گـِتو
الجيتوGhetto قطاع من مدينة أوروبية تسكنه أَقلية عرقية، أو دينية، أو مجموعة قومية. والمصطلح أصلاً يشير إلى قطاعات في المدن الأُوروبية، استوطن فيها اليهود، أو أُجبروا على العيش فيها. واليوم، يطلق المصطلح على المناطق الفقيرة حيث أُجبرت الأَقليات القومية على العيش فيها بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تاريخ الجيتو
«الجيتــو» هـو الحي المقصور على إحدى الأقليات الدينية أو القوميـة. ولكن التسـمية أصبحت مرتبطـة أسـاساً بأحياء اليهود في أوربا. وللكلمة معنيان: عام وخاص. يعني الجيتو بالمعنى العام أي مكان يعيش فيه فقراء اليهود دون قسر من جانب الدولة، أو حي اليهود بشكل عام. ويعود تاريخ هذه الجيتوات إلى الإمبراطورية اليونانية والرومانية. أما الجيتو بالمعنى الخاص الذي أصبح شائعاً، فيعني المكان الذي يُفرَض على اليهود أن يعيشوا فيه، وقد استُخدمت الكلمة بهذا المعنى للإشارة إلى جيتو البندقية (عام 1516). وأصل الكلمة غير معروف على وجه الدقة، فيُقال إنها حي اليهود في البندقية نسبة إلى «فلجيتو villgetto» أو «مصنع المدافع» الذي أقيم بجواره. ويُقال أيضاً إن الكلمة مشتقة من الكلمة الألمانية «جهكتر أورت Geheckter Ort» التي تعني «المكان المحاط بالأسوار»، أو هي من الكلمة العبرية «جت» أو «جيط» بمعنى «الانفصال» أو «الطلاق» الواردة في التلمود. وربما كان أكثر الافتراضات قرباً من الواقع هو ذلك الذي يعود بالكلمة إلى لفظة «بورجيتو» الإيطالية التي تعني القسم الصغير من المدينة، أي أن كلمتي «جيتو» و«بورجوازية» مشتقتان من أصل واحد. ومن أسماء الجيتو الأخـرى في ألمانيـا: «يودين شـتراس Judenstrasse» أي «شـارع اليهود»، أو «يودين جاسي Judengasse» أو «جاسي Gasse» فقط، أي «حارة اليهود»، أو «يودين فيرتيل Judenviertel»، أي «حي اليهود». وفي البرتغال سُمِّي الجيتو «جوديا Judiaria» وفي فرنسا سُمِّي «جويفيري Juiverie»، وفي إيطاليا سُمِّي «جيديكا Guidecca»، وسُمِّي بالإنجليزية «جوري Jewry». وكلها كلمات تصف اليهود باعتبارهم كتلة. والشتتل (أي المدن اليهودية الصغيرة في أوكرانيا وغيرها من بلاد شرق أوربا) هو أحد أشكال الوجود الجيتوي وأهمها على الإطلاق من منظور تاريخ الصهيونية والمسألة اليهودية في شرق أوربا، وتورد بعض المراجع اسم «حارة اليهود» باعتباره شكلاً من أشكال الجيتو في مصر. ولكن حارة اليهود لا تختلف عن أية حارة أخرى في مصر، مثل: حارة النحاسين وحارة النصارى وحارة الروم ودرب البرابرة، وغير ذلك كثير. ولعل ظاهرة الجيتو لم تظهر في العالم الإسلامي، إلا في المغرب في أحياء «الملاح» التي كان اليهود يُعزَلون داخلها في مراحل تاريخية كانت تتسم بالتوتر. والواضح أن عدم انتشار ظاهرة الجيتو في المجتمع الإسلامي راجع للبنية التاريخية والدينية والاقتصادية لهذا المجتمع ولموقف الإسلام من الأقليات.
