تاريخ المال

تاريخ المال history of money، يتعلق بتطور وسائل تنفيذ المعاملات التي تتطلب تبادل وسيط مادي. والمال هو أي شيء محدد بوضوح للقيمة مقبولة عموماً كثمن للسلع والخدمات أو كسداد للديون داخل السوق أو ما يعتبر عملة قانونية داخل البلاد.

تم استخدام الكثير من الأشياء كوسيط للتبادل في الأسواق منها، على سبيل المثال، الماشية وزكائب الحبوب (والتي اشتق منها الشيكل) - أشياء مفيدة مباشرة في حد ذاتها، لكن في بعض الأحيان لم تكن سوى عناصر جذابة مثل الودع، أو الخرز التي كان يتم تبادلها مقابل السلع الأكثر فائدة. المعادن النفيسة، والتي صنعت منها العملات المعدنية المبكرة، كانت تندرج في التصنيف الثاني.

علم المسكوكات هو العلم المعني بدراسة المال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التبادل غير النقدي

المقايضة


أوروپا 1000 - 1300

أحدث هذا التوسع العظيم في التجارة والصناعة انقلاباً كبيراً في الأعمال المالية، فأما التجارة فلم يكن في مقدورها أن تتقدم ما دامت قائمة على المبادلة، بل أضحت تتطلب مستوى ثابتاً للقيم، وواسطة للتبادل سهلة، ووسيلة ميسرة مفتوحة لاستثمار الأموال.

وكان من حق سادة الإقطاع وكبار رجال الدين في القارة الأوربية في عهد الإقطاع أن يسكوا النقود، ولهذا عانى الاقتصاد الأوربي الأمرين من جراء الفوضى النقدية التي كانت أسوأ من فوضى هذه الأيام؛ وزادت هذه الفوضى النقدية بفعل مزيفي العملة وقارضيها، وكان الملوك يأمرون بأن تقطع أطراف من يرتكبون هذه الأعمال أو أعضاؤهم التناسلية أو أن تقلى أجسامهم وهم أحياء، ولكن الملوك أنفسهم كثيراً ما كانوا يخفضون قيمة نقدهم. وقل وجود الذهب بعد أن فتح المسلمون بلاد الشرق، فكان النقد بأجمعه بين القرنين الثاني والثالث عشر يصنع من الفضة أو المعادن الخسيسة، ذلك أن الذهب والحضارة يتلازمان كثرة وقلة. [1]

على أن العملة الذهبية ظلت تضرب في الإمبراطورية البيزنطية طوال العصور الوسطى؛ ولما أن كثر الاتصال بين الغرب والشرق أخذت النقود البيزنطية الذهبية المعروفة بالبيزانط Bezants في بلاد الغرب، أخذت هذه النقود يتعامل بها في كافة أنحاء أوربا، وكان لها من الاحترام في العالم المسيحي أكثر ما لسائر النقود. ولما رأى فردريك الثاني ما للعملة الذهبية المستقرة في بلاد الشرق الأدنى من أثر طيب في تلك البلاد سك في إيطاليا أولى العملات الذهبية في أوربا الغربية. وسمي هذه العملة أوغسطالس Augustales مقلداً بهذا في صراحة نقد أغسطس ومكانته. والحق أنها كانت خليقة بهذه التسمية، لأنها، وإن كانت تقليداً لعملة الشرق، كانت ذات طابع فخم. وسمت من فورها إلى أعلى مستوى في فن المسكوكات في العصور الوسطى؛ وأصدرت جنوى وفلورنس في عام 1253 مسكوكات ذهبية؛ وكان الفلورين الفلورنسي، الذي تعادل قيمته زنة رطل من الفضة أجمل وأبقى هذه المسكوكات، وكان يقبل في جميع أنحاء أوربا؛ ولم يحل عام 1284 حتى كان لجميع دول أوربا الكبرى، ما عدا إنجلترا، عملة ذهبية يوثق بها- وذلك جهد عظيم مشكور ضحى به في الفوضى الضاربة أطنابها في القرن العشرين.

