معركة تولوز (721)

معركة بلاط الشهداء
جزء من الفتوحات الإسلامية
التاريخ9 يونيو, 721
الموقع
النتيجة انتصار الأكويتانيون
المتحاربون
الأكويتانيون الخلافة الأموية
القادة والزعماء
اودو من أكويتان السمح بن مالك الخولاني

معركة تولوز (9 ذي الحجة 102هـ/9 يونيو 721م) كانت نصراً لجيش الفرنجة بقيادة الدوق اودو من أكويتان على الجيش الأموي الذي كان يحاصر مدينة تولوز, وكان يقوده والي الأندلس, السمح بن مالك الخولاني. الانتصار أعاق انتشار سيطرة الأمويين غرباً من ناربون إلى أكويتان.

توفي سليمان بن عبد الملك في (العاشر من صفر سنة 99هـ = 22 من سبتمبر 717م) وخلفه ابن عمه عمر بن عبد العزيز، فبدأت بلاد الأندلس في خلافته عهدا جديدا؛ حيث جعلها تابعة له مباشرة، شأنها في ذلك شأن بعض الولايات الإسلامية الأخرى، وكانت الأندلس من قبل تابعة لولاية إفريقية، واختار لها واحدا من الرجال الصالحين الأكْفاء القادرين على النهوض بمسئولياتهم في إيمان ونزاهة. وكان الخليفة العادل حريصا على ذلك أيما حرص؛ فكانت أمور المسلمين شغله الشاغل.

وكان ذلك الوالي الكفء الذي اختاره الخليفة لولاية الأندلس هو "السمح بن مالك الخولاني"، تخيّره الخليفة لأمانته وكفاءته وإخلاصه. وتذكر الروايات التاريخية أن من عادة خلفاء بني أمية أنهم كانوا لا يدخلون خزائن بيت المال شيئا مما يرسله ولاتهم من أموال الخراج إلا إذا شهد 10 من عُدُول الجند في الولاية بأن هذا المال هو المستصفى الحلال لبيت المال، بعد دفع أعطيات الجند والإنفاق على مصالح الولاية وشئونها؛ فلما أقبلت أموال ولاية إفريقية في أحد أعوام خلافة سليمان، كان يصحبها 10 من العدول الذين اختارهم الوالي، وكان فيهم إسماعيل بن عبيد الله، والسمح بن مالك، فلما طلب الخليفة شهادتهم حلف 8 بصحة هذا المال، ورفض الرجلان أن يحلفا على ذلك. وكان عمر بن عبد العزيز حاضرا هذه الجلسة، فأعجب بنزاهة الرجلين وشجاعتهما، فلما ولي الخلافة استعان بهما في إدارة ولايات دولته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولاية السمح بن مالك

ولم يقدم الخليفة عمر بن عبد العزيز على النظر في شئون المغرب والأندلس إلا بعد مضي أكثر من عام من خلافته؛ فقد شغلته أمور الدولة الأخرى عن متابعة ما يجري في الأندلس، وكان يفكّر في إرجاع المسلمين من الأندلس وإخلائهم منها؛ فكان يخشى تغلّب العدو عليهم لانقطاعهم من وراء البحر عن المسلمين.

غير أن هذه الفكرة تبددت لديه، وعزم على إصلاح أمور الأندلس حديثة العهد بالإسلام، فاختار لولايتها السمح بن مالك، وأمره أن يحمل الناس على طريق الحق، ولا بعدل بهم عن منهج الرفق، وطلب منه أن يكتب له بصفة الأندلس، وأنهارها وبحرها، فلما استقر السمح هناك كتب إليه يعرفه بقوة الإسلام وكثرة مدائنهم، وشرف معاقلهم؛ فلما استوثق الخليفة عمر من أهمية الأندلس، وثبات أقدام المسلمين فيها أولاها من عانيته ما هي جديرة به. ولم يكد السمح بن مالك يتولى أمر الأندلس حتى ظهر أثر كفايته وصلاحه في البلاد، فانتظمت أمورها، ونعم الناس بالأمن والسلام، وتحسنت موارد الدولة، واجتمع له من المال مبلغ كبير منه، استغله في إصلاح مرافق الولاية.

وحدث أن قنطرة "قرطبة" الرومانية التي كانت مقامة على نهر الوادي الكبير للاتصال بنواحي جنوبي الأندلس قد تهدمت، واستعان الناس بالسفن للعبور، وكان في ذلك مشقة عليهم، وأصبح المسلمون في حاجة إلى بناء قنطرة متينة يستطيعون العبور عليها من الجنوب إلى قرطبة عاصمتهم الجديدة، ووجد السمح بن مالك أن خير ما ينفق فيه هذا المال هو بناء تلك القنطرة، فكتب إلى الخليفة عمر في دمشق يستأذنه في بناء القنطرة فأذن له، فقام السمح ببنائها على أتم وأعظم ما يكون البناء. وكان لهذه القنطرة أهميتها في تاريخ الأندلس السياسي والفكري، فربطت بين قرطبة بجنوبي الأندلس وشمالي أفريقيا، وكانت من الجمال والبهاء بحيث أصبحت متنزه أهل قرطبة ومدار خيال شعراء الأندلس.


الاتجاه إلى الفتح

وبعد أن اطمأن السمح بن مالك إلى أحوال أمور الأندلس، ووثق الخليفة عمر باستقرار المسلمين بها، بدأ السمح يفكر في معاودة الفتح، ورد المتربصين بولايته من أمراء ما وراء جبال البرنيس، فأعد العدة لذلك، وجهز جيوشه لهذه المهمة.

واخترقت جيوش السمح جبال البرنيس من الشرق، وسيطر على عدد من القواعد هناك، واستولى على "سبتمانيا" في جنوبي فرنسا، وأقام بها حكومة إسلامية، ووزع الأراضي بين الفاتحين والسكان، وفرض الجزية على النصارى، وترك لهم حرية الاحتكام إلى شرائعهم، ثم زحف نحو الغرب ليغزو "أكوتين".

وكانت مملكة الفرنج حينما عبر المسلمون إلى غاليا –فرنسا- تفتك بها الخلافات والحروب بين أمرائها، غير أن الأمير "أدو" دوق أكوتين كان أقوى أمراء الفرنج في غاليا وأشدهم بأسا، نجح في غمرة الاضطراب الذي ساد المملكة أن يستقل بأكوتين، ويبسط نفوذه وسلطانه على جميع أنحائها في الجنوب من اللوار إلى البرنية.

فلما زحف السمح بن مالك إلى الغرب ليغزو أكوتين قاومه البشكنس -سكان هذه المناطق- أشد مقاومة، لكنه نجح في تمزيق صفوفهم، وقصد إلى تولوشة تولوز.


حصار تولوز, بأسوارها غير القابلة للاقتحام, دام حتى مطلع الصيف. المدافعون, لقرب نفاد مؤنهم, كادوا يستسلمون عندما, في 9 يونيو, 721, اودس الأكبر, دوق أكويتان, عاد على رأس قوة كبيرة, ليهاجم مؤخرة جيش المسلمين ويشن حركة إلتفاف وحصار ناجحة جداً. عندها نشبت معركة كبيرة حاسمة. المسلمون وجدوا أنفسهم محاصرون بين حماة تولوز من ناحية ورجال اودس من الناحية الأخرى, حاول السمح كسر الحصار, إلا أنه وقع في الشرك مع معظم جيشه في مكان سمي "بلاط الشهداء Balat" حيث قرر السمح أن يصمد ويصابر، إلا أن جيشه أبادته القوات المسيحية.


وفي أثناء سيره جاءت الأخبار بأن الدوق "أدو" أمير أكوتين جمع جيشا كبيرا لرد المسلمين، وإخراجهم من فرنسا، فآثر السمح بن مالك ملاقاة عدوه على كثرة عددهم عن مهاجمة تولوشة، والتقى الفريقان بالقرب منها، ونشبت بينهما معركة هائلة في 9 ذي الحجة 102هـ/9 يونيو 721م، سالت فيها الدماء غزيرة، وكثر القتل بين الفريقين، وأبدى المسلمون رغم قلتهم شجاعة خارقة وبسالة وصبرًا، وتأرجح النصر بين الفريقين دون أن يحسم لصالح أحد من الفريقين، حتى سقط "السمح" شهيدًا من على جواده، فاختلت صفوف المسلمين، ووقع الاضطراب في الجيش كله، وعجز قادة الجيش أن يعيدوا النظام إلى الصفوف، وارتد المسلمون إلى "سبتمانيا" بعد أن فقدوا زهرة جندهم، وسقط عدد من كبار قادتهم.

العودة إلى الأندلس

وعلى إثر استشهاد السمح بن مالك اختار الجيش أحد زعمائه "عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي"، فبذل جهدًا خارقًا ومهارة فائقة في جمع شتات الجيش، والتقهقر به إلى الأندلس، وأقام نفسه واليًا على الأندلس عدة أشهر قليلة حتى يأتي الوالي الجديد، وفي هذه المدة القليلة نجح عبد الرحمن الغافقي في ضبط أمور الولاية، والقضاء على الفتن التي ظهرت في الولايات الجبلية الشمالية.

ثم تولى عنبسة بن سحيم الكلبي أمر الأندلس في (صفر 103هـ = أغسطس 722م)، وكان من طراز السمح بن مالك كفاءة وقدرة وورعًا وصلاحًا، له شغف بالجهاد وحرص على نشر الإسلام وتوسيع دولته، وما إن استقرت الأمور في الأندلس بعد اضطراب واختلال حتى عاود الفتح، وخرج على رأس جيشه من قرطبة، وسار نحو سبتمانيا التي فقد المسلمون كثيرًا من قواعدها، وتابع زحفه شمالاً في وادي الرون، ولم تقف هذه الجملة الظافرة إلا قرب بلدة "سانس" على بعد ثلاثين كيلومترًا جنوبي باريس، وخشي "أدو" دوق أكوتين أن يهاجمه المسلمون مرة أخرى، فسعى إلى مفاوضتهم ومهادنتهم، وبذلك بسط المسلمون نفوذهم في شرق جنوبي فرنسا.

ولما لم يكن في نية عنبسة الاستقرار في تلك المناطق، فقد عاد إلى بلاده بعد أن أعاد نفوذ المسلمين في مملكة غالة، قاطعًا نحو ألف ميل شمالي قرطبة، وفي طريق العودة داهمته جموع من الفرنجة، فالتحم معها في معركة أصيب أثناءها بجراح بالغة توفي على إثرها في (شعبان 107هـ = ديسمبر 725م)، بعد أن انفرد بين الفاتحين المسلمين بفخر الوصول برايات الإسلام إلى قلب أوروبا الغربية، ولم يدرك هذا الشأو بعد ذلك فاتح مسلم آخر.

وقد تكررت محاولات المسلمين لفتح مملكة غالة والاستقرار بها ثم التوسع في قلب أوروبا لنشر الإسلام بها، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وكانت آخر تلك المحاولات ما قام به القائد العظيم عبد الرحمن الغافقي، لكن استشهاده في معركة بلاط الشهداء (رمضان 114هـ = أكتوبر 732م) قضى على أحلام المسلمين في الفتح والتوسع.

من مصادر الدراسة

الهامش


إسلام أون لاين: معركة تولوز.. أمل لم يتحقق       تصريح