وفي العصور الحديثة، اكتسبت كلمة «جيتو» في اللغات الأوربية معنى قدحياً سلبياً (وحينما دخلت الكلمة العربية جاءت وهي تحمل الدلالات السلبية المرتبطة بها). ولكن الأمر لم يكن كذلك دائماً. ولفهم تَطوُّر معنى الكلمة، لابد أن نضع الظاهرة في إطار تاريخي وإنساني عام. ولكن، قبل استعراض تاريخ الجيتو ثم بنيته، يجب التنبيه إلى أنه لا يوجد مسار تاريخي واحد لمثل هذه الظاهرة، وخصوصاً بعد القرن الخامس عشر الميلادي مع بداية ظهور التشكيلات القومية الغربية المختلفة ومع اختلاف معدلات العلمنة والتحديث والثراء والفقر والصراع الطبقي فيها. ومع هذا، سنحاول أن نقدم مخططاً عاماً آملين أن نقدم بعض السمات العامة التي تساعد على فهم الظاهرة دون أن نتجاهل قدر الإمكان عنـاصر التعاقب التاريخي أو السـمات الخاصة للجيتوات المختلفة.
ويمكن القول بأن المجتمع الإقطاعي عامة، وبالذات في الغرب، ذو طبيعة مغلقة، لكل فرد فيه مكانه ومكانته سواء كان فلاحاً أو نبيلاً. وكان المجتمع مبنياً على الفصل بين الطبقات والاحتفاظ بمسافة اجتماعية واضحة بينها. وكان هذا الفصل من سمات التنظيم الاجتماعي المعمول به في مجتمعات العصور الوسطى الزراعية والإقطاعية في الغرب والمجتمعات التقليدية على وجه العموم. ويظهر هذا الفصل الواضح في عدم السماح للغرباء بالبقاء في المدن لأية مدة، حيث كان يتعيَّن عليهم دفع ضريبة كبيرة للحصول على حق البقاء المؤقت. وفي داخل المدينة نفسها، كان أعضاء كل مهنة أو حرفة يعيشون في أحياء مقصورة عليهم. والفصل هنا شكل من أشكال تقسيم العمل، علماً بأن معظم المهن والحرف كانت تورَّث في نفس العائلة. وهذا تأكيد للمسافة الاجتماعية اللازمة لأداء النسق وضمان أن يظل الاحتكاك بين الطبقات والأقليات والجماعات الإثنية المختلفة عند حد معقول يضمن تحاشي التفجرات بينها. كما كان وسيلة من وسائل الإدارة في غياب نظام إداري مركزي قوي. ولعل بعض هذه السمات هي التي سمحت باستمرار الجيتو حتى العصر الحديث في مدينة مثل نيويورك حيث يُوجَد حي للزنوج (هارلم) وحي للصينيين (تشاينا تاون) وحي للعرب في بروكلين وأحياء اليهود المختلفة في بروكلين وغيرها. كما توجد مناطق يُطلَق عليها «ليتـل إيتـالي» أي «إيطاليـا الصغـيرة» و«ليتـل بولانـد» أي «بولنـدا الصغيرة»، وهكذا.
ولا يمكن أن يشكل أعضاء الجماعات اليهودية استثناء من هذه القاعدة الاجتماعية الإنسانية إذ كانوا يشكلون جماعة وظيفية وسيطة في المجتمع الغربي تضطلع بمهنة التجارة والربا، كما كانوا يُعتبَرون بمنزلة اتحادات تجارية أو حرفية تابعة للملك أو النبيل الإقطاعي الذي كان يمنحهم المواثيق التي تمدهم بالحماية والمزايا نظير ما يرتجيه من ورائهم من نفع، بل كان ينظر إليهم أساساً باعتبارهم مصدراً للربح أو أداة إنتاج وإدارة. وكان أعضاء الجماعة اليهودية غرباء بالنسبة إلى التجار المحليين، ولذا فإن وجودهم داخل المدينة نفسها كان يمثل خطورة على هؤلاء التجار. وكلما كانت شوكة التجار المحليين (والمرابين الدوليين فيما بعد) تَقوى، كان الخطر يتعاظم. ولذا، كان الجيتو هو الطريقة المثلى لحماية أعضاء الجماعة اليهودية وضمان بقائهم، أي أن الجيتو هو تعبير عن صراع بنيوي يدور في المجتمع الإقطاعي الغربي، وهو الصراع بين البورجوازية المحلية وحماة اليهود من ملوك وأساقفة ونبلاء.
