الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

جاء في كتب اللغة أن المعروف : ما يستحسن من الافعال ، وكلّ ماتعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه (1). والمنكر : كل ما قبّحه الشرع وحرّمه وكرّهه (2). وقيل عن المعروف : هو اسم لكلِّ فعل يُعْرَف بالعقل أو الشرع حسنه . والمنكر : ما ينكر بهما (3) ، أي كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو تتوقف في استقباحه واستحسانه ، فتحكم بقبحه الشريعة (4). وجاء في مجمع البيان أنّ المعروف : الطاعة ، والمنكر : المعصية .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا يختص الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمورد من الموارد ، ولا مجال من المجالات ، بل هو شامل لجميع ما جاء به الاِسلام من مفاهيم وقيم ، فهو شامل للتصورات والمبادئ التي تقوم على أساسها العقيدة الاِسلامية ، وشامل للموازين والقيم الاِسلامية التي تحكم العلاقات الانسانية ، وشامل للشرائع والقوانين ، وللاوضاع والتقاليد ، وبعبارة اُخرى هو دعوة إلى الاِسلام عقيدة ومنهجاً وسلوكاً ؛ بتحويل الشعور الباطني بالعقيدة إلى حركة سلوكية واقعية ، وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة متفاعلة ومتصلة مع الاوامر والارشادات الاِسلامية ، ومنكمشة ومنفصلة عن مقتضيات النواهي الاِسلامية . وقد بيّن الاِمام الحسين () موارد الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً : « ... بدأ الله بالاَمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه بأنّها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها هينها وصعبها ؛ وذلك أن الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاِسلام ، مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمة الفيء و الغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ، ووضعها في حقها...» وقد تجلّت هذه الشمولية بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ بن جبل حينما ولاّه على أحد البلدان : « يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الاخلاق الصالحة ، وانزل الناس منازلهم ـ خيّرهم وشرهم ـ وانفذ فيهم أمر الله... وأمت أمر الجاهلية إلاّ ما سنّه الاِسلام ، واظهر أمر الاِسلام كلّه ، صغيره وكبيره ، وليكن أكثر همّك الصلاة فإنّها رأس الاِسلام بعد الاقرار بالدين ، وذكّر الناس بالله واليوم الآخر واتبع الموعظة » (1). والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستتبع جميع مقوّمات الشخصية الانسانية في الفكر و العاطفة و السلوك ، لتكون منسجمة مع المنهج الالهي في الحياة ، وتكون هذه المقومات متطابقة مع بعضها ، فلا ازدواجية بين الفكر والعاطفة ولا بينهما وبين السلوك ، وهي وحدة واحدة يكون فيها الولاء والممارسة العملية لله وحده ولمنهج التوحيد الذي دعا إليه في جميع مفاهيمه وقيمه .

header 1 header 2 header 3
row 1, cell 1 row 1, cell 2 row 1, cell 3
row 2, cell 1 row 2, cell 2 row 2, cell 3

==حكم الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر==

إنّ الاِسلام ليس مجرد تفكير وتدبّر وخشوع يتحرك في داخل العقول والقلوب ، وإنّما هو منهج حياة واقعي ، يدعو إلى استنهاض الهمم والعزائم وتقوية الارادة ؛ لتنطلق في الواقع مجسدة للمفاهيم والقيم الالهية بصورة عملية ، وهو يدعو إلى النهوض بالتكاليف الالهية في عالم الضمير وعالم الواقع على حدٍّ سواء ، والاستقامة على ضوئها المهند

--82.114.160.34 07:56، 6 نوفمبر 2008 (UTC)