وقبل أن يختتم القرن الثالث عشر كان ملوك فرنسا قد ابتاعوا أو صادروا كل ما لسادة الإقطاع من حقوق تخول لهم سك العملة إلا القليل الذي لا يكاد يستحق الذكر من هذه الحقوق، وظل نظام النقد الفرنسي حتى عام 1789 محتفظاً بالمصطلحات التي وضعها له شارلمان، وإن لم يحافظ على قيمتها؛ فكان فيه الليرا (Livra) أو الجنيه الفضي، والصلدي (sou) وهو 1slash30 من الجنيه، والدينار (denier) وهو 2slash12 من الصلدي. وأدخلت غارة الرومان هذا النظام النقدي في إنجلترا، وفيها أيضاً كان الجنيه الإنجليزي يقسم عشرين قسماً يسمى واحدها شلناً، ويقسم كل منها اثنى عشر قسماً- هي البنسات. وأخذ الإنجليز ألفاظ penny, shilling, pound من الأسماء الألمانية pfenning, schilling, pfund ولكنهم أخذوا الرموز الدالة عليها من اللغة اللاتينية L من لبرا Libra، S من سليدس solidus، d من ديناريوس denarius، ولم يكن لإنجلترا عملة ذهبية إلا في عام 1343، غير أن عملتها الفضية التي قررها هنري الثاني (1154-1189) ظلت أكثر العملات استقراراً في أوربا. وضرب المارك الفضي في ألمانيا في القرن العاشر، وجعلت قيمته نصف قيمة الجنيه الفرنسي أو البريطاني.

ولكن النقد في العصور، رغم هذا التطور كله، قد لاقى الأمرين من جزاء تقلب قيمته، وعدم ثبات نسبة الفضة إلى الذهب، وحق الملوك والمدن- والأشراف ورجال الدين في بعض الأحيان- في جمع النقود كلها في أي وقت، وتقاضى أجر على إعادة سكها، وإصدار عملة جديدة مخفضة تزداد فيها نسبة المعدن الخسيس. وتأثر النقد الأوربي كله لما أصابه من انحطاط في فترات غير منتظمة لعدم أمانة دور الضرب، وازدياد مقدار الذهب أسرع من ازدياد مقدار السلع، وسهولة أداء الديون الوطنية بالعملة المخفضة. ولنضرب لذلك مثلاً الجنيه الفرنسي فلم تكن قيمته في عام 1789 تزيد على 1.2 في المائة مما كانت عليه أيام شارلمان. وفي وسعنا أن نحكم على مقدار انخفاض قيمة النقد من ذكر أثمان بعض السلع التي تعد نموذجاً لغيرها: من ذلك أن الاثنتي عشرة بيضة كان ثمنها في رافنا عام 1286 "بنساً" واحداً؛ وكان ثمن الخنزير في لندن عام 1328 أربعة شلنات، وثمن الثور خمسة عشر شلناً؛ وكان رأس الضأن في فرنسا في القرن الثالث عشر يشتري بثلاثة فرنكات، والخنزير يشتري بستة؛ فالنقد يزداد تضخماً على مر العصور.

بقي أن نعرف مصدر النقود اللازمة لتمويل التجارة والصناعة وتوسيع نطاقها. لقد كان أهم مصدر منفرد لهذا المال هو الكنيسة، وذلك بفضل ما كان لها في جمع المال من نظام لا يدانيه نظام سواه، وكان لديها على الدوام رأس مال سائل تستطيع توجيهه في جميع الأوقات لأي غرض تشاء. وكانت الكنيسة أعظم قوة مالية في العالم المسيحي، ويضاف إلى هذا أن كثيرين من الأفراد كانوا يودعون أموالهم أمانات في الكنائس والأديرة. وكانت الكنيسة تقرض من أموالها الأفراد والهيئات في أوقات الشدة، وكان أكثر من يقترضون المال هم القرويين الذين يرغبون في إصلاح ضياعهم، وكانت الكنائس والأديرة بمثابة مصارف عقارية، وكان لها فضل في تكوين طبقة الزراع الأحرار، وكانت منذ عام 1070 تقرض المال للملاك المجاورين لها نظير حصة من ريع أملاكهم، وقد أصبحت الأديرة بهذه الفروض المضمونة برهون أولى هيئات الإفراض في العصور الوسطى. وكان دير سانت أندريه St. Andre في فرنسا يقوم بعمل مصرفي بلغ من اتساع نطاقه أن كان يستأجر المرابين اليهود ليؤدوا للملوك والأمراء، والأشراف، والفرسان، والكنائس، والمطارنة؛ وربما كانت أعمال الرهن التي يقوم بها هؤلاء الفرسان أوسع الأعمال المالية التي من هذا النوع في القرن الثالث عشر.

