التنصير في نيجيريا

التنصير في نيجريا، بدأ تقريباً منذ عهد الاحتلال البريطاني لنيجريا عام 1861. يشكل المسلمون في نيجريا الأغلبية الفقيرة التي تمثل 70-80% من سكان البلاد. اقتضت الظروف أن يظل الإقليم الشمالي فى نيجيريا بعيداً عن التأثير التنصيري مما كان له العديد من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية فى نيجيريا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

تعتبر نيجيريا أكبر دول غرب أفريقيا؛ حيث تحتل المركز الأول بين الدول الأفريقية، والمركز التاسع بين دول العالم،وهي تقع في المنطقة العربية ،وهي همزة الوصل بين الدول العربية والإفريقية، وتحيط بها أربع دول :كمرون من شرقها، وتشاد من الشمال الشرقي، والنيجر من الشمال، وجمهورية بينين من الغرب.[1]

تبلغ مساحتها طولا 1.100 كم على خليج غينية، وعَرْضًا 1.300 كم، وأما مساحتها الإجمالية فهي 923،700 كيلومتر مربع، وهي بذلك تعادل ثلاثة أضعاف من الجزر البريطانية.

ويقطن هذه المساحة الشاسعة نيجيريا 148 مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2007م، نسبة المسلمين فيهم أكثر بقليل من 65%، والباقون من النصارى والمشركين.

ويشكل البناء القبلي عماد هذا التعداد الكبير؛ حيث توجد في نيجيريا أربع قبائل رئيسة، هي:

  • الهوسا، ونسبة المسلمين فيهم أكثر من 80%، وهم أكبر سكان نيجيريا.
  • الفولاني، وهي قبيلة مسلمة قريبة من هاوسا، لا يكاد يوجد بينهم مسيحيون أو وثنيون.
  • اليوروبا، وهي أكبر قبيلة نيجيرية ثقافةً وتعلمًا وسياسةً واقتصادًا في نيجيريا،ونسبة المسلمين فيهم أكثر من 60%.
  • الإيبو، وهي قبيلة وثنية ومسيحية، ويدعي بعضهم أنهم ينتمون إلى إسرائيل.

وتعتبر نيجيريا بلدًا غنيًّا بالموارد النباتية والزراعية، وتقع أهم حقول الإنتاج في الجنوب الشرقي من البلاد، وتكثر في هضبتها الوسطى المعادن، مثل القصدير، وبها كذلك كميات غير قليلة من الذهب وغيره، وقد ظهر بها البترول بكميات كبيرة.


التاريخ

احتلت بريطانيا نيجريا عام 1861 حيث جاء المنصرين والمبشرين وانتشروا في جنوب البلاد ومارسوا سياسية بريطانيا في تمزيق البلاد حيث عززوا قوة النصارى وأضعفوا من قوة المسلمين، حيث يتمركز في الجنوب غالبية وثنية، لكن الشمال كان يعيش فيه سكان مسلمين، وابتليت نيجريا بموجات عاتية من تجار الرقيق الأسبان والبرتغاليين الذين حملوا الملايين من أبناء البلاد للأراضي الجديدة بأمريكا وأستراليا حيث عملوا كعبيد هناك وذلك طيلة أكثر من قرنين ونصف من الزمان، وعمل الإنجليز على تقوية الجنوب الوثني وتقريبه وإسناد الوظائف إليه، تمامًا مثلما فعلوا في كل بلد احتلوه قربوا غير المسلمين وأضعفوا شأن المسلمين. بعد قيام الحرب العالمية الأولى أيقن الإنجليز أن بقاءهم في هذه البقاع البعيدة مسألة وقت، وحتمًا سيأتي اليوم الذي تخرج فيه إنجلترا من نيجيريا وغيرها، فعمل الإنجليز على اتباع سياسة مرنة ناعمة نعومة الأفاعي لكسب الناس وإدخالهم في النصرانية، وعملوا على تكوين منظمات وهيئات سياسية لإعداد جيل من الساسة الذين ولاؤهم الكامل والتام لإنجلترا ، وهم الذين سوف يتسلمون الحكم بعد خروج الإنجليز، وهم الذين أطلق عليهم الإنجليز اسم الطبقة النصرانية المثقفة التي تم توفير كل سبل النجاح والظهور والشهرة لها، وبرز اسم "ناندي إزيكوي" وهو صليبـي تمت رعايته من قبل الإنجليز وإبرازه في صورة الزعيم الوطني الذي ينادي باستقلال البلاد، وبالتالي نجح في الانتخابات باكتساح، واقترن اسم "إزيكوي" بالاستقلال وأنه المنقذ المخلص الوطني، وظهرت شخصية أشد خطورة وصليبية وهو "أوباكيمي أواولو" الذي أنشأ حزب العمل وأظهر اهتمامًا شديدًا بقضايا المسلمين ولكن على أساس قبلي محض، فرق شملهم وسادت الفوضى في نيجيريا، وأخذت بعض الأقاليم تطالب بالاستقلال، وظهر حزب هيئة مؤتمر الشمال بزعامة أحمدو بيللو سنة 1952م، وأخذ كل إقليم يفاوض الإنجليز بمفرده على الاستقلال، واستقل الإقليم الشمالي سنة 1959م، وسعت بقية الأقاليم لذلك.