واليهودي، علاوة على هذا، لم يكن وضعه محدداً داخل المجتمع الإقطاعي، إذ كان غريباً بمعنى الكلمة، غير مرتبط بالأرض ولا يقوم بالزراعة أو القتال، وهما الحرفتان الأساسيتان في مجتمعات العصور الوسطى في الغرب. وكان المجتمع الإقطاعي الذي يستند إلى الشرعية المسيحية لا يعطيه أية شرعية. ومن هنا كان الجيتو يشكل مسألة حيوية بالنسبة إليه لا يضمن بقاءه وحسب وإنما مكانته وهويته أيضاً. ومما دعم الحاجة إلى الجيتو مجموعة الشعائر اليهودية الخاصة، مثل: قوانين الطعام، وتحريم الزواج المختلط، وعدم شرب خمر صنعها واحد من الأغيار، والختان، والنصاب اللازم لصلاة الجماعة، وعادات الدفن والمدافن، وشعائر السبت.
لكل هذا، نجد أن الجيتو لم يكن قيداً يُفرَض على اليهود وإنما كان حقاً يسعون إليه ويشترونه. وكان عليهم في بعض الأحيان شراؤه مرة في العام بل أحياناً مرة كل ثلاثة أشهر. ففي عام 1084، قام الأسقف هاوتسمان، أمير مدينة سبير، بكتابة وثيقة جاء فيها أنه أراد أن يزيد عزة مدينته ومجدها فأحضر اليهود فيها وأسكنهم خارج المناطق التي يسكن فيها بقية المواطنين وأحاطهم بأسوار عالية حتى لا يضايقهم الآخرون. وحينما استعاد المسيحيون الأندلس، طالب اليهود بهذا الحق. ومن مآثر جيـمس الأول، ملك أراجــون، أنه منــح اليهود عام 1239 الحق في أن يعيشوا في حي خاص بهم. وقد كان اليهود يعترفون بالجوانب الإيجابية للجيتو حتى أن الصلوات كانت تُقام كل عام في جيتو فيرونا احتفالاً بالذكرى السنوية لإنشائه.
بنيــــــة الجـيـتــــــو
«الجيتو» مكان داخل المدينة أو خارجها محاط بسور عال له بوابة (أو أكثر) تُغلَق عادةً في المساء. وكان من غير المصرح به لأعضاء الجماعات اليهودية، في بعض المراحل التاريخية ببعض الدول، أن يظهروا خارج الجيتو في يوم الأحد أو في أيام أعياد المسيحيين. وكان الجيتو بأسواره العالية يهدف إلى عدة أشياء متناقضة، منها: حماية اليهود كجماعة وظيفية وسيطة، وسهولة تحصيل الضرائب منهم، ومراقبتهم وعزلهم وفصلهم عن الأغلبية المسيحية. كما كان يضمن ألا يهرب أعضاء الجماعة إلى بلد آخر، فقد كانوا مادة استعمالية وأداة إنتاج وإدارة يستفيد الإمبراطور أو الحاكم من وجودها.
ومن المعروف أن ازدواج المعايير الأخلاقية من سمات الجماعات الوظيفية الوسيطة. فعضو هذه الجماعة يدخل في علاقة نفعية مادية رشيدة تعاقدية باردة مع أعضاء مجتمع الأغلبية، ويدخل في علاقة حميمة دافئة مع أعضاء جماعته. وهو يرى مجتمع الأغلبية على أنه مجتمعاً مباحاً لا حرمة له. ولكن رؤيته هذه تُناقض تماماً رؤيته لأعضاء جماعته، إذ يراها جماعة لها قداستها وحرمتها. ولذا، فهو يراعي حرمتها ويؤثرها على نفسه. ولكن هذا الازدواج في المعايير ينصرف فقط إلى الموقف الأخلاقي والعاطفي العام لأعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة إذ يظل قانون الدولة والأعراف السائدة هي الإطار المرجعي القانوني الذي يحتكم إليه الجميع، سواء أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة أم الأغلبية. والجيتو لا يشكل استثناء القاعدة إذ كانت هناك مجموعتان من القوانين تنظم علاقته مع العالم الخارجي أولاهما: المواثيق التي كان يمنحها الأباطرة والأمراء لليهود وتنظم علاقتهم بمجتمع الأغلبية، وثانيتهما: مجموعة القوانين التي تنظم علاقة اليهود بعضهم ببعض كأعضاء داخل الجيتو وكجماعات يهودية داخل التشكيل الحضاري نفسه. وكان القانون الداخلي الذي ينظم علاقات اليهود فيما بينهم (في الأمور الدينية والشخصية) هو التلمود. أما علاقات الجماعات اليهودية بعضها بالبعض الآخر، فكان ينظمها قانون تحريم الاستيطان. وكان الجيتو يتمتع بقسط وفير من الإدارة الذاتية، شأنه في هذا شأن كثير من المؤسسات في مجتمعات العصور الوسطى. فكانت تديره هيئة إدارية تصل أحياناً إلى اثني عشر شخصاً، منتخبة في بعض الأحيان ومعينة في البعض الآخر، وإن كانت القيادات المنتخبة تنتمي إلى مجموعة من الأسر المحدودة. وكانت لهذه المؤسسة (القهال بين الإشكناز، والماهاماد بين السفارد) قوة تنفيذية ضخمة، فكانت تقوم بإتمام عمليات الزواج والطلاق وتنفيذ العقوبات مثل الجلد والسجن (بل الإعدام في حالات نادرة). وكان من حق هذه المجالس أن تصدر قراراً بالطرد من حظيرة الدين (حيريم)، كما حدث مع إسبينوزا، وكان من حقها النظر في المنازعات بين اليهود والحكم في القضايا حسب الشريعة اليهودية. وكان أعضاء المجلس يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن سكان الجيتو بسـبب صغر حجمه وقلـة عددهم، ولذا كان من السـهل التحكم فيهم.
وكان يتبع المجلس مجموعة من الموظفين بعضهم لا يتقاضى أي مرتب، وبعضهم الآخر يعمل نظير أجر. وأهم وظائف القسم الأول البرناس وهو رئيس الجماعة الذي كان يترأسها في كل المناسبات كما كان يرأس اجتماعات الهيئة الإدارية التي كان يُشار إليها أيضاً بـ «البرناسيم»، وكان البرناس يراقب الموازين ويقرر المرتبات التي تُدفَع للموظفين التابعين للمجلس، وكان يُعَدُّ قائد الجماعة اليهودية على المستويين الديني والدنيوي، ولذا كان يُختار أكثر الناس تفقهاً في الدين لهذا المنصب. ولكن، مع بدايات الثورة العلمانية في الغرب، بدأ المنصب يتحول إلى منصب دنيوي، وأصبحت مسئولية الحاخامات مقصورة على الأمور الدينية وحدها حيث تم فصلها عن الأمور الدنيوية، وهو شكل من أشكال علمنة الجيتو. وكان يلي البرناس الجابي أو المحصل، ووظيفته أهم الوظائف بسبب طبيعة الجماعة اليهودية في العصورالوسطى في الغرب كعنصر نافع مالي. وكان الجابي هو الذي يحدد الضرائب ويقوم بجمعها لصالح السلطات الحاكمة. وفي معظم أنحاء أوربا، كان يتبع مؤسسة القهال حاخام لم يكن يُدفَع له راتب حتى القرن الثالث عشر الميلادي. وبعد أن زاد عدد أعضاء الجماعة، تَفرَّغ هذا الحاخام لمهمته وأصبح موظفاً بأجر. وكان الحاخام يقوم أحياناً بدور القاضي الشرعي (ديان)، ولكن كان يوجد في أحيان أخرى قاض متفرغ. وكان للقهال أحياناً شرطته الخاصة التي كانت تتبعه.
ومن الوظائف التي كان يتقاضى صاحبها راتباً وظيفة الشوحيط وهو الذابح الشرعي، والموهيل وهو الذي يقوم بعمليات الختان، والمرتل (حزان) الذي يقوم بالقراءة والإشراف على أداء الصلاة والشعائر المرتبطة بها مثل إخراج لفائف الشريعة من سفينة العهد وإرجاعها. وكان يوجد أحياناً مرتل ثان أو بديل. ومن أهم الشخصيات الأخرى داخل الجيتو الشماس أو حارس المعبد اليهودي الذي كان يقوم بوظائف متعددة إذ كان يشرف على المعبد وينفذ أحكام دار القضاء (بيت دين) أو المحكمة اليهودية، وكانت واجباته هذه تجعله مسئولاً عن جمع معلومات تفصيلية عن اليهود فأصبح سيداً للجماعة التي كانت تخاف إرهابه وسيفه المصلت. وكانت الحلقات التلمودية (يشيفا) ترسل المشولاه (الوكيل) ليجمع التبرعات لها من الجماعات اليهودية المختلفة.
ومن الوظائف الأخرى داخل الجيتو، الواعظ المتجول (مجيد) الذي كان يعيش على هبات المستمعين وينتقل من جيتو إلى آخر، والشادخان وهي الخاطبة التي ترتب الزيجات. وظهرت نماذج إنسانية أصبحت مألوفة لدى يهود الجيتو مثل الشنورر أو الشحات الوقح المتسول والتساديك أو الرجل التقي والبتلانيم أو العاطل الذي يعيش من لا شيء، ويتسكع بجوار المعبد ليبتز المصلين حين لا يكتمل النصاب اللازم للصلاة.
وقد يكون من المفيد أن ننظر إلى البناء الوظيفي للجيتو من الداخل ثم إلى علاقته بالعالم الخارجي. أما الأعمال التي كان يقوم بها يهود الجيتو فتنقسـم إلى قسـمين: الأعمال التي تفيـد الجماعة اليهودية وحدها، وتلك التي كانت تلبي حاجات خاصة بالجماعة اليهودية ولكنها يمكن أن تفيد الأغيار في الوقت نفسه. وتضم المجموعة الأولى الحاخامات والمدرسين ومن يقومون بأعمال الذبح والشعائر وكتبة لفائف الشريعة وموظفي الحمام الطقوسي وحراس المعابد والمدافن. أما المجموعة الثانية فتضم الجزارين وصانعي الشموع وتجار الكتب وناسجي شال الصلاة (طاليت). وقد بلغت العمالة المخصصة للخدمات الداخلية لمجتمع الجيتو نحو 10% من مجموع العمالة اليهودية.
وكانت تُوجَد مؤسسات أخرى في الجيتو تتبع القهال، مثل: المقبرة لدفن موتى أعضاء الجماعة، وحمام عام، وحمام طقوسي، وأحياناً منزل للفقراء والعجزة ونظام تعليمي يضم المدارس الأولية الخيرية (تلمود تورا) والمدارس التلمودية العليا (يشيفاه). وكانت تُوجَد أحياناً فرق مسرحية للترفيه عن سكان الجيتو. ولكن أهم المؤسسات على الإطلاق كان المعبد، فهو بيت العبادة والدراسة والاجتماع.
