الأعلام للزركلي

كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي ويعد هذا الكتاب من أشهر التراجم ويحصى بداخله عددا كبيرا من المشاهير ويعد معلما من أبرز المعالم للنهضة المعاصرة . يبدأ الكتاب التعريف بالمؤلف ثم الكلام عن محتويات الكتاب ومنهج التأليف ثم نقد مجملا له ثم بعض الملحقات البحثية بالكتاب. وهو من تأليف خير الدين محود الزركلي الذي ولد في الشام سنة 1310 هـ وتوفي سنة 1496 هـ في القاهرة.


أمّا كتاب الأعلامُ فهو أحدُ الموسوعاتِ العلميّةِ المُتقنةِ في هذا العصر ِ ، والذي صارَ المرجعَ الأوّلَ للباحثينَ عن التراجم ِ ، وبخاصّةٍ أصحابَ الدراساتِ الجامعيّةِ والبحوثِ العلميّةِ لنيل ِ شهاداتِ العالميّةِ والعالميّةِ العاليّةِ – الماجستيرُ والدكتوراه - ، وذلكَ لأنَّ مؤلّفهُ استوعبَ – أو كادَ – المشاهيرَ من المُترجم ِ لهم على مرِّ التأريخ ِ ، ولم يختصَّ بطائفةٍ دونَ أخرى ، أو علم ٍ دونَ علم ٍ ، أو عصر ٍ دونَ عصر ٍ ، وإنّما جعلَ أساسَ الترجمةِ هو شهرة ُ المُترجم ِ لهُ ، وقد لخّصَ وصفَ من يُترجِمُ لهُ بأنّهُ من كانَ صاحبَ علم ٍ تشهدُ لهُ بهِ تصانيفهُ ، أو كانَ صاحبَ خلافةٍ أو مُلكٍ أو أمارةٍ ، أو كانَ من أصحابِ المناصبِ العُليا والتقدّم ِ إمّا في دولةٍ أو مذهبٍ أو فكر ٍ ، أو من تميّزَ بفنٍّ معيّن ٍ حتّى شُهرَ بهِ ، أو من كانَ لهُ أثرٌ في العمران ِ يُذكرُ بهِ ، أو كانَ لهُ شعرٌ أو مكانة ٌ أو رواية ٌ كثيرة ٌ ، أو كانَ أصلَ نسبٍ مشهور ٍ أو مضربَ مثل ٍ ، وضابطُ ذلكَ كلّهِ : أن يكونَ الشخصُ المُترجمُ ممّن يتردّدُ ذكرهم ويُسألُ عنهم - الأعلام 1/20 - .

ولثِقل ِ هذه المادّةِ واتّساع ِ مجال ِ البحثِ فيها ، وكثرةِ مواردها ومصادرِها ، وتنوّع ِ التخصّصاتِ للمُترجمينَ واختلافِ طبقاتِهم ، كانَ لِزاماً على المؤلّفِ أن يبذلَ جُهداً مّضنياً في حصر ِ المادّةِ أوّلاً ، ثمَّ فرز ِ ذلكَ كلّهِ وتنقيحهِ ، ثُمَّ تنفيذِ الكتابةِ على وجهِ الاختصار ِ المُشبع ِ ، ثُمَّ مراجعةِ ذلكَ مرّة ً أخرى ، ثُمَّ الإتمامُ والإلحاقُ ، وهكذا ، فقضى في سبيل ِ تحقيق ِ هذا الهدفِ وبلوغ ِ تلكَ الغايةِ أكثرَ من أربعينَ سنةٍ ، ما بينَ إنشاءٍ وإضافةٍ وتعديل ٍ وإصلاح ٍ وتوسيع ٍ – الأعلامُ 1/13 - ، واستعانَ بمجموعةٍ كبيرةٍ من المراجع ِ ما بينَ مخطوطٍ ومطبوع ٍ ، ودوّريّاتٍ ومطبوعاتٍ إعلاميّةٍ ، جمعها وأتى على ذكرِها في خاتمةِ كتابهِ ، وقد استغرقتْ زهاءَ ثمانينَ صفحةٍ من القطع ِ الكبير ِ ، وهذا عددٌ ضخمٌ جداً ، خاصّة ً وأنَّ أكثرَ ما ذُكرَ من المراجع ِ لا يكادُ يتهيأ لكبار ِ الباحثينَ المُختصّينَ من أهل ِ هذا العصر ِ ، فضلاً عن عامّةِ القرّاءِ .