ونيجيريا هي أكبر دولة إسلامية في أفريقيا× لذا كانت مطمعًا للحركات التنصيرية العالمية بجمعياتها ومنظماتها وبعثاتها اللامعدودة، من أجل تنصير أكبر دولة إسلامية في أفريقيا، أو تغريبها.

وكانت هذه الحركات التنصيرية العالمية، يؤازرها اتحاد الكنائس العالمية، قد بدءوا ينفذون مخططاتهم بالقوة لتنصير المسلمين في نيجيريا قبل عام ألفين، وكانوا يُرَدِّدون أن نيجيريا ستتحول إلى دولة مسيحية قبل عام ألفين، ولكنهم فشلوا تماما، ولاسيما عندما أعلنت الولايات الشمالية الإسلامية تطبيقَ الشريعة الإسلامية، وأيدتها الجماعات الإسلامية الشبابية في الجنوب، الذي هو مركز الحركات التنصيرية في نيجيريا وأكبر معاقل التنصير في إفريقيا، وبدأ المسلمون في الجنوب يطالبون بتطبيق الشريعة في الولايات الجنوبية، الأمر الذي أدى إلى تزايد قلق الحركات التنصيرية العالمية والمعادين للإسلام والمسلمين من الدول والمنظمات الغربية.

وجه الداعية الإسلامي النيجيري، داوود عمران ملاسا ، استغاثة إلى كل القادرين في العالمين العربي والإسلامي لنجدة إخوانهم من المسلمين في نيجيريا من أنياب المؤسسات التنصيرية والإرساليات التبشيرية التي تعمل على فقرائهم ليل نهار.

وفي رسالة خاصة بعنوان "نداء عاجل للإغاثة" قال الرئيس العام لجماعة "تعاون المسلمين" في نيجيريا: إن مدينة "أيوو" وهي واحدة من أكبر المدن الإسلامية في غرب جنوب البلاد، تتعرض لهجمة تنصيرية غير مسبوقة في تاريخها، مشيرا إلى أن المدينة التي يطلق عليها "مدينة العلماء" لوجود عدد كبير من العلماء فيها بالإضافة إلى المدارس الإسلامية والعربية والنشاطات الدعوية والتعليمية، كانت مستهدفة من قبل جماعات التبشير منذ العام 1880م إلا أنهم لم يفلحوا مع سكانها من المسلمين في شيء، بالرغم مما كانوا يملكون من أموال ومدارس ومستشفيات بنوها لأغراضهم وبقيت نسبة المسلمين في المدينة أكثر من 95% حتى يومنا هذا.

إلا أن هؤلاء المنصرين عادوا من جديد وقد غيروا من خططهم التي لم تفلح من قبل، فبدؤوا في شراء أراض المدينة من ملاكها بأسعار باهظة، تتجاوز أثمانها بكثير، حتى تمكنوا من شراء 1,400 فدان في منطقة شمال إلى شرق المدينة.

