الحروب الروسية العثمانية

(تم التحويل من الحرب التركية الروسية)

الحروب الروسية التركية مجموعة من ستة عشر حرباً قامت بين الامبراطورية الروسية والخلافة العثمانية التي حكمت تركيا ، حدثت هذه الحروب بشكل متقطع في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. ويعتبر نزاعهما خلال الحرب العالمية الأولى الحرب الحادية عشر من سلسلة الحروب تلك.

في معظم الأوقات كانت تلك الحروب تتمحور حول السيطرة على شبه جزيرة القرم، البحر الأسود أو منطقة البلقان وتعتبر تلك السلسلة من الحروب واحدة من أطول النزاعات في تاريخ أوروبا وذلك لامتدادها على فترة 241 سنة، وبذلك تكون امتدت أكثر من حرب المئة عام بين إنگلترة وفرنسا.

أنهكت هذه السلسلة من الحروب الدولة العثمانية وكانت من أهم أسباب انهيارها مع بداية القرن العشرين.

وهذه الحروب هي:


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قائمة الحروب

معركة أستراخان الأولى

لوحة إحدى الحروب العثمانية – الروسية

تُعتبر أول حرب عسكرية بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية. كما أنها إحدى أقوى المعارك بينهما، وقد دامت سنتين.

بدأت المعركة على أثر اعتداء روسيا على مدينة أستراخان التي كانت تتبع لولاية القرم العثمانية وضمها لحكمها عام 1568، بهدف إنعاش اقتصادها الذي كان يبحث عن متنفس بحري لإتمام عمليات التصدير. تعرف المدينة الآن أستراخان أوبلاست، وتقع جنوب غرب روسيا على وتطل على بحر قزوين ونهر الفولغا.

حرق موسكو (1571)

اندلعت الحرب الروسية العثمانية الثانية عام 1571 على أثر قيام 120 ألف جندي من جيوش تتار القرم التابعين للجيش العثماني، بقيادة الخان دولت كراي الأول، باجتياح موسكو في شهر مايو/أيار من العام ذاته وأشعلوا فيها النيران بما يعرف "حريق موسكو"، بهدف استعادة مدينة أستراخان من الروس.

ويعتبر هذا الحريق من أعظم الحرائق في تاريخ المدينة، حيث فرّ الناس إلى الكنائس الحجرية هرباً من النيران، لكنّها انهارت فوق رؤوسهم، وآخرون قفزوا في نهر موسكو ومات الكثير، ويقدر المؤرخون عدد ضحايا الحريق من 10 آلاف إلى 80 ألف نسمة.

وفي يوليو/تموز عام 1572 واجهت قوات القرم العثمانية الجيش الروسي البالغ 60 ألف بقيادة الأمير ميخائيل فورتنسكي، في معركة اندلعت بالقرب من قرية مولدي جنوبي موسكو، انتصر فيها الجيش الروسي الذي استطاع محاصرة التتار من مناطق مختلفة، فضلاً عن استخدام الجيش الروسي المدفعية.

وقد هزم جيش القرم المدعوم عثمانياً تماماً. حيث لم يبقَ من الجيش سوى 10 آلاف جندي استطاعوا العودة إلى القرم، الأمر الذي أدَّى إلى تخلِّي السلطنة العثمانية وخان القرم التابع لها، عن خططهما الطموحة للتوسع شمالاً إلى روسيا.

حرب موسكوڤ 1676

تعتبر هذه الحرب من الحروب الكبرى بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية. اندلعت الحرب نتيجة مساعي القيصر الروسي ألكسي الأول التوسعية، ورغبته بالأراضي الخصبة والمطلَّة على البحر، حيث اتجه بجيشه نحو الجنوب إلى أوكرانيا ورومانيا اللتين كانتا تخضعان للحكم العثماني.

قاد السلطان العثماني محمد الرابع في 30 أكتوبر 1676 حملة هائلة مكونة من أكثر من 120 ألف جندي على جيش روسيا القيصرية حتى بلغت قلعة صهرين أو شهرين الحصينة في في منطقة موسكوف في أوكرانيا، فضرب حولها حصاراً محكماً دام شهراً كاملاً.

