إجماع (فقه)

(تم التحويل من الاجماع)

هو اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي، فإذا اتفق هؤلاء العلماء - سواء كانوا في عصر الصحابة أو بعدهم - على حكم من الأحكام الشرعية كان اتفاقهم هذا إجماعاً وكان العمل بما أجمعوا عليه واجباً. ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن علماء المسلمين لا يجتمعون على ضلالة، فما اتفقوا عليه كان حقاً. روى أحمد في مسنده عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سألتُ الله عز وجل أن لا يَجمَعَ أمَّتي على ضلالةٍ فأعطانيها ".

والإجماع يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الرجوع إليه، فإذا لم نجد الحكم في القرآن، ولا في السنة، نظرنا هل أجمع علماء المسلمين عليه، فإن وجدنا ذلك أخذنا وعملنا به. مثاله، إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن الجد يأخذ سدس التركة مع الولد الذكر، عند عدم وجود الأب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تعريف الإجماع

الإجماع في اللغة العربية: يطلق على أحد معنيين هما كالآتي:

  • التصميم على الأمر والعزم على فعله ومنه قوله تعالى على لسان نوح: ﴿فأجمعوا أمركم وشركائكم.. الآية. وقوله تعالى في شأن أخوة يوسف: ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ومنه قول الرسول: «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له».[1]
  • ومن معانيه التواطؤ والاتفاق فيقال: أجمع الناس على كذا أي اتفقوا عليه.

وأما تعريفه عند الأصوليين والفقهاء فهو: «اتفاق مجتهدي أمة محمد Mohamed peace be upon him.svg بعد وفاته في حادثة، على أمر من الأمور في عصر من الأعصار».[2]


أدوار تاريخ الإجماع

لقد مر الإجماع من تاريخ نشأته بأربعة أدوار تعتبر هذه الأدوار محورية يدور عليها بعض التغيير في هذا المصدر التشريعي الهام وهذه الأدوار هي:

  • دور عصر الصحابة: وهذا الدور الهام هو الذي في زمنه ظهر وولد الإجماع وكان دور الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يتجلى في دور الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم حيث كان إذا عزبهم أمر جمعوا رؤوس الصحابة واستشاروهم في كل مايستجد من أمر وما يطرأ من معضلة ودرسوا معهم الأمر دراسة يصدرون في أفعالهم عنها فممن فعل ذلك أبوبكر الصديق فقد جمعهم عند جمع القرآن وعند حرب المرتدين وفي الأراضي المفتوحة في الشام والعراق وبهذه السنة التي سنها كثر إجماع الصحابة في كثير من المسائل. وكذلك فعل عمر في عدة أمور منها: وقوع الطاعون في الشام وعند انتخاب الخليفة بعده عندما طُعن وغيرها.
  • دور عصر التابعين: لم يكن عصر التابعين حافلاً بكثير من الإجماعات للفقهاء والعلماء لأنه توزع العلماء والفقهاء والمحدثون في كثير من الأمصار الإسلامية كالشام والعراق ومصر وخراسان وغيرها مع تقصير الحكام في جمع آراء الفقهاء على رأي واحد فتشتت آراء بعض العلماء وصار الفقهاء والمحدثون يهتمون بطلب الحديث والعلم دون النظر لرأي عامة الصحابة وجمعه، وهذا أدى إلى اهمال هذا المصدر لأنهم كانوا يهتمون بهذا بالوحيين دون غيرهما.
  • عصر جمع الإجماع (الاجتهاد): وكان أول ماظهر بداية جمع الإجماع عند الإمام مالك باهتمامه بإجماع أهل المدينة وعند أبي حنيفة بالتزامه وحرصه على إجماع أهل الكوفة، وبهذا حرص كل إمام على أن يلتزم باجماع من سبقه وبدأت بعد ذلك تتسع دائرة الإجماع شيئاً فشيئاً حتى شملت أمصاراً إسلامية شتّى.
  • عصر فقهاء المذاهب: في هذا الدور استقر عند الكثير من المنتسبين للمذاهب الفقهية وعند أئمتهم حجية الإجماع ونضوجه كمصدر للتشريع الإسلامي فصار عندهم حجة قاطعة وصاروا ينكرون أشد الإنكار على من يخرج عن إجماع المجتهدين من السلف ومن يخالفهم في حكم شرعي [3]. وكانوا قبل ذلك كبداية يرتبط كل تلميذ من تلاميذ أئمة المذاهب الفقهية بقول إمامه ويدعمه بدعاوي من الإجماع حتى كملت دائرة الإجماع شيئاً فشيئاً وصار لايمكن الاستغناء عنه أبداً كمصدر هام وخصوصاً في الآونة الأخيرة، فقد حررّ العلماء المتقدمون هذا المصدر والعلم وحصروا مسائله وضبطوا قواعده فلا يحقّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكره كمصدر تشريع.

