النفس


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النٌفس

النٌفس في اللٌغة تشير لمعاني شتٌى، فيقال سالت نفس فلان والمراد دمه، ويقال في نفس فلان أن يفعل كذا والقصد في رُوعه وضميره، ويقال ما جاء إلا نفساً واحدةً والمعنيٌ شخصٌ واحدٌ، ويقال فاضت نفس فلان إذا هلك، ويقال حضرَ فلان بنفسه أي بذاته وحقيقته، غير أنٌ استعمال النٌفس كمرادف للرٌوح فقد كان موضع خِلاف على مدى الأجيال ومثير للجدل حتٌى الآن. أمٌا النٌفس في كتاب الله فهي عبارة عن جوهر الإنسان وكنهه ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) الشمس) قال القرطبي: وفي النفس قولان : أحدهما آدم . والثاني كل نفس منفوسة. ووجودها سبق الوجود البشري (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف) قال مجاهد: ولقد خلقناكم يعني آدم ثم صورناكم يعني في ظهره،غير أن ظاهر الآية يقتضي أن أمر الملائكة بالسجود لآدم وقع بعد خلقنا وتصويرنا. وتكون متٌصلة بالبدن كما تكون منفصلة عنه (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزٌمر ) في صحيح البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.

وعند الموت وفناء البدن ترجع إلى ربٌها لتخلد ما دامت السموات والأرض ثمٌ الإعادة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) الفجر)، وكون النٌفس غير ظاهرة في الإنسان في طوره البشري لائم أن يعبٌر بها عن الباطن أو السٌر (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(116) المائدة، وبما أنٌ النٌفس هي المعنية بالتكاليف الشٌرعية ضمن الكيان البشري فقد تسمٌى باسمها ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (61) آل عمران. 

النٌفس المراد التٌقرب لمعرفتها في هذه السٌطور ذاك الطٌيف الشٌبح ذو الصورة الآدمية المجهول تركيبته البنيوية، فعندما يُستغرق في المنام وتنطبق الأجفان لا يُرى إلاٌ ما ترى بعينيها ولا عقل إلاٌ عقلها ولا أخذ إلاٌ بيديها ولا مشي إلاٌ برجليها، تفرح وتحزن، تسعد وتتألٌم، تصول وتجول في عوالم لا تتقيد بقوانين عالمنا، وليس لنا أن نجزم أنٌها قابعة في ركنٍ من أركان البدن فإن فعلنا، يتعذٌر تفسير مشاهد وأنباء لم يسبق أن خطرت على البال، لا يصلنا من حالها إلاٌ النٌزر بعد إغفاء أو نوم، تعتبر هي الأنا فيقال رأيت في ما يرى النائم وعند اليقظة يُتنكٌر لها ويقال مجرٌد أضغاث أحلام، هي من يُبرز للبدن صفاته الحيوانية فإن غابت ظلٌ كومة نباتية بلا جذور، هي الآمر بالسٌوء وهي بعد ذلك من يلوم، هي ما لم تُزكٌى أضاع الشٌخص ملامحه الإنسانية واستحوذ عليه وغرٌه في من غرٌ الغَرور. حقيقة النٌفس البشرية شأنها شأن الكثير من الظواهر الطٌبيعية تُعرف آثارها ولا يدرك كنهها، وقد شكٌل التقرٌب إلي معرفة النٌفس في جميع الثقافات وعلي مدى كل الأزمنة والعصور المحور الذي يرتكز عليه العلم والإدراك الواعي، سواء في الاعتقاد، أوفي تفسير الظواهر المحيطة بالإنسان من البيئة والآفاق، أو في كل ما يحاول أن يشرأب إليه الفهم، ولا يمكن أن يقال أنٌ الإنسان نُبذً به على هذه البسيطة التي لا تكاد تبين مقارنة باتساع السموات والأرض، متروكاً هو وشأنه ليتيه في الضلالة، لا يستبين طريق منجي ولا تشمله عناية توجيه، بل كان الوحي كل حين وفترة يتنزٌل بالحق والهدى والذكرى والتبيان، مزوٌداً بمعارف وإمكانات تأسست بموجبها ثقافات وحضارات يُدرك بيسر كم تشابهت في السمات العامة ضمن ما اختصت به كل واحدة منها في نظمِ التباين، حتى جاز أن نقول اعرف قومك تعرف حال سابق الأمم، ولعل العناد والبغي كما صوٌرت قصٌة هابل وقابل لازما جميع المجتمعات ليتجاوز التشابه من سمات الهداية إلى مقولات الضلال،(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) البقرة)، فظهرت الصٌيرورة مهما سرنا نعود حيث كنٌا، لنرسم بذلك حركية أطوار وليست حركة تطوٌر. حتى يكون لهذا القول بعضٌاً من الصدقية وجب تأييده بالتتبٌع الموجز عن ما بلغنا من معتقد أقوام خلت ونوع الإدراك الذي ميٌزوا به النٌفس: النٌفس عند الهرامسة الهرامسة نسبة إلى هِرمِس مثلٌث الحكمة إدريس عليه الصٌلاة السٌلام عند العرب وأخنوخ عند العبرانيين وإله المعرفة طوط عند قدماء المصريين وإله الحكمة عند اليونان، وكما اختلف في شخصه فقد اختلف في زمانه ومكان نشأته، غير أنٌ الراجح حسب الهرامسة أنفسهم أنٌه تزامن مع أقدم الأسر الحاكمة في مصر الفرعونية وأنه سابق لزمن إبراهيم عليه الصٌلاة والسٌلام، والهرامسة في كلٌ العصور لم يهتمٌوا أبداً بالتٌقدير الشٌعبي ولا بحيازة أكبر عدد من الأتباع، يصدٌهم عن ذلك معرفتهم التي لا لبس فيها أنٌهم قلة في كلٌ جيل المؤهٌلين لتلقٌي ما يعتبرونه الحقيقة المتمثلة في التٌعاليم الهرمسية، ممٌا أكسب حركتهم طابع السٌرٌية وأحصنتهم غايتهم التي لا تصطدم مع غايات طلاٌب النٌفوذ بكلٌ أشكاله من كلٌ اجتثاث أو إكراه. وتذهب الفلسفة الهرمسية وفق المتداول في هذا الزمان إلى أنٌ الإنسان مركٌب من سبع طبقات أو أجساد حيث كل منها يتوافق مع المستوى الاهتزازي من الكثيف الفيزيائي إلى اللطيف الروحاني وأنٌ هذه الأجساد السٌبعة تتشكٌل في مجموعتان، الثالوث الأعلى المكوٌن من الروح والنٌفس والعقل السامي، والحقيقة الرباعية أو الرباعية الدٌنيا المكوٌنة من العقل الأدنى (الأنا) والعاطفة وطاقة الحياة ومادة البدن، وأن الموت يطال الرباعية الدنيا دون الثالوث. ولا حاجة لتتبٌع تفاصيل هذه الفلسفة إذ غايتنا إثبات أنٌ النفٌس عند الهرامسة تمثٌل الشٌخصية وأنها تبقى بعد الموت، وفي هذا السياق نسوق فقرة من كتاب معاذلة النٌفس المنسوب لهرمس مثلٌث الحكمة المستخرج من بضع نسخ مخطوطة في مكتبات أوربية يرجع أقدمها حسب المحقٌق عبد الرحمن بدوي إلى العهد الهليني المتأخٌر أي قبل الإسلام فيما بين القرنين الثالث والخامس الميلاديين لمٌا غزت آثار الهرمسية الفكر اليوناني المتأخر، حيث يقول :" يا نفس تأمٌلي جوهرك واعتبريه، واعلمي أنٌ جوهر النٌفس جوهر عالٍ شريف، وذلك بمناسبتها جميع العوالم وحلولها بكل محل، وأنٌها تُنسب في بعض الأحايين إلى عالم الطٌبيعة فتكون إنسانية مشاهدة للمحسوسات، مشافهة للمآكل والمشارب وجميع معاني الطٌبيعة، وتارة تُنسبُ إلى عالمها الأخصٌ بها نفساً حاسةً محسٌة مستعملة محرٌكة متهجٌسة ذات استبحاث وتأمٌل واختبار وإرادة، فهذه المعاني هي معاني النٌفس، وهي الحياة المنبثٌة في جميع ما احتوت عليه ملكوت النٌفس، وتارة تنسب إلى عالم العقل فتكون منتزعة الصٌور عن الهيولى، مدركة البسائط الأولى، مميٌزةً متصوٌرة عاقلةً لجميع معاني الأشياء الفاردة البسيطة، وتارة تنسب إلى العالم الإلهي فتكون بالغة الخير والجود آمرةٌ بهما خالية من الشٌر والجور ناهية عنهما، حكيمة الأفعال متقنة الأعمال، ومن أوضح الدلائل أن النفس تناسب العلٌة الأولى ما هو موجود في خلقها من أنٌها تسمو إلى الإحاطة بجميع الأشياء التي يحتوي عليها الملكوت العظمى، وأنها لن تلقى مستقرٌة راضية تامٌة الرضا دون أن تبلغ العالم العقلي بجميع ما فيه، فحينئذ تُلقى النٌفس غير طالبةْ شيئاً قارٌة مستقرٌة تامة الرضي، ومن استعمل الإقرار في ذاته توجد له حقيقة ذلك"..انتهى. قد تبنٌت الفلسفة الهرمسية كثير من التٌنظيمات السٌرية كالماصونية أو حركة البنائين وجمعية الصليب الوردي وجماعة التٌيوصوفية وغيرهم من الجماعات ذات أهداف لا تتفق من بعيد ولا من قريب عن ما يعرٌفون به الهرامسة أنفسهم.