وأضاف أنهم الآن يعملون جاهدين على شراء مزرعة قديمة تبلغ مساحتها 1,200 فدان في منطقة إستراتيجية جنوب المدينة من مالكها المسلم ويدعى "اسامستا" مقابل مبلغ كبير عرضوه "مليون ومائتي ألف دولار أمريكي"، لا يملك المسلمون منها شيئا وقد تحدثوا مع المالك لكنه رفض إلا إذا دفعوا له المبلغ الذي عرض عليه المنصرون، وحدد لهم مدة أقصاها ثلاثة أشهر فقط مضى منها ما يقرب من شهر.

وفي ندائه قال الداعية الإسلامي النيجيري إن بإمكان القادرين من أبناء العالمين العربي والإسلامي أن يحرروا مدينتا من خطر التنصير لو تعاونوا على توفير مثل هذا المبلغ، وأقترح في رسالته أن تتبنى وسائل الإعلام العربية والإسلامية هذا النداء وتدعو المحسنين إلى دعمنا "فليس بإمكاننا الحصول على هذا المبلغ ولن تستريح قلوبنا بتركها للمبشرين".

وقال داوود عمران ملاسا في رسالته نحن نرجوا أن لو ملكنا هذه المساحة من الأرض أن نحولها للمشروع الخيري الذي طالما حلم به سكان المدينة "لرعاية 207 يتيما و47 أرملة ودعم الطلبة المسلمين العاجزين عن الدراسة" فضلا عن مشاريع أخرى لرعاية الفقراء وتأسيس حلقات تحفيظ القرآن وتعليم الإسلام.

وأضاف أنهم يخططون لتأسيس أول جامعة إسلامية في منطقة غرب جنوب نيجيريا لحماية المدارس العربية والطلبة المسلمين الذين لا يجدون الفرصة للحاق بالجامعات الانجليزية إلا إذا حصلوا على شهادات حكومية انجليزية، مشيرا إلى أن الكثير أيسوا وتركوا المدارس العربية الإسلامية لهذا السبب، ففقدان جامعة عربية هو السبب الرئيسي لسقوط الكثير من المدارس العربية في جنوب نيجيريا.

تختلف سياسة التنصير في شمال نيجيريا عنها في الجنوب، حيث يحتوي الجنوب على لاگوس ذات الأهمية الاقتصادية، وإبادن بأهميتها الاستراتيجية، وأيوو والمركز الثقافي والإسلامي في البلاد. فالمدن الثلاثة تقع في منطقة غرب الجنوب أكبر وأهم المناطق الجنوبية الثلاثة من حيث الثقافة والتقدم وعدد السكان، ففيها مراكز جميع الشركات الأجنبية والنيجيرية، وفيها أكبر مطار في نيجيريا ومنها دخل الاستعمار مع التنصير.

الآن، تتدفق على منطقة غرب الجنوب مساعدات مالية وغير مالية لتنصير المسلمين، وهم أغلبية فقراء المنطقة بنسبة ما بين 70-80 في المائة. تقوم المؤسسات التنصيرية بشراء مساحات كبيرة من الأراضي وبناء مستوطنات (مسيحية) أو ما يطلق عليه النيجيريون الفاتكانات النيجيرية، أو بناء مدن حيوية، الحياة فيها أفضل ألف مرة من الحياة في داخل المدن القديمة. فمن المعروف أن معظم المثقفين والأغنياء يفضلون الحياة في مثل هذه المستوطنات أو المعسكرات لما فيها من كل شيء. بل أكثر مما في مدن قديمة فمثلاً مدينة أيوو فيها خمسة مراكز للبنوك النيجيرية، وفي مستوطنة مسيحية تابعة لكنيسة رديم بين إبادن ولاگوس ثمانية مراكز لأفضل مصارف نيجيرية، وهذه المدينة تأسست بعد حوالي 500 سنة من وجود مدينة أيوو أو على الأقل حوالي 35 سنة أوائل عقد 2000.

وتسيطر المؤسسات التنصيرية على الجامعات والمطابع والمحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية، وتملك البنوك والشركات والمصانع، ولها في كل قرية آلاف من الدعاة يسكنون فيها للتنصير وفي المدن أكثر. عندهم مؤسسات خيرية أجنبية وداخلية ومراكز التدريب والاستشارات، ولرعاية الأيتام والفقراء ولمعالجة المشاكل الفردية والأسرية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، يعاني المسلمون من الظلم منذ حوالي مائة سنة، عندما منعهم المستعمرون من التعليم والوظائف الحكومية، ثم بعد الاستقلال نجحت الكنائس في الاحتفاظ بالسياسات الاستعمارية التي وضعتها بريطانيا التي استضعفت المسلمين ومنحت القوة كلها للمسيحيين.

التنصير في شمال نيجيريا

استطاعت الشركات البريطانية أن تمد نفوذها على طول حوض النيجر وفرعه بنوى وحتى سلطات الهوسا الإسلامية في الداخل وشمالاً حتى سلطات سوكوتو وكانو وأهم هذه الشركات البريطانية شركة النيجر الملكية.[2] وانتهى الأمر بأن حلت الحكومة البريطانية محل هذه الشركات فبسطت حمايتها على الأقاليم الساحلية والوسطى في نيجيريا وسميت باسم محمية نيجيريا الجنوبية والتي تأسست عام 1900[3]. ثم أعدت حملة عسكرية على الشمال بقيادة لوجارد وبعد حروب طويلة استطاع لوجارد ما بين عامي 1901 و 1902 الاستيلاء على نيجيريا الشمالية[4].

وفي عام 1914 ضمت بريطانيا الأجزاء التي كانت قد احتلتها وهي مستعمرة لاجوس ومحمية جنوب نيجيريا ثم محمية نيجيريا الشمالية فيما عُرف بمحمية نيجيريا[5]. وأصبحت نيجيريا تحت الاستعمار البريطاني في مرحلة من أهم مراحل تاريخها التي كانت لها آثار واضحة على نيجيريا في وقتنا الحالي. وظلت تحت الاستعمار البريطاني حتى عام 1960.

بدأ يسود الإسلام فى شمال البلاد بد أن تم انتشاره من خلال الطرق الصحراوية فى القرن الرابع عشر وتتمركز قوته الأساسية من أقاليم (سوكوتو – كاتسينا – كانو – بورنو) حيث أكثر من 90 % من المسلمين في هذه الأقاليم، على أن نسبة المسيحيين فى الشمال لا تذكر وذلك بسبب المعاهدات التي تم توقيعها مع حكام الشمال فى بداية القرن السابق بعد موافقة بريطانيا على آلا يجوز التدخل في الدين الرسمي[6]. ولم يشجع أمراء المسلمين فى الشمال التعليم الغربي والتبشيري[7]. فكثير من المسلمين فى الشمال عارضوا التعليم الغربي فى حد ذاته وأن إدخال هذا التعليم سوف يدمر المدارس القرآنية وهى أساس نظام التعليم الإسلامي ، ورأى آخرون أنها سوف تؤدى إلى خفض المستوى الخلقي وتدمير الإسلام لأن المسلمين سوف يختلطون بانتظام مع غير المسلمين. ويرى آخرون أن التعليم الغربي غير مهم وسوف يؤدى إلى إهمال الفنون المحلية وحرف السكان الوطنية والطرق الريفية للحياة بينما يرى آخرون أنه لا توجد أي محتوى خلقي في التعليم الغربي، وكان هناك اعتراض شديد ضد استخدام اللغة الإنجليزية كوسيلة للتعليم وضد حضور البنات التعليم فيما وراء سن الثانية عشرة وحسب رأى البعض فتعلم النساء حسب النظم الغربية يجعلهم يحتلون وظائف هي تقليديًا من أعمال الرجال[8]. بالإضافة أن الدين الإسلامي أعطى للأفارقة احتراماً خاصاً مما كان مفتقداً فى الجنوب حيث التعليم التبشيري[9]. ومن هنا حددت الإرساليات التبشيرية المسيحية نشاطها بعيداً عن خصوصيات الإمارة الإسلامية[10].

