شلل

الشلل
التخصصعلم الأعصاب، الطب النفسي، جراحة الأعصاب

الشلل paralysis، palsy أو الخَزَل paresis، هو اضطراب حركي، يتصف بفقدان القوة power، وتعرّف القوة سريرياً بأنها المقاومة الإرادية الفاعلة active voluntary resistance التي يستطيع شخص ما أن يبذلها ضد حركة قسرية passive movement، كأن يقوم الفاحص بثني ساعد المريض على العضد، في حين يقاوم المريض تلك الحركة، باذلاً ما يناسبها من جهد إرادي في باسطات العضد، على سبيل المثال.

قد يكون فقدان القوة كاملاً، وهذا هو الشلل، وقد يكون جزئياً، فيُعرَف حينئذ بالخَزَل. وقد يكون الشلل حركياً صرفاً غالباً، وقد يترافق بمظاهر سريرية أخرى أحياناً، كاضطراب الحس على سبيل المثال. ويعتمد المشهد السريري على مكان الأذية ضمن الجملة العصبية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاختلافات

تطلق أسماء خاصة على الشلل أو الخَزَل، حسب توزعه في الجسم. فاللقوة facial palsy هي شلل شق الوجه. والفالج hemiplegia هو شلل شق الجسم، ويشمل الجانب الموافق من الوجه. أما شلل شق البدن مع الجانب المقابل من الوجه فيعرف بالشلل المتصالب crossed hemiplegia.

ويدعى شلل طرف واحد فقط بالشلل الأحادي monoplegia، ويقال عن شلل الطرفين السفليين أنه شلل نصفي سفلي paraplegia، وعن شلل الأطراف الأربعة أنه شلل رباعي tetraplegia. ويطلق الشلل الثنائي diplegia على شلل قطعتين متقابلتين من الجسم، كالشلل في جانبي الوجه، أو في الطرفين العلويين أو السفليين، سواء كان الشلل في أحدهما مشابهاً لنظيره في الجانب المقابل من حيث الشدة والتوزع، أو كان غير ذلك.

أما الشلل الدماغي cerebral palsy فهو مجموعة من الأذيات الدماغية الولادية congenital، تتصف كلها بوجود اضطراب حركي غير مترقٍ غالباً، يتظاهر من سن الرضاع infancy أو الطفولة الباكرة. وقد يترافق بنوب اختلاجية أو اضطراب فكري، ينجم هذا النموذج من الشلل عن علل وراثية أو مكتسبة، إما داخل الرحم أو في أثناء الولادة أو في خلال الشهر الأول بعدها. وقد يتخذ الشلل الدماغي أشكالاً متعددة منها داء ليتل Little‘s Disease (الذي يعرف بالشلل الدماغي المزدوج التشنجي cerebral spastic diplegia) والفالج الطفلي infantile hemiplegia، والشلل الرباعي quadraplegia، والرقص الكنعي الولادي congenital choresathetosis، والآتاكسيا الولادية congenital ataxia، والشلل الدماغي المزدوج الرخو cerebral atonic diplegia، وغيرها.


النماذج السريرية للشلل

الشلل هو مظهر سريري لأدواء عصبية مختلفة تشمل الإصابات الوعائية والرضية والورمية والخمجية والالتهابية والاستقلابية وسواها. ويكون من أحد نموذجين سريريين رئيسيين غالباً.

يتصف النموذج الأول بإصابة النوى المحركة في قشرة المخ cortical motor nuclei وامتداد محاويرها axons في جذع الدماغ والحبل الشوكي spinal cord. ويعرف أيضاً بأسماء مختلفة، كالشلل المركزي central paralysis وشلل العصبونة المحركة العلوية upper motor neuron وشلل السبيل القشري الشوكي corticospinal tract والشلل التشنجي spastic paralysis.

يتصف هذا النموذج بشلل الحركة الإرادية voluntary movement، وخاصة الدقيقة منها، كشلل حركة الأنامل، وبزيادة المقوية العضلية tone فتصبح تشنجية spastic، وتشتد منعكسات الشد العضلي myotatic reflexes (المعروفة خطأً بالمنعكسات الوترية tendon reflexes)، ويصبح المنعكس الأخمصي plantar reflex بالانبساط extensor. وهذا هو منعكس بابنسكي Babinski‘s reflex.

أما النموذج الرئيس الآخر للشلل فهو الذي ينجم عن إصابة في الجملة العصبية المحيطية peripheral nervous system، والذي يحدث بإصابة العصبونات المحركة للأزواج القحفية في جذع الدماغ

والأعصاب الشوكية في القرون الأمامية في الحبل الشوكي anterior horns of the spinal .3 cord.

كما أنه يحدث بأذية محاوير تلك العصبونات التي تتشكل منها الأعصاب المحيطية. وتقع هذه العصبونات تحت إمرة العصبونات المحركة العلوية المسؤولة عن أداء الحركات الإرادية، في حين تقوم العصبونات المحركة السفلية بالسيطرة على عضلات بعينها. ومن هنا كان الاختلاف بين هذين النموذجين من الشلل: شلل الحركة الإراديةparalysis of voluntary movement وشلل العضل paralysis of muscle. إذ يؤدي شلل الحركة الإرادية إلى شلل في مجموعات مختلفة من العضل قد تعصبها أعصاب مختلفة، تتشارك في أداء حركات ما. ولا تتأثر فيه الحركات الانعكاسية reflex movements.

وعلى نمط مغاير فقد يؤدي شلل العضل إلى إصابة مجموعة واحدة منها، يعصبها جذر عصبي أو عصب محيطي، وتزول فيه جميع أنواع الحركات، من إرادية وغير إرادية وانعكاسية.

يعرف شلل العصبونة المحركة السفلية lower motor neuron بأسماء مختلفة، إذ قد يطلق عليه الشلل المحيطي peripheral paralysis، والشلل الرخو flaccid paralysis أيضاً.

هناك نموذجان آخران من الشلل يشبهان نظيرهما بإصابة العصبونة المحركة السفلية، ولكنه أقل مصادفة. أحدهما بإصابة الوصل العصبي العضلي neuromuscular junction، كالانسمام بمركبات الفسفور العضوي organophosphate poisoning أو الانسمام الوشيقي botulism. أما الآخر، فينجم عن إصابة العضلات ذاتها، شأن الحال في حثل العضل muscular dystrophies أو اعتلالها myopathies. ولا مجال للتفصيل فيها.

وأخيراً، فقد يدعو بعضهم داء بركنسون Parkinson‘s disease بالشلل الرعشي paralysis agitans (أو shaking palsy، حسب ما دعاه بركنسون نفسه)، ويؤدي هذا إلى قلة الحركة العفوية، وبطء الحركة الإرادية، إلا أنه لا يسبب شللاً بالمعنى السريري المذكور.

العلاج

تعتمد المعالجة والإنذار على سبب الإصابة وشدتها. فمنها ما يكون حاد البدء، قد يشفى شفاء تاماً غالباً، كمعظم حالات اللقوة المحيطية (المعروفة بشلل بل Bell’s Palsy)، ومنها ما يشفى شفاء جزئياً تاركاً عقابيل قد تكون خفيفة أو شديدة، ومنها ما لا تتحسن حالة المصاب به، كالقطع التام للحبل الشوكي على سبيل المثال. قد تكون الإصابة مترقية، ذات بدء مخاتل، فتزداد الحالة سوءاً من خزل إلى شلل يقعد العليل أو يقضي عليه.


علاجات حديثة

الغرسات الدماغية على رأس جيرت-يان أوسكام.
جيرت-يان أوسكام يمشي مجددا بعد علاجه بالغرسة المخية، مايو 2023.


عام 2011 تعرض جيرت-يان أوسكام تعرض لحادث دراجة نارية في الصين أصابه بالشلل من الوركين إلى أسفل. حالياً، مع مجموعة من الأجهزة، منحه العلماء السيطرة على الجزء السفلي من جسده مرة أخرى. قال أوسكام في تصريح صحفي: "على مدى 12 عامًا، كنت أحاول استعادة قدمي. لقد تعلمت الآن كيفية المشي بشكل طبيعي".

في دراسة نُشرت يوم الأربعاء في مجلة ناتشر، وصف باحثون في سويسرا عمليات زرع توفر "جسرًا رقميًا" بين مخ أوسكام وحبله الشوكي، متجاوزًا الأجزاء المصابة. سمح هذا الاكتشاف للسيد أوسكام، 40 عامًا، بالوقوف والمشي والصعود على منحدر شديد الانحدار بمساعدة المشاة فقط. بعد مرور أكثر من عام على إدخال الغرسة، احتفظ بهذه القدرات وأظهر بالفعل علامات الشفاء العصبي، والمشي باستخدام العكازات حتى عندما تم إيقاف المزروعة.[1]

بحسب جريجوار كورتين، إخصائي الحبل الشوكي في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان: "لقد استوعبنا أفكار جيرت-جان، وترجمنا هذه الأفكار إلى تحفيز للحبل الشوكي لإعادة تأسيس الحركة الإرادية". أضافت جوسلين بلوخ، عالمة الأعصاب في جامعة لوزان التي وضعت الغرسة في مخ السيد أوسكام، "لقد كان خيالًا علميًا في البداية بالنسبة لي، لكنه أصبح حقيقيًا اليوم".

كان هناك عدد من التطورات في العلاج التكنولوجي لإصابات الحبل الشوكي في العقود الأخيرة. عام 2016، تمكنت مجموعة من العلماء بقيادة الدكتور كورتين من استعادة القدرة على المشي في القرود المشلولة، وساعد آخر رجلًا على استعادة السيطرة على يده المشلولة. عام 2018، ابتكرت مجموعة مختلفة من العلماء، بقيادة الدكتور كورتين أيضًا، طريقة لتحفيز المخ باستخدام مولدات النبضات الكهربائية، مما يسمح للمصابين بالشلل الجزئي بالمشي وركوب الدراجات مرة أخرى. عام 2022، سمحت إجراءات تحفيز المخ الأكثر تقدمًا للأشخاص المصابين بالشلل بالسباحة والمشي وركوب الدراجة في غضون يوم واحد من العلاج.

خضع السيد أوسكام لإجراءات تحفيز في السنوات السابقة، واستعاد بعض القدرة على المشي، ولكن في النهاية توقف تحسنه. في المؤتمر الصحفي، قال السيد أوسكام إن تقنيات التحفيز هذه تركته يشعر بأن هناك شيئًا غريبًا في الحركة، مسافة غريبة بين عقله وجسده. لقد غيرت الواجهة الجديدة هذا، حيث قال: "كان التحفيز من قبل يسيطر علي، والآن أنا أتحكم في التحفيز."

في الدراسة الجديدة، استفادت واجهة المخ-العمود الفقري، كما أسماها الباحثون، من وحدة فك ترميز الذكاء الاصطناعي لقراءة مقاصد السيد أوسكام - يمكن اكتشافها كإشارات كهربائية في مخه- ومطابقتها مع حركات العضلات. تم الحفاظ على مسببات الحركة الطبيعية، من الفكر إلى النية إلى الفعل. الإضافة الوحيدة، كما وصفها الدكتور كورتين، كانت الجسر الرقمي الذي يمتد على الأجزاء المصابة من العمود الفقري.

قال أندرو جاكسون، عالم الأعصاب في جامعة نيوكاسل، الذي لم يشارك في الدراسة: "إنها تثير أسئلة مثيرة للاهتمام حول الاستقلالية، ومصدر الأوامر. أنت تواصل طمس الحدود الفلسفية بين ما هو المخ وما هي التكنولوجيا ".

وأضاف الدكتور جاكسون أن العلماء في هذا المجال كانوا ينظّرون حول ربط المخ بمحفزات الحبل الشوكي لعقود من الزمن، لكن هذا يمثل المرة الأولى التي يحققون فيها مثل هذا النجاح في مريض بشري. قال: "من السهل القول، إن القيام بذلك أصعب بكثير".

لتحقيق هذه النتيجة، قام الباحثون أولاً بزرع أقطاب كهربائية في جمجمة السيد أوسكام وعموده الفقري. ثم استخدم الفريق برنامج التعلم الآلي لملاحظة أي أجزاء من المخ تضيء أثناء محاولته تحريك أجزاء مختلفة من جسده. كان مفكك الشفرة هذا قادرًا على مطابقة نشاط أقطاب كهربائية معينة بنوايا معينة: أضاء أحد التكوين كلما حاول السيد أوسكام تحريك كاحليه، وآخر عندما حاول تحريك وركيه.

ثم استخدم الباحثون خوارزمية أخرى لربط غرسة المخ بالعمود الفقري، والتي تم تعيينها لإرسال إشارات كهربائية إلى أجزاء مختلفة من جسده، مما يؤدي إلى الحركة. كانت الخوارزمية قادرة على حساب الاختلافات الطفيفة في اتجاه وسرعة كل تقلص واسترخاء عضلي. ولأن الإشارات بين المخ والعمود الفقري تُرسل كل 300 مللي ثانية، يمكن للسيد أوسكام تعديل استراتيجيته بسرعة بناءً على ما كان يعمل وما لم يكن كذلك. خلال جلسة العلاج الأولى يمكنه أن يلف عضلات وركه.

على مدى الأشهر القليلة التالية، صقل الباحثون واجهة المخ-العمود الفقري لتناسب بشكل أفضل الإجراءات الأساسية مثل المشي والوقوف. اكتسب السيد أوسكام مشية صحية إلى حد ما وتمكن من اجتياز الدرجات والمنحدرات بسهولة نسبية، حتى بعد شهور دون علاج. علاوة على ذلك، بعد عام من العلاج، بدأ يلاحظ تحسنًا واضحًا في حركته دون مساعدة من واجهة المخ-العمود الفقري. وثق الباحثون هذه التحسينات في اختبارات تحمل الوزن، والتوازن والمشي.

الآن، يمكن للسيد أوسكام أن يمشي بطريقة محدودة حول منزله، والصعود إلى السيارة والنزول منها والوقوف في البار لتناول مشروب. قال لأول مرة إنه يشعر وكأنه الشخص المسيطر.

أقر الباحثون بوجود قيود في عملهم. من الصعب التمييز بين النوايا الدقيقة في المخ، وعلى الرغم من أن واجهة المخ-العمود الفقري الحالية مناسبة للمشي، إلا أنه ربما لا يمكن قول الشيء نفسه لاستعادة حركة الجزء العلوي من الجسم. يعتبر العلاج أيضًا غازيًا، ويتطلب عمليات جراحية متعددة وساعات من العلاج الطبيعي. النظام الحالي لا يعالج كل شلل الحبل الشوكي.

لكن الفريق كان يأمل في أن تؤدي التطورات الإضافية إلى جعل العلاج أكثر سهولة وفعالية بشكل منهجي. قال الدكتور كورتين: "هذا هو هدفنا الحقيقي، لجعل هذه التكنولوجيا متاحة في جميع أنحاء العالم لجميع المرضى الذين يحتاجون إليها."


انظر أيضاً


مرئيات

الغرسات الدماغية في علاج الشلل.

المصادر


  1. ^ "A Paralyzed Man Can Walk Naturally Again With Brain and Spine Implants". نيويورك تايمز. 2023-05-24. Retrieved 2023-05-24.