأهالي، واقام علاقات وطيدة مع الرؤساء الوطنيين ولكنه كان في عزلة عن العالم (1).

وبعد استيلاء قوات المهدي على بحر الغزال كان من المتوقع اتجاهها الى المديرية الاستوائية فاتجهت اليها قوات كرم الله الكركاوي الذي طلب أمين باشا الاستسلام فتظاهر بالمافقة حتى يجمع قواته. وضرب كرم الله الحصار على أمادي في نوفمبر 1884 فسقطت في مارس 1885 وهدد بالاستيلاء على بقية البلاد ولكن أمين باشا صمم على المقاومة ووزع قواته على مراكز بحر الجبل بين اللادو والرجاف والدفلاي وادلاي وأخذ يستعد للقتال ولكن ما لبث المهديون أن انصرفوا نظرا لسقوط الخرطوم في 26 يناير 1885 فتحول نشاطهم الى ميادين أخرى (2).

وفي أول نوفمبر 1885 كتب أمين باشا الى القاهرة طالبا الامدادات عن طريق زنجبار لأنها الطريق الوحيد المتصل بالعالم الخارجي ، وارسل الى كيرك رسالة 1886 فوصله كتاب من نوبار باشا في فبراير 1886 بأن مصر ليست في قدرتها مساعدته وفوضته في اخلاء البلاد والعودة عن طريق زنجبار فانسحب أمين باشا مع جنوده المصريين والسودانيين من اللادو الى وادلاي عن الطريق الشمالي لبحيرة ألبرت واتخذ من وادلاي عاصمة جديدة لمديريته (3).

أدى انعزال أمين باشا في خط الاستواء الى تسابق كل من بريطانيا وبلجيكا وألمانيا لضم المديرية الى أملاكهم مما اضطر أمين باشا الى الكتابة للمنصر البريطاني ماكاي في اوغنده يطلب منه العون (4).

أخذ وليم ماكينون من شرق أفريقيا يضغط على الحكومة البريطانية لارسال حملة انقاذ الى أمين باشا فهذا العمل الانساني في ظاهره سيحقق لبريطانيا العديد من الاهداف السياسية وفي أواخر عام 1866 أرسل كيرك الى ماكينون يشجعه على العمل للاستفادة من انعزال أمين باشا والقيام بحملة لانقاذه. ووقع الاختيار على ستانلي 1886 وتشكلت في بريطانيا لجنة لانقاذ أمين باشا، ومما يلفت النظر أن عددا كبيرا من أعضاء لجنة الانقاذ التي شكلت من أجل أمين باشا أصبحوا فيما بعد أعضاء مؤسسين في مجلس ادارة شركة أفريقيا الشرقية البريطانية وكان الهدف الحقيقي هو اقامة مستعمرة داخلية تجارية متصلة بممبسة (1).

كان ليوبولد ملك بلجيكا يراقب الموقف من دولة الكونغو الحرة فعرض ارسال حملة انقاذ عن طريق الكونغو لأنه أراد أن يقوم ستانلي فتح طريق بين الكونغو والنيل وقد تحرك ستانلي من مصر الى زنجبار في 24 فبراير 1887 واستطاع الاتفاق مع حميد المرجبي واتجه الى مديرية خط الاستواء ثم استخدم ستانلي طريق الكونغو والتقى أمين باشا الذي رفض عرض ملك بلجيكا وهو أن يعمل في المنطقة كمدير في خدمة دولة الكونغو الحرة (2).

قبل أمين باشا العمل مع بريطانيا وأن تنسحب قواته الى الشمال الغربي لساحل فيكتوريا وأن ينشئ المراكز بها وينتظر وصول قوات الشركة من شرق افريقيا. هذا بينما تقدمت قوات الخليفة التعايشي الى اللادو وارسلت رسلها لاقناع أمين باشا بالاستسلام فقام بقتلهم. ولكن قوات المهدي انسحبت الى الجراف واجبر ستانلي أمين باشا على الانسحاب وذلك بسبب تكلفة حملة الانقاذ وعلى اعتبار أنه المسئول أمام لجنة الانقاذ أضف الى ذلك خوف ستانلي من ضم هذه المناطق الى ألمانيا خاصة وأن كارل بيترز تطلع لضمها الى ممتلكات ألمانيا، وبالفعل أرغم أمين باشا على الانسحاب، وبرفقته أتباعه.

