العروي الوثقي - كتاب

العروي الوثقي جريدة من تأليف جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده

تاريخ صدور الجريدة صدر هذا الكتاب عام ١٨٨٤

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

لقد جمعتُ ما تفرق من الفِكر، ولممت شَعْثَ التصوُّر»، أراد «جمال الدين الأفغاني» بهذه الكلمات التي صدَّر بها مقدمته لهذه الجريدة؛ أن يختصر ما يرمي إليه فكره، وما تسعى إليه رسالته التي جاب بها الأرض فما وسعته، أراد أن يبعث رسالة إلى تلك الأُمة المكلومة التائهة؛ لينتشلها من غيابات التشتُّت والفرقة، بعد أن لمس بكلِّ حواسه كيف فعل الاحتلال بها ما فعل، ولم يكد الشيخ «محمد عبده» يُجالسه ويأخذ منه العلم حتى شرب منهجه، ووطَّن نفسه على رسالته، فأصدرا معًا جريدة «العروة الوثقى»، فتولَّى الأفغانيُّ إدارتها، وأوكل لمحمد عبده تحريرها، فبعثتْ في الأمة بعثًا جديدًا رغم قِصَر مدة صدورها، وكان لموضوعاتها عظيم الأثر في مجمل الأقطار العربية والإسلامية، إلى أن تم إيقافها والتوصية بمصادرة أعدادها، بل وتغريم من يقتنيها.


أقتباسات

القوم اذا اصابتهم الرذائل، يغلب عليهم الفخفخة والفخر الكاذب، و يتنافسون في سفاسف الامور ودنياتها، يرتابون في نصح الناصحين..

جمال الدين الأفغاني ص١٥٣ العروي الوثقي

..

الفضائل سجايا للنفس من مقتضاها التأليف بين المتصفين بها، كالسخاء والعفة والحياء ونحوها.

..

ان كان للعامه عذر في الغفلة عما اوجب الله عليهم فأي عذر يكون للعلماء وهم حفظة الشرع والراسخون في علومة، لم لايسعون في توحيد متفرق المسلمين؟؟

جمال الدين الأفغاني

..

اذا جحدت الامة حق العامل لها، اوقصرت في استحسان عامله، ضعفت الهمم، وقل السعي في المصالح العامة، واتقبضت الايدي عن تعاطيها، فهبطت شئون الأمة، فافترقت وماتت

ص ١٨٣ العروي الوثقي

الأمة وسلطة الحاكم المستبد هوما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون » [ آل عمران : ۱۱۷ ] . إن الأمة التي ليس لها في شئونها حل ولا عقد ، ولا تستشار في مصالحها ، ولا أثر لإرادتها ، في منافعها العمومية ، وإنما هي . خاضعة لحاكم واحد إرادته قانون ، ومشيئته نظام ، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ، فتلك أمة لا تثبت على حال واحد ، ولا ينضبط لها سير ، فتعتورها السعادة والشقاء ، ويتداولها العلم والجهل ، ويتبادل عليها الغنى والفقر ، ويتناوبها العز والذل ، وكل ما يعرض عليها من هذه الأحوال خيرها وشرها ، فهو تابع لحال الحاكم فإن كان حاكمها عالما حازما أصيل الرأي ، عالي الهمة ، رفيع المقصد قويم الطبع ، ساس الأمة بسياسة العدل ، ورفع فيها منار العلم ومهد لها طرق اليسار والثروة ، وفتح لها أبوابا للتفنن في الصنائع ، والحذق في جميع لوازم الحياة ، وبعث في أفراد المحكومين روح الشرف والنخوة ، وحملهم على التحلي بالمزايا الشريفة من الشجاعة والشهامة وإباء الضيم ، والأنفة من الذل ، ورفعهم إلى مكانة عليا من العزة ، ووطأ لهم سبل الراحة والرفاهة وتقدم بهم إلى كل وجه من وجوه الخير . وإن كان حاكمها جاهلاً سيئ الطبع ، سافل الهمة ، شرها مغتلما جبانا ، ضعيف الرأي ، أحمق الجنان ، خسيس النفس ، معوج الطبيعة ، أسقط الأمة بتـصـرفه إلى مهاوي الخسران ، وضرب على نواظرها غشاوات الجهل ، وجلب عليها غائلة الفاقة والفقر وجار في سلطته عن جادة العدل ، وفتح أبوابا للعدوان ، فيتغلب القوي على حقوق الضعيف ، ويختل النظام ، وتفسد الأخلاق وتخفض الكلمة ، ويغلب اليأس فتمتد إليها أنظار الطامعين ، وتضرب الدول الفاتحة بمخالبها في أحشاء الأمة

..