واشتملَ الكتابُ كذلكَ على عددٍ كبير ٍ من الصّور ِ لمن ترجمَ لهم ، وكذلكَ على مجموعةٍ من الخطوطِ الخاصّةِ بهم ، جمعها من بطون ِ الكتبِ ، واستخرجها من أقبيةِ مراكز ِ المخطوطاتِ في العالم ِ .

هذه السعة ُ في المواردِ والكثرة ُ في عددِ التراجم ِ ، إضافة ً إلى الجهدِ الكبير ِ المبذول ِ في سبيل ِ تحرير ِ الكتابِ وتنقحيهِ ومُحاولةِ استيعابِ الأعلام ِ ، جعلتْ لهذا الكتابِ شهرة َ طاغية ً ومكانة ً عالية ً لدى أهل ِ العلم ِ والبحثِ ، فأثنوا عليهِ وعلى مؤلّفهِ ، وأنزلوهُ المنزلة َ اللائقة َ بهِ ، وفي ذلكَ يقولُ الطنطاويُّ – رحمهُ اللهُ - : " وانصرفَ – أي الزّركليُّ – إلى التأليفِ فتركَ كتاباً من أعظم ِ ما ألّفَ في هذا العصر ِ ، وهو الأعلامُ " - الذكرياتُ 1/229 ، ويقولُ أيضاً : " خيرُ الدين ِ الزركليُّ مؤلّفُ الكتابِ العظيم ِ الأعلام ِ ، أحدُ الكتبِ العشرةِ التي يُفاخرُ بها هذا القرنُ القرونَ السابقاتِ " – الذكريّاتُ 1/125 .

وقالَ حمد الجاسر: " كتابُ الأعلام ِ لأستاذِنا أبي الغيثِ خير ِ الدين ِ الزركليِّ ، أوفى كتابٍ حديثٍ في التراجم ِ فيما أعلمُ ، فهو عصارة ُ فكر ِ بحّاثةٍ جليل ٍ ، قلَّ أن يُضاهيهُ في سعةِ اطّلاعهِ على المؤلّفاتِ قديمِها وحدِيثِها ، وهو خلاصة ُ مئاتٍ من الكتبِ والمطبوعاتِ ألّفتْ في التراجم ِ ، بحيثُ يصحُّ القولُ بأنَّ الأعلامَ من مفاخر ِ عصرنا الثقافيِّ " – مجلّة ُ العربِ 5 / 93-94 نقلاً عن الإعلام ِ بتصحيح ِ كتابِ الأعلام ِ 13 وانظرْ هناكَ المزيدَ من النّقول ِ في الثناءِ على الكتابِ - .

وحسبُكَ بهذا الكلام ِ في الدّلالةِ على عِظم ِ كتابِ الأعلام ِ ، فقد صدرَ من باحثٍ شهير ٍ ورجل ٍ سبرَ أغوارَ الكتبِ والمراجع ِ ، وهو العلاّمة ُ الجاسرُ – رحمهُ اللهُ - .

وعلى الرّغم ِ من المكانةِ العُليا التي تبوأها هذا الكتابُ ، والجهدِ الضخم ِ الذي بذلهُ مؤلّفهُ فيهِ ، إلا أنّهُ قد اشتملَ على مجموعةٍ من الهفواتِ ، منها ما هو منهجيٌّ ، ومنها ما هو أخطاءٌ وأوهامٌ .

أمّا المنهجيُّ منها ، فإنَّ الزركليَّ في كتابهِ قصدَ إلى الموضوعيّةِ المُجرّدةِ في التراجم ِ ، وإذا ترجمَ لشخص ٍ ما فإنّهُ لا يذكرُ ما يؤخذ ُ عليهِ ، أو أقوالَ النقّادِ والمؤرخينَ فيهِ ، أو أن يذكرَ رأيهُ هو في ذلكَ ، بل يُترجمُ لهُ ذاكراً ولادتهُ ووفاتهُ وأهمَّ ما جرى في حياتهِ من أحداثٍ ، ثُمَّ يختمُ ذلكَ بذكر ِ ما ألّفهُ من كتبٍ مع الإشارةِ إلى ما طُبعَ منها ، وإن كانَ مخطوطاً ذكرَ ذلكَ ، ويعتني غالباً بإيرادِ خطِّ المُترجم ِ لهُ أو صورةٍ لهُ ، ويُعرضُ عمّا سوى ذلكَ من الحُكم ِ النقديِّ على الشخص ِ ، أو التعرّض ِ لهُ بحكمهِ الخاصِّ .