النٌفس عند قدماء المصريين

كثيرة هي العقائد التي اعتنقها المصريون القدامى نتيجة مدى حضارتهم التي عمٌرت آلاف من السنين، غير أن السمة العامة تدل أنٌ اهتمامهم بالحياة بعد الموت أمر ذو شأن كبير وآثارهم في الأرض شاهدة على ذلك، فبالرجوع إلى عصور ما قبل التاريخ خصوصاً العصر “النٌيوليتي نجد في قبور هذا العصر المحفوظة بفضل الجفاف احتوائها على آثار الطٌعام وأدوات دالة عليه بشكل وافر قد لا يفسٌر وجودها إلا في ضوء افتراض أنٌ هناك تصوٌراً من أنٌ الحياة تمتدٌ بعد الموت، أما في العصور التاريخية التي تلت فقد كان للكتابة الهيروغليفية التي ترجعنا إلى حوالي سنة 3200 ق م آثاراً واضحة سواء على جدران المعابد أو على ورق البردي أو غير ذلك ممٌا مكٌن لمعرفة كثير من عقائد قدماء المصريين ، تبعاً لما بلغنا من كتاب الموتى الفرعوني المحفوظ بالمتحف البريطاني والمكتوب بالهيروغليفية على ورق البردي فإن الشخصية البشرية تتكوٌن من: • (خات) الجسد المادي العضوي أي القابل للتٌحلل والذي يجب حفظه بعد الموت بالتٌحنيط. • (الخو) أي النٌفس أو الروح الأثيرية التي لا تفنى وهي بصورة الشٌخص. • (با) وهي الروح كانت تصوٌر دائماً على شكل طائر برأس أدمي، في النصوص العديدة لكتاب الموتى توضع (البا) مع (رع) أو أزريس في السماء أو الآخرة السماوية وتستطيع زيارة الجسد في المقبرة في الوقت الذي يحلو لها • (كا) صورة مجرٌدة تمتلك خصائص وهيئة الفرد المرتبط بها، كان يعتقد أنٌ مقرها المقبرة مع الجسد لكنها تستطيع التجوال حسب إرادتها وهي تأكل وتشرب وعلى هذا كان يجب وضع القرابين الكافية من الطعام حتى لا تهيم (الكا)خارج المقبرة، ولعل أوفق ترجمة ل(كا) هي القرين الذي يصاحب الشٌخص في حياته لكنٌه يتحرٌر بعد الممات . إضافة إلى هذه المكوٌنات فقد أعطى المصريون الاعتبار لمميزات إضافية كالقلب (عب) أو (إيب) والاسم (رن) والظٌل (خيبت) والقوٌة الحيوية (سخيم) ومن كل هذا يتبيٌن شمولية المعرفة للجانب الغير مدرك من شخصية الإنسان عند قدماء المصريين.