أدلة الإجماع

هناك عدة أدلة تدل على كون هذا الإجماع مصدر تشريع أساسي مع الكتاب والسنة يُرجع إليه بعد هذين الأصلين وأكثر الأدلة من السنة فمن الأدلة مايلي:

  • من الكتاب:
  • قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس.. (الآية)" [4]
  • وقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا.." [5]
  • وقوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولّى ونصله جهنم وساءت مصيرا" [6]
  • وقوله تعالى: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.." [7] والذين يستبطونه العلماء المجتهدون مما يدل على أن قولهم واجماعهم معتبر وأصل من أصول الشريعة.
  • ومن السنة:
  1. قوله: "لاتجتمع أمتي على ضلالة" [8].
  2. قوله: "سألت الله ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها"[9].
  3. قوله: "من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" [10].
  4. قوله: "من سرّه أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" [11].
  5. قوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لايضرهم من خالفهم.." الحديث رواه الترمذي
  6. قوله: "من فارق الجماعة فمات إلا مات ميتة جاهلية"[12].
  7. قوله: حديث "الجماعة رحمة والفرقة عذاب"[13].
  8. وأخيراً حديث ابن مسعود: "مارآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" [14].

دلالة الإجماع

اختلف العلماء في دلالة الإجماع هل هي قطعية أو ظنية على ثلاثة أقوال هي :

  • القول الأول وهو : قول أكثر أهل العلم من أهل الفقه والأصول أنه دلالته قطعية بحيث أن من خالف هذا الإجماع يكفّر مخالفه أو يضلل ويبدّع [15] وهذا عند النقل المتواتر الصحيح ومن هؤلاء الآمدي والإسنوي وابن الحاجب وقالوا أنه إذا اشتهر بين العوام هذا الإجماع فإنه يكفر وإلا فلا[16].
  • القول الثاني : وقال جماعة من الأصوليين أنه يفيد الظن ومن هؤلاء الرازي
  • القول الثاث : وهو التفصيل فقال بعضهم : أنه حجة قطعية إذا اتفق عليه المعتبرون وحجة ظنية إذا لم يتفقوا عليه وقال بعضهم : إجماع الصحابة مثل الكتاب والسنة المتواترة فهو قطعي وأما إجماع من بعدهم من التابعين وتابعيهم فهو المشهور فهو كالظني والإجماع عندهم الذي سبق فيه الخلاف في العصر السابق هو بمثابة خبر الواحد. ومن هؤلاء جماعة من الحنفية منهم البزدوي.

ثم إن إطلاق التكفير في حق من أنكر حكم الإجماع لايصح كما ذكر ذلك الآمدي [17].


أنواع الإجماع

ينقسم الإجماع إلى قسمين وذلك باعتبار طرق تحصيله وتكوينه :

  • إجماع صريح : وهو اتفاق آراء المجتهدين بأقوالهم أو أفعالهم على حكم مسألة معينة كأن يجتمع العلماء من فقهاء وأصوليون فيبتوا في مسألة معينة ويبدي كلٌ منهم رأيه صراحة وتتحد الفتاوى على حكم معين فيكون بذلك اجماعاً وهذا حجة وأصل معتبر عند جمهور أهل العلم قديماً وحديثاً.
  • إجماع سكوتي : وهو أن يقول بعض المجتهدين في العصر الواحد قولاً ف مسألة معيّنة ويسكت بقية العلماء أو الباقون منهم في ذلك العصر أو غيره عن هذا الإجماع.

وللعلماء في هذا الإجماع السكوتي أقوال وأكثرهم على اعتباره بشروط وإن لم يعتبر فأقل أحواله أن يكون حجة يحتج به على الحكم الشرعي والله أعلم.


شروط الإجماع

لابد للإجماع من شروط يقوم به ويصبح بهذه الشروط حجة يعتمد بها ومن هذه الشروط :

1ـ لابد أن يكون الإجماع مبنياً على مستند صحيح من كتاب أو سنة

2ـ أن يتفق جميع المجتهدين على الحكم في زمن معين صراحة أو وجود إمارة على الرضا

3ـ أن يقع الاتفاق من من أهل الاجتهاد الموصوفين بالعدالة ومجانبة البدع

4ـ ثبوت صفة الاجتهاد في المجتهدين. [18]

وتُخرج هذه الشروط عدة أمور منها :

× لاعبرة بإجماع غير مستند على دليل من كتاب أو سنة بل يُحكى حكاية أو يُتوقع توقعاً وهمياً.

× ولاعبرة بإجماع طائفة معينة من العلماء أو تلاميذ شيخ أو إمام معين أو أصحابه كأصحاب مالك أو أصحاب أحمد أو غيرهم.

× أصحاب البدع المُكفرة لاعبرة بإجماعهم ولا خلافهم مثل إجماع الروافض في رفض إمامة الشيخين (أبو بكر وعمر).

× ولاعبرة باجماع من عوام الناس الذين لم تتوفر فيهم صفة الاجتهاد.

ــ وهناك شروط مختلف فيها هي كالآتي :

  • كون المجتهدين من الصحابة، فهذا الشرط خالف فيه جمهور أهل العلم وقالوا بجواز أن يكون الإجماع انعقد بعدهم أو شارك التابعون من القرون القرون المفضلة الصحابة في اجماعهم.
  • كون المجتهدين من قرابة النبي ، وهذا القول قال به الزيدية والإمامية فقط.
  • كون المجمعين من أهل المدينة، وهذا شرط تفرّد به الإمام مالك فقط.
  • انقراض العصر بموت جميع المجتهدين بعد اتفاقهم على حكم، وهذا ذُكر عن الإمام أحمد ووافقه في ذلك مجموعة من السلف.
  • ألّا يسبق الإجماع بخلاف في المسألة بين السلف، وقال أكثر أهل الحديث ولكن خالفهم الأصوليون في ذلك.

تصوّر الإجماع عند المعاصرين

عندما ننظر لشأن الإجماع في وقتنا الحالي نجد أننا عندما نقوم بتطبيق تلك الشروط التي اشترطها الأصوليون والعلماء في الإجماع لاوجود لها في وقتنا المعاصر أو يصعب وجودها ولكن هذا الأمر نجده في الأحكام الاجتهادية الظنية لاالأحكام القطعية الصريحة فهذا تنطبق عليه هذه الشروط التي اشترطها الأصوليون وقد وُجدت في هذه الأحكام القطعية وقد قرر ذلك الشافعي . ثم ذكر بعض المعاصرين منهم محمد أبو زهرة أن حجية الإجماع تكمن في إجماع الصحابة م أجمعين حيث لم يتفرقوا في كثير من الأقاليم فكان في عصرهم الإجماع ممكناً وأما في عصر التابعين حيث تفرقوا في الأقاليم فكان الإجماع لم يكن ميسوراً أو متعذراً لذلك يصعب اتفاق الفقهاء على مسألة من المسائل قد أجمع عليها الصحابة فادعى بعضهم الإجماع عليها وأنكره بعضهم [19] ووافق بعض المعاصرين أبو زهرة في قوله فحصر الإجماع في عصر أبي بكر وعمر ومنهم الخضري. وقال بعضهم : إن الإجماع لاينعقد بالأركان والشروط إذا تولّاه الأفراد من الأمم الإسلامية وبالعكس إذا تولّه الحكومات الإسلامية بشرط أن تمنح حق الاجتهاد لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد وتعطيه إجازة تخوّله للاجتهاد في بعض المسائل وبهذا يُعرف في كل حكومة ويُحصر فيها الأئمة المجتهدين من قبل الحكومات ومن ثم يكون اتفاقهم اجتهاداً يُعمل به في الدولة ويطبقه ويعمل به عموم المسلمين في ذلك البلد وفي غيره [20].