وهذا المنهجُ هو منهجُ بعض ِ المؤلّفينَ في التراجم ِ والتأريخ ِ ، فهم يُترجمونَ أو يؤرخونَ بقصدِ التوثيق ِ البحتِ ، مُعرضينَ عن ذكر ِ آراءهم الشخصيّةِ أو أحكامهم الخاصّةِ ، ويتركونَ ذلكَ للقارئِ والباحثِ ، ومن الذين سلكوا هذا النهجَ واقتفوهُ في تصانيفهم : ابنُ خلّكان ٍ ، وابنُ الأثير ِ ، ومن المُعاصرينَ : الزركليُّ ، والطناحيُّ - رحمَ اللهُ أربعتهم - .

وقد لخّصَ الشيخُ بكرُ أبو زيدٍ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ – ما يُنتقدُ على كتابِ الأعلام ِ بقولهِ : " أصبحَ كِتابُ الأعلام ِ للزركليِّ مرجعاً مُهمّاً للباحثينَ والرّاغبينَ في التعرّفِ على التراجم ِ ، وهو مع معاناةِ مؤلّفهِ الدقّة َ والإتقانَ يردُ عليهِ أمران ِ : الأوّلُ : أنَّ الزركليَّ لم يُترجمْ لأحدٍ من أساطين ِ الدولةِ العُثمانيّةِ ، فهل هذه نزعة ٌ قوميّة ٌ عربيّة ٌ أم ماذا ؟ ، الثاني : فيهِ مجموعة ٌ من الأوهام ِ والأغاليطِ " – النظائرُ 64 - .

وقول ِ الشيخ ِ : " فهل هي نزعة ٌ قوميّة ٌ أم ماذا ؟ " فيهِ احتمالٌ لذلكَ ، وقد كانَ الزركليُّ ذا نفَس ٍ قوميٍّ مُتقدٍ ، إلا أنّني – والعلمُ عندَ اللهِ – أرجّحُ أنَّ سببَ إعراض ِ الزركليِّ عن الترجمةِ لسلاطين ِ العثمانيينَ هو تسلّطهم عليهِ بالأذيةِ ، ومُصادرةِ مطبوعتهِ : " مجلةِ الأصمعيِّ " وذلكَ بسببِ نشر ِ لصورةٍ كتبَ تحتها : صورة ُ الخليفةِ العربي المأمون ِ – الأعلامُ 8/267 - .

وكلامُ الشيخ ِ يلخّصُ ما احتواهُ الكتابُ من مؤاخذاتٍ ، فما ذكرهُ بخصوص ِ الدولةِ العُثمانيّة ُ يُعتبرُ من الخطأ المنهجيِّ ، وهو الذي يُعرضُ فيهِ صاحبهُ عن ذكر ِ ما يلزمهُ ذكرهُ ، أو أن يذكرَ ما ليسَ على شرطهِ ومنهجهِ ، سواءً كانَ ذلكَ قصوراً منهُ في البحثِ ، أو عن قصدٍ وتعمّدٍ ، وكلا هذين الأمرين ِ وقعا للزركليِّ – غفرَ اللهُ لهُ - ، فقد أعرضَ عن ذكر ِ تراجم ِ السلاطين ِ العُثمانيينَ عامداً مُتعمّداً ، كما أنّهُ لم يذكرْ تراجمَ آخرينَ مشاهيرَ ذكرتهم كّتبُ التراجم ِ وطفحتْ بأخبارهم ، من أمثال ِ : ابن ِ خلّكان ٍ ، فقد استفادَ من كتابهِ كثيراً وكانَ أحدَ مواردهِ ، ومع ذلكَ أخلاهُ من الترجمةِ لهُ ؟ .