ولكن رغم الانسحاب بقى النزاع على مديرية خط الاستواء بين المهديين بقيادة عمر صالح في الرجاف وبين بقايا جيش أمين باشا الذين رفضوا الانسحاب مع ستانلي في الدفلاي ثم وادلاي. وفي ديسمبر 1889 وصل أمين باشا الى باجامبو سالما واستغرقت حملة الانقاذ ثث سنوات. وفشل ماكيدون في ضم هذه المديرية الى السيطرة على اقليم البحيرات عن طريق أمين باشا وجنوده (1).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لوجارد واستبعاد النفوذ الاسلامي

كان موانجا ملكا ضعيفا متقلب الأهواء أظهر العداء للنشاط التنصيري وأمر باغلاق حدود مملكته من جهة الشرق وحرم دخول الاوروبيين وأعدم عددا كبيرا من المنصرين منهم الاستقف هاننجتون وأظهر العداء للمنصرين الكاثوليك والبروتستانت ثم وضع خطة لانعاش الوثنية في عام 1888 واشترك مع أتباع الوثنيين في اغتيال جميع المنصرين وتدبير مذبحة لهم وقد حاول ريس وزارته ومستشاريه نصيحته بالعدول عن الفكرة فرأى أن ينفيهم الى جزيرة مهجورة ويتركهم ولكنه فشل في تحقيق مخططه واضطر للفرار من البلاد ونصب العرب المسلمون شقيقه كيويوا بدلا منه ولكن ما لبث الأخير ان استبعد من الحكم بسبب تزايد النفوذ العربي وتم تعيين شقيقه كاليما بدلا منه في ديسمبر 1888 ولكن موانجا لم يكن من السهل عليه الاستسلام فقرر استعادة حكمه ولجأ الى الآباء البيض الكاثوليك في جنوب بحيرة فيكتوريا في انكول وتعهد لهم بحماية المذهب الكاثوليكي في مقابل مساعدته في العودة الى الحكم هذا وقد وافق المنصرون الكاثوليك على عودته للحكم لكن لكي يدين لهم بالولاء بينما رفض ماكاي المنصر البريطاني ارجاعه ولكن الفرنسيون نجحوا في تقديم المساعدات القيمة لموانجا (1).

كانت الخطوة التالية بالنسبة لبريطانيا هي ضرورة العمل على ضم اوغندا لأنها كانت تخشى استفحال النفوذ الفرنسي فيها كذلك كانت تخشى امتداد النفوذ الالماني الى منطقة البحيرات الاستوائية اتضح ذلك من محاولات كارل بيترز الاستفادة من وجود أمين باشا لمد نفوذ بلاده (2).

هذا وقد ساعدت الظروف الدولية بريطانيا على تحقيق هدف ضم اوغنده خاصة منذ انعقاد مؤتمر برلين 1884-1885 وهو المؤتمر الاستعماري الذي نظم عملية سلب ونهب القارة الأفريقية، ووافقت فيه الدول الاوروبية على تنظيم استعمار القارة. وبعد المؤتمر عقدت بريطانيا وألمانيا في أول نوفمبر 1886 اتفاقا بمقتضاه تم تقسيم النفوذ في ممتلكات سلطان زنجبار وفي ساحل شرق افريقيا. وكان صاحب الاقتراح هو جون كيرك فتم الاتفاق على تقسيم المنطقة الساحلية الى منطقتين منطقة نفوذ بريطانية في الشمال ومنطقة نفوذ ألمانية في الجنوب، واعترفت بريطانيا وألمانيا بحقوق سلطان زنجبار في بمبا ولامو ومافيا وشريط ساحلي يمتد من راس تونجي جنوبا الى كييني عند مصب نهر تانا مالا وهو شريط طوله ستمائة ميل وعرضه عشرة أميال كما تم تقسيم الاقليم الواقع بين نهر روفونا وتانا الى منطقة نفوذ بريطانية وألمانية واصبحت بريطانيا تتحكم في منطقة واسعة المساحة تمتد من ساحل ممبسة حتى بحيرة فيكتوريا وكانت نواة لمستعمرة أفريقيا الشرقية البريطانية (كينيا) أما ألمانيا فقد وضعت يدها على الجزء الجنوبي من نهر اومبا حتى جبال كليمنجارو في الداخل والطرف الشرقي لبحيرة فيكتوريا حتى نهر روفوما (1).

وفي عام 1890 عقدت بريطانيا معاهدة هيلجولاند بمقتضاها حلت المشاكل بين البلدين في شرق افريقيا فاعترفت ألمانيا بحماية بريطانيا على زنجبار، وعلى مستعمرة أفريقيا الشرقية البريطانية (كينيا) واتفق على أن تمتد حدود الدولتين الى بحيرة فيكتوريا والى الكونغو الحرة وبذلك تدخل اوغنده ضمن منطق نفوذ بريطانيا في مقابل اعطاء المانيا هيلجولاند في بحر الشمال واطلاق يد فرنسا في مدغشقر (2).

ولاجدال ان اعتراف ألمانيا باوغنده كجزء من منطقة نفوذ بريطانيا وقد أدى الى توجيه الأنظار اليها اصبح هدف الشركة البريطانية في شرق افريقيا هو الاستثمار والاستفادة من موارد البلاد من نهر جوبا الى أعالي النيل شرقا كما أرادت مد خط حديدي من ممبسه على الساحل حتى بحيرة فيكتوريا الى الداخل لأن هذا الخط سيمكن بريطانيا من التوغل نحو الداخل. واصبح هذا الخط لا غنى عنه للابقاء على النفوذ البريطاني حول منابع النيل (3).

ولكن انتشار الحروب الأهلية في اوغنده بين أنصار المذاهب المختلفة الكاثوليكية والبروتستانتية وتورط الزعماء المحليين في هذا النزاع أدى الى تعطيل المصالح البريطانية وظهرت آراء تدعو الى الانسحاب من اوغنده وعدم القيام بمشاريع فيها ولكن الصحف البريطانية نددت بفكرة الانسحاب ونتائجها على البعثات التنصيرية ومستقبل المذهب البروتستانتي في البلاد وأبدت تخوفها من تصاعد النفوذ الاسلامي.

ولذلك كان الحل الأمثل لبريطانيا هو ارسال بعثة الى اوغنده بقيادة فريدريك لوجارد (1) الذي انضم للعمل في خدمة الشركة البريطانية في شرق افريقيا. وكانت تعلميات الشركة واضحة وهي تعزيز موقف ومركز المذهب البروتستانتي الذي يمثل النفوذ البريطاني مع استمال الكاثوليك واشعار الملك موانجا بقوة ونفوذ الشركة وتخفيف حدة التوتر بين البعثات التنصيرية الكاثوليكية والبروتستانتية.

أقام لوجارد معسكرا فوق تل كمبالا في مواجهة ارسالية الكنيسة البريطانية والآباء البيض ورفع علم الشركة في كمبالا (2).

واجه لوجارد عدة مصاعب في اوغنده منها انقسام الزعامات الوطنية الى فريقين كذلك تنافس البعثات التنصيرية الكاثوليكية والبروتسنتانية وكان مولنجا يؤيد الحزب الكاثوليكي والتابع لفرنسا أو حزب Wa Fansa ولم يعضد الحزب البروتستانتي البريطاني Wainglezia ولكن الحزبان تناسا خلافاتهما وقاما بطرد المسلمين من أونيورو 1889 ورغم ذلك نشبت الحرب الأهلية بين أتباعهما 1889، وفي عام 1890 وصف الأسقف تكر أحوال اوغندا "ان البلاد أشبه بالبركان وان الموقف يوحي بالانفجار"، ولاسيما وان رجال الدين المسيحي تسلحوا بالأسلحة وذلك كان على لوجارد ضرورة الاسراع بتوقيع معاهدة مع مولنجا تجعل لشركة أفريقيا الشرقية البريطانية اليد العليا في شئون أوغنده وبالفعل وقعت المعاهدة في 26 ديسمبر 1890 اعترف فيها بحماية الشركة وسيادتها وحصلت الشركة على حق التدخل في شئون اوغنده الداخلية بالاضافة الى مسئوليتها للحفاظ على الأمن والنظام وحاول لوجارد ارضاء الحزبين ومنع موانجا من تأييد المذهب الكاثوليكي (1).

