الأرموي

صفي الدين الأرموي

صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر الأرموي (613 هـ/1216م - 693هـ/1294م) أشهر موسيقي عربي.

وصف العالم الأسكتلندي "هنري جورج فارمر" "صفي الدين الأرموي" بأنه أحد الذين أضاءوا صفحات تاريخ الموسيقى العربية، كما يعتبر سلمه الموسيقي أكمل سلّم على الإطلاق برأي الإنجليزي "هربرت باري" الذي قال في كتابه "فن الموسيقى": "إن سلم (الأرموي) يعطينا أصواتًا متوافقة أنقى وأصفى مما يعطينا إياها سلمنا (أي السلم الغربي) ذو الدرجات المتعادلة".

هذا بعض من كثير مما قيل عن العالم الموسيقي العربي "صفي الدين الأرموي" الذي يعتبر همزة الوصل بين علماء الموسيقى العرب القدامى كالكندي والفارابي وابن سينا، وبين الأجيال الحديثة التي جاءت بعده من الموسيقيين والذين اعتمدوا في مؤلفاتهم على نظرياته وآرائه في الموسيقى العربية.

نسخة مخطوط "الرسالة الشريفية في النسب التأليفية"، أحد أهم كتابين للأرموي، القرن 16، مجموعة إديلنور Adilnor

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسبه وحياته

لوحة من مخطوطة كتاب الأدوار للأرموي

هو صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر الأرموي، نسبة إلى "أرمية" وهي إحدى مدن أذربيجان، وتُعَدّ هذه المدينة الإقليم الذي نزح منه أجداد الأرموي المولود ببغداد عام (613 هـ = 1216م) والمتوفَّى عام (693هـ).

ومما يعرف عنه أنه كان أعلم أهل عصره بالآداب العربية، وتجويد الخط العربي، كما برع في العزف على آلة العود.

وقد عينه الخليفة العباسي المستعصم بالله آخر خلفاء الدولة العباسية ببغداد كاتبًا لخزانة الكتب بالدولة العباسية. ولم يلتفت الخليفة لمواهبه الموسيقية إلا عندما غنت له "لحاظ" أشهر مطربات البلاط العباسي أحد ألحانه؛ ليصبح بعد ذلك نديمًا للخليفة ورئيسًا لجوقة بلاطه وأحد المقربين له.

وإبان سقوط بغداد (1258م) أعجب القائد المغولي الشهير هولاكو إعجابًا شديدًا بأسلوب الأرموي في الغناء والعزف على آلة العود؛ ليكون الأرموي بعد ذلك أشهر وأمهر العازفين والموسيقيين في بلاط المغول. كما عاصر أبناء هولاكو بعد ذلك.


جدل المؤرخين

مخطوطة الأدوار

ويعتبر صفي الدين الرائد الأول للمدرسة المنهجية في الموسيقى -أو مدرسة المذهبيين كما أسماها المؤلفون الأوروبيون- فهو مُنشئها وناشر مذهبها بين العلماء. حيث تعارف الباحثون المحدثون في تاريخ الموسيقى العربية على تقسيم مراحل تطور الموسيقى العربية، وخاصة في مجالات البحث النظري والممارسة العملية إلى أربع مراحل شكلت كل واحدة منها مذهبًا واضحًا ومدرسة قائمة بنفسها، وهذه المدارس هي:

1 - المدرسة العربية القديمة.

2 - مدرسة شراح الفلسفة الإغريقية.

3 - المدرسة المنهجية.

4 - المدرسة الحديثة.

ويجدر بنا أن نشير إلى أن هناك من يعارض هذا التقسيم مثل الدكتور عبد العزيز بن عبد الجليل، من جامعة مكناس بالمغرب الذي يرى أنه ليس من المنطقي الركون إلى هذا في ضوء التداخل الواضح بين المدارس، وعلاقة التأثير والتأثر فيما بينها، وهذا يظهر في مؤلفات بعض الموسيقيين الذين يصنفون زمنيًّا إلى مدرسة بعينها فمثلاً: بالرغم من أن أبي الفرج الأصفهاني المتوفَّى عام (967م) ألّف كتابه "الأغاني" في القرن العاشر الميلادي فإنه جاء متأثرًا بالمدرسة العربية القديمة، الشيء نفسه مع كتاب ابن الطحان المصري (455هـ) الذي يمكن اعتباره امتدادًا للمدرسة العربية القديمة، بالرغم أنه زمنيًّا ينسب إلى مدرسة شراح الفلسفة الإغريقية، بل وإلى ما بعدها ويعتبر العالم ابن سينا من أقطاب شراح الفلسفة الإغريقية.

وبرأي الباحثين فإن مصدر هذا الجدل يعود إلى ضياع مؤلفات العديد من الموسيقيين والباحثين العرب بفعل ما لحق بالعواصم الإسلامية ومكتباتها من دمار بعد الغزو المغولي.

معجزة زمانه

الأدوار

عاش صفي الأرموي في القرن (7هـ = 13م) تلك الفترة التي شهدت سقوط وخراب بغداد والشام على يد المغول، وهذا جعل الباحثين يرون في ظهوره في هذه الفترة الصعبة بمثابة المعجزة في ضوء الدمار والخراب الذي لحق ببغداد.

ورغم ذلك فقد عاصر الأرموي مجموعة من أعلام الموسيقى الذين توزعت مؤلفاتهم بين النظر في قضايا علم الموسيقى وبيان موقعها من التصوف، ومناقشة أحكام السماع وهم عز الدين المقدسي المتوفَّى (678هـ)، ومحب الدين الطبري المتوفَّى (694هـ) وابن واصل (697هـ)، وقطب الدين الشيرازي المتوفَّى (710هـ)، ونصير الدين الطوسي المتوفَّى (672هـ) وهو عالم وفلكي ورياضي شهير.

وأجمع الدارسون لتاريخ الموسيقى العربية على أن الأرموي كان سباقًا إلى استحداث أمور في مجال النظرية الموسيقية كان لها دور رائد في تطوير الموسيقى العربية ليُعَدّ ما أبدعه بمثابة تحول جذري في مسيرة التنظير العلمي لهذه الموسيقى في مجالات النغم والإيقاع والمعجم الاصطلاحي.

كتابان مهمان

وقد ألّف "صفي الدين الأرموي" كتابين مهمين في الموسيقى، نال بفضلهما مكانة رفيعة من الاحترام والتقدير:

الأول: كتاب "الأدوار في الموسيقى" ويعرف أيضًا باسم "كتاب الأدوار في معرفة النغم". وقد ألفه في شبابه بطلب من العالم الفلكي نصير الدين الطوسي، وتوجد أعداد كثيرة منسوخة من هذا الكتاب في مكتبات العالم أقدمها نسخة محفوظة بمكتبة "نور عثمانية" بإستانبول. وهو كتاب يُعَدّ من أهم المصنفات العربية وأوفاها في معرفة النغم والأجناس وتدوينها.

ويحتوي هذا الكتاب على خمسة عشر فصلاً منها: "الأدوار ونسبها" و"الدوائر النغمية" و"الأجناس اللحنية"... إلخ.

وقد أكدت الدكتورة، فاطمة غريب، أستاذة الموسيقى بكلية التربية الموسيقية جامعة المنصورة أن نتيجة جمع الأرموي للأجناس اللحنية الأصلية والفرعية أخرج لنا 84 دائرة نغمية "مقامات". وقد اشتهر من هذه الدوائر النغمية اثنتا عشرة دائرة أو مقام أصبحت هي الأشهر والأصل في الموسيقى العربية. كما استخرج الأرموي من هذه المقامات الأصلية مجموعة من المقامات الفرعية. وبذلك يعتبر الأرموي أول من ذكر -في أي مرجع عربي معنيّ بالموسيقى العربية- أسماء الأدوار والمقامات الموسيقية الأصلية والفرعية.

الثاني: كتاب "الرسالة الشرفية في النسب التأليفية" وألفه الأرموي بطلب من الوزير شمس الدين الجويني إبان الحكم المغولي لبغداد. ويوجد من هذا الكتاب عدد من النسخ بمكتبات العالم أقدمها نسختان الأولى محفوظة "بجامعة ييل" بالولايات المتحدة يرجع تاريخها إلى عام (666هـ = 1267م) والثانية محفوظة بمكتبة برلين.

وفي هذا الكتاب تناول صفي الدين بالدراسة والتحليل عنصر "الصوت" من حيث كونه ظاهرة فيزيائية، فشرح كيفية حدوثه، وانتشاره، وتأديته للسمع. ثم انتقل إلى النغمة فعرفها وحدد شروطها، كما عرف "الوساثين" وهي "العلامات التي توضع على سواعد الآلات ذوات الأوتار ليستدل بها على مخارج نغمة معلومة، في أماكن مخصوصة ليستعان بها على التأليف الملائم".

إسهامات

تُعَدّ مؤلفات الأرموي خاصة كتابيه من أهم المراجع الموسيقية التي أرست قواعد المدرسة المنهجية في دراسة الموسيقى في الشرق، ونقطة تحول في مجال الدراسة الموسيقية العربية الإسلامية في عصرها الذهبي، وبذلك أضاف إسهامات عدة منها:

  • الخروج بنظرية جديدة للسلّم الموسيقي قائمة على تجزئة السلم إلى ثماني عشرة نغمة محصورة بينها سبعة عشر بُعدًا موسيقيًّا.
  • اتبع طريقة لتدوين الألحان وهي طريقة جديدة اعتمد فيها -من جهة- على الحروف العربية الأبجدية مفردة ومركبة للدلالة على الأنغام، والأعداد الرقمية العربية من جهة ثانية للدلالة على مداها الزماني في دور الإيقاع. أي أنه استعمل الحروف لتسمية الدرجات الموسيقية، فيرمز للدرجات العشرة الأولى بالحروف (أ، ب، ج، د، هـ، و، ز، ح، ط، ي). وللحصول على النغمة الحادية عشرة أضاف النغمة الأولى إلى النغمة العاشرة (ي) لتصبح "يا" وبذلك تكون "يب" هي النغمة الثانية عشر إلى الدرجة التاسعة عشر "يط"، ثم وضع جدول ترقيم الحروف بالأعداد وهو على النحو التالي:
جدول الألحــان
أ ب ج د هـ و ز ح ط ى ك ل م ن
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 20 30 40 50
س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ
60 70 80 90 100 200 300 400 500 600 700 800 900 1000

وعليه فإن حرف الكاف يعني رقم 20 وللحصول على أعداد أكبر يتم إضافة الأعداد العشرة الأولى إلى حرف الكاف مثلاً فتصبح (كا، كب وكج و...).

والأرموي هو أول من ذكر اسم "أواز" وهو لفظ فارسي للدلالة على اللحن المميز، وأول من عرف النغمة.

وهو أول من وزع أبيات الشعر على الدرجات الموسيقية "النوتة الموسيقية" مع وضع عدد النقرات الإيقاعية تحت كل نغمة بالأرقام العربية، ويأتي هذا في إطار توسيع استعمال التدوين الموسيقي، وتُعَدّ هذه النماذج "النوتة الأبجدية" هي أقدم وثيقة مدونة تصل إلينا عن الموسيقى العربية.

وهو أول من استخدام مصطلح "الأدوار" للدلالة على المقامات وهو الذي وضع الدوائر الموسيقية لبيان بنيات السلالم الموسيقية، وجعل عددها 84 دائرة.

نزعتان

وقد ظل الأرموي مثله مثل الذين سبقوه من علماء ومجددي الموسيقى، تتجاذبه نزعتان في حياته المهنية: نزعة نظرية مثالية جذورها تمتد إلى كتابات الفارابي (950هـ) والكندي (180هـ)، وابن سينا، ونزعة واقعية من خلال محاولته تنظيم قواعد ومبادئ الموسيقى العلمية في أطر نظرية مقبولة.

وعلى الرغم من تعدد الأبحاث العلمية فإن كل محاولة لوضع أطر نظرية عامة تفسر وتضمن الموسيقى العربية، نجدها تتهاوى أمام تفاصيل الصناعة العملية بتعقيداتها وتحركها الدائم غير الخاضع للضبط والتوفيق.

اقرأ أيضًا

الهامش

وصلات خارجية


إسلام أون لاين: الأرموي.. أشهر موسيقي عربي       تصريح