وإن كانَ الزركليُّ – رحمهُ اللهُ – قصدَ إلى الموضوعيّةِ في كتابهِ ، مُغفلاً رأيهُ الشخصيَّ ، فلمَ عدلَ عن ترجمةِ العُثمانيينَ ؟ ، معَ أنّهُ ترجمَ لأناس ٍ من الأغمار ِ الذين لا يُعرفونَ ، وهذه الموضوعيّة ُ تهاوتْ مِراراً في التراجم ِ التي يكونُ أصحابُها قوميينَ أو جرتْ عليهم من المحن ِ ما جرتْ ، فلا يتوانَ الزركليُّ – عفا اللهُ عنهُ – في وصفِ نكبتهم وخلع ِ لقبِ الشهادةِ عليهم ! ، كما في ترجمةِ محمود جلال من الأعلام ِ 2/132 حيثُ وصفهُ بأنّهُ شهيدٌ لأنّهُ ثارَ على التركِ وأعدموهُ ، وفي المُقابل ِ لا نجدهُ ذكرَ ذاتَ الوصفِ في شخصيّاتٍ أخرى قُتلتْ أو أعدمتْ ، في حالاتٍ مُشابهةٍ ! .

إذن اشتملَ الكتابُ على مجموعةٍ من الأخطاءِ المنهجيّةِ ، خالفتْ منهجَ المؤلّفِ وأثّرتْ على طريقةِ سيرهِ ، وعُدّتْ من السقطاتِ المنهجيّةِ ، وقد ذكرتُ أمثلة ً لها ، فإذا قصدَ الباحثُ إلى كتابِ الأعلام ِ ولم يجدْ فيها ترجمة ً لشخص ٍ ما ، أو وجدَ فيها مدحاً أو قدحاً ، فلا بُدَّ أن يُقابلَ ذلكَ مع ما عندهُ من مصادرَ أخرى ما أمكنهُ ذلكَ ، وأنّ لا يكتفيَ في هذا خصوصاً بكلام ِ الزركليِّ أو حُكمهِ ، وهذا ليسَ تجنيّاً عليهِ – رحمهُ اللهُ – بل من بابِ صيانةِ العلم ِ وردّهِ إلى أهلهِ ، وحفظهِ من الغلطِ والسقطِ .

إلا أنَّ المؤلّفَ خالفَ ذلكَ في بعض ِ التراجم ِ المُختصّةِ بأهل ِ الأدبِ ، كالشعراءِ والكُتّابِ ، فكانَ يذكرُ فيهن بعضَ آراءهِ التقديّةِ المُتعلّقةِ بشعرهم وكِتابتهم .

أمّا الأوهامُ والأغلاطُ كالغلطِ في الاسم ِ أو النسبةِ ، أو تأريخ ِ الولادةِ والوفاةِ ، أو خطأهِ في اسم ِ كتابٍ ، فهذا موجودٌ في كتابهِ ، وقد تصدّى للكشفِ عنهُ وبيانهُ جملة ٌ من العلماءِ والباحثينَ ، منهم : العلاّمة ُ المؤرخُ محمّدُ بنُ أحمدَ بن ِ دهمانَ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد نشرَ ما وجدهُ من أوهام ٍ وأغلاطٍ بعدَ تصحيحِها في مجلّةِ مُجمّع ِ اللغةِ العربيّةِ ، ونشرَها كاملة ً الأستاذ ُ أحمدُ العلاونةِ في كتابهِ ذيل ِ الأعلام ِ ص 329 – 341 ، وأغلبُ هذه التصويباتِ كانَ قد أصلحها الزركليُّ في حياتهِ ، ومنهم الأستاذ ُ محمّد بن عبد اللهِ الرشيد في كتابهِ : الإعلام ِ بتصحيح ِ كتابِ الأعلام ِ ، وهو جهدٌ مشكورٌ منهُ ، صحّحَ فيهِ بعضَ الأوهام ِ ، على أنَّ أغلبَ ما ذكرهُ في كتابهِ من الأمور ِ اليسيرةِ ، والتي لا تضرُّ غالباً ، وقد وقعَ الرشيدُ نفسهُ في بعض ِ الملاحظاتِ ، وصدرَ أخيراً عن المكتبِ الإسلاميِّ كتابٌ بعنوان ِ : نظراتٌ في كتابِ الأعلام ِ ، للأستاذِ أحمد العلاونةِ ، وقد قرأتُهُ ونظرتُ فيهِ ، ووقفتُ على بعض ِ المآخذِ عليهِ .

