سيد قطب بين الماسونية والإخوان المسلمين

سيد قطب بين الماسونية والإخوان المسلمين أعداد - وائل إبراهيم الدسوقي باحث في الدراسات التاريخية الحديثة


في البداية .. حديثي سوف يدور حول شخصية لها وزنها واحترامها على الساحة السياسية والدينية على حد سواء ، لكنه أمام التاريخ "حالة" تخضع للنقد والتحليل ، وأرجو أن يتأكد القارئ أنني أسجل احترامي لرموزنا العربية سواء دخلوا تلك الحركات أم لم يدخلوها وتقديري لمجهود تلك الرموز في تاريخنا القومي ، ولكننا أمام التاريخ أمناء ، فإذا وجدنا ما يمكن أن نضعه تحت مجهرنا فلنضعه ، وعلى الجميع أن يثبت أو ينفي دون حجر منا على رأيه وذلك من حرية التعبير والنقد .

سيد قطب إبراهيم حسن الشاذلي .. (المجاهد - الشهيد - عبقرية الأخوان المسلمين - الصعيدي المسلم) الذي عانى من التيه حتى عرف طريقه ، عانى من الضياع الروحي والتيه النفسي حتى وجد ضالته المنشودة في حركة إسلامية إصلاحية سمت نفسها باسم "الأخوان المسلمين". ولد "سيد قطب" في قرية (موشة) بمحافظة أسيوط في يوم 9/10/1906 ، وفى عام 1920 سافر إلى القاهرة لينضم إلى مدرسة المعلمين الأولية ونال منها شهادة الكفاءة، التحق بعدها إلى تجهيزية دار العلوم . وفى عام 1932 حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم . وعمل مدرسا لمدة ست سنوات ، ثم موظفا في الحكومة . وبعد سنتين عين في وزارة المعارف – في عهد إسماعيل القباني – في وظيفة "مراقب مساعد" حتى قدم استقالته لأن رؤسائه لم يقتنعوا بمقترحاته الإسلامية . وقبل مجلس قيادة الثورة الاستقالة سنة 1954، وفي نفس السنة تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما. ولكن الرئيس العراقي "عبد السلام عارف" تدخل وتم الإفراج عنه بسبب سوء حالته الصحية سنة 1964. وكان من كلماته وقتذاك : "أن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلة في التربية والإعداد وأنها لا تجئ عن طريق إحداث انقلاب" .

وفي سنة 1965 اعتقل بتهمة محاولة اغتيال "جمال عبد الناصر" . وقد صدر حكم الإعدام على سيد قطب بتاريخ 21/8/1966 ، وتم تنفيذه بسرعة بعد أسبوع واحد فقط في 29/8/1966 قبل أن يتدخل أحد الزعماء العرب [ ] .

وطوال حياته السياسية انضم "قطب" إلى حزب الوفد ثم انفصل عنه ، وانضم إلى حزب السعديين لكنه مل من الأحزاب ورجالها وعلل موقفه هذا قائلاً : "لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله" . لقد مر "سيد قطب" في حياته بمراحل عديدة انتقل فيها من تيارات فكرية إلى أخرى، ويعترف "سيد قطب" أكثر من مرة بمروره بمرحلة التيه في عقيدته الدينية ، وفى عام 1934 نشر في الأهرام دعوته للعرى التام ، وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم ، وقد كان ذلك منتشرا في البلدان الأوربية آنذاك [ ] . وقد أكدت ذلك مجلة روز اليوسف حين نشرت مقالا بعنوان "سيد قطب من الإلحاد إلى القداسة والعكس" وكتبت فيه عن دعوته للعرى ، وعن حبه لفتاة أمريكية حتى أنه بكى حينما تزوجت من غيره [ ] . ويبدو أن الماسونية امتدت إلى "سيد قطب" وبعض الأعضاء من تنظيم "الأخوان المسلمين" ، وكان يكتب بعض مقالاته الأدبية في جريدة ماسونية هي "التاج المصري" لسان حال المحفل الأكبر الوطني المصري ، وإن لم يصرح أي من مصادر الماسونية أنه كان ماسونيا ، لكن الصحف الماسونية لم تكن لتسمح لأحد من غير الأعضاء في الماسونية بالكتابة فيها مهما كانت صفته أو منصبه [ ] . لقد كتب الشيخ "محمد الغزالي" في كتابه (من ملامح الحق) ، وهو من أكبر رجالات الأخوان وصاحب للشيخ "حسن البنا" أن "سيد قطب" منحرف عن طريقة البنا ، وأنه بعد مقتل البنا وضعت الماسونية زعماء لحزب الإخوان المسلمين ، وقالت لهم ادخلوا فيهم لتفسدوهم[ ]، وكان منهم "سيد قطب" [ ] . لم يكن وحده ماسونياً : يبدو أن الشكوك في تورط بعض الأعضاء من تنظيم "الأخوان المسلمين" إلى الماسونية تزيد حينما نذكر أن "مصطفى السباعي" الذي ساهم في الحركة الوطنية المصرية كان من أنشط الأعضاء الماسون في بيروت [ ] . ولكن لأي مدى كان انتماؤه للماسونية؟ وهل كان يخدم بها أهداف الأخوان المسلمين في مصر وسوريا؟ ولقد انتخب "مصطفى السباعي" بعد عام 1945 رئيسا عاما لحركة "الإخوان المسلمين" في سوريا وأطلقوا عليه اسم المراقب العام . وقد انتخب "مصطفى السباعي" [1944 – 1945] مراقبا عاما لموهبته في الكتابة والخطابة ، وإسهاماته الواسعة في الحركة الوطنية المصرية والسورية ، وقد ذًكر في ثلاثة كتب أنه ماسوني وخاصة كتاب "عبد الحليم خوري" الذي نشره في عام 1954 ببيروت وقال فيه أن كلا من "فارس الخوري" رئيس الوزراء السوري و"مصطفى السباعي" كانا في محفل ماسونى واحد في سوريا مع "حسني الزعيم". وهكذا فبعض الأعضاء في تنظيم "الإخوان المسلمين" كانوا أعضاء في الماسونية، ولو صدق ذلك فسوف يكون هناك علامات استفهام لا تجد من يجيب عليها ، فما مدى انتمائهم إلى الماسونية؟ وما هو الغرض من انضمامهم ؟ ولأي مدى كان اقتناعهم بمبادئها ؟ كل ذلك لا يجد من يجيب عليه . خاصة وأنه شتان بين مبادىء الماسونية ومبادىء "الأخوان المسلمين". صحيح أن العديد من الأسئلة طرحت بدون إجابات ، وكلها تدور حول كبار رجال مصر من الماسون (وزراؤها وسفراؤها في الخارج وتجارها وأطباؤها وضباطها)، لكن انضمام أعضاء من "الأخوان المسلمين" إلى الماسونية لهو من الأمور الشائكة التي تحتاج إلى التفسير، خاصة وكما رأينا أن أحد المعاصرين المقربين وهو الشيخ "محمد الغزالي" أكد بأن الماسونية زرعت وسط صفوف الأخوان رجالا ومنهم "سيد قطب" . وهو أمر محير فمسألة مدى الانتماء إلى الماسونية ومدى صدق ذلك الانتماء ومدى الإيمان بمبادئها أمر غامض لا يباح به لأقرب الأقربين ، كما لا تظهر المذكرات الشخصية لأي منهم أية علاقة من قريب ولا من بعيد بالماسونية وكأنهم لم يقربونها قط .

لا يسمح لغير الماسون بالكتابة في صحف الماسون:

احتوت أوراق الماسونية في مصر على (أمر عال) بتاريخ 29 أغسطس عام 1922 يعترض فيه "إدريس راغب" أستاذ أعظم المحفل الأكبر الوطني المصري بشدة على أمر إفشاء أعمال الماسونية في الجرائد السيارة ، فالموضوعات الماسونية تناقش في صحف الماسون فقط ، ويبدو أنه قصد بصحف الماسون تلك التي كان يمتلكها الماسون دون غيرها، أو المتخصصة التي تصدر عن الشروق الماسونية ومحافلها تحت السلطة العامة للمحفل الأكبر الوطني المصري . ولقد صدر ذلك الأمر حينما نشر الماسوني "محمد مصطفى عبده" مقالا بعنوان "في الماسونية" بجريدة "وادي النيل" الغير متخصصة في الماسونية في عددها الصادر في 27 أغسطس 1922 . وأمر "إدريس راغب" في نهاية اعتراضه الرسمي بإيقاف "محمد مصطفى عبده" عن الأعمال الماسونية وأوصى بلزوم محاكمته [ ] . وأعلنت "المجلة الماسونية" في إحدى الأعداد بأنها ترجو كل أخ ماسونى يريد نشر أي مقالة علمية أو أدبية أو ماسونية أن يرسلها على الجريدة مباشرة [ ] ، وبالتالي لا يسمح لغير الماسون بالنشر في الصحف الماسونية كما لا يسمح بعكس ذلك . ومما يؤكد ذلك أن الصحف الماسونية كانت دائما ما تكرر الترحيب بالباحثين الماسون للكتابة في الصحف الماسونية ولا ترحب باستقبال أعمال العوام من غير الماسون [ ] ، وكان هذا هو التقليد المتبع في كل صحف الماسون في العالم ، وقد كانت الماسونية في مصر كمثيلتها في دول العالم لا تسمح لأحد من غير الماسون بالاقتراب من الماسونية بأي شكل من الأشكال إلا إذا كانت الماسونية ترغب في اقترابه ليكون عضوا فيها ، وهذا من التقاليد المتبعة إلى الوقت الحاضر، وبالتالي فإن أي شخص يذكر في الصحف الماسونية مشاركا فيها أو حتى مبديا رأيه في أي من الموضوعات العامة أو الماسونية فهو منهم ، فقوانين الماسونية صارمة أيا كانت طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه [ ] .

وأخيرا نذكر ما كتبه "محمد الغزالي" تتمة لما كتبناه سابقا وخاتمة له ، فكتب يقول "فلم يشعر أحد بفراغ الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الأول من جماعة الأخوان المسلمين إلا يوم قتل حسن البنا في الأربعين من عمره ، لقد بدا الأقزام على حقيقتهم بعد أن ولى الرجل الذي طالما سد عجزهم . وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة ، ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حلوا الأزمة، أو حلت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلاً غريباً عنها ليتولى قيادتها ، وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت . ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الأخوان ولكنني لا أعرف بالضبط، استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته ، وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة".

ويبدو أنه بين أمر "إدريس راغب" والمنشور في الصحف الماسونية بعدم السماح لغير الماسون في الكتابة بصحفها ، وما كتبه تمام البرازي في كتابه عن ماسونية أحد أعضاء الأخوان وهو مصطفى السباعي ، وما ذكره محمد الغزالي في كتابه تأكيد ولو من بعيد عن ماسونية البعض من جماعة الأخوان المسلمين مثل (سيد قطب – حسن الهضيبي – مصطفى السباعي) . إننا لا نتهم ولا نبرىء بل نعرض حقائق ونلقي الضوء على مسائل كانت ولا تزال غامضة في التاريخ العربي ، نقدم من الدلائل والبراهين ما يمكن أن يؤكد ، لكن في نفس الوقت لا يمكن أن نتأكد .. لوجوب التزييف في الوثائق التاريخية ، أو حتى .. تغلب الأهواء الشخصية على الشخصيات ذات الرأي ، لكن من حقنا أن نعرض ما تصل إليه أيدينا لنفتح الطريق أمام الباحثين كي يؤكدوا أو ينفوا ما كتبه القلم ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهوامش

على الشبكة الدولية للمعلومات : http://www.khayma.com/sohel/tareekh/tareekh17.htm

أيضاً : لجنة من المؤلفين ، سيد قطب دعوة الأخوان المسلمين وعبقرية بناء جماعتها، سلسلة ورقة ثقافية، عدد 11 ، الزهراء للإعلام العربي ، القاهرة 1989 .

  جريدة الأهرام ، 17 مايو 1934 ،  ص 7 .
  روز اليوسف ، 29 يوليو 1986 ، ص 34 ؛ أنظر أيضا : لجنة من الأساتذة والباحثين، كشف الستار عما خفي من الأسرار ، سيد قطب وحزبه تاريخ أسود ، ص 17 – 19 .
  سيد قطب ، أماه ، التاج المصري ، عدد 698 ، السنة 13 ، 1 نوفمبر 1940 ، ص3، ولقد وقع تحتها باسم (ابنك المفجوع – حلوان – سيد قطب) ؛ وعن حظر الكتابة في الصحف الماسونية لغير الماسون أنظر : الفصل الخامس ، من : وائل إبراهيم الدسوقي ، الماسونية في مصر ونشاطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي 1798 – 1964 ، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب ، جامعة عين شمس ، القاهرة 2005 ، ص 283 .
  محمد الغزالي ، من ملامح الحق ، ط2 ، دار الكتب الحديثة ، القاهرة 1963 ، ص 263 .
  لجنة من الأساتذة والباحثين ، كشف الستار عما خفي من الأسرار ، ص 20 ، 21 .
  تمام البرازي ، ملفات المعارضة السورية ، ط1 ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1994 ، ص82– 84.
  ذكرت إحدى الوثائق الماسونية أن ذلك المقال نشر في عدد جريدة "وادي النيل" رقم 3964؛ أنظر: أمر عال رقم514، 29 أغسطس 1922، وثائق عابدين، المحفل الماسوني، محفظة رقم579.
  المجلة الماسونية ، عدد 2 ، س 1 ، 1 ديسمبر 1920 ، ص 52 .
 راجع : كافة إعلانات أعداد الصحف الماسونية المثبتة في قائمة المراجع والمصادر الملحقة: وائل إبراهيم الدسوقي ، الماسونية في مصر ونشاطها .
 وائل إبراهيم الدسوقي ، الماسونية في مصر ونشاطها ، ص 283 .
 محمد الغزالي ، من ملامح الحق ، ص 263 .