وكانت علاقة اليهودي بعالم الأغيار علاقة موضوعية مجردة، فهذا العالم كان يمثل بالنسبة إليه قيمة استعمالية وحسب، ومن ثم فهو عالم خال من الحب والعواطف والطمأنينة والأمن. أما في داخل الجيتو، فهو يجد كل ما كان يفتقده. كما أنه كان يمارس في الجيتو شعائر اليهودية بكل حرفيتها دون حرج، ويمتنع عن العمل يوم السبت، ويعيش داخل شبكة من العلاقات الإنسانية الدافئة القوية التي ازدادت قوة مع ازدياد حدة الصراع مع الأغيار. ويرى بعض دارسي الجيتو أن الأشكال الثقافية التي كانت سائدة فيه، سواء كانت الثقافة شعبية متمثلة في الرقص والغناء أو كلاسيكية متمثلة في الدراسات الدينية والفقهية، كانت تتسم بكثير من الثراء، وأنها بطبيعة الحال كانت مستمدة من ثقافة عالم الأغيار. ولكن ما يهمنا تأكيده هنا هو أن اليهودي داخل الجيتو كان يتصور أن هذه الأشكال الثقافية يهودية خالصة وتتسم بخصوصية يهودية. ولذا، فقد كانت ثقته بنفسه تزداد ويزداد إحساسه بهويته الوهمية، وفي نهاية الأمر عزلته عن العالم.
الجيتو القديمة
ظهرت في أوروبا قديمًا في حوالي سنة 70م، عندما غزا الرومانيون فلسطين مرة أُخرى بعد ثورة قام بها اليهود. واتجه معظم اليهود إلى أوروبا عندئذ. وفي البداية، استقروا طوعًا في جماعات منفصلة، حتى يستطيعوا مواصلة عاداتهم الثقافية بسهولة. وليسهل عليهم إعداد طعامهم وفقًا لقوانينهم التقليدية والعيش قريبًا من المعابد، والحفاظ على الحياة الجماعية.
وفيما بعد أُجبر اليهود على العيش في الجيتو. وطالب القادة الدينيُّون أو السِّياسيُّون بفصل اليهود، وأصبحت الجيتو أَكثر شيوعًا. وفي 1555م أَصدر البابا بول الرَّابع مرسومًا يقضي بأن يعيش اليهود الموجودون في الولايات البابوية ـ وهي المنطقة حول روما التي تحكمها الكنيسة الرُّومانية الكاثوليكيَّة ـ في مراكز منفصلة. واتبعت السُّلطات في كلِّ العالم النصراني مافعله البابا. وكانت الجيتو التي تمَّ إِنشاؤها تُحاط بجدران، وتغلق بواباتها ليلاً.
خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين انتهى معظم الفصل الإِجباري لليهود.
الجيتو الآن
فكرة توطين مجموعة عِرقيَّة في منطقة سكنيَّة منفصلة تم إحياؤها في أَنحاء دولة جنوب إفريقيا بتطبيق نظام الأَبارتهايد أو الفصل العنصري بين عامي 1948 و1991م. ويستخدم المصطلح جيتو الآن غالبًا لوصف المستوطنات الضَّخمة للسُّود في مدن الولايات المتحدة. ويسكن الجيتو أَيضًا المكسيكيون والبورتوريكيون والأَمريكيون الناطقون بالأسبانية.
خلال الحربين العالميتين الأُولى والثانية جذبت الوظائف الصّناعية آلاف السُّود من المناطق الرِّيفية في الجنوب إلى مدن الشَّمال. واستقروا في الأحياء الفقيرة المزدحمة بالقرب من المصانع التي يعملون بها داخل المدن. بينما انتقل البيض ذوو الدخول العالية والمتوسطة إلى الضواحي، وزادت أحوال الجيتو سوءًا. كما أن التحيُّز والتمييز العنصري جعلا من الصَّعب على السُّود والأَقليات الأُخرى تحسين هذه الأَوضاع.
انظر أيضا
المصادر