غير أن هذه القروض التي تقدمها الهيئات الكنسية كانت في العادة تستخدم في الاستهلاك أو في الأغراض السياسية، وقلما كانت تستخدم في تمويل الصناعة أو التجارة. وبدأ الائتمان التجاري حينما كان الفرد أو الأسرة يستودع التاجر مالاً أو يعهد إليه به يستخدمه في رحلة بحرية معينة أو مشروع معين على أن ينال في نظير هذا جزءاً من المكسب، وكان هذا العمل يسمى في العالم المسيحي إيداعاً Commenda. وكان هذه النظام- نظام الشريك "الموصي" طريقة رومانية قديمة أكبر الظن أن العالم المسيحي الغربي عاد فتعلمها من الشرق البيزنطي. وكان من شأن هذه الطريقة النافعة- طريقة الاشتراك في المكسب دون مخالفة أوامر الكنيسة التي تحرم الربا- أن تنتشر انتشاراً واسعاً؛ وبذلك استحالت "الكمبانية" (Com-panis) أي الاشتراك في الخبز، أو الاستثمار في داخل نطاق الأسرة شركة soietas تضم عدة أشخاص لا يتحتم أن يكونوا كلهم من ذوي القربى ويمولون طائفة أو سلسة من الأعمال بدل أن يمولوا عملاً واحداً. وظهر هذا النوع من المنظمات المالية في جنوى والبندقية في أواخر القرن العاشر، ووصل إلى درجة عليا من الرقي في القرن الثامن عشر، وكان من أسباب نمو التجارة الإيطالية السريع. وكثيراً ما كانت طوائف الاستثمار هذه توزع ما تتعرض له من الأخطار بأن تشتري "أجزاء" أي أسهماً في عدد من السفن أو المشروعات في وقت واحد، ولما أن أصبحت هذه الأسهم (partes) في القرن الرابع عشر قابلة للانتقال، نشأت من هذه الشركة المحاصة joint stock company. وكان أعظم مصدر فردي لرأس المال- أي المال الذي تؤخذ منه نفقات مشروع ما قبل أن يدر دخلاً- هو المالي المحترف. وقد بدأ هذا المالي عمله في الزمن القديم بأن كان صرافاً يبدل النقود ثم استحال من زمن بعيد إلى مراب يستثمر ماله ومال غيره في المشروعات التجارية أو في إقراضها إلى الكنائس، أو الأديرة، أو الأشراف أو الملوك. ومما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام أن الدور الذي كان يضطلع به اليهود في إقراض المال قد بولغ فيه كثيراً. لقد كان اليهودي ذوي حول وطول في أسبانيا، ولكنهم ظلوا زمناً ما ضعفاء في ألمانيا، وكان يفوقهم الماليون المسيحيون في إيطاليا وفرنسا. وكان أكبر مقرض لملوك إنجلترا هو وليم كيد William Cade؛ كما كان أكبر المقرضين في فرنسا وفلاندرز في القرن الثالث عشر أسرتي لوشار Louchard وكرسبان Crespin في أراس؛ وقد وصف وليم البريطوني William the Breton أراس في ذلك الوقت بأنها "مكتظة بالمرابين"(41). وكان من مراكز المال في شمالي أوربا غير المراكز السالفة الذكر مصفق أو بورصة (من bussa أي كيس) أي سوق المال في بروج. وكان من طوائف المرابين المسيحيين طائفة أكبر من هؤلاء جميعاً نشأت في كاهور Cahors إحدى مدن فرنسا الجنوبية يقول ماثيو باريس في وصفها:

وفي تلك الأيام (1235) انتشر وباء الكهوريين Cohorisians البغيض انتشاراً مروعاً لم يكد يبقي معه إنسان في إنجلترا كلها وبخاصة بين المطارنة إلا وقع في شباكهم، ولقد كان الملك نفسه مديناً لهم بمبالغ لا تحصى، وكانوا يخادعون المعوزين ويحتالون عليهم في حاجاتهم، ويغشون ما يقومون به من أعمال الربا بستار الاتجار.

وعهدت البابوية شئونها المالية في إنجلترا إلى رجال المصارف الكهوريين فترة من الزمان، ولكن قسوتهم أثارت غضب الإنجليز إلى حد جعلهم يقتلون أحد أفراد تلك الطائفة في أكسفورد، ولعنهم روجر أسقف لندن، ثم نفاهم هنري الثالث من إنجلترا، وندد ربرت جروستست Robert Groseteste أسقف لنكلن وهو على فراش الموت بابتزاز "التجار والصيارفة من رجال مولانا البابا" الذين هم "أغلظ أكياداً من اليهود".

وكان الإيطاليون هم الذين ارتقوا بالأعمال المصرفية في القرن الثالث عشر إلى درجة لم يكن لها مثيل من قبل. فقد نشأت أسر مصرفية عظيمة لتمد التجارة الإيطالية الواسعة النطاق بالمال وهو عصب حياتها: ومن هؤلاء أسرتا بونسنيوري Buonsignori وجلراني Gallerani في سينا Siena وأسر فرسكوبلدي Frescobaldi، وباردي Bardi، وبروزي Peruzzi في فلورنس، وأسرتا بيزاني، Pisani وتيبولي Tiepoli في البندقية.. وقد مدت هذه الأسر أعمالها المالية إلى ما وراء جبال الألب، وكانوا يقرضون ملوك إنجلترا وفرنسا الذين لا تنقطع حاجتهم إلى المال مبالغ طائلة، كما كانوا يقرضون الأشراف، والأساقفة، ورؤساء الأديرة، والمدن. وكان البابوات والملوك يستخدمون أولئك المرابين لتحصيل إيرادهم، والإشراف على دور الضرب والشئون المالية، والاستعانة بآرائهم في السياسة. وكانوا يشترون الصوف، والتوابل، والحلي، والحرير جملة، ويمتلكون السفن والنزل في أقصى أوربا وأدناها. وقبل أن ينتصف القرن الثالث عشر كان هؤلاء "اللمبارد"، كما كان أهل الشمال يسمون جميع رجال المصارف الإيطاليين، أعظم رجال المال في المال قوة ونشاطاً. وكانوا قوماً مكروهين من أجل ثرائهم؛ لأن الناس في كل جيل يقترضون المال وينددون بمن يقرضونه. وكان قيام هذه الطائفة ضربة قاصمة وجهت إلى رجال المصارف الدوليين اليهود، ولم يتورع أفرادها عن أن يشيروا بنفي منافسيهم ذوي الصبر والجلد. وكان أقوى "اللمبارد" جميعاً هم شركات المصارف الفلورنسية، وفي وسعنا أن نعد منها ثمانين شركة بين عامي 1260 و1347. وكانت هذه الشركات تمول عملها الحملات السياسية والحربية التي يقوم بها البابوات وتجنى من وراء عملها هذا أرباحاً طائلة، وكانت من حيث هي المصارف التي تمد البابوات بالمال ستاراً نافعاً لتلك العمليات التي قلما كانت تتفق مع آراء الكنيسة عن الربا. وكانت تجنى من الأرباح ما لا يكاد يقل عن أرباح المصارف في هذه الأيام؛ مثال ذلك أن شركة بروزي وزعت على المساهمين فيها أرباحاً قدرها أربعون في المائة في عام 1308.