وهذان ِ الكتابان ِ جيّدان ِ في بابهما ، لولا ما فيهما من التهجّم ِ والتراشق ِ بالكلام ِ بين المُؤلّفين ِ ، وهذا بلا شكٍّ مُصيبة ٌ كُبرى ، أن تتحوّلَ كتبُ العلم ِ وأسفارُ المعرفةِ إلى ساحةٍ للتهكّم ِ والتطاول ِ والتنابذِ ، وقذفِ التهم ِ جُزافاً ، ومُحاولةِ تصفيةِ الحِساباتِ ، فإن كانَ هناكَ تصفية ٌ ولا بدَّ من ذلكَ ، فلْيكن مكانَ ذلكَ شيءٌ غيرُ الكتبِ والعلم ِ ، فما أحرانا أن نصونَ العلم ِ والأسفار ِ عن الابتذال ِ بذكر ِ المثالبِ والمطاعن ِ .

هذا تلخيصٌ سريعٌ ومُجملٌ للمآخذِ على الكتابِ ، كما ذكرها الباحثونَ ، وهي مجموعة ٌ يسيرة ٌ إذا ما قُورنتْ بحجم ِ الكتابِ وسعةِ موادّهِ ، والكمالُ للهِ سُبحانهُ وتعالى ، فعلى الرّغم ِ من الجهدِ الكبير ِ المبذول ِ ، مع العمر ِ المديدِ ، والتفرّغ ِ التامِّ لذلكَ ، إلا أنَّ اللهَ تعالى رمى الكتابَ بشيءٍ من النقص ِ والخلل ِ ، ليُبرهنَ على ضعفِ الإنسان ِ وقلّةِ حيلتهِ ، وأنّهُ لو أرادَ شيئاً فلا يُمكنهُ ذلكَ دونَ توفيق ِ اللهِ وفضلهِ .

وقد توقّفَ الزركليُّ في التراجم ِ إلى وفياتِ سنةِ 1396 هـ وهي سنة ُ وفاتهِ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد أتى في كتابهِ على أغلبِ التراجم ِ التي نُثرتْ وبُثّتْ في كُتبِ التأريخ ِ والرجال ِ ، وفاتهُ نزرٌ يسيرٌ لم يقفْ عليهِ لعدم ِ وجودِ مصادر ِ الترجمةِ بين يديهِ ، ومن أرادَ أن يستدركَ عليهِ فيما مضى فلنْ يجدَ مادّة ً كبيرة ً ، أو فوتاً كثيراً ، بل هو يسيرٌ ويسيرٌ جدّاً ، وإنّما الشأنُ في إتمام ِ الإعلام ِ ، وإلحاق ِ من توفّيَ بعدَ موتِ مؤلّفهِ ، من عام ِ 1396 هـ إلى ما بعدهُ من السنواتِ .

وقد قامَ بهذا مجموعة ٌ من الباحثينَ ، سأذكرُ كتبهم على وجهِ الاختصار ِ ، مع بعض ِ النقدِ العاجل ِ بحسبِ قراءتي أو بحسبِ من وقفتُ لهُ على نقدٍ للكتابِ .

فمن تلكَ الكُتبِ كتابُ : تتمّةِ الأعلام ِ ، من تأليفِ الباحثةِ الشهير ِ : محمّد خير رمضان يوسف ، وقد نشرَ كتابهُ في ثلاثةِ أجزاءٍ ، طُبعتْ في دار ِ ابن ِ حزم ٍ ، وقد جمعَ فيهِ ما أمكنهُ الوقوفُ عليهِ من الوفياتِ إلى سنةِ 1416 هـ ، ومؤلّفُ الكتابُ رجلٌ معروفٌ بالجلدِ في البحثِ والتأليفِ ، وتحقيقاتهُ عالية ُ الكعبِ ، إلا أنّهُ في كتابهِ هذا لم يكنْ موفّقاً ، فالكتابُ أشبهُ بكتبِ المُطالعةِ من كتبِ التأريخ ِ ، ومنهجهُ مُخالفٌ تماماً لمنهج ِ الزركليِّ ، فقد جمعَ فيهِ المؤلّفُ ما يمكنهُ جمعهُ من التراجم ِ ، دونَ تحرير ٍ أو تنقيح ٍ ، وترجمَ فيهِ لكلِّ من وقعتْ عينهُ عليهِ من الوفياتِ في الجرائدِ أو المجلاّتِ ، حتّى لو كانَ أولئكَ من غير ِ المعروفينَ ، فلو أنّهُ جعلَ كتابهُ كتاباً مُستقلاً لكانَ أولى بهِ من أن يجعلهُ ذيلاً أو تتمّة ً على الأعلام ِ ، مع مُخالفتهِ لهُ في المضمون ِ والمنهج ِ .

