تاريخ الخليج العربي

تاريخ الخليج العربي.


وبعد ان رتبت بريطانيا أوضاعها السياسية والعسكرية في الخليج العربي بدأ المقيمون يطمئنون على قوتهم في الخليج العربي حتى ان المقيم ستانوس أوضح في فبراير 1827 بأنه يمكن ان يستغني عن سفينة من قوة الأسطول في الخليج العربي دون مخاطرة واكد خلفه المقيم ديفيد وينسون في مايو 1828 بأنه تمكن من أن يحافظ على أمن الخليج العربي بأربع سفن فقط ، اثنتين منها تبقى عند مصائد اللؤلؤ في كل موسم ، والاثنتين الاخريين تبقيان للطوارئ والإرغام.[1]

لم يكن تقدير البريطانيين في محله ، فعلى الرغم من ضعف القوة العسكرية العربية بعد عام 1819 إلا ان المقاومة ضد البريطانيين استمرت ولو بدرجة ضعيفة، فعند زيارة السفينة البريطانية سنبري إلى الشارقة في عام 1829 هوجمت من بعض المواطنين العرب المعادين لبريطانيا والذين قاموا بإنزال العلم البريطاني من ساريته فأسرع الشيخ سلطان إلى الاعتذار للمقيم، وعاقب الرجل الذي أنزل العلم بالجلد والحبس، وحدثت هجمات عربية على سفن بريطانية من قبل راشد بن حمد، أمير عجمان، في عام 1832، ومن بني ياس شيوخ أبو ظبي، في عام 1835 فقد شعر بنو ياس بثقة ، وهم يتحدون البريطانيين وذهبت سفنهم إلى مدخل الخليج العربي لحراسته، وأصابت سفن بني ياس في الفترة من فبراير حتى منتصف أبريل 1835 سبعة عشر سفينة أغلبها فارسية واثنتين تحملان العلم البريطاني، فضلا عما قامت به قبيلة القبيسات وهم فرع من بني ياس ثاروا على شيوخهم، ورفضوا الاعتراف بالمقيم البريطاني وبمعاهداته فضلا عن المقاومة العربية الفردية غير المسنودة من شيخ أو إمارة.

وحرصا من بريطانيا على سيطرتها الفعالة على شيوخ الخليج وخشيتها من ان ينفرط حبل الامن، ويخرج من يدها فالحوادث الصغيرة، كما يقول لوريمر تولد الامور الجسام، فقد سعت إلى عقد اجتماع للشيوخ في عام 1835 تحت إشراف المقيم، الذي أقنع الشيوخ للموافقة على وقف القتال بحرا لمدة ستة أشهر، والمهم بأنه سيعد قتال البحر، مهما كانت دواعيه، قرصنة إذا حدثت في هذه المدة، وقد مددت هذه الهدنة في الأعوام التالية من 1836–1841 وفي كل مرة لمدة سنة واحدة وقد سبب هذا التجديد المستمر للهدنات البحرية ونجاحها ارتياحا عظيما للبريطانيين ولهذا اخذت بريطانيا تسعى لعقد هدنة دائمة.

قام المقيم روبرتسون بزيارة إلى الساحل العماني في عام 1843 ودعا الشيوخ لتجديد الهدنة لمدة عشر سنوات ووقع الاتفاق في اول حزيران عام 1843 الذي عرف باسم " تعهد السنوات العشر " وجاء في مقدمة الاتفاق على لسان الشيوخ القول :

( بأننا بعد أن تحققنا من الفوائد التي تعود علينا من سلامة الملاحة وخاصة فيما يتعلق بتقديم مصائد اللؤلؤ فإننا نتعهد امام المقيم البريطاني باحترام الشروط الآتية :

1- تحريم أي اشتباك مسلح ابتداءا من حزيران 1843 ولمدة عشر سنوات أي حتى نهاية مايس 1853 .

2- فرض عقوبة على كل من يخالف هذا الشرط بمجرد ان يبلغ نبأ الاعتداء إلى أي من رؤساء

3- يتعهد الشيوخ قبل توقيع أي عقوبة بنقل مضمونها إلى المقيم البريطاني أو قائد حامية باسيدو ، حتى يكون الحكم مطابقا لتوجيهاته .

4- يتعهد الرؤساء العرب بتحديد هذه الهدنة بعد نهاية السنين العشرة وجعلها سرمدية ، وأن يردوا الامر في التحديد للمقيم العام ان هم اختلفوا فيه .


وبحجة حصر نطاق الخلاف القبلي اقترح هينل في حزيران 1836 ان يكون الجزء الشرقي من الخليج العربي خاليا من أية سفن عربية ، وطلب من الشيوخ ان لا تتعدى سفنهم بوموس وسيرى شمالا، وعرف هذا الخط بــ( الخط المانع ) وأكد المقيم للشيوخ أن وجود أي سفينة عربية شمال هذا الخط من قبيل القرصنة ووافقت حكومة الهند والحكومة البريطانية في لندن على خط هينل ، ورسم موريسون خليفة هينل الخط المانع الثاني الذي حرم على السفن العربية الابحار حتى صير برنعير وكان من نتائج هذين الخطين ان انحصرت سفن العرب الحربية خلف منطقة حرام هي في الواقع المسار الرئيس للسفن البحرية في الخليج العربي ، كما أدى هذان الخطان إلى انفصام روابط عرب ساحل الخليج العربي ، وانتهى في فترة وجود الانكليز ، إلى تسلط الفرس على الساحل الشرقي للخليج العربي وجزره وفي فترة رحيلهم على الاحتلال الفارسي لجزر ابو موسى والطنبيين .

وقبل انتهاء مدة السنوات العشر للتعهد الموقع في عام 1843 سعت بريطانيا إلى دفع الشيوخ لجعله اتفاقا ( أبديا ) فوقع الشيوخ في عام 1853 الاتفاق الجديد الذي أقر فقرات الاتفاق السابق ، وأعطى لبريطانيا صلاحيات جديدة فهي التي تفصل في المشاكل التي تحدث بين المشايخ وتقوم بمراقبة الامور في البحر ، وتنفيذ شروط الاتفاق ، وقد عد ذلك نصرا عظيما للسياسة البريطانية في الخليج العربي التي ثبتت قواعدها وزاد نفوذها ، وكان هذا أول اتفاق للهدنة يصادق عليه حاكم الهند العام ، لأن الاتفاقيات السابقة كان يوقعها المقيم البريطاني ، وأهم نتائج الاتفاق ثلاث:

1- زيادة إقحام السياسة البريطانية في شؤون المشيخات الداخلية ، فقد أصبح المقيم السياسي هو الموجه لسياسة الامارات، رغم وجود السلطة بأيدي الشيوخ ، وصار الواجب الاساس للمقيم هو التنفيذ المتعسف لنصوص الاتفاق. ووضعت من أجل ذلك قطعات الاسطول البريطاني تحت إمرته ، وفوض المقيم سلطته العسكرية لضباط البحرية في الخليج العربي وطلب إليهم وضع كل طاقاتهم لمنع الحرب ، وعدم التردد في التدخل المباشر واستعمال القوة في سبيل ذلك ، وقد أساءت السلطات البريطانية استخدام قوتها في فرض الغرامة على المشيخات ، فكانت تلزمها بدفع مبالغ كبيرة من الاموال لأبسط الامور ، حتى قيل بأن خزنة المقيم البريطاني في بوشهر امتلآت نتيجة تلك الغرامات .

2- زيادة ضعف المشيخات وتفكك الاسر الحاكمة ، فقد فتت الحروب القبلية وحدة القبائل العربية ، وشغلتهم عن جمع شملهم والالتفات إلى العدو الذي جثم على حدودها الشرقية ، علاوة على انقطاع عرب الخليج عن التجارة ، فلم يكن في وسع السفن العربية المسلحة الابحار بعد نقطة معينة في الخليج العربي ، ولم يكن من الممكن ان تقوم سفينة عزلاء من السلاح بالتجارة ، فانقطع احتكاك عرب الخليج بالعالم الخارجي الذي جهلوا تطور أساليبه وتقوقعوا في منطقتهم كل يطمح في أرض الاخر المقفرة الامر الذي أدى إلى ضعفهم جميعا .