وحارب الجيش العثماني الجيش الروسي في منطقة موسكوف، وعلى الرغم من وجود حوالي 200 ألف جندي روسي يدافعون عن المنطقة، فإن الغلبة كانت للعثمانيين وسقطت القلعة. وقُتل من الروس حوالي 20 ألف جندي وسيطر العثمانيون على أجزاء كبيرة من أوكرانيا.

حملة محمد الرابع

ثم عاد السلطان محمد الرابع بشن حملة ثانية على روسيا بعد عدة أعوام من حملته الأولى، لكنها انتهت بمجرد وصوله نتيجة طلب الإمبراطور الروسي عقد معاهدة سلام لخوفه من أن يخسر روسيا لصالح العثمانيين، وقد تم عقد معاهدة باخشي ساراي في باهجي سراي في خانية القرم، التي بموجبها أنهت الحرب الروسية العثمانية (1676–1681).

وقِّعت المعاهدة في 31 يناير 1681. واتفقا على هدنة لمدة 20 عاماً وقبلت نهر دنيبر باعتباره الخط الفاصل بين الدولة العثمانية ونفوذ موسكو، فيما ظلَّت الضفة اليمنى أي الجزء الغربي لنهر دنيبر في أيدي العثمانيين، واعتبرت قلعة صهرين ملكاً للعثمانيين، بينما تبقى الضفة اليسرى لنهر دنيبر، أي الجزء الشرقي من أوكرانيا ومناطق زابوريزكا "الجزء الجنوبي الشرقي من أوكرانيا" في يد الروس.

حرب الاتفاق المقدس 1686–1700

حاصر العثمانيون العاصمة النمساوية فيينا عام 1683 لما تمثله من أهمية استراتيجية للسيطرة على خطوط التجارة والمواصلات في القلب الأوروبي. لكنَّهم لم ينجحوا في ذلك، وعلى إثر ذلك عقدت الدول الأوروبية "الاتفاق المُقدَّس" ضد الدولة العثمانية، وهنا انضمت روسيا إلى الحرب طمعاً في السيطرة على منطقتي أزوف والقرم المُطلتين على البحر الأسود، ونجحت في ذلك.

وخلال فترة الحصار تحالفت روسيا القيصرية مع دول أوروبية (هابسبورغ والنمسا، وبولندا، وليتوانيا، والبندقية) ضد العثمانيين، وللانتقام من العثمانيين شنّ جيشٌ روسي قوامه 132 ألف جندي بقيادة القيصر فاسيلي غوليتسين حملة ضد شبه جزيرة القرم في 2 مايو 1687.

وفي 30 مايو انضمت الجيوش الأوروبية وجيش القوزاق (50 ألف جندي) من الأوروبيين الشرقيين الذين ينتمون للقومية الروسية إلى الجيش الروسي، وتمركزوا في سواحل شبه جزيرة القرم، وفي عام 1689 اشتبك الأوروبيون مع خانات القرم، ومنعوا وصول الإمدادات العثمانية لهم، إلا أنهم لم يستطيعوا الإستيلاء على الجزيرة.

وفي 27 يونيو 1695 عاد الجيش الروسي لمحاصرة قلعة آزوف الذي يقع على نهر الدون جنوب غرب روسيا والذي كان يسيطر عليه خانات القرم، ولكنه فشل في السيطرة عليه، وفي أبريل عام 1696 عاد الجيش الروسي الذي يحتوي على 75 ألف جندي بقيادة أليكسي شين برا لمحاصرة القلعة.

وفي 14 يونيو جاء الأسطول العثماني المكون من 4 جندي و23 سفينة لمساعدة قلعة آزوف، إلا أنّ البحرية الروسية كانت على إستعداد لمنع وصول السفن العثمانية، وأغرقت بعضاً منها حتى استطاعت السيطرة على القلعة في 19 يوليو، وقد كانت هذه الحرب أول نجاح كبير للبحرية الروسية.

