ابن سودون

كتاب نزهة النفوس ومضحك العبوس. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

نور الدين أبو الجسن على ابن سودون العلائى البشبغاوى المصرى ( و. 1407، القاهرة - 1463 دمشق)، هو شاعر وكاتب مصري مملوكي ساخر برع في الكتابه بالدارجة المصرية والعربية الفصحى. ويعتبر من أفضل الكتاب الساخرين الذين ظهروا في تاريخ مصر. ولد ابن سودون في عصر الدوله المملوكية البرجية في عهد السلطان الخليفة العباسي القاهري المستعين بالله العباس وتوفي في عهد السلطان الظاهر خشقدم، وبذلك فقد عاصر إثني عشر سلطاناً من سلاطين مصر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد ابن سودون عام 1407 في القاهرة لأب قاض، وجه ابنه إلى مجالس العلم، فكان يختلف إليها علناً، وإلى مجالس اللهو سراً، وعندما يئس والده من إصلاحه، تبرأ منه، فترك القاهرة إلى دمشق ليعيش كما يحب، لكنه لم يعرف كيف يتدبر أمر معيشته، فانخرط في الجندية وشارك في بعض الحروب والغزوات، ثم توجه إلى الحرفة، فعمل حائكاً وخياطاً ووراقاً ولاعباً لفن خيال الظل، الذي برع فيه قبله بسنين ابن دانيال. وكان قبل مغادرته القاهرة قد عمل إماماً وواعظاً في بعض المساجد، ولم يستطع تحصيل ما يكفيه ويكفي عياله، وظل يعاني الفاقة بعد الغنى في ظل والده، وهذا الضيق دفعه إلى السخرية من أهل زمانه ومن نفسه، وصار الهزل طبعاً له، والعبث منهجاً يلتزمه إلى أن توفي في دمشق.


حياته الأدبية

غلبت على ابن سودون ثقافة الأديب العامة، الذي يأخذ من كل علم بطرف، فألمّ بعلوم الدين واللغة وبعض معارف عصره، وعرف الموسيقى معرفة جيدة، وحصّل خبرة جيدة من تقلبه في بيئات مختلفة وأعمال متباينة، فصار على دراية بأوضاع مجتمعه وما يسوده من أفكار وتصورات ورؤى، وما يعانيه من مشكلات وهموم، وأدرك مواطن الخلل فيه، وكذلك ما يحبه الناس ويكرهونه، كل ذلك ساعده على إبداع أدبه، وحدد مضمونه وأسلوبه.[1]

وبدا في أدبه وأخباره صاحب نفس قلقة متقلبة. بدأ مقبلاً على الحياة وملذاتها، لكنه لم يصل إلى مراده، ولم يحقق أحلامه، فانقلب ناقماً ساخراً من كل شيء، متألماً مما يرى حوله، رافضاً لما استقر في مجتمعه، ولم يتوافق مع محيطه، وعانى من شعور بالاغتراب، فجاء أدبه خيالياً متمرداً، لا يقيم لمنطق الناس وزناً، ولا لنظامهم احتراماً، فعرف في زمانه واشتهر.