3- زيادة سيطرة الفرس على الساحل الشرقي للخليج ، وضياع الجزر العربية نتيجة للخطوط المانعة التي رسمتها بريطانيا ، التي منعت السفن العربية من تجاوزها فانفصمت روابط عرب ساحلي الخليج ، وأدى ذلك إلى تسلط فارس على الساحل الشرقي وجزره وقد أدى ضعف البحرية العربية وخطر الحرب بموجب اتفاق عام 1853 إلى طمع فارس في كل الجزر العربية .

استمرت بريطانيا بإحكام قبضتها على منطقة الخليج العربي عن طريق سلسلة من المعاهدات عقدت في الفترة بين 1861- 1880 وبلغت السيطرة البريطانية أوجها بتوقيع اتفاق 1891 الذي صادقت عليه الحكومة البريطانية في تموز 1892 وعرف فيما بعد باسم ( الاتفاق المانع أو الابدي أو السرمدي ) وكان فقراته تنص على ما يأتي :

1- لا يدخل هؤلاء الشيوخ في علاقات إلا مع الدولة البريطانية .

2- لا يمنحوا الاذن بالاقامة في مناطقهم لممثلين لأي حكومة أخرى .

3- لا يتنازلوا بيعا أو رهنا أو هبة أو إيجارا أو بأية صورة من الصور عن أية قطعة ارض لأي أجنبي إلا بموافقة الحكومة البريطانية .

4- أن يكون هذا الاتفاق مقيدا لهم ولورثتهم ومن يخلفهم .


ويمكن القول أن الاتفاق أطلق لبريطانيا التصرف في الخليج العربي ولم يكن سوى نظام للحماية على الرغم من ان بريطانيا لم تشأ ان تسمي الاتفاق صراحة بهذا الاسم، وأصبح الاتفاق الركيزة الأساسية للوجود البريطاني في المنطقة التي صارت تحت الحماية المقنعة. أو مناطق تحت الحماية، وقد أشارت الوثائق البريطانية إلى المشيخات بصفتها دويلات قزمية أشبه بالمستعمرة يتحكم فيها البريطانيون عن طريق الادارة الاصلية، واستطاع البريطانيون، بموجب هذا الاتفاق ، أن يحضروا على المنطقة التعامل مع العالم الخارجي ومسايرته، وأقام الاتفاق سدا حول المنطقة أبعد عنها كل رياح التغيير، وبهذا استطاع البريطانيون السيطرة على المنطقة والتحكم بشؤونها .

وعلى غرار اتفاق 1892 عقدت بريطانيا اتفاقات مع الكويت في عام 1899 على الرغم من بقائها اسميا ضمن الدولة العثمانية ، ومع ابن سعود في 1915 بموجب معاهدة دارين ( القطيف ) التي نصت على اعتراف بريطانيا باستقلال وحماية بلاده ضد أي اعتداء خارجي يقع عليه ، وقد تضمن الاتفاق نصا يقضي بعدم نقل ملكية أراضيه إلى اية دولة أجنبية ، ومنع إقامة علاقة دبلوماسية مع اية دولة غير بريطانيا ، وتعهد ابن سعود الامتناع عن كل تجاوز وتداخل في أراضي الكويت والبحرين وقطر وعمان وسواحلها، وكل الذين هم معاهدات مع بريطانيا ، وفي عام 1916 عقدت قطر اتفاقا مماثلا مع بريطانيا.