النٌفس عند أفلاطون كان للنٌفس شأن في الفلسفة اليونانية فسقراط يعتبر الإنسان الحقيقي هو النٌفس وليس البدن، ويعود لأفلاطون القول بالثٌنوية في تركيب الشٌخص إذ يميٌز بين النٌفس والبدن وقد فصٌل في طبيعة النٌفس في كتابه الجمهورية، وأثبت عدم فنائها في كتابه فيدون، والنٌفس عند أفلاطون عاقلة وتفكٌر لذا فهي تعرٌفت على عالم المُثل قبل حلولها في الجسد، فالمعرفة عنده تشكٌل إحدى الوظائف الأساسية للنٌفس يزيد عليها الإرادة والشهوة، وحتى نعطي مقاربة لمفهوم النفس عند أفلاطون لنقتبس فقرة من كتابه محاورة فيدون حيث يقول : لنبحث المسألة على هذه الصورة تقريباً: هل أرواح الموتى مقرٌها بالإجمال عند هاديس أم ليست هناك؟ الواقع أنه طبقاً للسنٌة القديمة التي ذكرناها آنفاً هناك توجد النفوس التي رحلت من هنا، وإني أصرٌ على أن النفوس تعود إلى هنا من جديد، وتولد مرة أخرى من أولئك الذين ماتوا، وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان الأحياء يخرجون من الموتى، فماذا يمكن أن نقبل إلا أنه يجب أن توجد نفوسنا هناك؟ لأنه لا يمكن بدون شك أن يتحقق ميلاد جديد لنفوس لم تكن موجودة، وهكذا يكفي لإثبات ذلك الوجود، ولإيضاح أن ميلاد الأحياء ليس له على الإطلاق أصل غير الموتى، وعلى العكس إذا لم يكن الأمر كذلك فمن الضروري أن نبحث عن حجة أخرى..انتهى.ويستمر أفلاطون في إيراد حجج عقلية كبرهان الأضداد الذي يستهله بإقرار وجود المتضادات، وإظهار أن الأحسن لا يصير أحسن إلا بعد أن كان أسوأ، وأن الأقوى يأتي من الأضعف، وهكذا،ثمٌ يعمٌم القاعدة على كل شيء، ثم يؤكد بعد ذلك أن حركة الميلاد مزدوجة، فهي من ضد إلى ضدٌه ومن هذا ألأخير إلى الأول، فهي ليست في اتجاه واحد، وهكذا الحياة وضدها الموت. وينتقل إلى برهان التٌذكر الذي يبيٌن فيه أن النفس تحتوي على معارف كامنة فيها لا يمكن أن تكتسبها في هذه الحياة، فيستنتج من ذلك وجود لها قبل حضورها في الجسد، وأن الحقائق الوجودية لا يمكن أن تكون من وحي الأشياء المحيطة بنا التي يكتنفها الغموض، فعلمنا كله ليس سوى فعل تذكٌر. . النفس عند أهل الكتاب منذ أوائل الترجمات للكتب المقدسة سواء العائدة للعهد القديم أو الجديد وقع إبهام وخلط في تسمية الجانب الغير مادي الذي يدخل في تكوين الإنسان، مرجع ذلك صعوبة الكلفة و خلو اللغة المترجم إليها آنذاك من مصطلحات مقابلة تفي بمقصد الوحي، كمثال علي ذلك أول ترجمة للتوراة إلي الإغريقية تمٌت حوالي ثلاثة قرون قبل الميلاد في عهد الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس Tolomeo II Filadelfo (285-246 قبل الميلاد) الملك الثاني من دولة البطالمة في مصر، ويطلق على هذه التٌرجمة السٌبعينية Septuaginta أو ترجمة الإسكندرية وقد ترجمت إلى العربية كما يذكر إبراهيم بن عمر بن حسن الرٌباط بن علي بن أبو بكر البقاعي (المتوفى سنة 885 هـ)، إذ يقول في تفسيره "نظم الدٌرر" الآيات 31 إلى 35 من سورة البقرة ما نصٌه : ( اعلم أن التوراة ثلاث نسخ مختلفة متقاربة المعنى إلا يسيراً، إحداها تسمى توراة السبعين، وهي التي اتفق عليها اثنان وسبعون حبراً من أحبارهم؛ وذلك أن بعض اليونان من ملوك مصر سأل بعض ملوك اليهود ببيت المقدس أن يرسل إليه عدداً من حفاظ التوراة، فأرسل إليه اثنين وسبعين حبراً، فأخلى كل اثنين منهم في بيت ووكل بهم كتّاباً وتراجمة، فكتبوا التوراة بلسان اليونان، ثم قابل بين نسخهم الستة والثلاثين فكانت مختلفة اللفظ متحدة المعنى، فعلم أنهم صدقوا ونصحوا، وهذه النسخة ترجمت بعد بالسرياني ثم بالعربي وهي في أيدي النصارى؛ والنسخة الثانية نسخة اليهود من الربانيين والقرائين، والنسخة الثالثة نسخة السامرة؛ وقد نبه على مثل ذلك الإمام السمرقندي في الصحائف واستشهد بكثير من نصوص التوراة على كثير من مسائل أصول الدين، وكذا الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد والقاضي عياض في كتاب الشفاء وغيرهم...) انتهى. توجد في العبرية كلمة روخ Rowah مؤنثة، وكلمة نفيش Nephesh مذكرة، ولكلاهما لم يكن يوجد آنذاك ما يقابلهما في اللغة الإغريقية، فاستعملت كلمة Psyché ( ψυχή ) للدلالة عليهما معاً كما استعملت للدلالة علي العقل mens، وبذلك تكون Psyché تعني الروح والنفس والعقل في حين واحد، حتٌى يومنا هذا لم تستقر دلالة هذه المصطلحات رغم الترجمات المتعددة والمتلاحقة ليبقى أغلب أتباع هذه الديانة أو لنقل التوجه الرسمي للكنيسة يعتبر النفس l'âme والروح l’esprit مرادفين لشيء واحد. أمٌا باستنطاق الفكر اليهودي فإنٌا نجد في اللغة العبرية مصطلحات النٌفس والروح والنسمة سواء بسواء مع العربية أمٌا مدلولاتهما فقد حادت عن الاستنباط التوراتي (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) (187) آل عمران، واعتمدت مرجعية بديلة هي القابلة Kábalah التي تعرٌف بالتُراث الشفوي أو الفكر الغنٌوصي ، وحسب هذا الفكر فإنٌ الشٌخص يتكوٌن من جانب مادٌي هو البدن وجانب لطيف هو الرٌوح يسمٌونه "نيشمه" Neshamá (النٌسمة) وقد تكون هذه التسمية استنباطاً لما ورد في سفر التٌكوين الإصحاح الثاني الآية 7 (وجبل الربٌ الإلهُ آدمَ تراباً من الأرضِ، ونفَخَ في أنفِهِ نَسَمَةَ حياةٍ. فصارَ آدمُ نفساً حَيٌةً.)، و"نسمة حياة" المضافة بالنٌفخ وجب أن تلائم معنى نفخ في أنفه الروح لذا اعتبرت "نسمة حياة" يقصد منها الروح، وفي التوراة السامريٌة نجد (وخلقَ القديمُ الله آدمَ تراباً من الأرض، ونفخ في أنفهٍ نسمة الحياة. وصارَ آدم جسماً حيٌاً.) وكان سيكون الأمر مقبولاً لو لم توجد في التٌوراة كلمة روح (روخ Rowah في العبرية) ففي ترجمة البروتستانت سنة 1970 في مصر وترجمة الآباء اليسوعيين "الكاثوليك" سفر التٌكوين الإصحاح الأول الآية الثانية نجد (وروح الله يرفٌ على وجهٍ المياهِ)، أما في السٌامرية نجد (ورياح الله هابة على وجه الماء) ، علماً أن روح وريح لهما نفس الشكل في الكتابة العبرية.

بالعودة إلى الروح حسب "القابلة" فهي تتكوٌن من خمس مستويات أو وظائف هي:

• النفس (نفش Nephesh)، وتطلق على النفس كذا على الشخص، وتعني الدٌم، تتجاوب مع الغريزة. • الروح (روخ Rowah )،يطلق على النسيم وغلى النٌفَس كذا على الروح، تتجاوب مع الانفعال. • النسمة (نيشامه Neshamá )، تطلق على النفس كذا على الكائن الحي، تتجاوب مع الفكر. • الحياة (خيا jaiá)، الكائن الحي، تبثٌ الحياة في كل الأعضاء، وتتعامل مع الإرادة. • الوحدة (يخيدة iejidá) الجانب الفردي في الشٌخص،كل أعضاء البدن أزواج باستثناء يخيدة، تمثٌل الإدراك الواعي والإتحاد مع اللاهوت. رغم أنٌ التوجه العام لدى أهل الكتاب على الأخص المتديٌنين منهم هو أنٌ الشٌخص ثنوي التكوين من جانب مادي هو البدن وجانب روحي قد يقصد به النفس أو العقل، إلا أنٌ أصوات تتعالى من حين لأخر لتثبت أن الكتاب المقدٌس يعرٌف مكوٌنات الشٌخص بالثٌالوث الروح والنفس والبدن، ومن أشهر من وفٌى الموضوع بالدعوة والكتابة رجل الدين البروتستانتي والكاتب وطشمن ني ( Watchman Nee) الصيني الجنسية (1903- 1972م ) حيث من أشهر كتبه "الإنسان الروحي"( L’homme spirituel )،كما أنٌ المناقشة في أندية الشٌبكة تسير نحو هذا التٌوجه، ونسوق ما يدلٌ على ذلك من الموسوعة المسيحية العربية في تعريف الروح حيث تقول: الروح كائن غير مادي قد يلبس أو لا يلبس جسداً (وتَبتَهِـجُ رُوحي بِاللهِ مُخَلِّصي لوقا 1: 47 )، ( الله رُوحٌ، وبالرُّوحِ والحَقِّ يَجِبُ على العابِدينَ أنْ يَعبُدوهُ يوحنا 4: 24 )، وقيل عن الملائكة الذين لا جسد لهم أنهم (أما هُم كُلُّهُم أرواحٌ في خدمَةِ اللهِ يُرسِلُهُم مِنْ أجلِ الّذينَ يَرِثونَ الخَلاصَ. العبرانيون 1: 14 ). ويتكون الإنسان من ثلاثة عناصر: روح ونفس وجسد. وهذا ما يؤيده قول الرسول بولس (وإلهُ السَّلامِ نفسُهُ يُقدِّسُكُم في كُلِّ شيءٍ ويحفظُكُم مُنزَّهينَ عَنِ اللَّومِ، سالِمينَ روحًا ونفسًا وجسدًا، عندَ مجيءِ ربِّنا يسوعَ المَسيحِ.1 تسالونيكي 5: 23 )، فالجسد هو الجزء المادي في تكوين الإنسان أما النفس فهي عنصر الحياة الحيوانية، وفيها يشترك الإنسان مع الحيوان عليها يتوقف الفهم والحركة والحساسية، وهي تتوقف عند الموت. والروح هي العقل، العنصر الخالد، مصدر الإرادة والضمير. خلق الله الإنسان بإعطاء حياة للجسد الذي صوره ثم بخلق روح عاقلة وهبها للإنسان (وجبَلَ الرّبُّ الإلهُ آدَمَ تُرابًا مِنَ الأرضِ ونفَخ في أنْفِه نَسَمَةَ حياةٍ. فصارَ آدمُ نفْسًا حيَّةً. التكوين 2: 7 ). وعند الموت (( يرجع التراب ( الجسد ) إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها (فيَرجعَ الجسَدُ إلى الأرضِ حَيثُ كانَ، وترجعَ الرُّوحُ إلى اللهِ الذي وهَبَها. الجامعة 12: 7 ). النفس الحية في الحيوان (فخلقَ اللهُ الحِيتانَ الضَّخمةَ وكُلَ ما دَبَ مِنْ أصنافِ الخلائِق الحَيَّةِ التي فاضَت بِها المياهُ، وكُلَ طائرٍ مُجنَّحِ مِنْ كُلِّ صِنفٍ. ورأى اللهُ أنَّ هذا حَسَنٌ. التكوين 21:1) و(وقالَ اللهُ: (لِتُخرِج الأرضُ خلائِقَ حَيَّةً مِنْ كُلِّ صِنْفٍ: بهائِمَ ودَوابَ ووُحوشَ أرضٍ مِنْ كُلِّ صِنفٍ، فكانَ كذلِكَ. التكوين 1: 24 ) هي مجرد النفس الحيوانية وهي نفسية ومادية في طبيعتها وتهلك مع الجسد، وهي التي قيل عنها لا تأكلوا دم جسد ما لأن نفس كل جسد هي دمه (فنَفْسُ الجسَدِ هيَ في الدَّمِ، ولِذلِكَ جعَلتُهُ لكُم على المذبَحِ لِتُكفِّروا بهِ عَنْ نُفوسِكُم، لأنَّ الدَّمَ يُكفِّرُ عَنِ النَّفْسِ. اللاويين 17: 11 ) و (فنَفْسُ كُلِّ جسَدٍ هيَ في دَمِهِ، ولذلِكَ قُلتُ لبَني إِسرائيلَ: لا تأكلوا دَمَ جسَدٍ ما، لأنَّ نفْسَ كُلِّ جسَدٍ هيَ دَمُهُ. فكُلُّ مَنْ أكلَهُ أقطعُهُ مِنْ بَينِ شعبهِ. اللاويين17: 14 )و(لكنْ لا تأكُلوا الدَّمَ، فهوَ نفْسٌ والنَّفْسُ لا تُؤْكَلُ معَ اللَّحمِ. التثنية 12: 23 ). أما النفس الحية في الإنسان ( التكوين 2 : 7) فهي عنصر اسمي، هي النفس العاقلة التي نفخها الخالق في الإنسان وجعلها على صورته، ولهذا ففي كثير من الأحيان تستعمل لفظة ( الروح ) في الكتاب بذل نفسه، ولفظة النفس بدل الروح، ولهذا يعتقد كثيرون أن هناك عنصرين فقط في الإنسان الجسد وما يشمل النفس الإنسانية والروح. النٌفس عند العرب في الجاهلية