كان التعليم في نيجيريا مقصوراً على المسيحيين فقط، سواء فيما يتعلق بمدارس الإرساليات التبشيرية أو المدارس الحكومية أما المسلمون الذين يريدون إدخال أبنائهم فى هذه المدارس فكان عليهم قبل كل شيء إن يغيروا أسماءهم إلى أسماء لاتينية ويشترط عليهم أيضاً أن يحضروا الصلوات التى تقام فى تلك المدارس بالإضافة إلى البرامج التى تزيف حقائق التاريخ وتحمل كل ألوان التبشير والاستعمار، وعلى ذلك فقد كان أمام المسلمين طريقان لا ثالث لهما الطريق الأول أما أن يقدموا على هذه المدارس ويتركوا دينهم ويسيرون فى ركبها وأما أن يحتالوا عليها فيغيروا دينهم وأسماءهم ظاهرياً حتى إذا تخرجوا عادوا إلى دينهم الأصلي ولكن بعد أن يكونوا قد تشبعوا بالعادات الأجنبية وتلقوا ما يريده لهم البريطانيون. والطريق الثاني أن يعيشوا في جهل وتنعدم مشاركتهم فى الوظائف وهذا ما حدث حيث أن أكثر الموظفين في الشمال من الأيبو واليوروبا البريطانية[11].

وفى الأيام الأولى للاحتلال البريطاني لشمال نيجيريا أعطت الحكومة الاستعمارية اعتباراً خاصاً للمسلمين على أنهم أصحاب حضارة رفيعة عن الوثنيين البدائيين[12]. وابتداءاً من يناير سنة 1900 بدأت الحكومة البريطانية حكمها لمنطقة شمال نيجيريا التى وصلها لوجارد فى 31 ديسمبر سنة 1899[13].

كانت أول إرسالية تقصد الشمال في ذلك الوقت هي الإرسالية التي غادرت بريطانيا فى 16 ديسمبر سنة 1899 متجهة إلى بلاد الهوسا وكانت تحت قيادة الأسقف توجول Tugwell، وكان قد عُرف عنه اهتمامه بالثقافة العربية الإسلامية بصفة عامة ولغة الهوسا بصفة خاصة وقد قرأ كثير من الهوسا والفولان ودرس الموقف هناك قبل أن يقود الوفد إلى شمال نيجيريا وقد وصل هذا الوفد فى الشهور الأولى سنة 1900[14]. وكان الدكتور والتر ميلر Walter Miller أحد أعضاء بعثة الأسقف توجول وهو واحد من أهم المبشرين الذين عملوا فى شمال نيجيريا وإن لم يكن أهمهم جميعاً حيث كان تابعاً لجمعية الكنيسة التبشيرية وسجل آراءه فى أربعة مجلدات[15]. وفى سنة 1906 قام ميلر ـ الذى أصبح رئيساً لبعثة الكنيسة التبشيرية بعد رجوع توجول إلى بريطانيا ـ بتقديم مشروع للحكومة يقترح فيه إنشاء مدرسة داخلية فيها قسم لتربية الذين نالوا قسطاً من الثقافة الإسلامية إلا أن المحاولة فشلت بسبب كون الثقافة الغربية فى ذلك الوقت ثقافة مسيحية صرفه لذلك لم يقبل عليها المسلمون ولم يروا فيها إلا وسيلة لتغيير دينهم وثقافتهم وإن تلك الثقافة قام بنشرها مسيحيون وقد خشى المسلمون أن يكون هذا سبباً فى قطع التيار الإسلامي ووضع العقبات والحواجز فى طريق انتشاره[16].

الحقيقة أن التنصير فى الشمال كان ضعيفًا ويرجع ذلك إلى أنه لا يوجد طلب شعبى على التعليم التنصيري والغربى والأمراء المسلمون فى الشمال لم يوافقوا على أن تعمل الإرساليات التنصرية فى الشمال. بالإضافة إلى تنوع القبائل واللغات فى الشمال وأن الإرساليات بدأت مؤخراً فى الشمال[17]. وحرصت الحكومة الاستعمارية على بقاء هذا الإقليم بعيداً عن المؤثرات التبشيرية فترة طويلة من الزمن وبالإضافة إلى خشية المسلمين من تأثير النشاط التنصيري على الهيكل الاجتماعى[18]. وكانت نتيجة لهذه السياسـة أن مستوى التعليـم والأدب (ماعدا العربى) منخفض عن الجنوب[19]. وكانت الجمعيات التبشيرية لا تستطيع تأسيس محطات أو مدارس في الإمارات الإسلامية دون إذن الحكومة الإنجليزية بالإضافة إلى فشل الإرساليات التنصيرية فى محاولتها ولم يستطيعوا أن يؤثرون على المسلمين فى الشمال[20].

وكان التعليم الحكومي في الشمال النيجيري ضئيلاً وعندما أراد لوجارد أن يضع تخطيطاً للتعليم في الشمال فكر في أن أهم ما يجب أن يقوم عليه تخطيطه الجديد هو أساسيات الثقافة الإسلامية التي أهتم بها أيضاً عن سن القوانين الإدارية[21].

واختار لوجارد أحد مساعديه الإداريين هو هانز فيشر H.Vischer ليقوم بتنظيم التعليم فى الشمال ذلك فى عام 1909 حيث افتتح بناءاً على توجيهات فيشر مدرسة حكومية فى ناسارا قرب كانوا وبدأ العمل بإنشاء فصل لتدريب الدارسين للعمل كمدرسين وكانت هذه المدرسة تدرس القراءة والكتابة بلغة الهوسا بالحروف اللاتينية ومبادئ الحساب والجغرافيا ومبادئ الصحة العامة بالإضافة إلى اللغة العربية والدين الإسلامي[22]. وعندما أرسل لوجارد باقتراحاته لتعديل قانون التعليم في نيجيريا رد عليه وزير الدولة للمستعمرات فى 26 مايو سنة 1915 بأنه أصدر لائحة جديدة خاصة بالتعليم فى المناطق الشمالية فيجب أن تحافظ تلك اللائحة على التنظيم الذي وضعه فيشر للتعليم فى الشمال والإبقاء على عدم تشجيع الإرساليات التبشيرية على تأسيس مدارس فى الشمال[23].

وأقامت الحكومة الإنجليزية بالفعل بعض المدارس الحكومية فى الشمال ففى عام 1914 كان بالإقليم الشمالى 7 مدارس حكومية عدد أعضاء هيئة التدريس بها 26 بريطانياً و 35 أفريقياً ولم يكن هناك حاجة إلى مزيد من المدرسين حيث أن أبناء الطبقة الأرستقراطية فقط هم الذين أقبلوا على التعليم الغربي أما الطبقات الأخرى فكانت تفضل التعليم القرآني وقد اتجهت السياسة التعليمية في الفترة من 1914 إلى 1929 لتأسيس مدارس ابتدائية تكون الدراسة فيها لمدة أربع سنوات بلغة الهوسا وتأسست مدارس أكثر تقدماً فى المراكز الحضرية والكبرى وكانت اللغة الإنجليزية تدرس في تلك المدارس كمادة من مواد الدراسة لتخريج الكتبة وصغار الموظفين، كما تأسست في تلك الفترة مدارس صناعية فى بعض المراكز لتخريج الصناع الذين يحتاجهم الأقليم الشمالي[24].

وفى خلال العشرينيات من القرن العشرين اهتمت الإدارة التعليمية بالمناطق الوثنية فى الحزام الأوسط وبدأت بتأسيس مدرسة حكومية فى منطقة التيف وفى سنة 1927 افتتحت مركزاً لتدريب المدرسين فى تورو Toro وعلى أية حال فالإرساليات ظلت تلعب الدور الرئيسي في مناطق الحزام الأوسط[25].

وفى عام 1929 حدث تطور هام تمثل في إندماج إدارتى التعليم فى الشمال والجنوب فى إدارة واحدة، ووصل عدد المدارس الحكومية فى هذه السنة فى الإقليم الشمالي 116. مدرسة تديرها الحكومة وتقدم لها الإدارات المحلية معونة مالية ومجموع تلاميذها 3549 تلميذ وتتكون من 95 مدرسة أولية 8 مدارس صناعية و 12 مدرسة ابتدائية ومدرسة واحدة ثانوية، في الوقت الذي كان التبشير في الشمال قد نشط نسبياً حيث كان عدد مدارس الإرساليات في نفس العام في الشمال 152 مدرسة منها 5 فقط تتلقى مساعدات مالية من الحكومة[26] وإن كانت الحكومة البريطانية قد منعت المبشرين المسيحيين من العمل في شمال نيجيريا المسلم فإنها لم تحارب وجود تأثيرهم تماماً في هذه المنطقة حيث تعين الجنوبيين من أبناء مدارس التبشير فى الوظائف الحكومية التي لم تجد الإدارة الاستعمارية إعداداً كافياً بها من متعلمي الشمال لشغلها[27].

على أية حال فإن التنصير في الشمال كان ضئيلاً بالمقارنة بالجنوب النيجيري مما أحدث عزلة بين الإقليميين ولقد عبر أبو بكر أمام عن مخاوف الشماليين حيث كان قد شغل لوقت طويل منصب مدير تحرير هوسا وبكلى Housa Weckly في مقابلته مع اتحاد طلبة غرب أفريقية فى لندن سنة 1943 تحدث عن مشاعر المتعلمين في كل من الشمال والجنوب تجاه الآخر فقال كل منا يحتقر الآخر وكل منا يتهم الآخر بالجهل وإن الجنوب فخورا بالمعرفة والثقافة الغربية ونحن فخورون بالثقافة العربية وإننا لا نثق في المتعلمين الذين هم فى الجنوب[28].

ووضع أبو بكر إمام قائمة بمخاوف الشماليين من الجنوبيين أهمها:

قيام الصحف الجنوبية بالسخرية من الهوسا وعدم احترامها للأمراء الشماليين. أن الكتبة الجنوبيين فى الشمال مميزون عن الشماليين فى الوظائف الحكومية والشركات التجارية. يطمع الجنوبيون فى حكم الشمال[29].

وإن كان النشاط التنصيري فى الشمال قليلاً ولكنه تسبب مع سياسة الحكومة البريطانية فى خلق دولتين فى دولة مما كان له بالغ الأثر فى قلة الوعى السياسى فى نيجيريا حتى وقتنا هذا وازداد المد التبشيرى فى جنوب نيجيريا وكان للأزهر فى مصر دوراً فى تقوية وتعليم المسلمين فى الشمال، فلقد درس فى الأزهر العديد من الزعماء الإسلاميين ولا يزال النيجيريون يدرسون فى الأزهر إلى وقتنا هذا[30]. وقدم الأزهر منحاً دراسية للأبناء نيجيريا وكان الأزهر يقبل كل طالب يذهب إليه من البلاد الإسلامية ويعلمه بدون مقابل[31]. ويجب ألا ننسى فى هذا المقام دور الطرق الصوفية فى نشر الإسلام فى نيجيريا ودول غرب أفريقيا البريطانية وأهم هذه الطرق الطريقة القادرية والتيجانية والأحمدية[32].