دارت العديد من المعارك بين العثمانيين وقوات التحالف خسر العثمانيين في أغلبها، وكان أبرزها معركة زانطا في 11 سبتمبر عام 1697، وهي مدينة صربية كانت تتبع للدولة العثمانية، وقد كانت هذه المعركة واحدة من أكبر الهزائم الحاسمة في تاريخ الدولة العثمانية، ونتيجة للمعارك لقي 20 ألف جندي عثماني مصرعهم، بينما لقي 10 آلاف جندي عثماني مصرعهم غرقاً، فيما تُقدَّر خسائر التحالف بين 500 و1500 جندي.

ونتيجة لهذه المعارك تمكَّن الحلف من تحقيق الانتصار النهائي في عام 1699، وأجبر الدولة العثمانية على توقيع معاهدة كارلوفجة، التي تنازل فيها العثمانيون عن معظم أراضي المجر وترانسلفانيا وسلافونيا لإمبراطورية هابسبورج في حين عادت بودوليا إلى بولندا، ولحقتها بمعاهدة اسطنبول عام 1700 التي نصّت على تنازل العثمانيون عن آزوف وقلاعٍ أخرى في القرم، وإنشاء سفارة روسية في إسطنبول وتأمين عودة جميع أسرى الحرب.

وتُعتبر هذه المعاهدات بداية التراجع العثماني في أوروبا الشرقية، فيما حفَّز هذا النصر روسيا بالتعمُّق في هذه المناطق وما حولها بشكل أكثر، لكن هذه المرة لم يكن الهدف سياسي توسعي فقط، بل كان عامل الدين موجوداً فيها بشكلٍ واضح.

فقد أرادت روسيا أن تسيطر على المناطق الأرثوذكسية الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية. واستخدمت في ذلك طريقةً جديدة، وهي أن لا تتدخَّل عسكريًا وأن تكتفي بإشعال الفتن وتحريض الأرثوذكس داخل الدولة العثمانية ليتمردوا عليها.

حملة بروت 1710

بدأت هذه الحرب نتيجة مطاردة الروس لكارل الثاني عشر ملك السويد الذي لجأ إلى الدولة العثمانية، حيث دخل قسمٌ من الجنود الروس للأراضي العثمانية وبقي الجيش الروسي عند نهر بروت في شرق أوروبا الفاصل بين رومانيا ومولدافيا، فاعتبر السلطان ذلك سبباً للحرب وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1710 أعلنت الحرب على روسيا، لكن السبب الفعلي كان هو رغبة العثمانيين في استعادة قلعة آزوف من روسيا.

وكان كارل الثاني عشر قد قدَّم طلب اللجوء بشكل رسمي للسلطان أحمد الثالث عام 1709، بعد أن هزمه الجيش الروسي هزيمةً ساحقة في معركة "بولتافا" في 8 يوليو 1709، وقد أذن السلطان للملك بإقامة تجمُّع سكاني صغير له يضم كل اللاجئين السويديين الذين رافقوه، بشرط أن يؤدي الملك نفقات إقامته.

تقدم الجيش العثماني المكون من 120 ألف جندي بقيادة الصدر الأعظم بلطجي محمد باشا وتمكَّن من العثور على الجيش الروسي بقيادة القيصر الروسي بطرس الأكبر عند نهر بروت في شرق أوروبا وحاصره، وقد كان بالإمكان حينئذ أسر القيصر الروسي نفسه، وربما القضاء على روسيا نهائياً. إلا أن قيادة الجيش لم تكن متحمسة للهجوم على مواقع الروس.

بقي الجيش العثماني يحاصر الجيش الروسي من جميع الأطراف، حتى أعلن القيصر استسلامه في 22 يوليو 1711، وقد أرسل القيصر مندوباً عنه إلى بلطجي محمد باشا عارضاً عليه إعادة قلعة آزوف مقابل السماح له ولجيشه بالعودة، فوافق بلطجى باشا على العرض ووقعت معاهدة بروت التي نصت على إعادة الروس قلعة آزوف ومحيطها للعثمانيين ووقف تدخلهم في شئون القوزاق وتأجيج الفتن الدينية.

الحرب الروسية النمساوية-العثمانية

استمرّت معارك هذه الحرب لأكثر من أربعة أعوام، حتى انتهى الأمر بانتصار العثمانيين ووقف التقدُّم الروسي والنمساوي في البوسنة، واضطرت كلاً من النمسا وروسيا إلى توقيع اتفاقية بلغراد للسلام مع الدولة العثمانية.

وفي نهاية عام 1735 شنّ تتار القرم سلسلة غزوات على دولة هتمانات القوزاق في أوكرانيا بالتزامن مع حملة الخان القرمي العسكرية في القوقاز، الأمر الذي جعل الإمبراطورية الروسية تعلن الحرب على الدولة العثمانية بداية عام 1736، بهدف الاستيلاء على آزوف والقرم.

وفي 20 مايو 1736، هاجم الجيش الروسي الي بلغ 62 ألف جندي بقيادة الجنرال بوركهارد كريستوف تحصينات القرم، واحتل مدينة باختشيساراي في منتصف الجزيرة في 17 يونيو، واستطاع الروس التعمق أكثر في جزيرة القرم خلال الأشهر التالية.

وفي يوليو 1737، دخلت النمسا في الحرب ضد الدولة العثمانية، بعد توقيعها اتفاقية تعاون مع روسيا القيصرية لاحتلال بعض مناطق البلقان والحصول على منفذ على البحر الأسود، إلا أنها تعرضت للهزيمة عدة مرات، كان من بينها معركة بانيا لوكا في 4 أغسطس 1737، ومعركة گروتسكا في 18 يوليو 1739، ثم خسرت بلغراد بعد الحصار العثماني الذي امتد منذ 18 يوليو حتى سبتمبر في عام 1739.

غير أنّ الطاعون انتشر بين عامي 1737 و1739 بين أطراف الحرب، وشلّ الوباء جميع أطراف النزاع وأرهقتهم الظروف غير الصحية، حيث قُدِّر عدد القتلى الروس بسبب الطاعون حوالي 30 ألف شخص الأمر الذي جعل الروس ينسحبون من القرم بسبب انعدام المؤن ليستعيد العثمانيون القرم في 15 أغسطس 1738.

انتهت الحرب بتوقيع معاهدة بلغراد بين العثمانيين وروسيا والنمسا في 18 سبتمبر 1739 التي نصت على تنازل النمسا عن صربيا وبلغراد وشمال البوسنة للعثمانيين، فيما تمّ تدمير قلعة آزوف، وأصبحت أراضيها هي الحدود بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، ووافق الروس على الانسحاب من القرم والاعتراف بالسيادة العثمانية الكاملة على البحر الأسود.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حرب 1768 – 1774

تعتبر واحدة من أهم المعارك المؤثرة في تاريخ تراجع العثمانيين وتقدم الروس، ففي عام 1768 عَبَرَ أسطول البلطيق الروسي مضيق جبل طارق للمرة الأولى ليدخل البحر المتوسط ويخوض معركةً بحرية كبرى، أوقعت خسائر باهظة للأسطول العثماني.

وفي عام 1772، قصف الأسطول الروسي المدن السورية الساحلية، كما احتل مدينة بيروت لوقتٍ قصير، دعمًا لعلي بك وظاهر العمر في حربهما ضد الدولة العثمانية، وكان هذا التدخل الروسي يمثِّل بداية الحركة الروسية الطموحة نحو البحار الدافئة وسعي الروس المستمر للسيطرة على إسطنبول والمضائق العثمانية.

هُزم الجيش العثماني هزيمةً كبرى، ووجد السلطان عبدالحميد الأول أن من الصعب الانتصار على الجيش الروسي، لذلك قبل التوقيع على اتفاقية "كوتشوك كاينارجا" عام 1774.

تعتبر هذه المعاهدة من أهم المنعطفات في التاريخ العثماني، كونها بداية التدخّل الأوروبي الكبير في شؤون الدولة العثمانية، كما أنها مثَّلت نهاية حرب اضطر فيها العثمانيون للمرة الأولى في تاريخهم للتنازل عن أرضٍ يقطنها مسلمون، ما استدعى تدخُّل الفقه الإسلامي أيضاً لحلِّ مشكلة ولاء وتبعية مسلمي القرم، حيث قبل العثمانيون ضم روسيا للقرم والمناطق الجنوبية لأوكرانيا.

وفي المقابل قبلت روسيا بأن يكون ولاء مسلمي القرم – الذين أصبحوا رعاياها – الديني للسلطان العثماني "الخليفة"، وفي المقابل، وافق العثمانيون على منح الروس دورًا في كنيسة القدس، وسمحت لهم بالمرور التجاري الحر عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.

حرب 1787 – 1792

شنت الدولة العثمانية حرباً جديدة على الإمبراطورية الروسية التي تحالفت مع النمساويين مرة أخرى، بهدف استعادة القرم وردع الروس عن محاولات التوسُّع في القوقاز. لكنّ نتائج الحرب كانت كارثية على العثمانيين في بدايتها.

ولكن الحرب انتهت مع النمسا، لانشغالها بالصراعات على الساحة الأوروبية، حيث قامت الثورة الفرنسية وخشيت النمسا من أن تكون فريسةً لها فعقدت معاهدة زشتوي مع الدولة العثمانية في 4 أغسطس 1791، ونصّت تلك المعاهدة على إعادة صربيا إلى الدولة العثمانية وبذلك توقَّفت الحرب من جهة النمسا.

ثمّ أرادت روسيا إيقاف الحرب فوافقت الدولة العثمانية وعقدت معاهدة ياش في 9 يناير 1792 وفيها تراجعت روسيا عن الأراضي التي سيطرت عليها في البلقان، ولكنها أكملت سيطرتها على شمالي القوقاز ومعظم جورجيا. فضلًا عن تأسيسها لنشاط العملاء الروس في إمارات البلقان الأرثوذكسية، بما في ذلك اليونان وصربيا وبلغاريا، وعزَّزت من سيطرة روسيا على سواحل البحر الأسود الشمالية والشمالية الغربية والشرقية.

حرب 1828-1829

اشتعلت الحرب بسبب دعم روسيا الاستقلال اليوناني عن الدولة العثمانية بين عامي 1826 – 1830، وقد أحرز الروس تقدُّماً بالغاً في الأراضي العثمانية. انتهت الحرب بتوقيع "اتفاقية أدرنه" في 14 سبتمبر 1829 المبنية على تنازلات عثمانية إستراتيجية في منطقة نهر الدانوب وإعطاء رومانيا وبلغاريا حكمًا ذاتيًّا وتأكيد الحكم الذاتي لصربيا، وقبول استقلال اليونان.

حرب القرم 1853

ربما تكون هذه الحرب هي أشهر الحروب والمواجهات بين الدولتين، وقد قامت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في 4 أكتوبر 1853، واستمرت حتى عام 1856 ودخلت بريطانيا وفرنسا الحرب إلى جانب الدولة العثمانية عام 1854.

اندلعت الحرب على خلفية متشابكة من لجوء العديد من قادة وعناصر الموجة الثورية التي اجتاحت أوروبا في 1848 إلى الدولة العثمانية، والتنافس بين فرنسا (الكاثوليكية) وروسيا (الأرثوذكسية) على الامتيازات الدينية في مدينة القدس.

وبسبب الاتفاق الذي حدث بين الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا، الذي كان يهدف إلى طرد الأسطول الروسي من البحر الأسود، فضلاً عن الأطماع الإقليمية لروسيا على حساب الدولة العثمانية وخاصة في شبه جزيرة القرم التي كانت مسرح المعارك والمواجهات.

وفي بداية الحرب، احتل حوالي 35 ألف جندي روسي رومانيا التي كانت تابعة آنذاك للدولة العثمانية، وأبلغت روسيا الدول الأوروبية أنها لن تدخل في حربٍ شاملة ضد الدولة العثمانية، وأنّ ما فعلته كان إجراءً وقائياً لحين اعتراف السلطان العثماني بحقوق الأرثوذكس في كنيسة القيامة في القدس، وأنها سوف تنسحب بمجرد اعتماد هذا الاعتراف.