للعرب في جاهليتهم  ونعني أهل الفترة الذين سبقوا البعثة مذاهب في النٌفس، مع قلٌة الأخبار التي وصلتنا معلوم أنٌ جلٌهم كان من عَبَدةِ الأصنام الأمر الذي لا ينفى وجود معتقدات تتشبٌه  بما ساقت الديانات السٌماوية أو ما اعتنقت شعوب سالفة، كون تواجدهم الجغرافي كمعبر تجاري وفي نفس الوقت ثقافي بين مصر القديمة وبلاد ما بين النٌهرين و من ثمٌ الاحتكاك المباشر بإمبراطوريات أشرفت على حدود الجزيرة العربية، كل ذلك أسهم في اعتناق وفي اختلاق معتقدات من شأنها تفسير ظاهرة الموت والحياة ليكون لهم داخل حالة أمٌيتهم نظرة ميتافيزيقية لا يمكن أن تتولٌد بالتلقائية.
فمنهم من زعم أنٌ النٌفس يراد بها الدٌم الذي في جسم الإنسان لا غير، من ذلك اشتهرت المقولة سالت نفسه بمعنى سال دمه ولا أدلٌ على ذلك من قول الشاعر السٌموءل:

تسيل علي حدٌ السيوف نفوسنا وليس علي غير الظٌبات تسيل لم أجد ما يؤكٌد أسمٌي الدٌم نفساً لأنٌ النفس تخرج بخروجه فنكون أمام فكرة إلحادية تتفق والنٌظرة المادية من أنٌ الإنسان لا سوى الماثل ببدنه،(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (24) الجاثية، أم تعدٌى الأمر إلا تبنٌي العقيدة اليهودية في الدٌم حيث يعتبر الدٌم موطن النٌفس أو أنٌه النٌفس ذاته. ومن الآراء من قال إنٌ النٌفس طائر ينبسط في جسم الإنسان فإذا مات أو قتل يظل طائف به يصرخ علي قبره مستوحشاً، ويسمون هذا الطائر هامة أو صدى كما جاء في قول لبيد يرثي أخاه أربدَ: فليس الناسُ بعدَكَ في نَقيرٍ ولا هُمْ غيرُ أصْداءٍ وهامِ وكانوا يزعمون أن هذا الطائر يكون صغيرًا ثم يكبر حتى يكون كضرب من البوم وهو أبدًا مستوحش ويوجد في الديار المعطلة ومصارع القتلى والقبور، وأنها -أي النفس- لم تزل عند ولد الميت ومخلفه لتعلم ما يكون من بعده فتخبره، وزعموا أنه إذا قتل قتيل فلم يدرك به الثأر خرج من رأسه طائر كالبومة، وهي الهامة، والذكر الصدى، فيصيح على قبره اسقوني اسقوني، فإن قتل قاتله كف عن صياحه، وكان بعضهم يقول إن عظام الموتى تصير هامة وتطير. وذكر أن الصدى حشو الرأس، ويقال لها الهامة أيضًا، أو الدماغ نفسه، ومنهم من اعتبر أنٌ الطائر هو الدماغ إذا مات الشٌخص خرج من أنفه في شكل هامة طائر صغير لا يزال يكبر حتٌى يكون كضرب من البوم مستوحش يتواجد في الديار الخربة والمقابر، أمٌا الصدى فهو ما تبقى من الميت في قبره، وكان من يزعم أن الإنسان إذا مات أو قتل اجتمع دم الدماغ أو أجزاء منه، فانتصب طيرًا هامة، وقد نهى رسول الله عن هذا المعتقد فنجد في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنٌ رسول الله صلٌى عليه وسلٌم قال:لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر. ومنهم من كان يقول بالرجعة ، أي الرجوع إلي الدٌنيا بعد الموت ويكون في رجوعه حيٌاً كما كان، وحتى لا نخوض أكثر مما يلزم في معتقدات العرب في جاهليتهم يخصنا فهمهم للنفس والروح في هذا الشأن يقول الدكتور جواد علي : ونظرًا إلى قلة ما لدينا من موارد عن الروح والنفس وعلاقتهما بالجسد، عند الجاهليين، فإننا لسنا في وضع نستطيع فيه أن نتحدث عن رأي عموم الجاهليين في تركيب الإنسان. هل هو من "جسد" و"روح"، أو "جسد" و"نفس" أي ثنائي التركيب، أو أنه من "جسد" و"روح" و"نفس"، أي ثلاثي التركيب. فقد رأينا أنهم يجعلون الروح والجسد شيئًا واحدًا أحيانًا، ويفرقون بينهما أحياناً أخرى، ولكننا نستطيع أن نقول إن غالبيتهم كانت ترى أن الإنسان من جسد، هو الجسم، أي مادة، ومن شيء لطيف ليس بمادة هو الروح أو النفس، وهما مصدرا القوى المدركة في الإنسان ومصدرا الحياة، وأن بانفصالهما عن الجسد، أو بانفصال الجسد عنهما يقع الموت.. انتهى.من هذا يكون الاعتقاد السائد عندهم اعتبار الشٌخص متكون من جانب مادي هو الجسم أو النٌفس وجانب لطيف غير مادي هو النٌفس أو الروح، ولقد أثٌر هذا الإشكال في استعمال اسمي النفس والروح بشكل غير دقيق ليكون له تبعات بعد الإسلام كما سيتبين .

مكونات الشخصية البشرية

من اليسير التعرف علي ثلاث مدارس فكرية في الأديان والفلسفة والثقافات الإنسانية عموماً، تتصارع بشكل مستميت كي يكون الصواب حكراً لها بعد أن حدٌدت مكوٌنات الشٌخصية البشرية وفق توجهاتها وهي: الوجهة المادية: وتقول أنٌ الشيء الوحيد الذي يمكن القول بوجوده هو المادة وفي حالة الإنسان هو البدن، وأنٌ المادة أوٌلية وأن العقل ثانوي، فالتٌعقل نتاج وظائف الدٌماغ ، وهذا الأخير هو المسبب لكل الأحوال النفسية المعروفة، أما ما كان منها غير معروف فلأن العلم لم يكتشف كل وظائف الدماغ بعد. الوجهة الثنوية: وتقول أنٌ الإنسان له جانب مادي مدرك وجانب خفي يعبٌر عنه بالنٌفس أو الروح، وقد هيمنت هذه الوجهة منذ القدم، وتأثٌرت بذلك الديانة المسيحية والفكر الغربي عموماً وبشكل موازي تبنٌها الفكر الإسلامي.

الوجهة التثليثية: وتقول أنٌ الإنسان كيان له روح ونفس وبدن، ويقول بها محقٌقين من كل الأديان من حين لأخر، غير أنها لم تظهر على الفكر المعتمد، ولعل سبب ذلك اختلاف أصحابها في تحديد وظائف كل منهما.

التٌعرٌف على النٌفس والروح عسى أنٌ الباحث عن كنه النٌفس والروح فيما سطٌر الأوٌلين والآخرين لن يسعفه اليقين، فالعقل مهما أدرك ومهما رتٌب واستنبط من مدركاته لن يتأتٌى له إدراك ذاته، ثمٌ أنٌ الموضوع ليس من إفراز فكر بل هو من إخبار وحي، وإرجاع الخبر لغير المخبر، لن يزيد عن كونه وهمٌ ظنيٌ مهما نسٌق ومهما رتٌب منطقياً يظلٌ صوابه عين فساده، وتكون نتيجته ابتعادا عن الحق وتأييداً للظن . المعمول به في أكثرا لأحوال تجميع ما أخبر به الوحي ونبذه في سلٌة ما يسمى الغيبيات خصوصاً عندما تعجز بصيرة العقل عن التفسير والإدراك، بينما المرغوب استعمال بصائر الوحي بنفس الثٌقة والتٌأييد المعتمد في استنباطات العقل وتجارب العلم ما دامت الغاية إظهار الحق وتمييز الصواب، فهل من حق بعد الحق الذي أنزل الله وبيٌن رسوله، شريطة أن تكون هذه المرجعية مرجعية تدقيق وتحقيق وليست مرجعية تبعية وانتماء لما كدٌسه التراث من اجتهادات، لذا سنتوسٌم معالم النٌفس والروح باستنباط ما قد يتأتٌى من ذالك. عالم الأمر رغم أنٌ المصطلح لم يرد في البدايات الإسلامية الأولى إلاٌ أنٌه سواء كان مقتبساً أو مستنبطا فقد لائم ما جاء في كتاب الله من أنٌ لله الخلق والأمر،(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)الأعراف)، وفي صحيح البخاري عن ابن عيينة قال: " بيٌن لله الخلق من الأمر لقوله تعالى ألا له الخلق والأمر" وقال البيهقي في شعب الإيمان:" ألا له الخلق والأمر ففصل بين المخلوق والأمر، ولو كان الأمر مخلوقاً لم يكن لتفصيله معنى " وكما جاء في معجم ابن المقرئ، عن سفيان بن عيينة يقول: "الخلق خلقه والأمر كلامه ". يتبيٌن من كل هذا أنٌ عالم الخلق غير عالم الأمر، فعالم الخلق هو عالم الأشياء حتٌى لو صدر هذا الشيء بأمر كن، (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(40) النحل)، بينما عالم الأمر وإن كانت نشأته بأمر كن كذلك (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)البقرة) فهو عالم الرٌوح ولا نقول الأرواح لأن الأمر من عند الله منه بدأ وإليه يعود،(أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) الدخان) كذا ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة ) كذا: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (50) القمر . من النٌاس من يعتقد أنٌ الإنسان روح ونفس وبدن، وأنٌ الجن روح ونفس دون بدن، وأن الملائكة روح دون نفس ودون بدن، ولا أجد لهذا الاعتقاد دليل نقلي اللهم اختلاف أهل العلم في معنى الروح أمٌا الثابت هو أن الملائكة والجن والناس جميعاً من عالم الخلق، أخرج مسلم وغيره من حديث عائشة رضي الهإ عنها: ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ)، فعالم الخلق إذاً رغم اتساع المحسوس منه لا تزال النٌسبة الهائلة منه مستور. يقترب من هذا الإدراك ما يقول الفخر الرازي : "( أَلاَ لَهُ الخلق والأمر) وهو إشارة إلى أن كل ما سوى الله تعالى إما من عالم الخلق أو من عالم الأمر ، أما الذي هو من عالم الخلق ، فالخلق عبارة عن التقدير ، وكل ما كان جسماً أو جسمانياً كان مخصوصاً بمقدار معين ، فكان من عالم الخلق ، وكل ما كان بريئاً عن الحجمية والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الأمر ، فدل على أنه سبحانه خص كل واحد من أجرام الأفلاك والكواكب التي هي من عالم الخلق بملك من الملائكة ، وهم من عالم الأمر والأحاديث الصحيحة مطابقة لذلك ، وهي ما روي في الأخبار أن لله ملائكة يحركون الشمس والقمر عند الطلوع وعند الغروب "،انتهى.. معلوم أنٌ القرآن كلام الله ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) التوبة ) وأنٌه روح (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى ) وأنٌ الروح من عالم الأمر (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)الإسراء ) لذا لا يجوز أن يقال أنه مخلوق بل هو كما قال ابن عبٌاس رضي الله عنهما: " منه بدأ وإليه يعود" ثمٌ أنٌ الكلام من صفات الله، والصٌفة لا تنفصل عن الموصوف، وقد كان للإمام أحمد بن حنبل موقف معلوم في هذا الشأن. تداخل عالم الأمر مع عالم الخلق (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) الطلاق) يدلٌ على عظمة التدبير الإلهي وأنٌ كل شيء خاضعٌ لقهره طوعاً أو كرهاً و أن الأمر قد يكون سنٌة مستمرة كما يكون مخصوصاً وفي الحالة الأخيرة قد يكون مباشراً كأمره تعالى:( قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) وقد يكون بواسطة من اصطفى من خلقه (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر ) صورة النٌفس النٌفس مدركة عند الجميع ولا تتطلٌب كبير عناء للتٌعرف عليها، فهي تلك الصٌورة التي تمثٌلنا عندما نكون في حلم ما، وكونها ذات لطيفة فهي تتميٌز عن البدن الكثيف بقدرات غير مألوفة كالانفلات من الجاذبية وكالتٌحرر من قيود الزمان والمكان إلى غير ذلك من الخصوصية الملحوظة عند كلٌ منٌا أثناء الاستغراق في الرؤى والأحلام، وكان لسيٌدنا عليٌ بن أبي طالب عليه السلام تبيان للأمر فقد جاء في تفسير ابن أبي حاتم : عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ:"الْعَجَبُ مِنْ رُؤْيَا الرَّجُلِ، إِنَّهُ يُبِيتُ فَيَرَى الشَّيْءَ لَمْ يَخْطُرْ لَهُ عَلَى بَالِهِ فَتَكُونُ رُؤْيَا كَأَخْذٍ بِالْيَدِ، وَيَرَى الرَّجُلُ الرُّؤْيَا فَلا تَكُونَ رُؤْيَاهُ شَيْئًا"، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَفَلا أُخْبِرُكَ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ يَقَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى:" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " ، فَاللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ كُلَّهَا، فَمَا رَأَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، وَمَا رَأَتْ إِذَا أُرْسِلَتْ إِلَى أَجْسَادِهَا تَلَقَّتَهَا الشَّيَاطِينُ فِي الْهَوَاءِ فَكَذَبَتْهَا وَأَخْبَرَتِهَا بِالْأَبَاطِيلِ، فَكَذَبَتْ فِيهَا"، فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ. التعرٌف على النفس أقام علماً ما ترك من صغيرة ولا كبيرة إلا تتبٌعها، وأنشأ مذاهب ومدارس امتزجت فيها الفلسفة والتجارب العلمية وكل ما تفرز الملاحظة والمقارنة للسلوك الإنساني السوي وحتى الشاذ، ولا يمكن تحديد بدايات هذا العلم لأنه رافق الفكر الإنساني في كل المراحل ورغم توسٌعه واختصاصاته فلا تزال كثير من الظواهر لم يقدر على تفسيرها مما فسح المجال لعلم جديد يختص بالظواهر النفسية الخارقة " La parapsychology " في الثلاثينات من القرن الماضي، فإذا كان علم النفس الرسمي يتناول كل شيء عن النفس عدا حقيقة النفس مبرٌراً موقفه بعدم الاعتراف بما هو غير محسوس ولا يخضع للمراقبة والتجربة، فإن "علم نفس الخوارق" مزج بين المعارف القديمة والأسلوب العلمي الحديث ليفسٌر حالات يتمٌ فيها التحكٌم في النٌفس وهي على صورتها الأثيرية أو اللٌطيفة، كظاهرة "الامتداد النجمي" Projection Astral أو كما يسمٌيها البعض "الإسقاط النجمي" وهي تجربة يخرج فيها صاحبها من بدنه المادي ليرحل في مستويات أخرى ببدنه الخفيف أو بدن من الطاقة بشكل واعي بحيث يبقى مرتبط ببدنه الكثيف برباط يسمى الحبل الفضٌي، والظاهرة لقيت اهتماماً كبيراً قي الغرب خصوصاً بعد ظهور حركة "العصر الجديد" « Nouvel âge » ، بهذا نكون أمام معرفة معاصرة للنفس ممثلة في الجسم النجمي وعند الهنود ب"لينكا شاريرة linga sharira" .