وبعد توقيع المعاهدة واجه لوجارد مشكلة النزاع بين الحزبين المسيحيين منذ 1889 ولاسيما أن الوظائف كانت مقسمة بين مؤيدي المذهبين وذلك من أجل الحفاظ على توازن القوة ثم الاتفاق على أن من يخرج من مذهب ويعتنق مذهبا آخر من الزعماء المسيحيين فلابد أن يتنازل عن وظيفته، وحاول لوجارد اقناع الزعماء المسيحيين بوضع قوائم لمشاكلهم لمناقشتها ولكن على الرغم من كل هذه المحاولات استمرت المنازعات بين الطرفين (2).

كانت الخطوة التالية هي استبعاد النفوذ المسلم وشن حملة ضد الباجددة المسلمين الذين تجمعوا منذ عام 1890 على حدود بونيورو وقد اختاروا ميوجو أحد أخوة كاليما بعد وفاته ملكا لهم فخشى من حصولهم على مساعدات مالية من كابريجا في بونيورو، ومن المهديين في السودان ولاشك أ، وجود الباجندة المسلمين على حدود بونيورو كان مصدر تهديد مستمر للمسيحيين في بوغنده ومن وجهة نظر لوجارد كان الحزب الاسلامي الباجندي أكثر الأحزاب الوطنية عداء للاوروبيين وبالتالي مصدر تهديد خطير لمركزه هو نفسه في اوغنده وللحزبين المسيحيين البروتستانتي والكاثوليكي الموالين لفرنسا وبريطانيا ولذلك رأى لوجارد ضرورة شن حملة ضد المسلمين في الغرب لتعزيز سلطته ولتوحيد صفوف الكاثوليك والبروتستانت والتفافهم حوله وعلق لوجارد في كتابه بقوله (3): "أنه لن يقف مسيحي ضد مسيحي ونحن أي لوجارد ضد الاثنين بل أصبحنا نقف الآن في جانب واحد وعلى وشك أن نصبح زملاء في ساحة الحرب" (4).

خرج لوجارد من كمبالا في أبريل 1891 على رأس جيش كبير من جنود الشركة ومن المسيحيين وأغار على قبائل الباجندة المسلمة شمال سينجو ثم عاد الى بوجندة (1).

بعد محاربة الباجندة المسلمين اتجه لوجارد غربا ووقع معاهدات مع زعماء تورو وانكولي وكانت خطة لوجارد هي الحاق بقايا جنود أمين باشا السوادنيين في خدمة الشركة على اعتبار أنهم من أحسن العناصر التي تصلح للخدمة العسكرية في أفريقيا، وتقدم لوجارد في الجنوب الغربي وبمقتضى اتفاق بينه وبين سليم بك في كافالي في 13 سبتمبر 1891، انضم سليم بك الى قوات الشركة وأسس لوجارد خمس قلاع ووضع فيها قوات سليم بك على طول الحدود الجنوبية لمملكة بونيورو ليكونوا حاجزا لمنع أي تصادم محتمل بين ملك بونيورو من ناحية والمسلمين الباجندة من ناحية أخرى ثم واصل لوجارد سيره غربا وضم مملكتي انكولي وتورو (2).

رغم جهود لوجارد الا أن الحرب الأهلية نشبت مرة أخرى بين البروتستانت والكاثوليك وتم تصفية هذا الصراع لصالح شركة أفريقيا البريطانية فارغم لوجارد الحزبين على الاعتراف بنفوذ الشركة وتم ابرام تسوية بين الفريقين وعقد معاهدة جديدة 1891 وهي المعاهدة التي ارتبط بها موانجا ارتباطا ابديا ببريطانيا واعترف بنفوذ الشركة وان تقوم بحمايته في بوغنده (3).

وفي عام 1892 عقد لوجارد معاهدة مع مبوجوز زعيم الباجندة المسلمين تنازل الأخير فيها عن المطالبة بحكم اوغنده ووافق على الاقامة في كمبالا وضم أتباعه المسلمين في ثلاث اقاليم صغيرة، تقع بين المنطقتين اللتين يقيم فيهما الحزبان المسيحييان وبذلك أصبحت أقاليم المسلمين في اوغنده محصورة بين مناطق النفوذين الكاثوليكي والبروتستنانتي (4).

وفي 16 يوليو غادر لوجارد اوغنده الى بريطانيا ثم حلت الحكومة البريطانية محل الشركة.

وجدير بالذكر أن الحكومة البريطانية أرسلت قنصلها العام في زنجبار جيرالد بورتال الى اوغنده في أول يناير 1893 لدراسة أوضاع البلاد وفور وصوله قرر وضع يده على جميع الحاميات السودانية ورفع العلم البريطاني مكان علم الشركة ثم أخذ بروتال في ارسال التقارير المفصلة عن الأحوال في اوغنده وطالب من الحكومة البريطانية ارسال بعض الضباط البريطانيين الملمين باللغة العربية ليتولوا ادارة البلاد (1).

ثم اتفق بورتال مع موانجا الا يعقد أية معاهدات او اتفاقيات مع أي اوروبي بدون موافقة مندوب الحكومة البريطانية وتم هذا الاتفاق في 29 مايو 1893.

وفي أول نوفمبر لخص بورتال آراؤه في تقرير أرسله من زنجبار الى بريطانيا لفت فيه النظر الى أهمية موقع اوغنده ووصفه بأنه موقع استراتيجي ذو أهمية كبيرة يسيطر على الشواطئ الشمالية والغربية لبحيرة فيكتوريا وعلى الطريق الوحيد الطبيعي لكل وادي النيل وأغنى مناطق وسط أفريقيا فاذا انسحبت بريطانيا فان دولة أخرى ربما ألمانيا سوف تستولي عليها فتفقد بريطانيا تلك المنطقة الشاسعة التي أكدت معاهدة هيلوجلاند بقائها ميدانا للنفوذ البريطاني وأن سيطرة دولة أخرى سوف تمتد حتما لا على أوغنده وملحقاتها فحسب بل ستسلم اليها كل البلاد المجاورة والبحيرات العظمى ووادي النيل، والمرتفاعت الطبيعية في الداخل ان السيطرة على اوغند تعني السيطرة على أكثر المناطق ازدحاما بالسكان (2).

هذا وقد أدى تقرير بورتال الى التعجيل باحتلال اوغنده وقام الكولونيل كولفيل باخضاع ملك اونيورو وارسل الماجور اوين لمطاردته.

ووقع كولفيل المعاهدة مع موانجا في 1894 في كمبالا، أكدت معاهدة بورتال التي وقعت في عام 1893 (3).

وأقامت بريطانيا المحطات الحصينة بين بحيرتي فيكتوريا والبرت وارتفع العلم البريطاني على ودلاي في عام 1895 (1).

بعد اعلان الحماية البريطانية اعلن سولزيري رئيس الوزراء البريطاني بقوله بفخر "ان أمة متحضرة عظيمة مثل بريطانيا لابد وأن تتصل بالبرابرة لتحقيق التقدم والمدنية" (2).

امتدت الحماية البريطانية تدريجيا فضمت أونيورو 1896 وأبرمت اتفاقية مع بوجندا 1900 ومع تورو 1901 عقدت اتفاقية مع انكولي وبذلك تمكنت السلطات البريطانية في اوغنده من ضم هذه الممالك تحت نفوذها (4).

وعلق لوجارد على الاحداث في اوغنده 1893 بقوله "أن قيام امبراطوريتنا الشرقية الأفريقية حق مكتسب لنا بطول الزمن كذلك احتلال شرق أفريقيا وبحيراتها اذ اكتشفها رحالة بريطانيون ودخلت ارسالياتنا المسيحية أولا على أثر مكتشفينا".

وهكذا كان لوجارد أكثر صاحة وصدقا من جونستون الذي أعلنت أن بريطانيا بدأت في فرض حمايتها على هذه الجهات بدافع من الوازع الانساني الخالص. أما لوجارد فقد أعلن صراحة أن الغرض من هذا الاستعمار هو ايجاد أسواق للمصنوعات والتجارة البريطانية لترويجها (6).

وعين كولفيل أول حاكم لمحمية اوغنده 1894 فعمل على توطيد ودعم الاحتلال البريطاني بالقضاء على الثورات والمنازعات الداخلية والقضاء على ثورة الجند السودانيين إم بسوقهم لخمد الفتن وانهاك قواهم في مهمات بعيدة في غابات اوغنده واونيورو ثم أسر موانجا رغم تعاونه مع السلطات البريطانية وكاباريجا ملكي اوغنده واونيورو تم نفيهما الى جزيرة سيشل (1).

بعد الاستقلال

الهامش


This article contains material from the Library of Congress Country Studies, which are United States government publications in the public domain.