ثم حشدت الدولة العثمانية وروسيا قوات ضخمة على جبهات القتال، وعلى جبهتي الدانوب والقوقاز، واستطاع القائد العثماني عمر باشا أن يلحق هزيمة كبيرة بالروس على نهر الدانوب، وأن يدخل رومانيا، وفي جبهة القوقاز ساند الزعيم الشيشاني الإمام شامل الداغستاني القوات العثمانية أثناء القتال ضد الروس.

أرادت الدولة العثمانية دفع بريطانيا وفرنسا إلى دخول الحرب إلى جوارها، ودبَّرت إرسال مجموعة من قطع الأسطول البحري العثماني القديمة إلى ميناء سينوب على البحر الأسود، وهي تدرك أنّ هذه السفن لابد أن يهاجمها الروس، وبالفعل هاجم الروس هذه السفن وتمّ إغراقها جميعا، وأثارت هذه المعركة أزمة دبلوماسية في الأوساط بين بريطانيا وفرنسا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى.

عرض الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الوساطة لإنهاء القتال بين العثمانيين وروسيا، إلا أن الإمبراطور الروسي رفض ذلك، فبادر نابليون الثالث بالاتفاق مع بريطانيا ضد روسيا، وقبلت بريطانيا العرض الفرنسي بحماسة شديدة.

غادر سفيرا لندن وباريس مدينة سانت بطرسبرغ الروسية في 6 فبراير 1854 وعقدت معاهدة إسطنبول في 12 مارس 1854 بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا، ونصّت على ألا تعقد أي دولة من هذه الدول صلحاً منفرداً مع روسيا، وأن يتفاهم قادة الدول الثلاث في الحرب ضد روسيا، وأن تكون الوحدات الإنجليزية والفرنسية والسفن التابعة لهما في إسطنبول خاضعة للقوانين العثمانية، وأعلنا الحرب على روسيا في 27 مارس.

انتهت حرب القرم في 30 مارس 1856م بتوقيع اتفاقية باريس وهزيمة الروس، واعترفت المعاهدة بالاستقلال الذاتي لكلٍّ من ولايتي الأفلاق والبغدان (رومانيا حالياً) ضمن الدولة العثمانية، وكذلك التأكيد استقلالية قرار الدولة العثمانية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مقابل تعهدها بتحسين أحوال الرعايا المسيحيين في البلقان.

واعترف السلطان العثماني بالمساواة التامة بين جميع رعاياه على اختلاف مذاهبهم وأديانهم. وأعلنت الدولة العثمانية قبول مبدأ التحكيم في حالة وقوع خلاف بينها وبين غيرها من الدول، وكان هذا النص مهما في القانون الدولي الناشئ آنذاك.

جنود الفوج الخامس عشر العثماني في غاليتشينا بغرب أوكرانيا

قررت المعاهدة أيضاً إعادة ميناء سيواستوبول لروسيا، كما احتفظ العثمانيون بحقّ حماية الأراضي الصربية، ووعدت الدول الكبرى بالعمل على حل أي خلاف ينشأ بين الصرب والعثمانيين، فيما ثبتت امتيازات فرنسا في الأماكن المقدسة المسيحية دون غيرها من الدول، وأضفت عليها الطابع الحقوقي الدولي، حيث إن الامتيازات في السابق كانت نابعة من التعاقد الثنائي بين الدولة العثمانية ذات السيادة على هذه الأماكن وبين فرنسا منفردة.

الحرب المقدسة 1877

أعلن القيصر الروسي الحرب المقدسة على الدولة العثمانية، وقد أحرز الروس تقدماً عميقاً في الأراضي العثمانية، ولم تتوقف الحرب إلا بعد تدخل القوى الأوروبية وعقد معاهدة سان ستيفانو (يشيلكوي) في 3 مارس 1878 بين الدولتين.