هذا كان من أمراء المسلمين مع ما فيه من الضرر الفادح عندما كانوا منفردين في ميادين الوغى ، لا يجاريهم فيهـا سواهم من الملل ، ولكن ضرب الفساد في نفوس أولئك الأمـراء بمرور الزمان ، وتمكن من طباعهم حرص وطمع باطل فانقلبوا مع الهوى ، وضلت عنهم غايات المجد المؤثل ، وقنعوا بألقاب الإمارة وأسماء السلطنة وما يتبع هذه الأسماء من مظاهر الفخفخة وأطوار النفخة ونعومة العيش مدة من الزمان ، واخـتـاروا موالاة الأجنبي عنهم المخالف لهم في الدين والجنس ، ولجأوا للاستنصار به وطلب المعونة منه على أبناء ملتهم ، استبقاء لهذا الشبح البالي والنعيم الزائل . هذا الذي أباد مسلمي الأندلس ، وهدم أركان السلطنة التيمورية في الهند ومحا أطلالهـا وعلى رس رسـومـهـا شـيـد الإنجليز ملكـهـم بتلك الديار . هكذا تلاعبت أهواء ١٥٢

اسماء بعض العلماء

نعم البـخـاري ومسلم والنيسابوري والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبو داود والبغوي وأبو جعفر البلخي والكليني وغيرهم ممن أنبتتهم أراضي إيران ، أبو بكر الرازي الطبيب الشهير والإمام فخر الدين الرازي ممن نشأوا في طهران ، أبو حامد الغزالي حجة الإسلام ، وأبو إسحق الإسفرايني ، والبيضاوي ، وخواجة نصير الدين الطوسي ، والأبهـري وعـضـد الملة والدين ، وغـيـرهـم من عـلمـاء الكلام والأصـول ممن تفتخر بهم بلاد فارس وهم فخار للمسلمين ، الفيلسوف الشهير أبوعلي بن سينا ، وشهاب الدين المقتول ، ومن على شاكلتهم ممن جبلوا من تراب فارس . إن أهل فـارس كـانـوا من أول القائمين بـخـدمـة اللسان العـربي ، وضبط أصـوله ، وتأسيس فنونه ، منهـم سـيـبـويه ، وأبو علي الفارسي ، والرضي ، ومنهم عبدالقاهر الجرجاني ، مؤسس علوم البلاغة لبيان إعجاز القرآن ، وفهم دقائقه على قدر الطاقة البشرية ، وصاحب صحاح الجوهري من إحدى قراهم ، ومجد الدين الفـروزآبادي ، من إحـدى بلدانهم ، الزمـخـشـري ، والسكاكي ، وأبو الـفـرج الأصفهاني ، وبديع الزمان الهمداني ، وغيرهم ممن بينوا دقائق القرآن ، وشيدوا معالم الدین ، كلهم من أرض فارس . ، الطبري أول المؤرخين ، والإصطخري ، والقزويني ، أول الجغرافيين ، كانوا من بلاد فارس ، الشبلي كان من نهاوند ، وأبو يزيد البسطامي كان من بسطام ، والأستاذ الهروي ـ وهو الأستاذ الحقيقي للشيخ محيي الدين بن العربي ـ كـان من هراة وكلها بلاد إيران . هل ينسى صـدر الشـريـعـة وفـخـر الإسلام البزدوي والآمـدي ، والمرغيناني ، والسرخسي ، والسعد التفتازاني ، والسيد الشريف والأبيوردي ، وكلهم من أبناء فارس ، من أين كـان القطب الشيرازي ، والصـدر الشيرازي ، ورأس الحكمـة في المتأخرين مير باقر الداماد ، ومير فندركسي وغيرهم كانوا من بلاد فارس ؟ أي فضل كان ولم يكن لهم فيه اليد الطولى ، أي مزية من الله بها على الإسلام ولم يكونوا من السابقين لاقتنائها ، نعم وفيهم جاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس » .

..

هوامش