الفن القوطي

The Western (Royal) Portal at Chartres Cathedral (ca. 1145). These architectural statues are the earliest Gothic sculptures and were a revolution in style and the model for a generation of sculptors.

الفن القوطي كلمة أطلقت على هذا الفن في أواخر القرون الوسطى وبخاصة من منتصف القرن الثاني عشر الميلادي إلى نحو عام 1400. نشأ اسم قوطي مع مثقفي النهضة الإيطالية المعروفين بالإنسانيين وينسب إلى قبائل القوط الجرمانية التي اجتاحت إيطاليا في القرن الخامس الميلادي. ويعتبر الإنسانيون فن القرون الوسطى من انتاج القوط الهمج.

Gothic depiction of the adoration of the Magi from Strasbourg Cathedral.
النحت القوطي في أواخر القرن الخامس عشر


واشتهرت العمارة القوطيه أو الفن القوطي بارتباطهما بالقصص المخيفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأصول

Gothic sculpted altarpiece by Veit Stoss, commissioned for St. Mary's Church, Kraków, late 15th century.
تصوير قوطي لمريم المجدلية في كاتدرائية القديس يوحنا في تورون.


الرسم

لما زاد الثراء وارتقى الذوق تدريجياً في إيطاليا خلال القرن الثالث عشر، واجتذبت الهبات العالية التي كان يعطاها الفنانون رجالاً من ذوي المواهب العالية، شرع المصورون الإيطاليون -جونتا پيزانو Giunta Pisano في پيزا، ولاپو Lapo في بستويا، وگويدو Guido في سيينا، وپييترو كڤاليني Pietro Kavallini في أسيسي وروما، شرع هؤلاء المصورين يهجرون الطريقة البيزنطية الخيالية الحالمة، وينفثون في رسومهم اللون الإيطالي والعاطفة الإيطالية. ولهذا نقش جيدو (1271) في كنيسة سان دمنيكو في سينا صورة للعذراء بزت بصورة "وجهها الصافي الحلو"(14) أشكال الرسوم البيزنطية الضعيفة التي لا حياة فيها، والتي كانت سائدة في ذلك العصر وتكاد هذه الصورة تكون بداية عصر النهضة الإيطالية.

وبعد جيل من ذلك الوقت دفع دوتشيو بوننسنيا Duccio di Bouninsegna (1273 -1319) مدينة سيينا في صورة جمالية مزينة بصورة "الجلالة" Maesta التي تمثل العذراء فوق عرشها. وتفصيل ذلك أن المواطنين ذوي الثراء قرروا أن الأم المقدسة، ملكتهم الإقطاعية، يجب أن ترسم صورتها في حجم رائع بيد أعظم فنان يعثرون عليه في أي مكان، وسرهم أن يختاروا لهذا دتشيو ابن بلدتهم، ووعدوه بأن يقدموا له الذهب، ووفروا له الطعام والوقت، راقبوا كل خطوة يخطوها في عمله. ولما أتم بعد ثلاث سنين (1311) وأضاف إليها ذلك التوقيع المؤثر :-" أي أم الإله المقدسة، هي سيينا السلام ودتشيو الحياة لأنه صورك في هذه الصورة"- حملت الصورة (وكان طولها أربع عشرة قدماً وعرضها سبعة أقدام) إلى الكنيسة يحف بها موكب من الأساقفة، والقساوسة، والرهبان، والموظفين، ونصف سكان المدينة، وسط دوي الأبواق ودق النواقيس، وكانت الصورة التي لا تزال تصف بيزنطة في طرازها، تهدف إلى التعبير الديني لا التصوير الواقعي فقد كان أنف العذراء أطول وأكثر اعتدالاً مما يجب أن يكون، وكانت عيناها اكثر قتاماً، ولكن الصور المحيطة بها كانت ذات رشاقة وصفات أخلاقية واضحة، وكانت المناظر المأخوذة من حياة مريم والمسيح، والمرسومة على منصات المذابح والأبراج ذات فتنة جديدة وجلية. وجملة القول أن هذه الصورة كانت أعظم ما صور قبل جيتو Giotto .

كان جوڤاني تشيمابوه Giovanni Cimabue (1240-1302) قد بدا وقتئذ في فلورنسا أسرة من المصورين قدر لها أن تسيطر على الفن الإيطالي ملا يكاد يقل عن ثلاثة قرون. وقد ولد جيوفني لأسرة شريفة، وما من شك أنه قد أحزنها حين هجر القانون إلى الفن، وكان ذا روح عالية متكبرة، لا يتردد في أن يطرح وراء ظهره أية صورة يجد فيها هو أو غيره من الناس عيباً ما. ومع أن مدرسته الفنية، كمدرسة دتشيو، فرع من المدرسة الإيطالية - البيزنطية، فإنه قد أفرغ كل كبريائه وكل نشاطه، في فنه، وأثمرت جهوده هذه ثمرة أوفت على الثورة، وقد عمل هو، أكثر مما عمل دتشيو الذي يعلو عليه في مكانته الفنية، على إبطال الطراز البيزنطي وشق طريقاً للرقي جديداً. فثنى ورق الخطوط الجامدة التي كان يرسمها أسلافه، وكسا الروح لحماً، ووهب اللحم دماً ودفئاً، والآلهة والقديسين حناناً آدمياً، وأستخدم في تصويره الألوان الزاهية الحمراء، والقرنفلية، والزرقاء، فنفث في صورة حياة ولألاء لم تعرفهما إيطاليا العصور الوسطى قبل أيامه، على أننا مضطرون إلى قبول كل ما ذكرناه عنه مستندين إلى سهادة معاصريه، لأن الصور التي تعزى له ليس فيها صورة واحدة موثوق بأنها من صنع يده، وأكبر الظن أن صورة العذراء والطفل والملائكة المرسومة بالطلاء المائي لمصلى روشلاي Rucellai في كنيسة سانتا ماريا نوفلا Santa Maria Novella بمدينة فلورنس، أكبر الظن أن هذه الصورة من صنع دتشيو(15) وتعزو رواية يشك فيها بعضهم، ولكنها في أغلب الظن صادقة، إلى سمابيو صورة "العذراء والطفل بين أربعة ملائكة" الموجودة في كنيسة سان فرانسيسكو السفلى في أسيسي. وهذا المظلم الضخم الذي يرجع المؤرخون تاريخه عادة إلى عام 1256 والذي أعيد في القرن التاسع عشر، هو أولى الآيات الفنية الباقية حتى الآن من روائع فن التصوير الإيطالي. وصورة القديس فرانسس التي فيها واقعية إلى حد يشهد بجرأة رسمها - فهي تمثل رجلاً روعته رؤية المسيح إلى حد هزل معه جسمه، وصورة الملائكة الأربعة هي بداية التآلف بين الموضوعات الدينية والجمال النسوي.

وعين تشيمابو في آخر سني حياته كبير أساتذة الفسيفساء في كنيسة بيزا، وفيها كما يقولون، وضع لقباً للكنيسة تصميم فسيفساء "المسيح في المجد بين العذراء والقديس يوحنا". ويروي ڤازاري Vassari قصة لطيفة يقول فيها إن سمابيو وجد في يوم من الأيام غلاماً من الرعاة في العاشرة من عمره يسمى جوتو دي بوندونه Giotto di Bondone، يرسم بقطعة من الفحم حمل على أردواز، فأخذه إلى فلورنس وجعله تلميذاً له (16). وليس ثمة شك في أن جيتو عمل في مرسم سيمابيو، وأنه شغل منزل أساتذه بعد موته. وهكذا بدأت أعظم أسرة من المصورين في تاريخ الفن.

الجصيات

الزجاج المعشق

المخطوطات والطبع

ظل تزيين المخطوطات بالرسوم والنقوش الصغيرة بالفضة المذابة والذهب المذاب، وبالمداد الملون، فناً محبوباً يوائم تقوى الأديرة وجوها الهادئ. وقد بلغ هذا الفن ذروته في بلاد الغرب في خلال القرن الثالث عشر، شأنه في هذا شأن كثير من أوجه النشاط في العصور الوسطى، ولم يبلغ بعدئذ في وقت من الأوقات ما بلغه في خلال القرن من دقة وابتكار وكثرة، فقد حلت في ذلك العهد محل الصور والكسى الجامدة، والألوان الخضراء والحمراء القاسية التي كانت سائدة في القرن الحادي عشر، حلت محلها بالتدريج أشكال رشيقة رقيقة في ألوان جمة العدد، على أرضية زرقاء أو ذهبية، وغلبت صور العذراء على هذه النقوش، كما أخذت من ذلك الوقت تكثر في الكنائس الكبرى. ولقد أتلفت كتب كثيرة في العصور المظلمة، وتضاعف قيمة ما بقي منها لأنها كانت في نصها وفنها خيطاً رفيعاً من خيوط الحضارة إذا صح هذا التعبير(11). وكان الناس في تلك الأيام يعتزون بكتب الترانيم، وبالأناجيل، والتراتيل، وكتل القداس، وكتب الصلوات، وأدعية الساعات، ويحسبونها الأدوات الحية التي تنقل إليهم الوي الإلهي، ولم يكونوا يرون أن أي مجهود يبذل في تزينها الزينة اللائقة بها أكثر مما تستحق. فكان الواحد منهم يبذل يوماً كاملاً في كتابة الحرف الأول من كلمة، وأسبوعاً كاملا في كتابة عنوان صفحة ، ولا يرى في هذا خروجاً على المعقول، وقد حدث في عام 986 أن أقسم هارتكر Hartker أحد رهبان القديس Gall أن يظل ما بقي من حياته الدنيوية داخل جدران أربعة، ولعله كان يتوقع انتهاء العالم ذلك القرن. وظل في صومعته الصغيرة حتى مات بعد خمسة عشر عاماً من دخولها، وفيها زين بالصور والنقوش تراتيل القديس جول(12).

وكان فن المنظور وعمل القوالب وقتئذ أقل شأناً مما كانا عليه أيام ازدهارهما في عصر الكارولنجيين، فقد كان أصحاب النقوش الصغيرة يعنون بعمق اللون وبهائه، وازدحام الصور وحيويتها أكثر من عنايتهم بأن يخدعوا الناظر حتى يظن أن ما أمامه فضاء ذو ثلاثة أبعاد. وكانت أكثر موضوعاته تؤخذ من الكتاب المقدس، أو من الأناجيل غير القانونية، أو من أقاصيص القديسين، ولكن صوراً للنبات والحيوان كانت تستخدم أحياناً في تلك الزينة، وكان يسر صاحبها أن يصور نباتات وحيوانات خيالية كما يصور نباتات وحيوانات حقيقية. وكانت القواعد الكنسية المفروضة على الموضوعات وطريقة معالجتها في الكتب المقدسة نفسها أقل دقة وتحديداً في الغرب منها في الشرق، وكان يسمح للمصور أن ينتقل ويلهوا حراً في مجاله الضيق. وكانت رؤوس بشرية مركبة على أجسام حيوانات، ورؤوس حيوانات على أجسام بشرية، وكان قرد في زي راهب، وقرد يختبر في وقار كوقار الطبيب قنينة ملآى بالبول، وموسيقى يطرب سامعيه يحك فكي حمار - كانت هذه هي الموضوعات التي ازدان بها كتاب صلوات ساعات العذراء(13). ونشأت نصوص غير هذه مقدسة ودنسة، واتخذت لها مكاناً في مناظر الصيد، أو البرجاس، أو الحرب، وكان من الصور التي اشتمل عليها كتاب ترانيم في القرن الثالث عشر صورة تمثل داخل مصرف إيطالي، ذلك أن العالم الدنيوي، وقد استفاق من رهبة الأبدية، أخذ يغزو أرباض الحياة الدينية.

وكانت الأديرة الإنجليزية موفورة الإنتاج في هذا الفن السلمي، فقد أخرجت مدرسة أنجيليا الشرقية كتب مزامير واسعة الشهرة: منها كتاب محفوظ في مكتبة بروكسل، وآخر (الأورمبزي Ormbsy ) في أكسفورد، وثالث (القديس أومر Omer) في المتحف البريطاني، ولكن خير ما أنتجه هذا الفن كان في فرنسا، فقد بدأت كتب التراتيل التي زينت للويس التاسع طرازاً من النقوش الجامعة المركزة، وتقسما إلى مدليات داخل إطارات، نقلت بلا ريب عن زجاج الكنائس الملون. واشتركت الأراضي الوطيئة في هذه الحركة، فبلغ رهبان ليبج وغنت في فن تزيين الكتب بعض ما بلغه فن النحت في أمين Amiens وريمس Reime من الشعور الحماسي والرشاقة الفياضة، وأخرجت أسبانيا أعظم آية مفردة من آيات هذا الفن في القرن الثالث عشر في كتاب ترانيم للعذراء هو تسابيح (ألفونسو العاشر) الملك الحكيم (حوالي عام 1280). وإن نقوشه الصغيرة البالغ عددها 1226 نقشاً لتشهد بما كان يبذل في كتب العصور الوسطى من كد وإخلاص. ولا حاجة إلى القول بأن هذه الكتب كانت كتب خط كما كانت كتب تصوير، وكان الفنان الواحد في بعض الأحيان ينسخ ويؤلف النصوص ويكتبها ثم يرسم النقوش بيده. وإن الإنسان ليتردد، إذا أراد أن يحكم على الكثير من الكتب، أيهما أجمل زينتها أو نصها. إلا إننا قد خسرنا بالطباعة الشيء الكثير.

قطع المحراب ورسم الپانوه

الفسيفساء

اتخذ فن التصوير في عصر الإيمان ثلاثة أشكال رئيسية: الفسيفساء، والتحلية الصغيرة للكتب، والصور الجدارية، والزجاج الملون. فأما فن الفسيفساء فكان وقتئذ في عهد الشيخوخة، ولكنه كان في خلال الألفي عام التي مرت عليه قد أثمر كثيراً من الدقة، فقد كان صانعوه، إذا أرادوا عمل الأرضية الذهبية التي يحبونها حباً جماً، يلقون ورقة رقيقة من الذهب حول مكعبات من الفضة، ويغطون هذه الورقة بغشاء رقيق من الزجاج ليمنعوا تلوث الذهب وقتامه، ثم يضعون المكعبات المذهبة في سطوح غير مستوية بعض الشيء ليمنعوا بذلك بريق السطوح. وكان الضوء ينعكس من هذه المكعبات في زوايا مختلفة وبذلك يكسب القطعة كلها نسيجاً حياً.

وأكبر الظن أن فنانين بيزنطيين هم الذين غطوا القباء الشرقي في إحدى الكنائس القديمة في تورچلو Torcello - وهي جزيرة صغيرة قريبة من البندقية - وجدارها الشرقي بنقوش من الفسيفساء تعد اروع ما خلقته العصور الوسطى(10). وتمتد أعمال الفسيفساء في كنيسة القديس مرقص على مدى سبعة قرون، وتمثل أنماطها تلك القرون السبعة، فقد أمر الدوگه دومنيكو سلڤو Domenico Selvo بعمل أولى نقوش الفسيفساء الداخلية في عام 1071، ويظن أنه استخدم في هذا العمل فنانين بيزنطيين، كذلك تمت فسيفساء عام 1153 تحت إشراف فنانين بيزنطيين، ولم يكن للفنانين الإيطاليين الشان الأكبر في تزيين كنيسة القديس مرقس بالفسيفساء قبل عام 1450، وإن الرسم الفسيفسائي المنقوش في القبة الوسطى في القرن الثاني عشر، والذي تمثل صعود المسيح لهو أسمى ما بلغه هذا الفن، ويقرب منه في روعته النقش الفسيفسائي الذي يمثل يوسف والموجود في قبة البهو. ولقد ظل النقش الفسيفسائي الرخامي الموجود في طوار الكنيسة مدى سبعمائة عام يقاوم خطى بني الإنسان.

وفي الطرف الآخر من إيطاليا اتحد الفنانون اليونان والمسلمون صنع آيات النقش الفسيفسائي في صقلية النورمانية - في الكابلا بلتينا Capella Palatina وفي كنيسة مارتورانا Martorana بمدينة پالرمو Palermo وفي دير مونرياله Monreale وكنيسة شفالو Cefalu (1148). وربما كانت الحروب البابوية التي شبت نارها في القرن الثالث عشر قد عاقت تقدم الفن في روما، ولكن نقوشاً فسيفسائية متألقة صنعت في ذلك القرن لتزدان بها كنائس سانتا ماريا ماجوره Santa Maria Maggiore وسانتا ماريا تراستفيري Trastevere والقديس يوحنا في لاتران "والقديس بولس خارج الجدران". وكان فنان إيطالي هو الذي وضع تصميم النقش الفسيفسائي لكنيسة التعميد في فلورنسا، ولكن هذا النقش لا يبلغ من الروعة ما بلغته أعمال الفنانين اليونان في البندقية أو صقلية. وكان لدير سوجر في سانت دنيس (1150) أرضية فسيفسائية فخمة احتفظ ببعض أجزائها في متحف كلوني، وإن طوار دير وستمنستر (حوالي عام 1288) لمزيج من الظلال الفسيفسائية يثير الدهشة والإعجاب غير أن فن الفسيفساء لم يزدهر قط في شمال جبال الألب ، فلقد طغى عليه في تلك البلاد الزجاج الملون كما طغت عليه في إيطاليا نفسها حتى كادت تخرجه منها الصور الجدارية حين أقبل على هذا الفن دوتشيو Duccio وتشيمابوه Cimabue، وجيتو.

النحت

تمثال عاجي فرنسي للعذراء والطفل، نهاية القرن 13، بارتفاع 25 سم، التمثال يأخذ شكل الناب العاجي المنحوت منه.

إن في فن النحت القوطي لعمقاً في الشعور، وتنوعاً ونشاطاً في الحياة، وتعاطفاً مع أشكال عالم النبات والحيوان جميعاً، وإن فيه لرقة، وظرفاً، ورشاقة، فهو معجزة من الحجارة لا تكشف عن اللحم بل الروح، وهذه كلها تحركنا وتشبعنا بعد أن فقدت روعة أجسام التماثيل اليونانية بعض ما كان لها من جاذبية ولعل سبب ضياعها هو أننا بلغنا سن الشيخوخة. وتبدو الآلهة الثقيلة القائمة في قوصرة البارثنون إذا وضعت إلى جانب الصور الحية التي أخرجها إيمان العصور الوسطى باردة ميتة. ولسنا ننكر أن النحت القوطي معيب من الناحية الفنية، فليس فيه ما يضارع كمال إفريز البارثنون، أو جمال آلهة بركستليز والإهانة الشهوانية، أو سيدات نقش السلام وشيوخه في روما، وما من شك في أن صور أولئك الشبان ذوي الوسامة، وصور أفرديتي اللينة العريكة، كانت تمثل في وقت ما متعة الحب والحياة السليمة. ولمن آراءنا الدينية المبتسرة، إذا تذكر ما فيها من جمال وتغفل عما فيها من رهبة، تعود بنا المرة بعد المرة إلى الكنائس الكبرى وترجح كفة الإله الجميل المصور في أمين والملاك الباسم المصور في ريمس، و"عذراء شارتر".

وكان المثال في العصور الوسطى كلما زادت مهارته في فنه قوى أمله في تحرره من فن العمارة وفي أن يعمل فيه أعمالاً توائم الذوق الدنيوي المتزايد عند الأمراء والأحبار، والأشراف، والطبقة الرأسمالية المتوسطة.

ففي إنجلترا كان نحاتو الرخام في پربيك Purbeek يستخدمون النوع الممتاز الذي يقطعونه من نتوء دورسسترشاير Dorestershire، واشتهر في القرن الثالث عشر بالعمد والتيجان الجاهزة، وبالدمى المضطجعة التي ينحتونها على توابيت الأموات الأغنياء- وصب وليام تورل William Torel وهو صانع من أهل لندن حوالي عام 1292 تمثالين من البرنز لهنري الثالث وإليانور القشتالية زوجة ولده ليوضعا في قبرهما الرخاميين في دير وستمنستر، ويبلغ هذان التمثالان من الجمال والدقة ما تبلغه أية تحفة برنزية في ذلك العصر واجتمعت في ذلك الوقت مدارس النحت عظيمة الشأن لييج، وهلدس‌هايم Hildesheim وناومبورگ Naumburg . ونحت مثّال غير معروف حوالي عام 1240 التمثالين القوطيين البسيطين- ذوي الأبواب الفخمة- لهنري الأسد ولبؤته القائمين في كنيسة برنزويك Bruswick. وتزعمت فرنسا أوربا بأجمعها في جمال تماثيلها الرومنسية (في القرن الثاني عشر) والقوطية (في القرن الثالث عشر) ولكن معظم هذه التماثيل قائمة في كنائسها الكبرى، ولهذا فإن خير مكان تدرس فيه هو هذه الكنائس.

ولم يكن النحت في إيطاليا وثيق الصلة بالعمارة، ولا بالمدن ذات الحكومات المستقلة، ولا بنقابات الحرف كما في فرنسا، ولهذا فإنا في القرن الثالث عشر نجد فنانين منفردين تسيطر شخصياتهم على أعمالهم وتخلد أسماءهم. من هؤلاء نيقولو پيزانو Niccolo Pisano الذي اجتمعت له عدة مؤثرات مختلفة انصهرت كلها فخرجت منها شخصية مركبة فذة. فقد ولد هذا الفنان في أبوليا عام 1225 واستمتع فيها بالجو الحافز الذي يحيط بحكم فردريك الثاني، ويبدو أنه درس فيها بقايا الفن الإيطالي القديم وآثاره المعادة(26). ثم انتقل إلى بيزا وورث فيها التقاليد الرومانسية، وسمع بالطراز القوطي الذي بلغ وقتئذ ذروة مجده في فرنسا. ولما أن نحت منبراً لمكان التعميد في بيزا اتخذ له نموذجاً تابوتاً في عهد هدريان. وقد تأثر أشد التأثر بالخطوط القوية الرشيقة التي تمتاز بها الأشكال القديمة، ولهذا فإن معظم الأشكال التي في منبره ذات ملامح وثياب رومانية وإن كانت أقواسه رومنسية وقوطية، فوجه مريم الذي نراه في لوحة المخاض وثوبها هما بعينهما وجه امرأة رومانية وثيابها، ونرى في إحدى الزوايا صورة لشخص رياضي عار شاهدة على الروح اليونانية القديمة التي كان يتأثر بها هذا الفنان، ودبت الغيرة في هذه التحفة في قلب سيينا (1256) فاستخدمت نقولو وابنه جوڤاني، وتلميذه أرنولفو دي كامبيو Arnolfo di Cambio في صنع منبر أجمل من هذه لكنيستها، وحالفهم التوفيق في هذه المهمة. ويقوم المنبر الجديد المصنوع من الرخام الأبيض على عمد ذات تيجان تمثل أوراق النبات، وتتكرر فيه الموضوعات التي في منبر بيزا مع لوحة مزدحمة تمثل الصلب. وهنا يتغلب التأثير القوطي على التأثير الروماني القديم، ولكن المزاج القديم يظهر فيما يسبغه الفنان على الصورة النسائية التي تتوج الأعمدة من صحة سابغة لإخفاء فيها. وكأنما أراد نقولو أن يؤكد عواطفه الرومانية القديمة فوق قبر القديس دومنيك الناسك في بولونيا صوراً كاملة عن الرجولة على الطراز الوثني مليئة ببهجة الحياة. وانضم في عام 1271 إلى ابنه وأرنلفو لينحتوا الواجهة الرخامية التي لا تزال حتى اليوم قائمة في ميدان بروجيا العام. ومات بعد سبع سنين من ذلك الوقت، وهو لا يزال إلى حد ما في سن الشباب، ولكنه مهد في حياته السبيل إلى دوناتلو Donatello وإلى بعث فن النحت القديم في عصر النهضة.

وكان ابنه جوڤاني پيزانو (ح. 1240 - ح. 1320) يضارعه فيما تعرض له من تأثير متعدد النواحي، ولكنه يفوقه في مهارته الفنية. وقد عهدت إليه بيزا بناء مقبرة تليق بالرجال الذين كانوا في ذلك الوقت يقتسمون البحر المتوسط الغربي مع جنوى. وجيء بالتراب المقدس للميدان المقدس Compo Santo من جبل كلفارى. وأقام الفنان حول مستطيل كلئ عقوداً رشيقة امتزج فيها الطرازان الرومنسي والقوطي. وجيئت بروائع النحت لتزيين اليوائك، وظل الميدان المقدس قائما يخلد ذكرى جيوفنى بيزانو حتى حطمت الحرب العالمية الثانية نصف عقوده وتركته أنقاضاً مهملة .

ولما منى البيزيون من الهزيمة على أيدي الجنويين (1284) لم يعد في مقدورهم أن يمدوا جوڤاني بما يحتاجه من المال، فانتقل إلى سيينا. ونحت في عام 1290 بعض النقوش البارزة لواجهة كنيسة اورڤييتو Orvieto الغربية غير المألوفة. ثم عاد فانتقل شمالا إلى بستونيا Pistonia ونحت لكنيسة سانتا أندريا Santa Andrea منبراً صورة أقل اكتمالا في رجولتها من صورة منبر والده في بيزا، ولكنه يفوق منبر أبيه في رشاقته وفي اتفاقه مع الطبيعة، والحق أن هذا المنبر لهو أجمل ما أخرجه فن النحت القوطي في إيطاليا.

وظل أرنولفو دي كامبيو (1232-1300) ثالث هؤلاء الثلاثة الذائعي الصيت يمارس عمله على الطراز القوطي برعاية البابوات، وكانت لمعضمهم روابط سابقة بفرنسا. فقد اشترك وهو في أورفييتو في قطع واجهة كنيستها، وصنع تابوتاً جميلا للكردنال دي براي Cardinal de Braye وكان شبيهاً بفناني النهضة في تعدد مهاراتهم؛ وبهذه المهارات المتعددة صمم، وشرع ينفذ، ثلاثة من الأعمال المجيدة التي تفخر بها فلورنس؛ كنيسة سانتا ماريا دل فيوري Santa Maria del fiori وكنيسة سانتا كروچه Santa Croce (الصليب المقدس) وپلادتسو ڤكيو Plazzo Vecchio (القصر القديم).

ولكننا حين نتحدث عن أرنولفو وعن هذه الأعمال ننتقل بالقارئ من النحت إلى العمارة. فقد عادت كل الفنون وقتئذ إلى الحياة وإلى الصحة؛ ولم ترجع المهارات القديمة إلى سابق عهدها وكفى، بل أخذت تغامر في اتجاهات وصياغات فنية جديدة تكاد لكثرتها تبلغ حد التهور. وتآلفت الفنون وتوحدت، كما لم تتآلف أو تتوحد من قبل ولا من بعد، في المغامرة الواحدة وفي الرجل الواحد. وكان كل شيء قد أعد لتلك الدرجة الرفيعة التي بلغتها فن العصور الوسطى، فتجتمع الفنون كلها وتتعاون أكمل تعاون وأعظمه، ويطلق اسم فنها الجامع على الطراز ذلك العصر وفنه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معرض صور

فنانون قوطيون

Significant Gothic artists, listed chronologically.

انظر أيضاً

الهامش

وصلات خارجية

  • Gothic art, from ArtCyclopedia.com
  • Gothic art, from Encyclopedia Britannica Online.
  • Gothic art, from Microsoft Encarta.
  • Gothic art, from The Columbia Encyclopedia, Sixth Edition. 2001.
  • Gothic art, Museumsportal Schleswig-Holstein
  • Gothic art, from "A World History of Art" and [1].
  • "Gothic Art for England 1400–1547". Victoria and Albert Museum. Retrieved 2007-06-08.