ولكن هذه الشركات الإيطالية كادت تكفر عن نهمها بما كانت تؤديه من الخدمات الحيوية للتجارة والصناعة. ولما أخذ نجمها في الأفول خلفت وراءها في جميع اللغات الأوربية تقريباً بعض مصطلحاتها وهي ألفاظ banco, credito, debito, cassa, conto, disconto, conto corrente, netto, bilanza, banca rotta ومعناها على التوالي المصرف، والدائن، والمدين، وصندوق النقد أي الخزانة، والحساب، والخصم، والحساب الجاري، والرصيد، والميزان الحسابي، والإفلاس.

وكانت الشركات المصرفية الكبرى في البندقية وفلورنس، وجنوى في أثناء القرن الثالث عشر أو قبله تقوم بجميع الأعمال التي تقوم بها المصارف في هذه الأيام كما تدل على ذلك الألفاظ السالفة الذكر. فكانت تقبل الودائع، وتفتح الحسابات الجارية بين الجماعات التي تقوم بسلسلة من الأعمال المالية لم تصل بعد إلى نهايتها، وكان مصرف البندقية منذ عام 1171 ينظم تبادل الحسابات بين عملائه بعمليات مقصورة على عمليات إمساك الدفاتر. وكانت تقرض المال، وتقبل ضماناً له الحلي، والدروع الغالية الثمن، والقراطيس المالية الحكومية، أو حق جباية الضرائب أو تدبير شئون الإيرادات. وكانت تخزن البضائع المعدة للنقل إلى خارج البلاد. وكان في مقدورها بفضل علاقاتها الدولية أن تصدر خطابات الاعتماد التي يستطاع بها تسليم المال المودع في بلد ما إلى مودعه أو من ينيبه عنه في بلد آخر- وهي وسيلة مصرفية المعبد. وكانت تقوم أيضاً بعكس هذه العملية فتكتب السفاتج: فكان التاجر إذا أخذ بضاعة أو قرضاً، يكتب على نفسه صكاً بأن يسدد ما عليه إلى الدائن قبل وقت معين في إحدى الأسواق الموسمية الكبرى أو في إحدى المصارف الدولية. وكانت هذه الصكوك تسوى بعضها مع بعض في السوق الموسمية أو المصرف بحيث لا يؤدي نقداً إلا صافي الحساب بعد التسوية. وبهذه الطريقة أصبحت مئات العمليات المالية والتجارية تسوى من غير أن يكلف المتعاملون أنفسهم مشقة حمل مبالغ طائلة وأثقال كبيرة من النقد أو تبادلها. ولما أصبحت المراكز المصرفية بيوت مقاصة، وفر رجال المصارف على أنفسهم عناء الذهاب إلى الأسواق الموسمية، فكان في وسع التجار المقيمين في سائر أنحاء أوربا أن يسحبوا الأموال من حساباتهم في مصارف إيطاليا ثم تسوى حساباتهم بعمليات إمساك الدفاتر بين المصارف المختلفة. وبهذه الطريقة زادت فائدة النقود وزاد تداولها عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل. ولم يكن "نظام الائتمان"- الذي قام على أساس الثقة المتبادلة أقل مظاهر الثورة الاقتصادية شأناً أو أقلها دلالة على الشرف والأمانة.

كذلك كانت بداية نظام التأمين في القرن الثالث عشر، فكانت نقابات التجار تؤمن أعضاءها من حوادث الحريق، وغرق السفن، وغيرهما من الكوارث والأضرار، بل تعدت هذا النوع إلى تأمينهم من القضايا التي تقام عليهم لجرائم ارتكبوها- سواء كان هؤلاء الأعضاء مذنبين أو أبرياء. وكانت أديرة كثيرة تعطى المؤمن مرتباً سنوياً طوال حياته. فإذا قدم لها الشخص مبلغاً معيناً من المال تعهدت بأن تمده بالطعام، والشراب، وبالثياب، والمسكن أحياناً، طوال حياته الباقية. وقام أحد مصارف بروج منذ القرن الثاني عشر بالتأمين على البضائع، ويبدو أن شركة قانونية للتأمين قد أسست في هذا البلد عام 1310. وكان آل باردي في فلورنس يؤمنون الأقمشة التي تنقل بطريق البر من الأخطار التي تتعرض لها في الطريق.