وقد اتسمت السنوات الاخيرة من القرن التاسع عشر والسنوات الأول من القرن العشرين بازدياد النشاط الاوربي في الخليج العربي وتعاظم حدته سياسيا واقتصاديا وقد عينت الحكومة البريطانية استعمارية معروفة بمنصب نائب الملك في الهند هو اللورد كيرزون الذي تسلم منصبه في يوم 3 يناير 1899 وظل حتى وقت متأخر من عام 1905 وقد وصف بأن له اطلاع واسع في شؤون الخليج العربي وبلاد فارس التي زارها كثيرا وكتب عنها مؤلفا عام 1892 ( فارس والمسألة الفارسية ) وعرف عنه تأييده للاطماع الفارسية في الخليج، وقال ان للشعب البريطاني هدفا واحدا وهو ( إقامة حكومة فارسية قوية تحمي مصالحنا وتذود عن حدودنا ) زار كيرزون منطقة الخليج العربي في 1 تشرين الثاني 1903 وألقى خطبة في مشايخ الساحل العماني وصفها في رسائله لحكومته في لندن بأنها زبدة السياسة البريطانية في مياه الخليج العربي وقد اصبحت خطبته أساسا ( قويا ) سارت عليه السياسة البريطانية في الخليج العربي حتى منتصف حتى منتصف الثلاثينات من هذا القرن وتتلخص خطبة كيرزون في :

1. تصوير أن امن الخليج العربي هو انجاز بريطاني حسب زعمه وان للحكومة البريطانية اتفاقيات مع الشيوخ صارت بها حامية لسلم القبلي وأصبحت بها بريطانيا حسب قوله ( حاميكم ولا علاقات لكم بغيرها ) .

2. إبراز الوضع الخاص لبريطانيا الذي اكتسبته بموجب الاتفاقيات والتعهدات الخاصة وان الحكومة البريطانية قد دفعت ثمن هذا السلم حسب - زعمه - من مالها ودمها لن تسمح للشيوخ ان يعكروا صفو الامن بحرا ( وبرا ) لأن ذلك يشكل خرقا لالتزامات الاتفاقيات .

3. إبراز ان المقيم البريطاني في الخليج العربي هو الحاكم الفعلي في نطاق الخليج العربي فإذا حدثت مشاكل داخلية فسيجد الشيوخ في شخص المقيم البريطاني صديقا ومرشدا يستعمل نفوذه كما فعل في الماضي ليشجب الاضطرابات ويثبت الوضع الراهن .

4. ابراز أن بريطانيا لا تريد التدخل في ظهير الخليج العربي إلا إذا ارغمت فالحكومة البريطانية لا تتدخل في امر الشيوخ ما قام الشيوخ بحكم رعاياهم بالعدل وما احترموا حقوق الرعايا البريطانيين المقيمين في المنطقة .

والخلاصة فإن أبلغ تعبير عن أهمية الخليج العربي في نظر بريطانيا هو تصريح اللورد كيرزون في مجلس اللوردات الذي قال فيه :

إن منزلتنا في الخليج ... تستند إلى حصاتنا التجارية في ربوعه إلى خدماتنا هناك منذ مئة عام، إلى المال المصروف، إلى المركز البحري الذي أقمناه إلى ما نحتفظ من سيطرة سياسية، والى ما هو فوق ذلك كله من ان الخليج جزء من الحدود البحرية للهند، وأن شؤون الخليج السياسية مرتبطة بأمن وسلامة واستقرار الهند ذاتها.

اللورد كرزون

زادت بريطانيا من أحكام سيطرتها على الخليج العربي فعمدت خلال العقدين الأول والثاني من هذا القرن إلى إنشاء المراكز والخطوط البريدية في جهات من الخليج العربي وتمكنت من احتكار الامتيازات في استخراج اللؤلؤ والاسفنج ومن ثم النفط الذي يعدّ أهم تلك الثروات وحصلت في عام 1925 على امتياز هام هو


عبد الرؤوف سنو (1998). "اتفاقات بريطانيات ومعاهداتها مع إمارات الخليج العربية (1798-1916): فصول من الهيمنة والتفتيت" (PDF). بيروت: مجلة تاريخ العرب والعالم. pp. ص. 6-40 ، ص. 58-78.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش