السري الرفاء

أبو الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي (ح. 312-362 هـ/922-972م) شاعر مشهور؛ كان في صباه يرفو ويطرز (يعمل خياطا) في دكان بالموصل ولذا سمي بالرفاء أي الخياط، وهو مع ذلك كان مولعاً بالأدب وينظم الشعر، ولم يزل حتى جاد شعره ومهر فيه، وقصد سيف الدولة الحمداني بحلب ومدحه وأقام عنده مدة، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وجماعة من رؤساء المدينة، وانتشر شعره وراج. وكانت بينه وبين أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هاشم الخالديين الموصليين الشاعرين المشهورين معاداة فادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد نشأ في الموصل، وتعلم القرآن في الكتاتيب كما هي العادة المتبعة عند المسلمين، ثم أسلمه والده للرفّائين وهو صبي، فكان يرفو ويطرِّز الثياب، ولكنه ظل يتردد على مجالس العلماء والأدباء والشعراء مما مكّنه بعد مدة قصيرة من أن يمارس نظم الشعر، ويعزّز هذه الملكة التي وجدها في نفسه بكثرة مطالعة الدواوين والقصائد، غير أنه كان يتظلّم من مهنته ويحتقر ما تدره عليه من الرزق الضئيل، فيضيف إلى هذا المورد ما كان يكسبه من مدحٍ لبعض أغنياء بلده الذين يهبون له بعض العطايا، ولكن دَخْله من مهنته وهبات الأغنياء لم يكن يفي بمتطلبات حياته، فلما سمع بجود سيف الدولة الحمداني ومحبته للشعر والشعراء قصده في حلب، فأخذ يمدح كبار رجالات الحمدانيين، فقرَّبه سيف الدولة، وأغدق عليه العطاء لما لمسه فيه من شاعرية واعدة، ولكنْ نغَّصَ عليه الخالديان (محمد وسعيد ابنا هاشم) مقامه عند سيف الدولة، وجَرَتْ بينه وبينهما مهاترات ومهاجاة ومحاسدات، ولكن مقامه عند سيف الدولة لم يدم طويلاً، لأن منزلة الخالديين عنده كانت حسنة فسعيا بإلصاق مجموعة من التهم بالسّري، مما حمل سيف الدولة على النفور منه، وانتهت علاقته به بموت سيف الدولة، فودّع الرجل حلب متوجهاً إلى بغداد، وأقام فيها يمدح الوزراء والقادة، ووصل إلى الوزير المهلبي ومدحه، ولكنَّ الخالديّين تابعاه بالسِّعاية والحسد، لأنه كان يتّهمهما بسرقة شعره وشعر غيره، وهما يتهمانه بالادّعاء وسوء السيرة والحياة العابثة وسوء الأخلاق.

وفي الحقيقة كان الرجل ـ كما تصفه المصادر ـ منغمساً في الفسق وشرب الخمر، والسعي وراء الملذات إلى حدٍّ كبير، مما أورثه الفقر وضيق ذات اليد، ولحقه الدَّيْن، فاضطره إلى أن يمارس صيد السمك في نهر دجلة، كما لجأ إلى مهنة الوراقة، فكان ينسخ ديوان شعره أو شعر كُشَاجم (ت.360هـ) ويحشوه بشيء من أشعار الخالديَّيْن، ليكبر حجم الكتاب فيبيعه بسعر غالٍ، وليثبت دعواه بأن الخالديين كانا يسرقان شعر الآخرين بدليل أن ما يدعيانه من شعر موجود في دواوين الآخرين، وناصره الثعالبي (ت.429هـ) في كتابه «يتيمة الدهر» فأورد شيئاً من أشعار الخالديين التي زعم السري الرفاء أنها مسروقة، ولكن الثعالبي الذي ترجم له ترجمة مطوّلة أكثرها أبيات من شعر السري، إلا أنه كان كثيراً ما يشير إلى سرقات السري من الشعراء الذين سبقوه أو عاصروه، فملأ صفحات في بيان ذلك.

ظلت حياته قلقة في بغداد، فلم ينعم بالغنى وراحة البال، لذا كثرت قصائده في الشكوى، وخاصة من الخالديين، فظل كما يقول الخطيب البغدادي في شقاء دائم وفقر متواصل، ومع أنه كان مسترسلاً في ملذاته إلا أنه كان يميل إلى المذهب الشيعي، ويعلن حبه لآل البيت، ويدافع عنهم في شعره. توفي في بغداد.

كان السري مبدعاً لايقل إبداعه عن شعراء عصره، وهو يأتي بعد المتنبي (ت354هـ) من شعراء القرن الرابع، ويوضع في صف أبي فراس (ت.357هـ) وكشاجم والببغاء (ت.398هـ) ومهيار (ت.428هـ) والشريف الرضي (ت.406 هـ).

طرق السري معظم موضوعات الشعر كالمدح والغزل والهجاء والوصف والُملَح والعتاب والاعتذار والإخوانيات والخمريات والفخر والرثاء والحنين والطرد.

وقال عنه ابن خلكان (ت.681هـ):

كان السري شاعراً مطبوعاً، عذب الألفاظ، مليح المأخذ، كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف، يمتاز شعره بالصدق والعاطفة القوية والطبع وعدم التصنع، وتمثيله للحياة العادية والطبقة العامة، والوضوح والسهولة مع شيء من الصناعة البديعية.

ومن أبياته التي أكثر فيها من استخدام الاستعارة:

أما تـرى الــجـوَّ يُجـلى في مُمسّكة والأرض تختـال فـي أبـرادها القُشُب
إذا ألح حـــسام البـرق مؤتــلقا في الومض جدّ خطيب الرعد في الخُطب
والـريح وسْنى خـلال الروض وانية ممـا يــراع لـها مسـتيقظ التـرب


وكان السري مغرى بكتابة ديوان أبي الفتح كشاجم الشاعر المشهور، وهو إذ ذاك ريحان الأدب بتلك البلاد فكان يقوم بدس أحسن شعر الخالديين فيما يكتبه من شعر كشاجم، ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه ويغلي سعره ويشنع بذلك عليهما ويغض منهما ويظهر مصداق قوله في سرقتهما، فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الأصول المشهورة.

وكان شاعرا مطبوعا عذب الألفاظ مليح المأخذ كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف، ولم يكن له رواء ولا منظر، ولا يحسن من العلوم غير قول الشعر، وقد عمل شعره قبل وفاته نحو 300 ورقة، ثم زاد بعد ذلك، وقد عمله بعض المحدثين الأدباء على حروف المعجم.

ومن شعر السري أبيات يذكر فيها صناعته، فمنها قوله:

وكانت الإبرة فيما مضى صائنة وجهي وأشعاري
فأصبح الرزق بها ضيقا كأنه من ثقبها جـاري

وللسري المذكور ديوان شعر كله جيد، وله كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب وكتاب الديرة. وللسري ديوان شعر وفيه رجز كثير، وله كتاب «المحب والمحبوب» و«المشموم والمشروب» في أربعة أقسام، وكتاب يسمى «الدِّيَرة».

وكانت وفاته في العقد السابع من القرن الرابع الهجري ببغداد كما قال الخطيب البغدادي في تاريخه.


مصادر

  • وفيات الأعيان لابن خلكان.