أدلة الوجوب

القرآن الكريم

اعتمد أغلب الفقهاء على الآيات القرآنية في اثبات الوجوب دون ذكر تفاصيل الاستدلال، اقراراً منهم بوضوح دلالتها حتّى قيل : (إنّ وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة دينية عند المسلمين يستدلُّ بها ، ولا يستدل عليها). وفيما يلي نستعرض الآيات القرآنية الواقعة في مقام الاستدلال على الوجوب . الآية الاُولى : ( وَلتكُن مِنكُم أُمّة يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَنِ المنكَرِ وأُولئك هُمُ المفلحِونَ ) (3). المخاطب بهذه الآية القرآنية هم المؤمنين كافة ، فهم مكلفون بأن (ينتخبوا منهم أُمّة تقوم بهذه الفريضة ، وذلك بأن يكون لكلِّ فرد منهم ارادة وعمل في ايجادها) (4). وهي واضحة الدلالة على الوجوب ، فإنّ قول القرآن : ( ولتكن ) أمر ، وظاهر الاَمر الايجاب هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى حصرت الآية الفلاح بهذا العمل

الروايات الشريفة

أذكر إخوتي الكرام وأخص منهم طلاب العلم بقول الرسول "لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه" وإسناده صحيح. وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيقال: أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا أفعله، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" رواه الشيخان.

وعن أنس قال: قال رسول الله "مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون" وفي رواية: "ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به" وإسناده صحيح.

واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يعد اختيارا، ولا سنة، ولا تطوعا، بل أصبح فرضا وواجبا على كل مستطيع يقول المصطفى: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه".

تسأل إحدى أمهات المؤمنين رسول الله "أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم إذا كثر فيكم الخبث" ثم يبعثون على نياتهم كما ورد في حديث آخر.

ثالثًا: مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:‏ ‏ لقد بين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ثلاث:‏

‎‎ المرتبة الأولى: الإنكار باليد مع القدرة، وذلك خاص بمن له ولاية من مسؤول أو محتسب ممن يقدر على ذلك. وهكذا المرء مع أهله وأولاده، يأمرهم بالصلاة وسائر الواجبات، وينهاهم عما حرم الله.‏

‎‎ المرتبة الثانية: إن عجز المحتسب عن الإنكار باليد انتقل إلى الإنكار باللسان، فيعظهم ويذكرهم ويعاملهم بالأسلوب الحسن مع الرفق، ويستعمل الألفاظ الطيبة والكلمات المناسبة، حتى لو قوبل بالسوء فهو لا يقابل إلا بالتي هي أحسن.‏

‎‎ المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي آخر المرتب، ولا رخصة لأحد في تركها ألبته، بل يجب ترك المنكر وبغضه بغضًا تامًا مستمرًا. وهذا يقتضي مفارقة أهل المعصية ومجانبتهم حال معصيتهم، يقول تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، إنكم إذًا مثلهم } [النساء: 140]. ففي الآية نهي صريح عن مجالسة أصحاب المنكر حال مواقعته، حتى يتحولوا عنه، وإلا كانوا مثلهم في الإثم، لرضاهم بذلك.‏

رابعًا: وسائله وأساليبه:‏ ‏ قال تعالى: {ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [النحل: 125]. فالدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله، ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك. والموعظة الحسنة: تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، لغة وعرفًا .‏

‎‎ قال سفيان الثوري: "ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالمًا بما يأمر به، عالمًا بما ينهى عنه ".‏

‎‎ ووسائل الخير كثيرة لا تحصر، فيسلك الداعي فيها أفضل الطرق، وأدعاها للقبول والاستجابة، ومنها: الخطب في أيام الجمع والأعياد والمجامع العامة، والعناية بتربية الأولاد ونشر العلم الشرعي، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والكتابة والنصيحة المباشرة لصاحب المنكر، ومعاونة أفراد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشد أزرهم. ‏

خامسًا: قصص نبوية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:‏ 1. ‏عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده .فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه ابدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم.‏

2. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردّ، وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرده وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ) فرجع ثلاثا،ً فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني؟ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها ) رواه البخاري.‏

3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد تحجرت واسعًا ) ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع إليه الناس فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه سجلاً من ماء ، أو قال: ذنوبًا من ماء ) رواه أبو داود، ووصحه الألباني. تحجرت واسعًا: ضيقت ما وسعه الله، وخصصت به نفسك دون غيرك.‏

المراجع

1) مجمع البيان في تفسير القرآن \ الطبرسي 1 : 483. --- 2) تحف العقول \ ابن شعبة الحرّاني : 168. --- 3) لسان العرب / ابن منظور 9 : 239.--- 4) لسان العرب 5 : 233---