وأصدرت مدينة البندقية أولى السندات الحكومية في عام 1157، وكان سبب إصدارها أن مطالب الحرب اضطرت هذه الجمهورية أن تطلب قروضاً إجبارية من أهلها،- وأنشئت إدارة خاصة لتسليم هذه القروض-، ثم تعطى من يقدمونها شهادات تكون بمثابة ضمان من الحكومة بسداد هذه القروض مضافاً إليها فائدة. وأصبحت هذه السندات الحكومية بعد عام 1206 قابلة للتحويل والانتقال من يد إلى يد، وكان من المستطاع بيعها أو شراؤها أو اتخاذها ضماناً للديون. وكانت شهادات مثلها منصوص فيها على مديونية البلدية في كومو Como عام1250 على أنها مساومة لقدر معين من النقود المعدنية. وغذ لم تكن أوراق النقد إلا وعداً من الحكومة بالدفع، فإن هذه الشهادات الذهبية القابلة للتحويل تعد بداية أوراق النقد في أوربا.

وتطلبت العمليات المعقدة الخاصة بأصحاب المصارف، والبابوات، والملوك، نظاماً دقيقاً لإمساك الدفاتر. ولذلك امتلأت المحفوظات، ودفاتر الحسابات، وبسجلات الإيجار، والضرائب، والأموال الواردة والمنصرفة، والديون التي لأصحابها أو عليهم. وقد بقيت طرق المحاسبة، التي كانت متبعة في روما في عهد الإمبراطورية، متبعة في القسطنطينية بعد أن ضاعت منذ القرن السابع في أوربا الغربية؛ ومن هذه المدينة أخذها العرب، ثم عادت إلى الوجود في إيطاليا أثناء الحروب الصليبية: وإنا لنجد في الحسابات العامة لمدينة حنوي في عام 1340 نظاماً كاملاً لطريقة الدوبيا -القيد المزدوج- وإن ضياع سجلات جنوى الخاصة بالأعوام المحصورة بين 1278 و1340 ليترك لدينا مجالاً للترجيح على أن هذا التقدم كان أيضاً من الأعمال المجيدة التي ظهرت في القرن الثالث عشر.

أموال سلعية

رسم من عام 1742 لصدفات ودع كانت تستخدم كأموال سلعية.

العملة الموحدة

دراخمة يونانية من أيگينا. الوده: السلحفاة البرية / الظهر: ΑΙΓ (إينا) والدرفيل. أقدم عملة معدنية منقوش عليها سلحفاة تعود لعام 700 ق.م.
عملة معدنية من عام 640 ق.م. بقيمة ثلث ستاتر من ليديا، تظهر مكبرة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فواتير التبادل التجاري

رموز العصى

صرافو الصاغة

ودائع الماس

العملات الورقية

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

ببليوگرافيا

  • Bowman, John S. (2000). Columbia Chronologies of Asian History and Culture. New York: Columbia University Press. ISBN 0231110049
  • Ebrey, Walthall, Palais, (2006). East Asia: A Cultural, Social, and Political History. Boston: Houghton Mifflin Company. ISBN 0618133844
  • Del Mar,A A History of Money in Ancient Countries from the Earliest Times to the Present
  • Gernet, Jacques (1962). Daily Life in China on the Eve of the Mongol Invasion, 1250–1276. Stanford: Stanford University Press. ISBN 0-8047-0720-0
  • Richards, R. D. Early history of banking in England. London: R. S. King, 1929.

للاستزادة

وصلات خارجية