أحمد التجاني

أحمد التجاني (1737/1150 هـ - 17 شوال 1230 هـ) هو شيخ الطريقة التجانية، القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم الشريف العفيف أبو العباس سيدي أحمد بن الولي الشهير والعالم الكبير الأمام القدوة النبوي الأتباع، أبى عبدا لله، سيدي محمد، الملقب بابن عمر لشدته في دينه، بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن أبى العيد بن سالم بن أحمد الملقب "بالعلواني" بن أحمد بن على بن عبدا لله بن العباس بن عبدالجبار بن إدريس بن اسحق بن على زين العابدين بن احمد بن محمد النفس الزكية بن عبدالله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، من سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها بنت سيد الوجود وقبلة الشهود سيدنارسول الله صلى الله عليه وسلم


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة والدراسة في بيئة مفعمة بالورع والصلاح

ولد سيدي أحمد بن محمد التجاني عام 1737 ميلادية الموافق 1150 هـ بقرية عين ماضي مقر أسلافه المتأخرين. إذ انتقل جده الرابع، سيدي محمد ابن سالم، مع أسرته، من أحواز مدينة أسفي بالمغرب الأقصى إلى بني توجين أو تيجانه، وتزوج منهم وصار أولاده وأحفاده يعرفون بالتجانيين. فهم أخواله رضي الله عنه، غلبت إليه النسبة إليهم. أما نسبه الحقيقي فيرتفع إلى سيدي محمد النفس الركية بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب.

وكانت بلدة عين ماضي على قدر كبير من الأهمية العلمية، ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزا للمعرفة والولاية والصلاح منذ تأسيسها. وكان جل أفراد أسرة شيخنا، الذين يشكلون إحدى مكونات هذه البلدة العلمية، على مستوى رفيع من علمي الظاهر والباطن. وكان آباؤه وأجداده رضي الله عنهم من خيرة العلماء ولهم قدم راسخ في الولاية كجديه سيدي العلامة أحمد بن محمد، و سيدي الشيخ الولي المكين محمد بن سالم, الذي وفد أولا إلى عين ماضي واتخذها موطنا وتزوج من أهلها. وكان أبوه عالما ورعا متبعا للسنة مدرسا ذاكرا متعلقا بالله ولا تأخذه فيه لومة لائم. وكان له بيت في داره، لا يدخله أحد إلا لذكر الله.

نشأ، رضي الله عنه، بين أبويه الصالحين نشأة صالحة يؤدبانه ويلقنانه ويربيانه تربية أمثالهما من أهل البصائر. وكان حيثما يتحرك سيدي أحمد التجاني داخل هذه البلدة يجد نفسه بين أهل العلم والمعرفة وفي رعاية الفقهاء والصلحاء. وإذا خرج إلى المسجد والزاوية صار في رحاب أساتذة وعلماء مجندين لتلقين تلامذتهم ما يفيد ويقرب إلى الله من العلوم الإسلامية. فتربى سيدي أحمد التجاني في عفاف وصيانة وتقي وديانة، أبى النفس عالي الهمة زكى الأخلاق محروسا بالعناية محفوفا بالرعاية. فكان رضي الله عنه لا يعرف ما الناس فيه من العوائد وما نشؤوا عليه من الزوائد. وكان رضي الله عنه ماضي العزم شديد الحزم في أموره كلها.وكان إذا ابتدأ شيئا لا يرجع عنه. وما شرع في أمر قط إلا أتمه. تجنح همته إلى معالي الأمور ولا يرضى بسفسافها.

في ظل هذه الرعاية النموذجية وفى أحضان هذه الأسرة المحبة للعلم والصلاح نشأ سيدي أحمد التجاني كريم الأخلاق مقبلا على الجد والاجتهاد متمسكا بالدين وسنة المهتدين معظما عند الخاصة والعامة. وفى ظل هذه الظروف المطبوعة بالعناية المتميزة حفظ القرآن حفظا جيدا وهو أبن سبع سنوات، من رواية الأمام ورش تلميذ الأمام نافع، على يد الفقيه العلامة المقرئ سيدي محمد بن حمو التجاني الماضوى الذي تتلمذ بدوره في حفظ القرآن وقراءته على شيخه العارف بالله سيدي عيسى بوعكاز الماضوى التجاني. وكان رجلا صالحا مشهورا بالولاية. وبعد أن حفظ القرآن اشتغل سيدي أحمد التجاني بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية حتى رأس فيها وأدرك أسرار معانيها, يستوي عنده في اهتمامه المنقول والمعقول. واستمر في طلب العلم ببلاده حتى بلغ مرتبة أهلته للتدريس والإفتاء قبل أن يرحل رحلته الأولى إلى فاس. ثم ما لبث ، وهو في عين ماضي، أن مال إلى الزهد والانعزال والتأمل، وحبب إليه التعبد وقيام الليل حتى إذا بلغ سن الرشد زوجه والده من غير تراخ اعتناء بشأنه وحفظا وصونا لأمره، ومراعاة للسنة. وصار، رضي الله عنه، يدل على الله وينصح عباده وينصر سنة رسوله ويحيى أمور الدين وقلوب المؤمنين، وصار يضرب المثل به وبداره في إحياء السنة وأتباع المحجة البيضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وحق له أن يسمى محيى الدين ومجدد ما أندرس واضمحل من إيمان المسلمين.

ولعل هذه المؤهلات هي التي جعلت سكان بلدة عين ماضي يوافقون بالإجماع على خلافة والده في رئاسة الزاوية رغم صغر سنه الذي كان يبلغ آنذاك ستة عشرة سنة. وهى المهمة التي مارس خلالها لمدة خمس سنوات تدريس القرآن والسنة وعلوم إسلامية أخرى.


رحلته الأولى إلى فاس، رضي الله عنه، وخروجه إلى الصحراء

لم يكتف سيدي احمد التجاني بالرصيد الفقهي والصوفي الذي حصل عليه بمسقط رأسه في المغرب الأوسط، فشد الرحال إلى مدينة فاس سنة 1758م الموافق 1171هجرية. وفاس هي المدينة الإدريسية ذات الأهمية العلمية والقداسة والرمز التاريخي والشحنة الروحية القوية. غادر سيدي أحمد التجاني عين ماضي، في أول رحلة له إلى مدينة فاس وهو في بداية عقده الثالث. وخلال المدة التي قضاها بها كان يحضر مجالس العلم ويحاور ويساجل كبار علماءها. إلا أن اهتمامه كان يبدو منصبا على الجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر، يشهد على ذلك نوعية الأشخاص الذين التقي بهم وشد الرحال إليهم داخل المدينة وخارجها:

1. التقى في مدينة وزان بالعارف بالله الولي الكبير مولانا الطيب بن سيدي محمد بن مولاي عبدالله بن إبراهيم اليملحي، العلمي الوزاني، القائم آنذاك بأمور الطريقة بالزاوية الوزانية، خلفا لأخيه الشيخ مولانا التهامي الوزاني. وقد كان مولانا الطيب رضي الله عنه ذائع الصيت، تشد إليه الرحال. أذن له مولاي الطيب في تلقين ورده لكن امتنع سيدي أحمد التجاني لاشتغاله بنفسه رضي الله عنه .

2. وفي جبل الزبيب ببني وانجل، تعرف على العارف بالله سيدي محمد بن الحسن الوانجلي. قال لسيدي أحمد التجاني، لما ورد عليه وقبل أن يكلمه، أنك ستدرك مقام القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي، وأشار إليه بالرجوع إلى بلده. واكتفى سيدي أحمد التجاني بالتبرك به دون الأخذ عنه.

3. التقى بمدينة فاس الولي الصالح سيدي عبدالله بن سيدي العربي بن أحمد بن محمد المعني الأندلسي من أولاد معن، وتكلم معه في عدة أمور ودعا له ثلاثا بأن يأخذ الله بيده.

4. أخذ الطريقة الناصرية على الولي الصالح أبى عبدالله سيدي محمد بن عبدالله التزانى، ثم تركها بعد حين.

5. أخذ الطريقة الصديقيه المنسوبة للقطب الشهير آبي العباس سيدي أحمد الحبيب بن محمد الملقب بالغمارى السجلماسي الصديقي، على يد من له الإذن فيها، ثم تركها بعد حين.

6. أخذ عن الولي الصالح الملامتي سيدي أحمد الطواش، نزيل تازة. فلقنه اسما وطلب منه لزوم الخلوة والوحدة مع الذكر والصبر حتى يفتح الله عليه، وأخبره بأنه سينال مقاما عظيما، فلم يساعده سيدنا على ذلك. فطلب منه أن يذكره من غير خلوة، فذكره سيدي أحمد التجاني مدة يسيرة ثم تركها.

7. أخذ الطريقة القادرية بفاس ممن كان له الإذن في ذلك، إلا أن سيدي أحمد التجاني ما لبث أن تخلى عنها.

هذه باختصار شديد هي حصيلة اللقاءات والاتصالات التي أجراها سيدي أحمد التجاني خلال رحلاته المذكورة إلى فاس ونواحيها في المجالين العلمي والروحي قبل العودة إلى الصحراء.

انتقل سيدي أحمد التجاني إلى بلد الأبيض في ناحية الصحراء حيث زاوية الشيخ الصديقي الشهير سيدي عبد القادر بن محمد الأبيض المعروف بسيدي الشيخ. فاختارها منزلا وقرارا وانقطع فيها للعبادة والتدريس والإفادة لمدة خمس سنوات، من أوائل سنة 1181 هجرية. جرد نفسه فيها من العلائق وقطعها عن العوائق وجمع نفسه على الذكر وإعمال الفكر حتى لاحت عليه مبادئ الفتح وبوار قه. وكانت تأتيه الوفود للزيارة والأخذ عنه، فكان يمتنع عن ذلك كل الامتناع ويقول كلنا واحد في الانتفاع، فلا فضل لأحد على الآخر في دعوة المشيخة إلا سوء الابتداع. وقد زار خلال هذه المدة بلدة عين ماضي مسقط رأسه ودار آبائه وأجداده.

حجه، وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم

ومن زاوية الشيخ بالصحراء ارتحل سيدي أحمد التجاني إلى تلمسان، مدينة الجدار، ثم غادرها عام 1772 ميلادية الموافق 1186 هجرية، قاصدا زيارة بيت الله الحرام وقبر نبيه عليه الصلاة السلام. فلما وصل إلى بلاد زواوة، أو ازواوى، سمع بالشيخ الأمام سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري، ذا الصيت الواسع. فزاره وأخذ عنه الطريقة الخلوتية. ولما وصل تونس، في نفس السنة، لقي بعض الأولياء بها، منهم الولي الشهير سيدي عبد الصمد الرحوي. وقد أخبره شيخ هذا الولي، من خلال رسول خاص، بأنه محبوب. مكث سيدي أحمد التجاني سنة، ما بين مدينة تونس العاصمة ومدينة سوسة، فأفتى بها وأجاب على كثير من الأسئلة، ودرس عدة علوم وكتب، في مقدمتها كتاب الحكم. فذاع صيته وبلغ خبره إلى أمير البلاد. فطلب منه الإقامة بالديار التونسية للتدريس والإفادة من علومه، وأعطاه دارا وخصص له أجرة مهمة للعمل. غير أن سيدي أحمد التجاني، الذي كان وجدانه مشدودا إلى ما هو أطهر وأسمى، لما جاءه كتاب الأمير أمسكه وسكت وتهيأ من الغد للسفر بحرا لمصر. وبمجرد وصوله إلى مصر القاهرة، بحرا، التقى بشيخها الأكبر، في ذلك الوقت، سيدي محمد الكردي المصري دارا وقرارا العراقي أصلا ومنشأ، وجرت بينهما مذاكرات. فسأله الشيخ الكردي، بعد أيام، عن مطلبه، فأجابه سيدي أحمد التجاني بأن مطلبه هو الحصول على القطبانية العظمى. فقال له لك أكثر منها.

ومن مصر توجه إلى بيت الله الحرام. وكان وصوله إلى مكة في شهر شوال عام 1773م الموافق 1187 هجرية. فسمع بها بالشيخ أبي العباس سيدي أحمد بن عبدالله الهندي، الذي لم يكن له إذنا بملاقاة أحد. ورغم ذلك أخذ عنه سيدي أحمد التجاني علوما وأسرارا، بواسطة رسول خاص، من غير ملاقاته. وأخبره بما سيؤول إليه أمره وبشره بأنه سيرث أسراره ومواهبه وأنواره. وقبل موته في عشرين ذي الحجة عام 1187 هجرية أعطى سيدي أحمد التجاني سرا كبيرا، وأمره أن يذكره سبعة أيام ويعتزل الناس ليفتح الله عليه، لكن سيدي أحمد التجاني لم يعمل بذلك. وقد أخبره أيضا بأنه سيلتقي بالقطب السمان بالمدينة المنورة، وبشره أيضا بأنه سيبلغ مقام أبى الحسن الشاذلي، كما سبق أن أخبره بذلك سيدي محمد بن الحسن الوانجلي المتقدم ذكره. وبعد أن أكمل شعائر الحج وزيارة قبر جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، توجه إلى لقاء سيدي محمد بن عبد الكريم السمان. وخلال هذا اللقاء طلب من سيدي أحمد التجاني أن يدخل الخلوة عنده لمدة ثلاثة أيام فتعلل له سيدي أحمد التجاني لعذر قام به. وأذن له الشيخ السمان في جميع الأسماء وأخبره بأنه هو القطب الجامع، وبشره بنيل المرام والحصول على الأذن المطلق العام.

العودة من المشرق إلى المغرب والرحلة الثانية إلى فاس

عاد إلى القاهرة مع ركب الحجيج. وبمجرد وصوله ذهب لزيارة الشيخ الكردي والسلام عليه، تأدبا. فرحب به وطلب منه أن يعود لزيارته كل يوم. فامتثل لرغبته. وتطور هذا اللقاء اليومي بينهما إلى جلسات علمية ومناظرات. فكان الكثير من الحاضرين يطرحون خلالها ما أشكل عليهم من المسائل والقضايا، فكان يجيب عليها بكل كفاءة واقتدار. فذاع صيته بمصر، ووفد عليه الكثير من العلماء للاستفادة من علومه الغزيرة. ثم أذن له الشيخ محمد الكردي في الطريقة الخلوتية والتربية الروحية، فامتنع سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه. فقال له لقن الناس والضمان على. فقال له نعم. فكتب له الإجازة وسند الطريق.

عاد إلى تونس، ولم يمكث بها طويلا، وارتحل إلى تلمسان عام 1774 ميلادية، الموافق 1188هجرية. فقضى فيها حوالي ثلاث سنوات في العبادة والمجاهدة والدلالة على الله. وفي سنة في 1777 ميلادية، الموافق 1191هجرية عاد سيدي أحمد التجاني ثانية من تلمسان إلى فاس، قاصدا زيارة مولاي إدريس الأزهر. والتقى في هذه الرحلة بكاتبه وخازن أسراره سيدي محمد بن المشرى الحسنى السباعي السائحي التكرتى الدار. ومنذ التقائه به صار يؤم به الصلاة وبأهله، ويقوم مقامه في كتابة الأجوبة حتى سنة 1208 هجرية، الموافق 1794م، وهي السنة التي بدأ فيها سيدي أحمد التجاني القيام بالإمامة بنفسه امتثالا لأمر جده عليه الصلاة والسلام. وفى مدينة وجدة وهو قافلا إلى فاس التقى بسيدي علي حرازم برادة الفاسي لأول مرة، فتوجها معا إلى مدينة فاس. قال سيدي على حرازم برادة عن هذا اللقاء "كنت قد رأيت قبل هذا الوقت بعامين رؤيا تدل على صحبته والأخذ عنه. فبعد يومين أو ثلاثة تعرف إلى وذكر لي هذه الرؤيا بعينها وقد كنت نسيتها". خلال هذا اللقاء لقنه الطريقة الخلوتية وأسرارا وعلوما وأخبره بما يؤول إليه أمره من الفتح والتمكين. وبذلك يكون سيدي أحمد التجاني قد لقن هذه الطريقة أول ما لقنها لسيدي محمد بن المشرى وعلي حرازم برادة. وقد كانا عند حسن ظنه للتفاني الذي أظهراه في خدمة انتشار تعاليم الطريقة. وبعد زيارة ضريح مولاي إدريس أخبر خليفته علي حرازم برادة بأنه عازم على العودة إلى تلمسان، فودع خليفته في نفس السنة التي وصل فيها إلى فاس وطلب منه ملازمة العهد والمحبة وصدق التوجه الله.

مكث سيدي أحمد التجاني في تلمسان مدة ثم غادرها إلى قصر الشلالة وأبي سمغون، حيث ضريح الولي الصالح الذي سمي القصر باسمه.


إدراك الولاية والقطبانية بأبي سمغون بفضل العناية المحمدية

حل سيدي أحمد التجاني بقصر أبي سمغون سنة 1781/2 ميلادية، الموافق 1196هجرية وبه حصل له الفتح الأكبر والولاية العظمى التي صبر وصابر من أجل الوصول إليها. ويلاحظ أنه قبل حصول هذا الفتح تغيب عن قرية أبي سمغون مرتين لفترتين قصيرتين. فقد توجه في المرة الأولى إلى توات لزيارة العارف بالله سيدي محمد بن الفضيل، وهو من أهل تكورارين في توات الغربية. فأخذ كل واحد منهما عن الآخر بعض أسرار الطريق. أما في المرة الثانية فقد توجه إلى مدينة تازة. وبها التقى بصاحبه وتلميذه العارف بالله سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي، الذي كان يقوم بدور الوساطة في الأجوبة التي كان ينقلها له من الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر. إذ أنه عندما كان يجتمع به لم يكن يقوى على سؤاله مباشرة، تأدبا مع الحضرة الشريفة.

حصل لسيدي أحمد التجاني الفتح الأكبر بأبي سمغون منذ السنة الأولى التي أقام بها بعد رحيله من تلمسان عام 1196هجرية. فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، يقظة لا مناما، بتربية الخلق على العموم والإطلاق، بعد أن كان فارا منهم. وعين له الورد الذي يلقنه، وهو مائة من الاستغفار ومائة من الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم. وأذن له صلى الله عليه وسلم بتلقينه لكل من رغب فيه من المسلمين والمسلمات، بعد تحديد الشروط والتزام المريد بها. وفي رأس المائة عام 1200هجرية كمل له، صلى الله عليه وسلم، في الورد اللازم مائة من الكلمة المشرفة لا إله إلا الله.

وأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه مربيه وكافله، وأنه لا يصله شيء من الله إلا على يديه وبواسطته، ولا منة لأحد من شيوخ الطرق عليه "فأنا واسطتك وممدك على التحقيق... فاترك عنك جميع ما أخذت من جميع الطرق والزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة واترك عنك جميع الأولياء". وعملا بهذا الأمر المحمدي ترك سيدي أحمد التجاني جميع الطرق ولم يعد يطلب أي شيء من الأولياء. وهذا يدل على أهمية مرتبة الشيخ التجاني عند الله ورسوله كما أخبره بذلك سيد الوجود، لأن فتحه ووصوله كان على يديه صلى الله عليه وسلم. ومن كان فتحه وصوله على يديه كان أرفع قدرا وأعظم شأنا، كما هو معلوم عند أهل الطرق. ومنذ وقوع هذا الفتح والفيض بدأ يتكاثر على شيخنا ورود الأنوار والأسرار والترقيات في أبي سمغون والشلالة. وما أن اشتهر أمره وذاع خبره بين الناس حتى شرعت تتوافد عليه أعداد كثيرة من الخلق بغية الأخذ عنه والانتماء إليه والاستزادة مما كان يمدهم به في الحس والمعنى.

ثم انتقل من أبى سمغون, من بلاد الصحراء، في السابع عشر من ربيع الأول سنة 1213 هجرية، ودخل فاس في السادس من ربيع الثاني في العام نفسه, يرافقه خليفته سيدى على حرازم برادة.

وبعد أن ركز سيدي أحمد التجاني أسس الزاوية استمر في نشر الطريقة والأذن في الأوراد. فانطلقت الطريقة التجانية لتعم المغرب الأقصى بكاملها والصحراء والسودان الغربي. وقد برز سيدي أحمد التجاني شيخا عارفا بالله كرس حياته للتربية الروحية والأخذ بيد السالكين لترقيتهم إلى أعلى درجات القرب، خصوصا بعد هجرته إلى فاس للإقامة بها بصفة نهائية إلى لقي ربه في صبح يوم الخميس 17 شوال 1230 هـ، وله يومئذ ثمانون سنة، ودفن في فاس، رضي الله عنه وأرضاه.

لقد جمع إمامنا التجاني بين علو الهمة وحفظ الحرمة ونفوذ العزم. عمل في بدايته على تصحيح التوبة بشروطها، وحفظ الشريعة وحدودها. ونفى أرادته وقطع عن نفسه الحظوظ والعلائق، وانقطع إلى الله بمراعاة حقه، فانكشفت له الحقائق. عمل على نفى الرخص والتأولات، وشمر عن ساعد الجد، وكف نفسه عما لا يعنيه، وتمسك بالكتاب والسنة وما درج عليه سالف الأمة، وتوجه بكليته إلى مولاه، فكفاه عما سواه. أسس بنيانه أولا باشتغاله بعلم الحديث والقرآن، وتبحر في غرائب العلوم ودقائق الفهوم.

كان الشيخ رضي الله عنه من أعظم الأئمة في ممن أجمع العلماء على تعظيمه وتوقيره واحترامه من غير مدافع ولا منازع من أرباب الصدق، واليه انتهت رئاسة هذا الشأن في تربية السالكين وتهذيب المريدين. ولم يكن أحد قد بلغ ما بلغ. فهو، رضي الله عنه، شريف الخلاق، لطيف الصفات، كامل الأدب، جليل القدر، وافر العقل، دائم البشر، مخفوض الجناح، كثير التواضع، شديد الحياء، متبع أحكام الشرع وآداب السنة، محبا لأهل الصلاح والفضل، مكرما لأرباب العلم.

روابط خارجية

[atijania.online.fr]

[1]