أعماله

وضع ابن سودون كتابه نزهة النفوس ومضحك العبوس ورتبه بنفسه، فتخير من شعره ونثره وأثبت منه ما رآه معبراً عن توجهه في الحياة، وعن نظرته إلى الأدب، وأسقط الباقي، وقسمه إلى شطرين: الأول للشعر الجاد، والثاني للنظم والنثر الساخرين. قصر الأول على الغزل والوصف والرثاء والمدح النبوي وبعض أبيات الحكمة المستخلصة من تجاربه. وجعل الشطر الثاني في أبواب: الأول للقصائد والتصاديق، فيه شعر ونثر ساخر مختلف الألوان، والثاني للحكايات الملافيق التي اقترب فيها من فن القصة، والثالث للموشحات الهبالية كاد أن يكون ديوانًا خاصًا في الزجل، والرابع للدوبيت والزجل والمواليا، وهي منظومات ملحونة معدة للغناء، والخامس للتحف العجيبة والطرف الغريبة، قلّد فيه ضروب الكتابة في عصره بسخرية، واختتمه بفصل من النظم على طريقة العجم. وفي هذا الشطر يتحامق ابن سودون ويعبث وينتقد الظواهر الاجتماعية في أيامه بسخرية طاغية، ويسترسل في الأوهام والأحلام ويدعي المعرفة والبطولة الزائفتين، ويبدي الدهشة من العادي والمألوف، ويثير ضجة كبيرة حول البدهيات بكلام يخلو من أي معنى أو منطق، بل هو من قبيل تحصيل الحاصل. وفي أثناء ذلك يذكر الأطعمة والأشربة الفاخرة ويتشوق إليها تشوق الجائع المحروم، ويتطرق إلى المحرمات مثل تعاطي الخمر والمخدرات.

لم يترك ابن سودون ضرباً من ضروب النظم والنثر إلا شارك فيه وقلّده، وضمّن أدبه صورة لأحوال عصره، فربط بين الثقافة التي أطل عليها، وبين العامة الذين عاش بينهم، فجاء أدبه هجيناً ساخراً، ومن هنا أتى الإضحاك، لأنه ربط بين نقيضين، وأظهر براعته في التحامق والتباله واصطناع طرائق العلم والعلماء في الحديث عن البديهيات، وخلط العامية بالفصحى برشاقة واسترسال، ولو أنه ترك العامية في بعض نصوصه النثرية والشعرية، واتبع الفصحى المبسطة، لجاء أدبه فريداً في بابه ومع ذلك يظل ابن سودون أديباً متميزاً، له أثره في الإبداع الأدبي العربي.

توضح كتابات ابن سودون بالدارجة المصرية في مواضيع من البيئة المصرية الخالصة مدى اندماج المماليك في المجتمع المصرى وأنهم تمصروا وعاشوا في مصر كمصريين وكانوا يتقنون الدارجة المصرية والعربية كما توضحه كتابات ابن تغري بردي وابن إياس وغيرهم.

أبدع ابن سودون في كتاباته بالعامية المصرىة وكانت كتاباته النثرية وأشعاره وخواطره وفلسفاته نابعة من تراث مصر وتعبير صادق عن حياة المصريين. ابن سودون كان أيضاً موسيقياً ويتضح ذلك من شعره الغنائي الذي نظمه على نظام الضروب الموسيقية على السجية، مثل المواويل في العصر الحالي، ولذلك كانت أشعاره يستسيغها المصريون ويحبوها.

ابن سودون كان له أسلوب مميز في الكتابة، فكان يعتمد على المفارقة ويكتب عن مواضيع عادية جداً لا تحتاج ذكاء كبير ولكن بطريقة توحي أنها من عجائب الزمن وحاجات لم يسمع بها أحد ولا عرفها قبله. وكان يبدأ الموضوع بطريقة جادة لكي يشد انتباه السامع أو القارى ويجعله يركز في الموضوع، ثم يدخله في حكاية مضحكة ويوهمه أنه في موضوع فائق الأهمية بطريقة تجعله يغرق في الضحك.

وقد كتب باحثون كثر عن ابن سودون وأشعاره، منهم الباحث شوقي ضيف في كتابه "الفكاهة في مصر".[2]

أشعاره

من شعره الفكاهى:

عجب عجب هذا عجب بقرة تمشى ولها ذنبُ
ولها في بزيزها لبن يبدو للناس إذا حُلِب
من أعجب ما في مصر يُرى الكرم يرى فيه العنبُ
والنخيل يرى فيه بلح أيضاً ويرى فيه رطب
أوسيم بها البرسيم كذا في الجيزة قد زرع القصب
والمركب مع ما قد وسقت في البحر بحبل تسحب
والناقة لا منقار لها والوزة ليس لها قتب
لابد لهذا من سبب حزر فزر، ما السبب

وقال في مصر:

إذا ما الفتى في الناس بالعقل قد سما تـيـقـن أن الأرض من فوقها السما
وأن السما من تحتها الأرض لم تزل وبـينهما أشـيا مـتى ظهرت تـُرى
وكم عجب عندي بمصر وغيرها فمصـر بها نيل عـلى الطـين قد جرى
وفي نيلها مـن نـام في الليل بـلّه وليست تبلّ الشمس من نام في الضحى
وتسخن فيها النار في الصيف دائما ويبـرد فيها الماء فـي زمـن الـشتا
وقد يضحك الإنسان أوقات فَرْحه ويـبكي زمـان الحزن فـيها إذا ابتلى

ألف ديواناً سماه فن الخراع ومن أبياته:

الأرض أرضُ والسماء سمــاء والـماء ماء ُوالهواءهواء
والبحر بحر والجبال رواسخُ والنور نور والظلام عماء
والحر ضد البرد قول صادق والصيف صيف والشتاء شتاء

النثر

كنت وأنا صغير بليداً لا أصيب في مقال ولا أفهم ما يقال.. فلما نزل بى المشيب زوجتنى أمى بامرأة كانت أبعد منى ذهناً إلا أنها أكبر منى سناً وما مضت مدة طويلة حتى ولدت.. والتمست منى طعاماً حاراً.. فتناولت الصحفة مكشوفة.. ورجعت إلى المنزل آخذ المكبة.. والمكبة هى غطاء الصحفة.. فنسيت الصحفة.. فلما كنت في السوق تذكرت ذلك فرجعت وأخذت الصحفة ونسيت المكبة.. وصرت كلما أخذت واحدة نسيت الأخرى.. ولم أزل كذلك حتى غربت الشمس فقلت: لا أشترى لها في هذه الليلة شيئاً وأدعها تموت جوعاً.. ثم رجعت إليها وهى تئن وإذا ولدها يستغيث جوعاً.. فتفكرت كيف أربيه.. وتحيرت في ذلك.. ثم خطر ببالى أن الحمامة إذا أفرخت وماتت ذهب زوجها والتقط الحب.. ثم يأتى ويقذفه في فم ابنه وتكون حياته بذلك.. فقلت: لا والله لا أكون أعجز من الحمام، ولا أدع ولدى يذوق كأس الحِمام (الموت).. ثم مضيت وأتيته بجوز ولوز فجعلته في فمى.. ونفخته في فمه فرادى وأزواجاً.. أفواجاً أفواجاً حتى امتلأ جوفه وصار فمه لا يسع شيئاً وصار الجوز واللوز يتناثران من أِشداقه حتى امتلأ فسررت بذلك وقلت: لعله قد استراح.. ثم نظرت إليه وإذا به هو قد مات.. فحسدته على ذلك وقلت: يا بنى إنه قد انحط سعد أمك وسعدك قد ارتفع.. لأنها ماتت جوعاً وأنت مت من الشبع!.. وتركتهما ميتين ومضيت آتيهما بالكفن والحنوط .. ولما رجعت لم أعرف طريق المنزل.. وها أنا في طلبه إلى يومنا هذا…!!!

المصادر

  1. ^ محمود سالم محمد. "ابن سودون (علي ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-05-10.
  2. ^ [ابن سودون، ويكيبيديا المصرية

المراجع

  • ابن سودون، نزهة النفوس ومضحك العبوس، المقدمة، تحقيق محمود سالم محمد (دار سعد الدين، دمشق 2001م).
  • السخاوي، الضوء اللامع (دار مكتبة الحياة، بيروت).
  • الغزي، ديوان الإسلام تحقيق سيد كسروي حسن (دار الكتب العلمية، بيروت 1990م).
  • ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب (دار المسيرة، بيروت 1979).