ومنها كتابُ : ذيل ِ الأعلام ِ ، من تأليفِ الأستاذِ : أحمدَ العلاونةِ ، ويقعُ في جزأين ِ اثنين ِ ومطبوعٌ في دار ِ المنارةِ بجدّة َ ، جمعَ فيهِ الوفياتِ من سنةِ وفاةِ الزركليِّ إلى سنةِ 1421 هـ وهو بهذا أوعبُ ممّا سبقهُ ، وهو جيّدٌ في بابهِ ، أجودُ من كتابِ الأستاذِ : محمد خير يوسف ، وفيه أغلاطٌ وأوهامٌ يسيرة ٌ ، ويقعُ في جزأين ِ ، وقد لحقهُ نقدٌ تصحيحٌ ونقدٌ من العلاّمةِ : محمودِ بن ِ محمّدٍ الطناحيِّ ، وهو موجودٌ بتمامهِ في مقالاتهِ 2 / 591 وعنوانُ المقالةِ : ذيلُ الأعلام ِ ومُغالبة ُ الهوى ، وكذلكَ قامَ الأستاذ ُ : محمد بن عبد اللهِ الرشيد بنقدهِ في عدّةِ مقالاتٍ نُشرتْ تِباعاً في جريدةِ الجزيرةِ .

ومنها كتابُ : إتمام ِ الأعلام ِ ، من تأليفِ الدكتور ِ : نزار أباظة والشيخ ِ مُحمد رياض المالح ِ ، ويقعُ في مجلّدٍ واحدٍ من مطبوعاتِ دار ِ صادر ٍ ، وهذا الكتابُ من أشبهِ الكتبةِ الثلاثةِ بمنهج ِ الزركليِّ شكلاً ، أبعدها عنهُ جودة ً ، فهو كتابٌ مشوّشُ الترتيبِ جدّاً ، قليلُ الصور ِ ، كثيرُ الأخطاءِ ، وفيهِ قرمطة ٌ عجيبة ٌ لبعض ِ الشخصيّاتِ الكبيرةِ ، كما في ترجمةِ العلاّمةِ محمود شاكر .

هذا خلاصة ُ الكلام ِ في كتابِ الأعلام ِ للزركليِّ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد بلغَ فيهِ الغاية َ ورُزقَ بهِ السعادة َ والخلودَ ، وللهِ درُّ التاج ِ السُبكيِّ إذ يقولُ : " وهكذا رأينا من لزمَ باباً من بابِ الخير ِ فُتحَ عليهِ غالباً منهُ " – طبقاتُ الشافعيّةِ 1/65 - ، والزركليُّ أحدُ هؤلاءِ الذين فرّغوا حياتهم وعمرهم لهدفٍ واحدٍ ، فجاءَ ثمرة ُ ذلكَ عملاً مُتقناً مُسدّداً ، وحتّى هذه الثغراتُ التي فيهِ ، أو الهفواتُ التي بدرتْ منهُ ، وتلكَ الأوهامُ التي وقعَ فيها ، لا تؤثّرُ في جودةِ الكِتابِ ، أو تغُضُّ من قدرهِ ، وحسبُ الزركليِّ نِجاحاً أن عُدتْ عيوبهُ وجُمعتْ ، وكفاهُ ذلك نُبلاً ونجاحاً .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طبعات الكتاب

  • الطبعة الأولى (سنة 1345 هـ) : بالمطبعة العربية بمصر التي كان يملكها الزركلي في ثلاث مجلدات مجموع صفحاتها 1187.
  • الطبعة الثانية: بعد 30 عاما (سنة 1377 هـ) في عشر مجلدات، العاشر منها مستدرك لما فاته في الأجزاء التسعة من خطأ في ترجمة أو تصحيح في أخرى، وأضاف إليها نماذج من خطوط بعض المترجمين، وكذلك صورا لبعض الأعلام، وتمتاز هذه النماذج والصور بالجودة التي ضعف بهاؤها في الطبعات اللاحقة ووضع فهرسا للخطوط والصور، وجاءت هذه الطبعة ثلاثة أضعاف الطبعة الأولى.
  • الطبعة الثالثة: في بيروت (سنة 1389 هـ) في أحد عشر مجلدا وهي عبارة عن الطبعة الثانية إلا أنه أدخلفي صلب التراجم بعض التصحيحات (أصلح ما استطاع إصلاحه المتن من غير إخلال في أرقام الصفحات. كما ألحق مستدركا ثانيا في مجلد سماه: «المستدرك الثاني» جعل فيه بعض التصحيحات، وفي هذه الطبعة استل نماذج الخطوط والصور فجعلها في مجلد مستقل ولم تختلف الصفحات في الطبعة الثانية، حيث أنه لم يكن لنماذج الخطوط والصور أرقام صفحات.
  • الطبعة الرابعة: (سنة 1399 هـ) بدار العلم للملايين ببيروت في ثمان مجلدات من القطع الكبير وهي بعد وفاة مؤلفه [فتولى الإشراف عليها بعد موته صديقه وابن شيخه (ظافر القاسمي) نجل شيخ الشام جمال الدين القاسمي، وشاركه في الإشراف الشيخ زهير جاويش والأستاذ زهير فتح الله.] ، وقد كان الزركلي أضاف إليها كتابه «الإعلام بما ليس في الأعلام» الذي كان ينوي طباعته مستقلا عن كتابه الأول، كما أضيفت إلى هذه الطبعة المستدركات التي كانت مستقلة ووضعت في أماكنها وكذلك نموذج من خط المُترجم وصورته بجوار ترجمته إلا أنه أثناء الطباعة سقطت بعض التراجم فتجد الإحالة ولا تجد الترجمة، بل قد تجد نموذجا من خط المُترجم ولا تجد ترجمته. مثل: عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني 4: 59، وعن هذه الطبعة بقية الطبعات اللاحقة إلا أننا نجد في بعض الطبعات زيادة أونقصانا ...
  • الطبعة الخامسة: (مايو 2002م) بدار العلم للملايين - بيروت، في 7 مجلدات.


مميزات الكتاب

يقول الطناحي: ومحاسن هذا الكتاب كثيرة، وإن فاتنى ذكر هذه المحاسن مجتمعة، فإني أشير إلى أبرزها:

  1. الدقة البالغة في تحرير الترجمة، وإبراز أهم ملامح العلم المترجم.
  2. ذكر ما قد يكون من خلاف، في الاسم، والمولد والوفاة، ونسبة الكتب مع اتخاذ مواقف الحسم، أو الترجيح.
  3. تنقية بعض كتب التراجم مما علق بها، من وهم، أو تصحيف، أو تحريف.
  4. الرجوع في توثيق الترجمة إلى المصادر المخطوطة، إذا عزت المطبوعة، أو كانت الثقة بها نازلة.
  5. الاستعانة بالمراجع الحية، من أهل العلم، والمنتسبين إلى مذهب المترجم.
  6. جلاء الغموض الذي يكتنف بعض الأعلام.
  7. التنبيه على بعض الفوائد العلمية.
  8. الإنصاف والبعد عن الهوى، وسوق الرأي الخاص ملففاً في بجاد النزاهة والتصون. وأكثر ما ترى ذلك في تراجم المعاصرين، من أهل الفكر والأدب والسياسة.
  9. الإحالة الذكية بعد الفراغ من الترجمة إلى أصول المصادر والمراجع.
  10. ذكر نفائس المخططات ونوادرها، التي رآها في رحلاته وأسفاره. وكذلك التي اطلعه عليها أصدقاؤه، وفي مقدمتهم السيد أحمد عبيد، بدمشق، وما أكثر ما أشار إليه في تعليقاته.
  11. إثبات صور خطوط العلماء قديماً وحديثاً. وهذا يفيد في توثيق المخطوطات التي يقال إنها بخطوط مؤليها. فعن طريق مضاهاة ما بيدك منها بما أثبته من تلك النماذج للخطوط، يظهر لك وجه الصواب، أو الخطأ. ويتصل بذلك إثباته لتوقيعات الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء وصور المحدثين من المعاصرين، ومن قرب منهم، ممن أدركهم فن التصوير الفوتوغرافي.
  12. وقد زان ذلك كله حسن البيان، وصفاء العبارة. فالرجل ، كان أديباً شاعراً. وقد كان الأدب ومازال، خير سبيل لإيصال المعرفة، وسرعة أنصابها إلى السمع، واستيلائها على النفس. والبليغ يضع لسانه حيث أراد. وإنك لتجد كثيراً من الدراسات قد جمعت فأوعت، لكنها لم تبلغ مبلغها من النفع والفائدة؛ لجفافها وعسرها.

أما ما وراء ذلك من حلو الشمائل، وكرم الطبع، ونقاء الخلق، فهو مما لهج به الخاصة والعامة، ممن اتصلوا بالرجل، بسبب من الأسباب. ولست أشك في أن إقامة الزركلي - - في مصر والمغرب، سنين ذوات عدد، قد أعانته على إقامة ذلك الصرح الشامخ. وآية ذلك أن كثيراً من نماذج المخطوطات، التي امتلأ بها كتابه، من محفوظات دار الكتب المصرية، ومعهد المخطوطات بالقاهرة، وخزائن الكتب الخاصة والعامة، بالمغرب الأقصى.» ا. هـ كلام الطناحي

مما أُخذ على الكتاب

قال أحمد العلاونة: «بذل المؤلف ما وسعه من- جهد في جمع التراجم وتحريرها، بيد أن عمله- كأي عمل آخر- لا يخلو من مآخذ وهنات، و إذا قيست مآخذه وهناته بعمله الجريء، كانت كأنها لم تكن. وأجملتُ المآخذ بما يلي:

  1. لم يترجم مشاهير قدماء وعصريين. فمن القدماء: أحمد بن هبة الله المدائني صاحب كتاب أحكام الجدل والمناظرة، والقاسم بن محمد بن علي الشاشي صاحب التقريب، والشاعر ابن زريق البغدادي وأبو بكر محمد بن داود الداوودي وابن المكوي. ومن العصريين: الدكتور محمد غنيمي هلال، وإبراهيم حمروش، وممدوح الشريف (الخطاط) .
  2. الإيجاز المخل لبعض المشاهير مثل: الحريري صاحب المقامات. انظر ترجمته 5/177.
  3. لم يترجم للأنبياء الذين ذكر اسمهم في القرآن الكريم، ولم يترجم إلا للأنبياء: محمد، وشعيب، وأيوب، وهود، وإسماعيل، وصالح صلوات الله عليهم.
  4. لم يترجم لسلاطين الدولة العثمانية، مع أنه ترجم للمماليك والمستشرقين.
  5. ترجم لمجاهيل، أو ممن هم ليسوا أحقاء بالترجمة، منه وهو كثير: محمد هادي 7/127، والحسيني 7/129، والحلاق 7/156، والكشميري 7/123، ومهدي الكاظمي 7/312، والنوري 7/

314.» ا. هـ

قالوا عن الكتاب

  • أما «الأعلام» فهو خير كتاب ألف في بابه، بل هو خير ما كتب كاتب في تراجم الرجال والنساء في هذا العصر. (محمود الطناحي)
  • خلاصة القول: أن هذا الكتاب أبلغ رد على من يزعم أن العرب المعاصرين لم يصنعوا شيئاً ذا بال، في تاريخ رجالهم وأعلامهم. وأنه لا ينبغي أن تخلو مكتبة طالب علم من هذا الكتاب. (محمود الطناحي)
  • كتاب الأعلام للزركلي أحد الكتبِ العشرةِ التي يفاخر بها هذا القرن القرون السابقاتِ. (الشيخ علي الطنطاوي)

المراجع

المصادر