النزعة العثمانية

(تم التحويل من العثمانية (مذهب))
اعلان الدستور العثماني في 1876

النزعة العثمانية (بالتركية: عثمانلي‌ليك) كانت مفهوماً تطور قبل الفترة الدستورية (المشروطية) الأولى في الدولة العثمانية. آمن أنصارها بقدرتها على حل القضايا الاجتماعية التي كانت تواجه الدولة العثمانية. تأثرت العثمانية بدرجة كبيرة بالمفكرين أمثال مونتسكيو وروسو والثورة الفرنسية. وقد روجت للمساواة بين الملل. وقد نشأت الفكرة بين الشبان العثمانيين. ببساطة، تنص العثمانية على أن جميع الرعايا متساوون أمام القانون. إلا أن أساس نظام الملةلم تتم إزالته، إلا أن الهيئات والسياسات العلمانية انتشرت. فالتعليم الابتدائي والتجنيد وضريبة النفوس والخدمة العسكرية تم فرضهم على غير المسلمين والمسلمين سواء.

تمتعت النزعة العثمانية بعودة للحياة أثناء ثورة تركيا الفتاة في 1908، وأثناء المشروطية الثانية. إلا أنها فقدت معظم أتباعها أثناء حرب البلقان الأولى في 1912-1913.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تأثيرها على مسيحيي الشام

والأمر الغريب يكمن في الحقيقة التالية: ان البرجوازية المسيحية التي اصطدمت بانسداد الآفاق أمامها ووقفت أمام خيار أن تكون أو لا تكون، خيل اليها أن العثمانية هي خشبة الخلاص الوحيدة. فالبرجوازيون المسيحيون الذين نثروا بذور الرأسمالية في سورية خلال أواسط القرن التاسع عشر، لم يجدوا خيارا آخر عن التمسك بمبدأ الوحدة السياسية – الادارية الذي يسمح بجميع الرعايا العثمانيين بصرف النظر عن انتمائهم القومي والديني . وبالتالي لجميع السوريين – نصارى ومسلمين – التمتع بالحقوق المتساوية مع الأتراك في الميادين الاقتصادية والاجتماعية. فضلا عن العيش في ظروف اتساق النمو والتطور. ان الناطقين بلسان البرجوازية السوية، ولاسيما الجناح البرجوازي البيروتي الذي يمثله رجال النهضة هم الذين أيدوا – لاسباب مفهومة في تلك الطروف – تلك الدعوة الى الحركة النهضوية والتنيورية لجميع رعايا السلطان دون أي تمييز أو تفرقة، أي الى ضرورة التبشير بالتقدم العثماني.

كانت النزعة العثمانية بالنسبة لفريق كبير من رواد النهضة أشبه ببارقة أمل للخروج من الطريق المسدود، وقناعة تتغذى من ذلك الأملز والنابعة أساسا من واقع عدم نضوج الوعي الطبقي (و"القومية" اذن). ومن الحقائق الدالة على عدم النضوج، الاقتناع الراسخ لدى غالبية هذا الفريق الواقع تحت تأثير أفكار العثمانية باعتبارها السلاح الماضي في مواجهة أطماع الدول الأوربية الاستعمارية المتصارعة بضراوة لاقتسام ممتلكات السلطان أو المتنافسة أشد التنافس على اكتساب المزيد والمزيد من الامتيازات. ومن المعروف أن العثمانية التي كانت العواصم الغربية تتمسك بأهدابها للوصول الى فراش الرجل المريض كانت تتبلور رويدا رويدا من مواقع التظاهر بالحفاظ على الأمر الواقع في السلطنة العثمنية. وقد ترك هذا أثرا كبيرا على البرجوازية المرتبطة بالرأسمالية الأوربية بالف خيط وخيط. ولاسيما على فئة تجار الكومبرادور المسيحية من العرب أو المشارقة الناطقين بالضاد أو المتعربين عامة، بخلاف الكومبرادور الاسلامي في لبنان والأقطار العربية الأخرى.

ومن هنا، نرى لزاما علينا معالجة مسألة تأثير الدول الأوربية على البرجوازية السورية ، وبالتالي على دعاة الفكر البرجوازي وموقف هؤلاء من الدول الاستعمارية، ما دام الكلام هنا يدور حول النزعة العثمانية التي تفرغ الفكر الوطني – القومي من محتواه التقدمي وهو ما يشكل العنصر الهام والأساسي في تكوين فكر رواد النهضة وأيديولوجيتهم.

ساد في الأدب الاستشراقي رأي يزعم أن البرجوازية العربية ودعاتها ومفكريها وقفوا منذ اليوم الأول أمام خيار وحيد لا بديل عنه وهو: أي الشرين اللذين يعرقلان تطور البلاد العربية أصغر : الحكم التركي أم التوسع الأوربي الاستعماري؟ وأيهما نختار ونتكيف معه؟. المستشرق كوتلوف مثلا يسوق المبررات الموضوعية والمسوغات الذاتية لتوجه رواد النهضة نحو الدول الأوربية في المرحلة الأولى. غير أنه بعد فترة من المخاض القاسي ، وقع اختيارهم في أواخر الستينيات على الأرجح على الجامعة العثمانية. حقا ان كوتلوف لم يحدد تاريخا معينا، لكنه خلال حديثه عن تأرجح رجالات النهضة أمثال ميخائيل مدور وفرنسيس مراش ولويس صابونجي وغيرهم بين منعطفات التوجه الأوربي والميل السياسي نحو فرنسة وأنكلترة وبين العودة الى حظيرة العثمانية، نراه دقيقا جدا في التأريخ لذلك.

وللعلم نقول ان التاريخ الذي اقترحه كوتلوف لرجحان كفة العثمانية لدى رواد النهضة، مرفوض من أساسه، اذ يجب الرجوع الى الوراء ما يزيد عن العقد من السنين كي يتحدد موقعها الصحيح كغطاء سياسي لبوادر الأيديولوجية النهضوية. فالتاريخ الذي قدمه كوتلوف (أواخر الستينيات أو مطلع السبعينيات) ليس في الحقيقة سوى فترة تمايز في مواقف جماعات أعلام النهضة من الجامعة العثمانية ، مهدت أرضية صالحة لنمو وتطور النهضة القومية – الثقافية والارتقاء بها الى طور حركة التنوير العربي.

والحقيقة اذن، انه لم تكن هناك قضية اختيار بالنسبة للبرجوازية السورية وفي المقام الأول للبرجوازية البيروتية وأيديولوجيا في تلك الحقبة السورية من تاريخ النهضة. فالخيار الوحيد كان متمثلا في أوربة، والاهتمام بمنجزات الفكر العلمي – التقني وبثقافة الغرب وحضارته . فأخذوا يدركون ان ارتباط مستقبلهم بأوربة على هذا النحو أو ذاك،، وذلك لأسباب عديدة . فصيرورة البرجوازية طبقة اجتماعية كان بفعل التأثير العظيم للرأسمالية الأوربية. ووجودها وديمومتها مشروطان بانعاش واستمرارية روابطها العنكبوتية مع السوق الأوربية. بينما كانت الامبراطورية العثمانية بالنسبة لها العدو الألد الذي يجسد نمط الانتاج الاقطاعي والنظام الاجتماعي – السياسي المختلف. واذن، كانت الغالبية العظمى المؤلفة من البرجوازية المسيحية تيمم وجهها شطر أوربة المسيحية، وليس نحو تركية التي تدعي الاسلام وهي منه براء. كان الوسط الاجتماعي متركزا أساسا في مدن الساحل، ولاسيما في مدينة بيروت التي كانت مقرا وممرا للتجار والمرابين من أجناس وأمم مختلفة، جعل منها مدينة شبه كوسموبولوتية، حيث كانت المعايير الأوربية مقياس الكمال في السلوك والعيش والعمل. في حين كان المعيار التركي مبتذلا حقيرا وعنوانا للتخلف والتأخر. وعلى الصعيد السياسي – الاجتماعي كان النموذج التركي يتجلى في عدم التأمين على الملكية الفردية وعرقلة وتيرة النشاط الاقتصادي، والقلق والخوف الدائمين على الحرية الشخصية ومصدر لهلاك ودمار الشعب بأكمله. في حين كانت الراية الأوربية التي ترفرف في سماء الشرق تمثل أقوى ضمانة ضد رموز الشر المشار اليها آنفا.

واذا استشهدنا ، في مثل هذه الظروف، بالملاحظة التي أبداها لينين في مقالة "حول دفاتر الامبريالية" والقائلة: وكأرمينية وكردستان، فان سورية والعراق والجزيرة العربية مستعمرات وبلدات تابعة لتركية، فاننا لا نوافق بعض المؤرخين رأيهم الذي يحاول البرهنة على أن البرجوازيين السوريين كانوا في أواسط القرن التاسع عشر ينطرون الى قضية بلادهم تحت الحكم الاقطاعي السلطاني – الاسلامي، أي بقائه مستعمرة تركية، من منطلق أن بعض الشر أهون من بعض، لاعتقادهم أن خضوعهم لسيطرة آية من الدول الأوربية المسيحية من أفدح الشرور وأخطرها. ولنسلم جدلا أنه لم يكن في مقدور أي انسان التكهن بعد بمستقبل النظام الاستعماري، ولذا فان صورة مشرقة كانت ترتسم في أذهان الناس عن نظام الحماية الأوربية. ولكن، الحقيقة التي لا مراء فيها أن النظام التركي الاستبدادي المطلق الذي كان الشعب يعيش تحت نيره كان أشبه بجحيم لا يطاق، واذن لم يكن هناك مبرر لموضوع الخيار بين أصغر وأعظم الشرور، بل كان يصح المثل السائر على السنة الناس "شر من الموت ما يتمنى معه الموت".

وبناء عليه، كان الشر واحدا بالنسبة لجميع البرجوازيين الشاميين، وفي مقدمتهم برجوازيو بيروت وهو: الحكم التركي الاقطاعي القروسطي الجائر، الذي كان زواله من أروع وأعظم الأحلام التي راودت مخيلة الناس آنذاك. ومصداق هذا القول الموقف المتعاطف الحار الذي وقفه السوريون النصارى من حركات تحرر الشعوب البلقانية المعادية للأتراك . وهو لعمري نابع من جوهر ذلك العصر.

أما الخيار الذي فرضه المستشرقون فرضا على البرجوازية السورية، والناجم حسبما يزعمون عن الخوف من خطر التوسع الاقتصادي والسياسي الاستعماري للدول الأوربية الذي سيؤدي بالضرورة الى استبعاد واسترقاق كل الأقطار العربية، فلم يكن له وجود حتى في اللاوعي عند الفئات الاجتماعية وحتى فترة ما بعد الستينيات في البلاد العربية. كما لم يكن خطر استعباد هذه البلدان يثير آية مخاوف في قلوب البرجوازيين السوريين (اللهم سوى وجود بعض ملامح التذمر والاستياء لدى الأوساط التجارية ازاء التغلغل الاقتصادي الأوربي). ان خطرا كهذا ما كان بالامكان ادراكه واستيعابه من قبل البرجوازية الموسومة بعدم نضوج الوعي الطبقي (والقومي)، بل من المحتمل اعتباره في الظروف الحياتية العادية، أشبه بحركة انقاذ. كما حدث بالنسبة للحملتين العسكريتين: الأنكلو – نمسوية سنة 1840، والفرنسية سنة 1860 على المشرق. كان الشر الوحيد في تصور البرجوازية السورية المسيحية متجسدا في النظام التركي الاستبدادي الذي لا يقهر أيضا رغم الصدوع التي تعرض لها مؤقتا، والذي يجب الوقوف منه موقفا مرنا متهادنا ليس فقط باعتباره أصغر الشرور. وللبحث في أعماقه عن أقل قدر من الشرور. خلاصة القول: يجب الوصول الى المساواة السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية التي تتيحها النزعة العثمانية، وبهذا فقط يكون بعض الشر أهون من بعض.

ينبغي التذكير بأن نهضوية رجالات البرجوازية المسيحية الداعين عن قناعة وايمان الى النزعة العثمانية، بحكم قصور وعيهم الطبقي والقومي ، لعبوا لوقت قصير جدا دورا متواضعا في انعاش الحياة الفكرية والاجتماعية العربية. ولكنهم توقفوا في المستقبل عن آداء أية خدمات لمسيرة النهضة. لا بل أنهم شكلوا عقبة كأداء في تحول النهضة سريعا الى مرحلة أرقى وأكمل ونعني بها التنوير العربي. ونؤكد بهذه المناسبة أن هذا الفريق احتوى – بحكم الظروف الزمنية والمكانية – لفيفا من الرجالات المحسوبين على النهضة، الذين نذروا أنفسهم للعثمانية انطلاقا من دوافع انتهازية – نفعية، والذين كانوا مهتمين برفع قيمة أسهمهم في الوسط السوري، وفي أعين الحكام الأتراك المحليين أو لدى أرباب الحكم في عاصمة السلطنة.

الجناح الثاني من رواد النهضة كان أكثر وعيا نسبيا من الناحية الطبقية (وبالتالي القومية)، ولكنه ضم عددا أقل من المفكرين والمثقفين الذين أسدوا خدمات جليلة للنهضة ففرضوا وجودهم بشكل ملموس في السبعينيات فقط. من خلال النشاط الصحفي. اذ كانت النزعة العثمانية قد تحولت الى عقيدة شبه رسمية يطبل ويزمر لها كبار أرباب الحكم الأتراك. في حين استخدمها الرواد العرب مظلة واقية لتمويه أفكارهم وآرائهم الداعية الى النهضة الثقافية – القومية. فكانوا يداعبون طفلهم الرضيع: النهضة العربية في أرجوحة "التقدم العثماني". النهضة التي لم تعد ذات مضمون ثقافي – اجتماعي وحسب كما كانت قبل ربع قرن من الزمن، بل أصبحت ذات محتوى سياسي – اجتماعي.

في ظروف المهام الاجتماعية الاقتصادية والادارية السياسية التي عددناها كان من المنطقي جدا أن يكون رجالات النهضة الذين أخصلوا للعثمانية نتيجة قناعة ضمنية (الفريق الأول) أو أولئك الذين بشروا بها لاعتبارات تكتيكية (الفريق الثاني) لا من دعاء العروبية، بل من المبشرين الى أبعد تقدير بالوطنية السورية وبالتالي الوطنية اللبنانية. وعليه فان طروحهم الفكرية – الثقافية اتسمت بطابع محلي ضيق. غير أن رواد النهضة حملة الفكر التقدمي اللبناني – الضيق، كانوا يفضلون التركيز على الروح السورية ، لا بل وعلى الروح العروبية. كل ما في الأمر أن سورية الطبيعية التي كانت تضم أراضي سورية ولبنان وفلسطين المحتلة والضفة الغربية المحتلة، كان ينظر اليها – خلافا لواقع وجود الامبراطورية العثمانية – بوصفها اقليما جغرافيا موحدا في مقوماته الاقتصادية – البشرية. وجزءا لا يتجزأ من الشرق العربي. سورية تلك لم تكن بالنسبة للأتراك سوى "عربستان" ، وبالنسبة لعموم العرب "سورية". أما سورية المعاصرة فكانت تعرف ب"الشام" أو "بر الشام". والتوافق في اللفظ الأوربي بين سورية Syria وأشور Assyrie ولد انطباعات خادعا لدى البعض أن سورية شملت أيضا الأراضي الواقعة الى الجنوب والشرق (نجد والحجاز والعراق).

والأمر لا يقتصر على هذا فقط. فسكان سورية ومن بينهم اللبنانيون، ينظر اليهم كمجموعة بشرية واحدة ذات تاريخ ولغة وحضارة واحدة، واذن فهي جزء من الأمة العربية. بيد أن انتماء الطوائف السورية غير الاسلامية والطوائف اللبنانية النصرانية الى الجنس العربي اثار العديد من الشكوك الجدية في تلك الأوساط. فلو استثنينا بعض المتزمتين من الدروز والنصارى الذين لا يميلون كثيرا الى فكرة القرابة أو وحدة العقيدة مع أهل السنة من العرب، فننا نرغب في القاء نظرة سريعة على الطوائف المسيحية.


انظر أيضاً

المصادر

  • [1]
  • The concept is covered under the section The era of Modern Reform:Tanzimat at "History of the Ottoman Empire and Modern Turkey" by Stanford J. Shaw, Ezel Kural Shaw.
  1. ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.