من المسائل المجمع عليها

المسائل المجمع عليها يصعب حصرها في هذه الموسوعة لأن هذه الموسوعة موسوعة معارف عامة وليست موسوعة تقصي للأبحاث فهذا له مجاله الخاص به ولكن نشير إلى بعض المسائل المجمع عليها بشكل عام فمنها :

  • وجوب النية في طهارة الحدث والغسل من الجنابة
    • القهقهة في الصلاة تبطلها.
    • جواز المسح على الخفين في السفر.
    • سقوط الصلاة عن الحائض وقت حيضها.
    • الصلوات خمس في اليوم والليلة.
    • الأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس والجمعة.
    • وجوب ستر العورة وأنه شرط من شروط الصلاة.
    • وجوب الركوع والصلاة وأنهما فرضان.
    • ثبوت صلاة الخوف بعد موت النبي .
    • وجوب الزكاة في الأموال الأربعة : النقدان، وعروض التجارة، وبهيمة الأنعام، والزروع والثمار.
    • وجوب الوفاء بالنذر في الاعتكاف وغيره.
    • المرأة في الحج كالرجل فهو فرض عليها.
    • استلام الحجر الأسود مسنون.
    • مشروعية الحلق للرجال المحرمين.
    • عدم وجوب الحلق على النساء وأن عليهن التقصير.
    • حرمة وطء المملوكة الحامل حتى تضع والحائل حتى تستبرأ بحيضة.
    • صحة بيع المرابحة.
    • وجوب قتال من بغى من اللصوص فطلب أخذ الروح والمال.
    • فرضية الإمامة وأنه لابد من امام.
    • الدية مائة من الإبل عن المسلم المقتول وعن المرأة خمسين منها.

المراجع

الهوامش

  1. ^ رواه أحمد في مسنده والنسائي وأبو داود
  2. ^ البحر المحيط لبدر الدين الزركشي، كتاب الإجماع ج6 ص379 و380 Archived 2017-02-12 at the Wayback Machine
  3. ^ انظر كتاب المستصفى للغزالي 1/112
  4. ^ سورة البقرة آية 143
  5. ^ سورة آل عمران آية 103
  6. ^ سورة النساء آية 115
  7. ^ سورة النساء آية 83
  8. ^ رواه الترمذي عن أبن عمر
  9. ^ روا الطبراني في المعجم الكبير والإمام أحمد في مسنده وابن أبي خيثمة في التاريخ
  10. ^ رواه الإمام أحمد في المسند ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو داود والحاكم
  11. ^ رواه الترمذي بلفظ : " من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة
  12. ^ أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عباس
  13. ^ رواه البزار والطبراني وعبدالله بن الإمام أحمد من حديث النعمان بن بشير
  14. ^ رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود موقوفاً في كتاب "السنة" ورواه البزار والطيالسي
  15. ^ انظر كتاب التقرير والتحبير كتاب شرح المحلي على جمع الجوامع
  16. ^ انظر إحكام الأحكام للآمدي 1/144
  17. ^ انظر إحكام الأحكام للآمدي
  18. ^ انظر كتاب كشف الأسرار للبزدوي 2/963
  19. ^ انظر أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة ص193
  20. ^ انظر علم أصول الفقه للشيخ خلّاف
الكلمات الدالة: