علم الدين (كتاب)

(تم التحويل من علم الدين)
علم الدين
المؤلفعلي باشا مبارك
الناشر
الإصدار1882

علم الدين، كتاب من تأليف علي باشا مبارك عام 1882.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الملخص

قسم علي مبارك «علم الدين» الى فصول سماها «مسامرات»، على اعتبار ان كل ما «يروى» لنا في الكتاب انما يروى من طريق محاورات (مسامرات) تدور بين الشيخ المصري المرتحل الى أوروبا، وفرنسا تحديداً، و «الخواجا» الانكليزي الذي صادف أن رافقه في سفره. وقد بلغ عدد المسامرات 125 مسامرة تكفي عناوينها لإقناعنا بأن الغاية الأساسية منها تعليمية، إذ إن كل مسامرة عنونت بحسب الموضوع الذي تناولته، ومعظم هذه المواضيع موسوعي يتناول شؤون الكون والمخلوقات والأخلاق والعادات والشعوب، والفوارق بين الشرق والغرب، حيث إن المواضيع تتنقل، بحسب ما تفرض مصادفة الحديث بين الرجلين، وأحياناً في مفاضلة بينهما، وفي أحيان أخرى عبر رغبة كل منهما في أن يتعلم من الآخر. وتقطع هذه المسامرات، فصول يصوّر فيها الكاتب وصول بطله «علم الدين» الى الأماكن التي يقصدها، ومشاهداته في تلك الأماكن، ورصده حياة البشر، في شكل يذكّر الى حد كبير بكتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» الذي كان الطهطاوي اصدره قبل ذلك بنحو أربعين سنة. هذه المسامرات تمتد، كما يمكننا ان نتصور، على مئات الصفحات وتشمل، كما أشرنا، الكثير من المعارف، التي يقول لنا علي مبارك انه استقاها أصلاً من عشرات الكتب والمراجع، غير أن ثمة في الكتاب فصولاً، من الواضح انها تنطلق من نفس روائي سردي أكيد كما هو الحال، مثلاً، في «حكاية يعقوب» التي تمتد على مسامرات عدة، وتبدو في الأحوال والمغامرات التي ترصدها أشبه بـ «ألف ليلة وليلة»، أو في معظم فقرات المسامرة المعنونة «البركة في الحركة»، أو تلك المعنونة «نزهة في باريس»، أو «حكاية يعقوب وأخته»... وغيرها.

غير ان هذا الجانب ليس وحده المسيطر على الكتاب. فمن الواضح، في الفصول كلها وعبر الحوارات، ان الكاتب، إذ جعلها تدور بين عربي وأجانب (الانكليزي وغيره)، انما توخّى أن يرسم صورة مقارنة للحضارتين، وغايته الأساسية، أن يفيد أبناء وطنه، وأن يوجه سهام انتقاده من ناحية، وأن يدعو الى تبني الجديد من ناحية ثانية، ويبدو هذا واضحاً من خلال نظرته الهادئة الى كل جديد يراه في هذه الديار التي يزورها، والذي يجد أن تبني أبناء وطنه له، قد يكون مفيداً لهم. وهذا ما يبدو واضحاً في حديثه عن المسرح الباريسي وعن فن الغناء، وعن الآداب والفنون في شكل عام، وعن العطل والميسر ونظام المستشفيات واستخدام الاختراعات الحديثة والمصارف والمعاملات المصرفية والتبغ والبن، وقضايا اجتماعية مثل «تعدد الزوجات»، و «ذم الدنيا ومدحها»... الخ.

هذا كله، كما قلنا، يجعل لـ «علم الدين» فرادته في الفكر العربي، وما يزيد من هذه الفرادة أن علي مبارك، لا يبدو مبهوراً أمام ما يراه في الغرب، بل ينظر اليه نظرة متفحصة نفعية، ويقرر الموقف منه بعد تأنٍ وحسابات دقيقة، هو الذي يقول «انني التزمت، في كل ما تقلدت من الأعمال، وجميع ما تقلبت فيه من الأحوال، أن أخدم وطني بكل ما نالته يدي وبلغه إمكاني، مما أراه يعود عليه بالفائدة والنفع، قلّ أو جلّ».


تقييم الكتاب

بالنسبة الى مؤرخي الأدب العربي، غالباً ما تعتبر رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، الرواية العربية الأولى، تنافسها في ذلك أعمال تحمل تواقيع شحادة عبيد أو غيره. وهذه الأعمال كلها، اضافة الى «زينب» وضعت عند بدايات القرن العشرين، ما يعني ان هذا القرن شهد ولادة الرواية العربية. غير ان قراءة متأنية لكتاب «علم الدين» للمفكر النهضوي المصري علي مبارك، وهو نشر للمرة الأولى في عام 1882، كفيلة بأن تقول لنا ان هذا الكتاب بدوره عمل روائي، وإنه سابق على «زينب» وأخواتها. والقائلون بهذا يعتبرون، بالتالي، علي مبارك رائد الكتابة الروائية العربية. ولكن حتى هنا ثمة من لا يوافق، إذ يعتبر، مثلاً، ان «رواية» «حديث عيسى بن هشام» للمويلحي سبقت «علم الدين» بنحو عقد من الزمن كما ان ثمة أعمالاً كثيرة تعتبر في شكل او في آخر سبّاقة سواء كانت صدرت في القاهرة او بيروت او غيرهما من عواصم الإبداع العربي الحديث في ذلك الحين. والحال، انه مهما كان من شأن هوية صاحب «الفضل الأول» في ايجاد الفن الروائي العربي الحديث، تظل لـ «علم الدين» مكانة أساسية: فالكتاب هو، في الوقت نفسه، كتاب سفر، ورواية، وكتاب في المعارف الموسوعية وكتاب في التربية. وهذا كله يجعل منه عملاً فريداً في المكتبة العربية، عملاً ينتمي الى الفكر النهضوي والتنويري بامتياز. ومن الواضح ان قراءة مئات الصفحات التي يتألف منها هذا الكتاب تضعنا في صلب المسألة الحضارية، ذلك ان علي مبارك، وكما يقول هو نفسه، في مقدمة كتابه، وضع هذا الكتاب انطلاقاً من ملاحظته ان «النفوس كثيراً ما تميل الى السير والقصص وملح الكلام، بخلاف الفنون البحتة والعلوم المحضة، فقد تعرض عنها في كثير من الأحيان، لا سيما عند السآمة والملال من كثرة الاشتغال وفي أوقات عدم خلو البال. فحداني هذا أيام نظارتي لديوان المعارف الى عمل كتاب أضمّنه كثيراً من الفوائد في اسلوب حكاية لطيفة، ينشط فيها الناظر الى مطالعتها، ويرغب فيها رغبته في ما كان من هذا القبيل، فيجد في طريقه تلك الفوائد ينالها عفواً بلا عناء، حرصاً على تعميم الفائدة وبث المنفعة».

إذاً، منذ البداية يخبرنا علي مبارك ان غايته لم تكن وضع رواية خالصة تعبّر عن نفسه كما هو حال أية رواية مع مؤلفها، بل عرض «الفوائد والمعارف والملح»، معتبراً ان خير وسيلة لذلك إيرادها في قالب روائي. ويرى د. محمد عمارة الذي كان من أوائل الذين حققوا «علم الدين» ونشروه، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ضمن اعادة نشره لأعمال علي مبارك الكاملة والتعريف بهذا المفكر النهضوي الفذ، يرى «أن «علم الدين» لا تقف، في التصنيف عند حد كونها كتاباً موسوعياً في أدب الرحلات، لأنها قد اتخذت من الأسلوب الروائي نمطاً تعبيرياً عن الأغراض التي أراد صاحبها التعبير عنها. فهي إذاً، رواية تعليمية، دخلت بأدبنا العربي الحديث ميداناً جديداً عليه، هو ميدان التأليف الروائي».

المؤلف

ولد علي مبارك في عام 1824 في قرية برنبال في محافظة الدقهلية في مصر، ودرس العربية في قريته ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، وكان في الحادية والعشرين حين أرسل في بعثة تعليمية الى باريس، حيث درس فنون الاستحكامات العسكرية والبحرية. وكان لإقامته في فرنسا أثر كبير في حياته، ما حوّله الى رجل نهضة وحداثة. وهو حين عاد الى مصر تقلّب في الوظائف العسكرية وشارك في الحرب الروسية - التركية. ثم صار ناظراً للأوقاف ثم وزيراً للمعارف والأشغال العامة، واستقال حين حدثت حركة أحمد عرابي. وهو خلال حياته العملية وضع عدداً من المؤلفات أبرزها: «الخطط التوفيقية»، و «جغرافية مصر» الى جانب «علم الدين». وكانت وفاته العام 1893 في المنوفية. وبقي ان نذكر هنا للمناسبة ان السينما والتلفزة المصريتين اهتمتا خلال السنوات الفائتة بعلي مبارك وسيرة حياته وأفكاره فحققتا عنه أعمالاً كثيرة روائية وتسجيلية لعل من افضلها الوثائقي الذي حققه الزميل الناقد صلاح هاشم ولا يزال يسعى الى إنجاز تكملة له، علماً أن «علم الدين» يمكن ان يولّد منها اعمالاً تلفزيونية بالغة الاهمية لو قيّض لها من يهتم بأمرها.

المصادر

  • ابراهيم العريس (2010-11-24). "«علم الدين» لعلي مبارك: الرواية طريقاً الى العصور الحديثة". جريدة الحياة اللبنانية.