سواء صدٌقنا أم لم نصدٌق بما كتب وما نشر عن ظاهرة "الإمتداد النجمي" حريٌ بنا أن نأخذ التجارب في الاعتبار ولو لم نقتنع بتفسير أصحابها مستحضرين ما في تراثنا من ظواهر وصلت حد التواتر كالكشف، والتخاطب، وعدا ذلك المصنٌف في جملة كرامات الأولياء، مع اعتماد التبيان والتحذير من أن الخوارق ليست حكراً للصالحين بل أن أئمة الظلمة يحصلون على ما يشبه تلك النتائج بممارساتهم السحرية وطقوسهم في تسخير قوى الطبيعة.

صورة الروح سبق التبيان أنٌ الروح من عالم الأمر والسؤال المطروح من العنوان، هل توجد إمكانية أن يكون للأمر صورة ؟، قبل الإجابة حريٌ أن نستعرض ما بلغنا من حالات كان فيها للأمر صورة، إحداهنٌ، الأمر الذي أرسل إلى سيدتنا مريم عليها السلام:(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا )(17) مريم، من المفسٌرين من قَال: تمثل لها روح عِيسَى في صورة بشر فحملته، ومنهم من قال: أرسل إليها فيما ذُكر لنا جبريل. ومهما يكن فالروح من أمر الله: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِي) (15) غافر وسبق أنٌ الأمر قد يكون مباشراً أو بواسطة الرسل من الملائكة: ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِي) (2)النحل، أورد الطٌبري في تفسيره، عن مجاهد، في قول الله ( بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) إنه لا ينزل ملك إلا ومعه روح، وأورد القرطبي في تفسيره أَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ :الروح: خلق من خلق الله على صور بني آدم، وما نزل ملك من السماء إلا ومعه واحد من الروح،و في تفسير ابن أبي حاتم بصيغة َ: الرُّوحِ ، أمر مِنَ أمر الله وخلق مِنْ خلق الله، وصورهم عَلَى صورة بني آدم، وما يَنْزِل مِنَ السَّمَاء ملك إلا ومعه وَاحِدٍ مِنَ الروح، ثُمَّ تلا:" يَوْم يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ".

  الحالة الثانية القرآن بوصفه روح نعلم أنُ بعض من سوره لهنٌ صُور يوم القيامة ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ  . الحالة الثالثة معلوم أن الموت ليست مخلوق بل أمرٌ يقوم به ملائكة (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)(61)الأنعام، إلا أنه يوم القيامة يجيء بالموت في صورة كبش، أخرج الإمام مسلم في الصحيح عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ قَالَ وَيُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ قَالَ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. الحالة الرابعة وهي أن أرواح البشر لها هيئة طائر بعد مفارقتها الجسد، فقد ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:أن الشّهداء، ((أرواحهم كطير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت. ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش )) هذا القول لعبد الله ابن مسعود رضي الله عنه كما أخرجه ابن ماجة في سننه، أو ((أرواح الشّهداء في صور طير بيض)) كما قال قتادة حسب ما ورد في تفسير الطّبري وقد اختلفت الصّيغ عند المفسّرين وأهل الحديث لكنّها لم تخرج عن كطير خضر أو في طير خضر أو في جوف طير خضر،أما أرواح  المؤمنين فقد أوردت الأخبار أنها في جوف طير خضر كالزرازير، يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة، أو طير بيض أو صفر، أما أرواح غير المؤمنين فقد جاء في تفسير الطّبري عن السديّ، قال: بلغني أن أرواح قوم فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدوّا وعشيًّا.

النفس في المحيى والممات حال الناس غريب مع الموت فمنهم غير آبه يظن أن لن يلقاه أبداً، ومنهم يخال لأن ينقضٌ عليه كل حين فيعيش فزعاً ورعباً، لا هذا ولا ذاك أصابا التقدير، بل هي الغفلة التي تدفع إلى الركون مع اللهو واللعب وعدم التزوٌد بالفوائد والتٌعلٌق بما هو زائل، رغم أنٌنا نعيش الوفاة كل يوم في جل الأحوال كما نعلم وكما علٌمنا ربٌنا:( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (60)الأنعام فما زال الشعور العام أنه من مات هلكت نفسه وصارت إلى الفناء المشاهد كما صار الذي حلٌ ببدنه، وهو شعور لم يأتي به الإسلام ولا هو منسجم مع العقيدة في الإيمان، وقد سبق لرسول الله صلى الله عليه وسلٌم كما ورد في بعض كتب السيرة أنه في بداية الدٌعوة وذلك لما قال الله له وأنذر عشيرتك الأقربين، فقال لهم فيما قال: والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون ، لذا استطلاع حال النفس في الوفاة الذي يصاحب الموت يجب أن يقارن ويستنبط من أحوال النٌفس عند المنام، فمن أبرز خصائص النفس في النوم عدم الإحساس بمرور الزمن الذي نخضع له في اليقظة وهذا ثابت في قصة أهل الكهف كذا في الذي آماته ربه مائة عام ثمٌ بعثه، كذا يوم يقوم الأشهاد، (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلً)(52)الإسراء،كما أن النفس عند الوفاة سواء بالنوم أو الموت تحتاج لطاقة يعبٌر عنها بالنٌور تدعمها وتقوٌيها في وجه النفوس الشريرة من الجن والإنس وتبيٌن لها طريق نجاتها، (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(12)الحديد،أورد الطبري: عن قتادة، قوله:( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) ... الآية، ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنَ المَدينَةِ إلى عَدَنَ أبْينَ فَصَنْعاءَ، فَدُونَ ذلكَ، حتى إنَّ مِنَ المُؤْمِنينَ مَنْ لا يُضِيء نُورُهُ إلا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ".

النفوس عموماً استكملت أطوارها في الخلق لمٌا ظهرت بأبدانها، غير أن ذلك لا ينفي وجودها اللطيف في الميتة الأولى ولا وجودها فيما هو آت من أيام الله، ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )(28)البقرة.

أهم الفروق بين النٌفس والروح علمنا أنٌ الرٌوح ذاك الأمر الرٌباني الذي نفخ من طرف ربٌ العزٌة في حالة خلق آدم عليه السلام على صفته البشرية، وفي حالة خلق عيسى عليه السلام، وينفخ من طرف الملائكة الموكلين في باقي الحالات والناس في بطون أمهاتهم، أخرج البخاري في الصحيح من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَ، وقال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين) (14)المؤمنون، يقول ابن كثير ( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ) أي: ثم نفخنا فيه الروح، أي قال بالذي قال به ابن عباس، وقد شاء الله أن يزيدنا توضيحاً لكيفية نفخ الروح فبيٌن كيف أنٌ عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة طائر فينفخ فيه فيكون طائراً بإذن الله، أمٌا النفس فهي خلق كباقي خلق الله حتى وإن لم تكن مادية بالصفة التي نعرف من الكثافة فهي لطيفة من عالم الذر كما يطلق عليه الفقهاء، وأنٌ لها في هيأتها سمعاً وأبصاراً وأفئدةً، وأنٌ شأنها ليس مستغرباً لمن يؤمن بمخلوقات كالجن وكالملائكة مع تباين طبائعهم، وللنفس صورة أدمية سواء كانت مع البدن أو منفصلة عنه، ففي حديث خلق آدم ، ولما مسح الله على ظهره فاستخرج كل ذريٌته فرأى آدم رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود يكون في آخر الأمم... الحديث، كما أنه في رحلة العروج لرسول الله صلى الله غليه وسلم، وجد آدم في السماء الأولى ، وهو رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وعلى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ...الحديث، والعرب تطلق السواد على جماعة من الناس لا يظهر منهم إلا سواد رؤوسهم، حديثنا عن النفوس في هيئاتها البشرية يجعلنا أكثر استيعابا لميثاق النفوس التي أشهدها الله الخالق البارئ المصوّر أنه ربّها إذ أخذها من ظهور أبائها، مصداقاً لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف. وما هذه إلا دلائل أن النفس لها صورة بشرية، أما الروح فهي على صورة طائر كما أسلفنا، ومن الفروق كذلك أنٌ النفس تتصل وتنفصل عن البدن بشكل طبيعي أو بمسبٌبات غير طبيعية كالتٌخدير وكالإغماء وشدة الألم وغيرها، دون أن يقع خلل في الجسم بالضرورة، أما الروح فلا يعرف لها انفصال إلا بعد الموت، كما أنٌ للنفس التٌحكم في حركات البدن الإرادية ويبقى للروح التحكم فيما عدى ذلك.

من الفروق كذلك ما نجد في السنة الشٌريفة أن الروح يصعد بها إلى السماء سواء من الكافر أو المؤمن، أورد  الإمام مسلم من حديثْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ قَالَ وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا، أما الأحاديث الذاكرة لخروج النفس فتأكد أن نفس الكافر لا يفتٌح لها أبواب السماء، ففي مصنّف ابن أبي شيبة : حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن أبي موسى قال : تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك ، قال : فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون : من هذا معكم ؟ فيقولون : فلان - ويذكرونه بأحسن عمله ، فيقولون : حياكم الله وحيا من معكم ، قال : فتفتح له أبواب السماء ، قال : فيشرق وجهه فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس ، قال : وأما الآخر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة ، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون من هذا معكم ؟ فيقولون : فلان - ويذكرونه بأسوأ عمله ، قال : فيقولون : ردوه فما ظلمه الله شيئا ، قال : وقرأ أبو موسى :( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ).

إجمالاً الروح من الله وإلى الله بينما النفس من الإنسان وشأنها شأنه، فكيف نساوي بين ما هو من اللاهوت مع ما هو من الناسوت. النٌفس والروح في التراث من المسلمين من يعتقد أنّ النفس هي الروح، ومنهم من يقول أنّ النفس غير الروح، ومنهم من يعتبر هذا من الغيبيات التي لا يجب الخوض فيه. الذين يقولون أنّ النفس مرادف للروح دليلهم من السنة الشريفة كقول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن شهاب: أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك. وقوله عليه السلام في حديث زيد بن أسلم (إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا)  جاء في موطّأ الإمام مالك : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ، أَسْرَى. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، عَرَّسَ . وَقَالَ لِبِلَالٍ "اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ" وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ. ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الرَّكْبِ، حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ. فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اقْتَادُوا" فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ وَاقْتَادُوا شَيْئًا. ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ. ثُمَّ قَالَ حِينَ قَضَى الصَّلَاةَ، مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي.  كما جاء في الموطّأ كذلك : عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّهُ قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، بِطَرِيقِ مَكَّةَ. وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ. فَرَقَدَ بِلَالٌ، وَرَقَدُوا. حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ. فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ، وَقَدْ فَزِعُوا. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، وَقَالَ "إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ" فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِلُوا، وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا. وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ، أَوْ يُقِيمَ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ. فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا. فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ، أَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ فَزِعَ إِلَيْهَا، فَلْيُصَلِّهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا." ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَضْجَعَه،ُ فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ، كَمَا يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ." ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا. فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. توجد شواهد أخرى دلالتها أن النفس هي الروح في متون الحديث سواء باختلاف الرواية أو حتى في الرواية الواحدة.  في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( أَلَمْ تَرَوْا الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ قَالُوا بَلَى قَالَ فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ) وعنه أيضا،( إن الروح إذا قبض تبعه البصر) (أحمد ، ومسلم ، وابن ماجه عن أم سلمة).  كما يمكن الرجوع إلي حديث البراء بن عازب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (« إن الرجل المسلم إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاء ملك الموت فقعد عند رأسه ، وينزل ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ، فيقعدون منه مد البصر » قال : « فيقول ملك الموت : أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان » قال : « فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء ، فلا يتركونها في يده طرفة عين ، فيصعدون بها إلى السماء ، فلا يمرون بها على جند من ملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ ... الحديث) في مسند الإمام أحمد ومصنّف عبد الرزاق ومستدرك الحاكم ، حيث يلاحظ في متنه تستبدل النفس بالروح كأنهما شيء واحد فتخرج نفساً ويرجع بها روحاً. من الأحاديث السالفة كان الاستنتاج، أنّ النّفس مرادف الروح، كذا من الاستعمال اللغوي حيث كانت العرب تخلط بين النفس والروح منذ جاهليتهم، وتجدر الملاحظة أنٌه باستعمال قاعدة العرض على كتاب االله يجب أن تكون أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلٌم في الأخذ والقبض والخروج يراد بها النفس وليس الروح أي لنرجع إلى ما أورد الإمام أحمد من مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَى وَالَّذِي هُوَ أَهْيَا وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى، إذ من غير المقبول أن لا يفرٌق رسول الله صلى الله عليه وسلٌم بين النٌفس والرٌوح بعد أن فرٌق الذٌكر الحكيم بينهما كما هو آت بيانه. أمّا الذين يقولون النّفس غير الرّوح فمرجعيّتهم قول ابن عبّاس رضي الله عنهما وأقوال سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام ومحقٌقين من العلماء في كل العصور .  قال السُّهَيْليُّ في الرَّوْض فصل : ومما يتصل بمعنى الروح وحقيقته أن تعرف هل هي النفس أو غيرها، وقد كثرت في ذلك الأقوال واضطربت المذاهب فتعلق قوم بظواهر من الأحاديث لا توجب القطع لأنها نقل آحاد وأيضا فإن ألفاظها محتملة للتأويل ومجازات العرب واتساعاتها في الكلام كثيرة فمما تعلقوا به في أن الروح هي النفس قول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي عليه السلام "إن الله قبض أرواحنا"، وقوله عز وجل: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) (الزمر:42) والمقبوضة هي لأرواح ولم يفرقوا بين القبض والتوفي، ولا بين الأخذ في قول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك وبين قول النبي عليه السلام "قبض أرواحنا"، وتنقيح الأقوال وترجيحها يطول. وقد روى أبو عمر في التمهيد حديثا يدل على خلاف مذهبه في أن النفس هي الروح لكن علله فيه أن الله خلق آدم وجعل فيه نفسا وروحا، فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووفاؤه ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه ونحو هذا، وهذا الحديث معناه صحيح إذا تؤمل صح نقله أو لم يصح وسبيلك أن تنظر في كتاب الله أولا، لا إلى الأحاديث التي تنقل مرة على اللفظ ومرة على المعنى، وتختلف فيها ألفاظ المحدثين فنقول قال الله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (الحجر: من الآية 29) ولم يقل من نفسي وكذلك قال (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) (السجدة 9) ولم يقل من نفسه ولا يجوز أيضا أن يقال هذا، ولا خفاء فيما بينهما من الفرق في الكلام وذلك يدل على أن بينهما فرقا في المعنى، وبعكس هذا قوله سبحانه (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) (المائدة: من الآية 116) ولم يقل تعلم ما في روحي، ولا أعلم ما في روحك، ولا يحسن هذا القول أيضا أن يقوله غير عيسى، ولو كانت النفس والروح اسمين لمعنى واحد كالليث والأسد لصحٌ وقوع كل واحد منهما مكان صاحبه وكذلك قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) (المجادلة: من الآية 8) ولا يحسن في الكلام يقولون في أرواحهم وقال تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) (الزمر: من الآية 56) ولم يقل أن تقول روح ،ولا يقوله أعرابي، فأين إذا كون النفس والروح بمعنى واحد لولا الغفلة عن تدبر كلام الله تعالى ؟.  في تفسير ابن أبي حاتم : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ:" " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ " الْآيَةَ، قَالَ: نَفْسٌ، وَرُوْحٌ بينهما شعاع الشمس، فيتوفى الله النفس في منامه، ويدع الروح في جسده وجوفه يتقلب ويعيش، فإن بدا لله أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضَ الرُّوحَ فَمَاتَ، أَوْ أَخَّرَ أَجَلَهُ رَدَّ النَّفْسَ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ".  وفي تفسير القرطبي  : قال ابن عباس : في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها التحرك والتنفس،فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه، وهذا قول ابن الأنباري والزجاج .  القول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن الله خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفسا وروحا فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه.

الخلاف له تداعيات في طريقة فهم كثير من الأخبار التي هي أساسية في الدٌين، فمن يعتقد أنّ النفس هي الرّوح، لا يمكن له أن يدرك أنه عاش الميتة الأولى، وأكثر من ذلك، لا يمكن أن يفهم كيف سيعيش الميتة الثانية رغم وفرة ما جاءت به السنٌة الشٌريفة من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي تتعرّض لأحوال الآخرة. 

النّفس هي الإنسان وهي الأنا وهي المسئولة في الكيان البشري حيث التّعايش بين النّفس والروح والجسد إضافتاً إلي القرين من الجنّ والحافظ من الملائكة فعن عبد الله بن مسعود أنّ النّبي صلّ الله عليه وسلّم قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِحَقٍّ" ، فالنّفس هي المتصرّفة في كل القدرات المخوّلة لها وما عداها في الكيان مسخر وفي أحسن الأحوال مستشار، فعن عبد الله كذلك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن للشيطان لمة ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى ، فليتعوذ من الشيطان »،ثم قرأ: ( الشيطان يعدكم الفقر) الآية. علمنا أنّ طبيعة النّفس مادية لكنّها من مادة لطيفة وليست كثيفة،أو شكل من أشكال الطاقة لم نتعرٌف عليه بعد، فالعالم الذي نعيش فيه يحوي ما نرى وما لا نرى، ما نعرف وما لا نعرف، في ذلك أقسم ربّ العزّة: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) الحاقة)، وعالم الجن هو عالم من مخلوقات لطيفة خلقت من نار، كذلك النّفس خلقت من تراب ولعلّه إلي وقت غير بعيد، كان من الصّعب القبول أن كائن يسكن جسم الإنسان وهو مخلوق من تراب ذو الطّبيعة المادية لا يكون مدركاً ولا محسوساً، لكن التقدم الذي توصّل إليه علم فيزياء الكم Physique Quantique حيث كشف عن جسيمات لها آثارها الفيزيائية حتى مع انعدام كتلتها، يقرّب إلي الفهم إمكانية تشكل كائن دون وزن أو حتى بوزن متناهي في الصغر مقترباً من الصّفر، وهو نفس ما عبّر عنه علمائنا بعالم الذّر، حيث الذّر جمع ذرة والذرة في اللغة قيل الذَّرَّةُ ليس لها وزن ، ومجازاً أطلق علي صغار النّمل أو حبيبات الغبار التي لا تري إلا عندما يخترقها شعاع الشّمس، إلي غير ذلك، أما الذكر الحكيم فقد ساق التتالي في الصّغر إلي ما لا يعلمه إلاّ الله) وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ).

أ‌- الأنا في الإنسان يسود الاعتقاد نتيجة الفكر المادي المهيمن علي كلّ جوانب حياتنا المعاصرة، أنّ الإنسان ما هو إلاّ هذا الجسم المحسوس والملموس والمتكوّن من خلايا وأعضاء وأجهزة، يكشف الطّب مستعيناً بتقنيات من مجالات أخرى يوماً بعد يوم كثير من الأسرار لعلّها لم تكن من قبل مدركة وإن كانت معلومة حيث كان يشبّه الإنسان بالعالم الصّغير، في هذا المعتقد يكون الإنسان هو هذا الذي أمامنا، ولم يكن قبل تشكّله إنسانا، كما لن يكون بعد موته إنساناً. يمكن للمهتم أن يعرف الكثير عن جسم الإنسان سواء عن تركيبته أو عن وظائفهً وحتى وظائف أجزاء منه متناهية في الصّغر، كما أن الأبحاث العلمية مسترسلة دون توّقف إلي الآن، غير أنّ الأنا ليست هذا الجسم ولا حتى في هذا الجسم بدليل أنّ الإنسان في حالة الغيبوبة وفي حالة النّوم ليس له الأنا رغم جسم كامل غير مختلّ، وبمثل هذا القول قال الكثير من قبل، وأسوق مثال عن ذالك ما قال السّهروردي في هياكل النور :" بدنك أبداً في التّحلل والسّيلان، وإذا أتت الغاذية بما تأتي عند ورود الجديد الحاصل من الغذاء لعظم يدنك، ولو كنت أنت هذا البدن أو جزءاً منه لتبدّلت أنائيتك كل حين، ولما دام الجوهر المدرك منك، فأنت أنت لا ببدنك.وكيف يكون ويتحلل وليس عندك منه خبر؟ فأنت وراء هذه الأشياء."ونزيد عن قول السّهروردي أن الطب الحديث الذي تمكن من زرع كثير من الأعضاء في جسم الإنسان لم نشهد أن من أخضع لهذه العمليات تبدّلت الأنا عنده، ترى لو تمكن الطب من زرع الدماغ جزئياً أو كلياً هل يستقر الحال كذلك ؟. إذا كانت الأنا ليست الجسد (هيت أو خيت عند قدماء المصريين) ولا من الجسد فهل يمكن أن تكون هي الرّوح (با عند قدماء المصريين وتمثّل بطائر له وجه بشري)؟ أستبعد ذلك، بدليل ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما سئل متى كنت نبيا؟ قال:( وآدم بين الروح والجسد) أي أنّ ما بين الروح والجسد هي أنائية آدم عليه الصلاة والسّلام. لعل هذا الحديث يسمح أن نستنبط أن لحظة نفخ الروح والله أعلم هي لحظة التئام النفس بالبدن وهي نفس اللحظة كما سبق الذكر، إذ عبر الله تعالى عنها ب(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ)، مما يسوق أن اعتبار الروح أو النفس كما في فهمنا علة الحياة قد يكون خاطئا، فالجنين في طور التجميع وفي طور العلقة وفي طور المضغة لم يكن ميتا كما أنه ربما لم يكن بشرا سوياً تشكل بعد، ولهذا المعنى تذهب التفاسير النقلية عند تفسير قول الله تقدس اسمه (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) يقول البيضاوي : مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة، أو تامة وساقطة، أو مصورة وغير مصورة .