فرضت المعاهدة شروطًا بالغة القسوة على الدولة العثمانية، بما في ذلك استقلال رومانيا والجبل الأسود وصربيا، ومنح بلغاريا استقلالًا مشروطًا، فضلًا عن توسيع الروس لحدود جورجيا الجنوبية، واعتبر بعض المؤرخين هذه المعاهدة لحظة انكسار عثماني غير مسبوقة في تاريخ العلاقات مع روسيا.

الجنود العثمانيون في غابات غرب أوكرانيا

حرب 1914-1918

مقابر الجنود العثمانيون في المقبرة العثمانية في قرية لوبوشينا بمقاطعة إيفانو فرانكيفسك

بدأت محاولات إقامة علاقات تعاون بين الجانبين التركي والأوكراني فور إعلان الحرب العالمية الأولى، ففي خريف عام 1914م وصل إلى إسطنبول ممثلان مفوضان من المجلس الأوكراني الوطني "الرادا"، واتحاد تحرير أوكرانيا، والتقيا بوزير الحربية التركية أنور باشا (1881-1922م) ومسؤولين أتراك آخرين.

وفي 2 نوفمبر 1914م، دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، إلى جانب ألمانيا والنمسا والمجر.

وفي 24 نوفمبر من عام 1914م أعلن وزير الداخلية التركي طلعت باشا (1874- 1921م) بيانا جاء فيه عزم تركيا على دعم الدولة الأوكرانية المستقلة في المستقبل، وبذلك كانت تركيا أول دولة رحبت بظهور أوكرانيا المستقلة.

شارك الجيش العثماني نهاية صيف عام 1916م في القتال ضمن قوات الجبهة الشرقية في الحرب العالمية الأولى، إذ شارك أربعون ألف جندي مسلم من أتراك، وعرب، وكرد، وغيرهم في الدفاع عن الأراضي الأوكرانية.

فقد عرض أنور باشا مساعدة الألمان والنمساويين للقتال إلى جانبهم ضمن قوات دول المحور في حربهم ضد روسيا، فتمّ إرسال الفيلق الخامس عشر من الجيش التركي مع أسلحتهم وعتادهم إلى جانب القوات الألمانية للتمركز في منطقتي غاليسيا وفولينيا (وهي اليوم ضمن مقاطعات: فالين وتيرنوبول وإيفانو فرانكيفسك ولفيف) إلى الغرب من أوكرانيا، وذلك بهدف صد هجوم قوات الإمبراطورية الروسية بين عامي 1916-1917م.

وأثبت العثمانيون أنهم محاربون شجعان أكفاء، حيث صمدوا وأسروا خلال هذه الحرب بين عامي 1916- 1917م، 12 ضابطا، و853 جنديا روسيا، ولكن في الجانب الآخر أيضا تكبدت القوات العثمانية خسائر كبيرة بسبب الحرب والبرد، إذ قُتل وأصيب وفُقد من القوات العثمانية حوالي خمسة آلاف عسكري بين ضباط وجنود، وأسر أكثر من 600 جندي عثماني، وقد غادر آخر الوحدات التركية منطقة غاليسيا (في غرب أوكرانيا) في 22 أغسطس من عام 1917م.

وقد دفن الجنود والضباط الأتراك في عشرات المقابر -بينهم التركي والعربي والكردي وغيرهم- توزّعت على طول خط المواجهة في الأراضي الأوكرانية.

وقامت السلطات السوفيتية بين عامي 1948-1949م بتدمير العديد من هذه المدافن.

وبعد عام 2000م أعيد تأهيل وتصليح العديد من المقابر الإسلامية العثمانية بدعم من الحكومة التركية، ويوجد اليوم ستة مقابر في قرى مقاطعاتي تيرنوبول وإيفانو فرانكيفسك تحظى بالرعاية والاهتمام من السفارة التركية في كييف، وما تزال قبور المئات من المسلمين اليوم مفقودة ومنتشرة في قرى غرب أوكرانيا، شاهدة على تضحياتهم على هذه الأرض.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

الكلمات الدالة: