الخليفة شريف

الخليفة شريف هو محمد شريف حامد،

يمت للإمام محمد أحمد المهدي السوداني (1840م- 1885م)بصلة قرابة وثيقة، فهو ابن عمه، وزوج ابنته زينب، وقد قلده المهدي منصب الخليفة الثالث له، وقال إنه منه بمنزلة علي ابن ابي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم. وأسرة المهدي، والخليفة شريف، هي أسرة تعود في نسبها إلى آل البيت رضي الله عنهم، هاجرت من الحجاز إلى صعيد مصر، ثم هاجرت إلى شمال السودان قبل 300 عام من انطلاق ثورة المهدي في السودان في 1881م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مشاركاته

التحق الخليفة شريف بالحركة المهدية منذ صباه الباكر، في الثامنة عشر من عمره، وقد شهد مع الإمام المهدي كل معاركه الباكرة، بدءاً بمعركة الجزيرة أبا، في العام 1881م، والتي ألحقت بها قوات المهدي هزيمة ساحقة بقوات المحتل التركي/المصري (أسرة محمد علي باشا) وشارك في المعاركة التالية، في شيكان والأبيض، وفي معركة تحرير الخرطوم 1885م. وكان صاحب راية وجند في هذه المعارك، وكانت رايته حمراء اللواء ويقاتل تحتها، قبائل الشمال السوداني العربيةوالسادة الأشراف بالإضافة لقبيلة الدناقلة ذات الأصول النوبية.


خلافه مع الخليفة عبد الله التعايشي

قبيل وفاة المهدي في 1885م، وفي الجمعة الأخيرة التي شهدها في الدنيا، صعد المهدي منبر مسجده، وأكد خلافة عبد الله التعايشي له، كما أشار للمتاعب التي سببها له أهله الأشراف. ولكن ذلك لم يمنع الأشراف من تشديد الخناق على الخليفة عبد الله، ومحاولة عزله. وقد رفض الخليفة شريف مبايعة الخليفة لستة شهور كاملات، ولكن السيد أحمد شرفي ، كبير الأشراف، بايع الخليفة عبد الله التعايشي. بعد اعتلاء الخليفة التعايشي، سدة الحكم في السودان وتفصي القبائل الشمالية الكبرى منه، وتزعم الخليفة شريف لموكب الرافضين لهيمنة أهل التعايشي على الحكم، ولأن ( الخليفة وأخاه يعقوب كانا يبعدانهم عن كل المناصب ذات المسؤولية في الدولة، كما شاهدوا كيف قرب الخليفة ذوي قرابته وأقصاهم عن الحكم )، قام الأشراف ومؤيدوهم صبيحة 23 نوفمبر 1891 م بانتفاضة على التعايشي، انتهت بصلح، نقضه الخليفة التعايشي ( بعد عشرين يوما على الاتفاقية ألقى الخليفة عبد الله القبض على زعماء الأشراف ..ونفاهم الي جنوب السودان ثم ما لبث أن أمر بإعدامهم ونفذ فيهم حكم الإعدام . أصبح الخليفة شريف وحيدا لا أنصار حوله، ولم يسطع أن يصبر على قتل ذويه وأنصاره، فانقطع عن مجلس الخليفة كما رفض حضور الصلاة معه، فسيق إلى المحاكمة بأمر الخليفة عبد الله وأمر القضاة وكبار رجال الدولة في المجلس .. وزجه – التعايشي- في السجن في 2 مارس 1892م جرد التعايشي الخليفة شريف من رايته التي عقدها له المهدي، ظل يقاتل تحتها منذ أن رفعت للمهدية راية، لم يقر الأمر للخليفة وأهله حتى دهمت القوات البريطاني الغازية السودان وتساقطت المدن، واحدة تلو الأخرى، حتى شارف البريطانيين أم درمان، ورجل العقيدة الذي تربى في حنايا الدعوة الإسلامية المجاهدة، لا تطيب نفسه بمنظر الغزاة يجوسون خلال الديار ناهيك أن يضع يده في أيديهم، ينتصر لنفسه الهالكة بهم وتنتصر رغبات البغي الجاثية في نفوسهم به، فالمفارقة تظل موجودة والبراء يظل قائم، مادام في الجسد عين تطرف وفي الصدور روح تخفق .. والخليفة شريف هو من رجال العقيدة الذي تربصوا بالموت طوال عقد من زمان، وكان الموت هو الذي يتخلف كل مرة عن ملاقاة الأبطال، تخلف عنهم في أبا وشيكان وبارا والأبيض وكل قرى النيل الأبيض، لم يمنعه ظلم الخليفة وأهله من نصرة الصف المسلم وحماية البلد المسلم.

وكل قرى النيل الأبيض، لم يمنعه ظلم الخليفة وأهله من نصرة الصف المسلم وحماية البلد المسلم؛ فكان الخروج إلى كرري، و ذكر كرري وحده؛ حشد لمعاني كثيرة ومآثر جليلة، فلو قلت الشجاعة ما أنصفت وقد تقول حب الشهادة والموت في (شأن الله) وكرري هي حشد هائل للنبل السوداني الإسلامي، الذي تنامى عبر القرون منذ الدخول المبارك لسيدنا عبد الله ابن أبي السرح. ولكن كان الوقت قد فات على النفوس التي تصافت لحظة تصاف الأقدام للقتال، فالخليفتين فرقت بينهم الدولة وجمعت بينهم الدعوة، فكان التناصر على الضعف والوهن، وما كان الضعف الذاتي والموضوعي لينتصر في ميزان الله؛ و(سقط السودان مثخن الجراح، فاقد القوة، ضعيف القدرة أمام سطوة الأسلحة البريطانية الفتاكة في كرري وفي النخيلة وفي أم دبيكرات. وكانت تلك المعارك الثلاث قد ألحقت الدمار بالقدرة السودانية التي استكانت بعدها لسلطان القوة والجبروت). والمؤمن الذي لا يعرف الانكسار أراد أن يعيد المثال الذاهب، بتكرار التجربة والانطلاق من مبدئها الأول، فاتجه الخليفة التعايشي لغرب السودان متحرفا لقتال، وحن الدم للدم، فحاول الخليفة شريف اللحاق به، ليعيدا الكرة معا، ولكنه سقط أسيرا في يد الغزاة، الذين أطلقوا سراحه تهدئة لثائرة الناس واشترطوا عليه ألا يعود لأم درمان، فاختار قرية الشكابة التي عرفت باسمه مكاناً ومثابة، يتجمع عندها أهل الجهاد وأولياء العقيدة؛ يجددون الإيمان ويحيون ذكريات الجهاد و( ما لبثت ذكريات الإستقلال، والعيش تحت ظل الأحكام الشرعية الإسلامية، والإنضواء تحت راية المهدية تعتمل في نفوس بعض السودانيين فينجرون في ثورة جامحة ما تلبث أن تخمدها المدافع الرشاشة. وكانت أولى المحاولات لإعادة الحياة الإستقلالية في بعض النفوس ما لجأ إليه الخليفة شريف وبعض أبناء المهدي الصبيان وهما الفاضل والبشرى المهدي. وكان كتشنر حريصا على ألا تقوم قائمة للمهدي أو تعاليمه، وما لبث أن بلغت السلطات أنباء تفيد بأن الخليفة شريف وأبناء المهدي ما زالوا يتلون راتب المهدي كما كانوا يفعلون في المهدية ,وقبل أن يحقق المسؤول البريطاني في الأمر أسرع إلى مقر الخليفة شريف ورفاقه وسلط عليهم رصاص البنادق وقتلهم في الحال دون محاكمة، وقد استقبلوا الموت برباطة جأش وصبر، ولم ينج من ذويهم إلا عبد الرحمن بن المهدي الذي لم يبلغ الخامسة عشرة بعد وكان يشاهد قتل إخوانه...)


قتل الخليفة شريف وتصفية الثورة والدعوة

ولم يكن قتل الخليفة شريف إلا الحلقة الثانية بعد معركة كرري في تصفية آثار المهدية، فبتغييب أبرز الرجال المقربين من المهدي نسبا وصهرا وانتماءا، يمكن احتواء الثورة الجامحة في النفوس واللاهبة في الأرواح، وكشف تقرير تملنسون وليم، الذي غطى الفترة بين 1898- 1925م، والذي أعد بطلب من الحكومة البريطانية لمعرفة وجود أنصار المهدي في السودان ووسط أفريقيا وغربها وتقديم مقترحات تمكن الجيش الإنجليزي من محو آثار المهدية ومؤيديها من السودان وغرب أفريقيا، فكتب تملنسون في تقريره بعد أن جال مصر وتشاد والسودان وإريتريا والسعودية وليبيا والنيجر ونيجريا، مقترحات خطيرة، ترجم منها د.عبد الرحيم الفلاتي :

( أولاً: بخصوص السيد عبد الرحمن المهدي والذين يؤيدونه في أنحاء العالم؛ رأينا أنه من الممكن إقناع الأنصار في السودان بالعدول عن منهج المهدي الثوري، القتالي الدموي إلي منهج سلمي سياسي، فإذا تم ذلك نكون قد نجحنا في تحويل الحركة من حركة فعالة إلي حركة سلبية مثلها مثل غيرها من الحركات الإسلامية السلبية .

ثانيا : ضرورة نقل المهدية من وصفها كيانا يشعر كل فرد بمسئوليته المباشرة في قيادته إلي أسرة واحدة هي أسرة السيد عبد الرحمن وأخوته لكي يسهل حصارها اقتصاديا وعقائديا وسياسيا، فإذا ضعفت ضعف الكيان وانتهى .

ثالثا: ضرورة فرض حصار محكم على القيادات الأنصارية لتحول دونها وتربية أبنائها تربية إسلامية يمكن أن تبعث روح المهدية مرة أخرى، وذلك بإرسالها إلى بريطانيا بدلا من مناطق ذات نفوذ إسلامي- في مصر والحجاز- لإعدادهم إعداداً مضطرباً ومنقاداً لبريطانيا لا ضدها.

رابعا: ضرورة السخاء المادي مع هذه الأسر لكي تعيش حياة منعمة مترفة فاسدة بعيدة عن واقع المؤيدين والأتباع، لكي يحبوا الحياة ويكرهوا الموت الذي يطلقون عليه الاستشهاد في سبيل الله) ولم تمض سنوات قلائل حتى تبدل الحال في السودان فلم يعد العلماء هم العلماء ولم يبق من المهدية إلا الاسم ومن الأنصار إلا الرسم؛ حتى قال شاعرنا السوداني حسين منصور:

                       يدعونها فرجــية سنية         لكنها للحبر والقسيس
                      أما العمائم فهي صم كلها    ولحاهم ليست على الناموس
                      متحزمين فان مشوا أوهرولوا    ففراشة طارت لنار مجوس.

ولا أتردد في الزعم بأن المهدية لم تنته بموت الأمام المهدي ولا بمقتل خليفته من بعده ولكن انتهت المهدية وفكرتها الإسلامية المسلحة، باستشهاد الخليفة شريف وأخوانه في نوفمبر 1899.. هناك في الشكابة مع أنصار الفكرة والدعوة؛ إذ بموته انقطع الحبل الجامع للقلوب، وحدث انقطاع طويل بين الدعوة وإحيائها على يد السيد عبد الرحمن المهدي، جرت تحته مياها كثيرة تحت الجسر، ومنها ما أشار إليه تقرير تملنسون.

المراجع

تاريخ السودان الحديث، ضرار صالح ضرار

التنصير والتغلغل الاستعماري في إفريقيا، جامعة أفريقيا

تاريخ السودان، نعوم شقير