مقياس النيل

(تم التحويل من المقياس الجديد)
مقياس النيل بالروضة كما رسمه ديفيد روبرتس عام 1840

مقياس النيل في الطرف الجنوبي لجزيرة الروضة بمدينة القاهرة بمصر. وكان يستخدم لقياس فيضان النيل، وعلى أساسه يتم تحديد الضرائب في العام الزراعي المقبل، وكذلك للإستعداد للإحتفال بوفاء النيل.

وقد جُدد مقياس النيل سنة (247هـ- 861م) بأمر من الخليفة المتوكل العباسي بمدينة الفسطاط "جزيرة الروضة". والتخطيط للمقياس من ثلاث طوابق مركبة، الطابق السفلى منها دائرى الشكل تعلوه حائط مربعة طول ضلعها أكبر من قطر الدائرة، وفوقه المربع العلوى طول ضلعه أطول من طول ضلع المربع الأوسط، وقد شيد بئر المقياس من الحجر المنحوت، ويوجد في داخله فسقية كبيرة عميقة ينزل إليها بدرج رخام على الدائرة، وفى وسط الفسقية عمود رخام قائم، وفيه رسوم وأعداد وأذرع وأصباغ، وعلى رأس العمود بنيان مرقم من الحجر، وهو ملون مرسم بالذهب واللازورد وأنواع الأصباغ المحكمة. وقد ذهبت بعض النقوش والأغطية الرخامية من المقياس نتيجة لعمليات الترميم التى كانت تجرى للمقياس. وعلى أثر مقياس النيل كان يجبى الخراج وتحدد أسعار السلع. وكانت مياه النيل تدخل المقياس من فتحة معدة في جدار المقياس وعليها يتم تحديد منسوب المياه.

لقد نال نهر النيل عناية عظيمة من حكام مصر باعتباره شريان الحياة فيها إذ تعتمد عليه حياة المصريين. وكانت الضرائب تفرض على أساس حجم الفيضان السنوي.

وقد بذل هؤلاء الحكام جهوداً لضمان العدالة عن طريق قياس مستوى الماء في النيل فيما يخص جمع خراج الأراضي الزراعية، فالأراضي التي يغمرها النيل بالفيضان تختلف عن تلك التي يصعب ريها.

وتعددت من ثم المقاييس التي أقيمت على طول نهر النيل ومنها مقياس بأنصنا وآخر بمنف ومقياس بقصر الشمع وغيرها من المقاييس والتي توقف العمل بها سنة 247 هـ. (861م) حيث أقيم مقياس النيل بالروضة وتم الاعتماد عليه.

وقد عرف الموظف المسئول عن المقياس باسم صاحب المقياس، وكان يقيس الزيادة بالمقياس كل يوم عصراً، كما كان يقارن مستوى الزيادة في الماء كل يوم بما قبله من ذلك اليوم في العام المنصرم حيث تدون هنالك في سجل يرفع إلى أولى الأمر.

حيث يظل الأمر سراً إذ انحط مقدار الماء عن المقدار المطلوب حيث يجب ألا يعلم الناس بذلك. وعندما يبلغ الماء ستة عشر ذراعاً أو 8.4 متر أو 5ر27 قدم تعم البشرى بذلك ويحتفل الناس بهذه الزيادة.

اعتمدت الزراعة في مصر، منذ عصور ما قبل التاريخ، على مياه النيل وغمرها السنوي المستمر للأراضي المصرية؛ بالفيضان الذي أمدها بالمياه والغرين (الطمي). وهكذا، كانت الأراضي تروى سنويا بانتظام عن طريق ما يعرف بنظام "ري الحياض"؛ وهو نظام ينطوي على تقسيم الأراضي إلى حياض الذي هو عبارة عن إقامة حواجز طينية . وتنساب المياه من القنوات إلى الأحواض. وتحمل كل قناة الماء إلى نحو ثمانية من الحياض؛ الواحد تلو الآخر. وبهذه الطريقة، يزيد نصاب الأراضي الأقرب إلى شاطئ النهر على تلك الأراضي التي هي أبعد. ومع الزمن، تطورت طرق الري في مصر القديمة؛ نحو الري الصناعي: بهدف الحفاظ على المياه الفائضة عن الحاجة، بعد الفيضان، في أحواض قريبة من شاطئ النهر من أجل الاستخدام في ري مزيد من الأحواض التي لم تصلها مياه الفيضان. وقد تحقق ذلك من خلال حفر مزيد من القنوات والجسور. ويعد الري الصناعي إنجازا مصريا قديما تطلب التعاون الكامل بين الدولة والأمة؛ مع المثابرة.

ومنذ استقرار الإدارة المركزية للدولة، واصل قدماء المصريين تسجيل منسوب مياه النيل في سجلات رسمية. وتظهر أقدم السجلات لمناسيب الفيضان على حجر باليرمو، من الأسرة المصرية الخامسة؛ ويحمل عدد 63 سجلا لمناسيب مياه النيل. وتواصل القياس، وتطور، حتي عام 715 الميلادي؛ حين بني مقياس النيل أو مقياس الروضة، على [[جزيرة الروضة]]. واستمر استخدام هذا المقياس حتى بداية القرن العشرين. وكان لرصد منسوب مياه النيل تأثير على تقدير قيمة الضرائب والمساحات التي يمكن ريها خلال العام. وكانت الأقاليم مسئولة، عقب الفيضان، عن إدارة القنوات والترع؛ بينما أجريت عمليات قياس مساحات الأراضي ومناسيب المياه، على المستوى القومي. و يعتبر من نماذج العمارة الاسلامية في مصر



- يعد مقياس النيل بالروضة من المنشات العباسية، و قد عرف المصريون منذ أقدم العصور تشييد المقاييس في شتى أنحاء البلاد ليتعرفوا على ارتفاع النيل نظرا لعلاقته الوثيقة بري الارض و تحصيل الخراج. و تشير المصادر العربية إلى العديد من المقاييس التي أنشئت بمصر بعد الفتح العربي لها منها: معاوية بن أبي سفيان( 41-60 ﻫ): مقياس انصنا . عبدالعزيز بن مروان: أنشا مقياس بحلوان سنة 80 ﻫ . بنى أسامة بن زيد التنوفي عامل الخراج، مقياس في الروضة في عهد الوليد بن عبدالملك(86 -96 ﻫ) سنة 92 ﻫ و قد أبطل سليمان بن عبدالملك العمل به فانشأ غيره في سنة 97 ﻫ، أي بعد خمس سنوات. و في سنة 247 ﻫ أمر الخليفة المتوكل ( 232 – 248 ﻫ) بإنشاء المقياس الذي عرف بعدة أسماء منها:

و يذكر المؤرخ ابن خلكان أن اسم الخليفة المتوكل كان منقوشا في شريط من الحجر يحيط بأعلى فوهة البئر، و قد شيد على يد احمد بن محمد الحاسب، و تحيط بشخصية هذا المهندس الغموض حيث يقول البعض: 1. الذي بنى المقياس هو مهندس عراقي اسمه محمد بن كثير الفرغاني في ولاية يزيد بن عبدالله التركي. 2. قال البعض أن اسمه ابن كاتب الفرغاني و انه كان قبطيا، لكن يقول كريزويل أن الذي ينسب إلى فرغانة التي هي جزء من دولة الفرس لا يمكن أن يكون قبطيا. 3. زعم البعض أن احمد بن محمد الحاسب و احمد بن كثير الفرغاني ما هما إلا شخص واحد و في هذا يقول بوبر، انه هو نفسه احمد بن المدبر الذي ولي خراج مصر. و ما يزيد من حدة هذا الخلاف أن النقش الحجري الذي أشار إليه ابن خلكان فقد أثناء إصلاحات احمد بن طولون ( 254- 270 ﻫ). - و هذا المقياس الأثري عبارة عن: 1. عمود رخامي مدرج و مثمن القطاع يعلوه تاج روماني يبلغ طوله 19 ذراع، حفر عليه علامات القياس. 2. يتوسط العمود بئر مربع مشيد بأحجار مهذبة روعي في بنائها أن يزيد سمكها كلما زاد العمق، و على هذا شيد البئر من ثلاث طبقات: السفلى على هيئة دائرة، يعلوها طبقة مربعة ضلعها اكبر من قطر الدائرة، و المربع العلوي و الأخير ضلعه اكبر من المربع الأوسط. و جدير بالإشارة أن سمك الجدران و تدرجه على هذا النحو، يدل على أن المسلمين كانوا على علم بالنظرية الهندسية الخاصة بازدياد الضغط الأفقي للتربة كلما زاد العمق إلى أسفل. 3. يجري حول جدران البئر من الداخل درج يصل إلى القاع. 4. يتصل المقياس بالنيل بواسطة ثلاثة أنفاق يصب ماؤها في البئر من خلال ثلاث فتحات في الجانب الشرقي، حتى يظل الماء ساكنا في البئر، حيث أن حركة المياه في النيل من الجنوب إلى الشمال و بالتالي لا يوجد اتجاه حركة للمياه في الناحية الشرقية و الغربية. 5. يعلو هذه الفتحات عقود مدببة ترتكز على أعمدة مدمجة في الجدران، ذات تيجان و قواعد ناقوسية. 6. و يرتكز العمود الوسطي على قاعدة من الخشب الجميز لأنه الوحيد الذي لا يتأثر بالمياه و ذلك لتثبيته من أسفل، و مثبت من أعلى بواسطة tie-beam أي كمرة، و عليه نقش بالكوفي لآية قرآنية. 7. و عن النقوش و الكتابات الأثرية في هذا المقياس: · في الجانب الشمالي و الشرقي كتابات أثرية بالخط الكوفي. · في الجانب الجنوبي و الغربي نقوش ترجع إلى أيام احمد بن طولون سنة 259 ﻫ عندما أصلحه و انفق عليه ألف دينار. - و قد تناولت يد الإصلاح و التجديد مقياس النيل: · في عهد احمد بن طولون- مؤسس مدينة القطائع في مصر- و قد أصلحه و جدده سنة 259 ﻫ، و في هذا الإصلاح فقدت النقوش الحجرية التي أشار إليها ابن خلكان كما سبق الذكر. · عهد الخليفة المستنصر إلى وزيره بدر الجمالي بتجديد المقياس سنة 485 ﻫ و بنى مسجدا في جانبه الغربي عرف بمسجد المقياس. · قام السلطان الظاهر بيبرس(658- 676 ﻫ) بإضافة قبة فوق بئر المقياس في القرن السابع الهجري. · تمت بعض الإصلاحات في عهد الاشرف قايتباي ملك مصر(872-901 ﻫ) · كما شهد إصلاحات أخرى في العهد العثماني على يد كل من: - السلطان سليم الأول ( 918 – 926 ﻫ ) - السلطان سليمان القانوني ( 926 – 974 ﻫ) - السلطان سليم الثاني ( 974 – 982 ﻫ) · حظي بنصيب من جهود الحملة الفرنسية سنة 1214 ﻫ/ 1799 م فنظفوا بئر المقياس من الطمي المتراكم في قاعه كما أضافت قطعة من الرخام مقدارها ذراع إلى عمود القياس و نقش عليها تاريخ 1215 ﻫ/ 1899م. · قامت وزارة الأشغال العمومية سنة 1305 ﻫ/1887 م بتنظيف المقياس مرة أخرى من الطمي المتراكم بداخله. · بعد هذه الإصلاحات هبط عمود المقياس بمقدار 3 سم ثم 6سم، فقامت مصلحة المباني بالاشتراك مع لجنة حفظ الآثار العربية بأخذ الاحتياطات اللازمة لإيقاف الهبوط، و كان ذلك عام 1343 ﻫ/ 1925م. - و عن وظيفة المقياس هو معرفة كمية مياه النيل و بناء عليها يعرفون ما إذا كانت ستروى جميع الأراضي أم سيأتي موسم جفاف أو فيضان، و في هذا: · إذا كان ارتفاع مياه النيل 16 ذراعا، يعد بشيرا بوفاء النيل و أن الأراضي ستروى و يكون الخراج كافي لسد احتياجات الدولة. · إذا كان ارتفاع مياه النيل اقل من 16 ذراعا، كان علامة على قدوم الجفاف، و من ثم يهيئ الدولة لأخذ الاحتياطات اللازمة. · إذا كان ارتفاع مياه النيل أكثر من 16 ذراعا، كان علامة على قدوم فيضان المرجع: كمال الدين سامح، العمارة الاسلامية في مصر، القاهرة، 1991


إسلام أون لاين: مقياس النيل       تصريح