انظر أيضاً


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ ""بوكو حرام".. وإرث المشاريع التنصيرية". مجلة البيان. 2012-01-11. Retrieved 2019-06-11.
  2. ^ د. صالح محروس. "نيجيريا بين الإستعمار والتنصير". منار الإسلام للأبحاث والدراسات. Retrieved 2019-06-11.
  3. ^ شوقى الجمل: مرجع سابق. ص 566.
  4. ^ كولين باكيفيدى: أطلس التاريخ الأفريقى. ترجمة مختار السويف. القاهرة 1987. ص 201.
  5. ^ زاهر رياض: الاستعمار الأوربى لأفريقيا فى العصر الحديث. القاهرة.1960. ص 198.
  6. ^ The Royal Institute of International Affairs. Op. Cit. P. 22.
  7. ^ Tibenderana Peter Kazenga. Op. Cit. P. 517.
  8. ^ Clark Peter B.: West Africa and Islam. First Published. London, 1982. P. 244.
  9. ^ Bartlett Vernon. Struggle for Africa. London 1953. P. 108.
  10. ^ Niven Sir Rex. Op. Cit. P. 117.
  11. ^ نجوى شحاته. مرجع سابق. ص 292.
  12. ^ Trymingham Spenler. A History of Islam In West Africa. London, 1960. P. 226.
  13. ^ عبد السلام محمد موسى: جهود لوجارد فى خدمة الإمبراطورية البريطانية فى غرب أفريقيا. ماجستير غير منشورة معهد البحوث والدراسات الأفريقية. القاهرة، 1988. ص 58.
  14. ^ Grahams. Government and Mission Education Ibadan 1966. P.P. 11, 12.
  15. ^ Grahams. Op. Cit. P. 51.
  16. ^ شيخوا أحمد سعيد غلادنت. مرجع سابق. ص ص 91، 92.
  17. ^ أنظر الوثيقة رقم 4 ص 195. C. O 554/ 438 SCC/ 5046
  18. ^ Latourette K. S: A History of Expansion of Christianity vol. 2, London. 1965. P. 242.
  19. ^ Maboyunje Akinl. Urbanization in Nigeria. London, 1968. P. 219.
  20. ^ Tibenderana Peter Kazenga. Op. Cit. P. 528. لقد خططت الإرساليات التبشيرية وحركة التبشير العالمية للتنصير فى أرجاء العالم الإسلامى وكانت خطتها تتمثل فى التركيز على الجاليات المسيحية المنتشرة فى أرجاء العالم الإسلامى عن طريق الاهتمام بالكنائس المحلية القائمة من أجل تدريب وتهيئة القساوسة وابتكار طرقًا نصرانية جديدة أكثر ملائمة لتقديم الكتاب المقدس إلى المسلمين – والاهتمام بالبحوث اللاهوتية بالإضافة إلى التعليم والمدد المالى والمعونات، للمزيد من التفاصيل انظر: آرثر ف. كلاثر: تقرير المؤتمر – التنصير خطة لغزو العالم الإسلامى – الأعمال الكاملة – المؤتمر التبشيرى الذى عقد فى مدينة جلين آيرى بولاية كولورادو فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978، ط1، دار الحرمين، القاهرة 1994. ص 56
  21. ^ . C. O 583/ 20 XC/ 15137
  22. ^ Perham, Marlery. Op. Cit. P. 502.
  23. ^ . C. O 583/ 20 XC/ 15137
  24. ^ C.o 554/ 438 5CC/ 5046
  25. ^ C.o 554/ 438 5CC/ 5046
  26. ^ C.o 554/ 438 5CC/ 5046
  27. ^ Lowies L. M. Islam and The Modern World. Oxford, 1966. P. 14.
  28. ^ Coleman James. Op. Cit. P. 300.
  29. ^ Coleman James. I bid P. 360.
  30. ^ على أبو بكر. مرجع سابق. ص 92.
  31. ^ شوقى عطا الله الجمل: الأزهر دورة السياسى الحضارى فى أفريقيا. القاهرة 1988. ص 44.
  32. ^ هوبير ديشان. مرجع سابق، ص134. تنسب الطريقة القادرية إلى الشيخ عبدالقادر الجيلانى ونشأت فى طبرستان ثم انتقلت إلى العراق ثم إلى غرب أفريقيا. أما الطريقة التيجانية فتنسب إلى الشيخ أحمد التيجانى المدفون بمدينة فاس، وتنسب الطريقة الأحمدية إلى الشيخ أحمد الباكستانى لمزيد من التفاصيل انظر: هوبير ديشان. نفسه. ص 135.