فيلون

(تم التحويل من فيلون السكندري)
فيلو (20 ق.م. – 50 م)

فيلون Philo (عاش 20 ق.م. – 50)، ويعرف أيضاً بإسم فيلو السكندري Philo of Alexandria (باليونانية: Φίλων ὁ Ἀλεξανδρεύς)، Philo Judaeus، Philo Judaeus of Alexandria, Yedidia و فيلو اليهودي، كان فيلسوفاً يهودياً هلينياً ولد في الإسكندرية.

كان رئيس الوفد اليهودي إلى كاليجولا هو الفيلسوف فيلو، وكان أخوه مدير تجارة الصدار اليهودية في الإسكندرية. ويصفه يوسيبوس Eysebius بأنه من أسرة عريقة من رجال الدين(13). ولا نكاد نعرف شيئاً غير هذا عن حياته ولكن تقواه وكرم أخلاقه يظهران واضحين في المؤلفات الكثيرة التي وضعها في شرح الدين اليهودي للعالم اليوناني. وقد نشأ الرجل في جوديتي، فكان شديد الوفاء لشعبه، ولكنه افتتن بالفلسفة اليونانية، فجعل هدفه في الحياة أن يوفق بين الكتاب المقدس وعادات اليهود من جهة، والآراء اليونانية وبخاصة فلسفة أفلاطون "أقدس القدّيسين" من جهة أخرى. ولكي يصل إلى غرضه هذا لجأ إلى المبدأ القائل إن جميع الحادثات، والأخلاق، والعقائد، والشرائع المنصوص عليها في العهد القديم ذات معنيين أحدهما مجازي والآخر حرفي، وأنها ترمز إلى حقائق أخلاقية أو فلسفة؛ وكان في وسعه بهذه الطريقة أن يبرهن على صحة أي شيء يريد البرهنة على صحّته. وكان يكتب باللغة العبرية بأسلوب لا بأس به. ولكن أسلوبه في اليونانية بلغ من الجودة حداً جعل المعجبين به يقولون إن "أفلاطون كان يكتب كما يكتب فيلو"(14).

وكان فيلو فيلسوفاً أكثر مما كان رجل دين، وكان صوفياً استبقت تقواه الشديدة تقوى بلوتينس وعقلية العصور الوسطى. وكان الله في كتابات فيلو هو الكائن الجوهري في العالم، وهو كائن غير مجسّد، أزلي سرمدي، يجلّ عن الوصف؛ في وسع العقل أن يدرك وجوده، ولكنه لا يستطيع أن يخلع عليه صفة ما، لأن كل صفة تعني التحديد. والذين يتصوّرونه في صورة بشرية إنما يفعلون ذلك لتقريبه من خيال البشر الحسّي. والله موجود في كل مكان: "وهل ثمة مكان يستطيع الإنسان أن يجده وليس الله فيه؟"(15) ولكنه ليس كل شيء، فالمادة أيضاً سرمدي، وغير مخلوقة؛ ولكنها لا تكون لها حياة، ولا حركة، ولا صورة، حتى تنبعثُ فيها القوّة الإلهية.

ولكي يخلق الله العالم بأن يشكّل المادة، ويوجد الصلات بينه وبين الإنسان، إستخدم لذلك جمعاً من الكائنات الوسطى يسميها اليهود ملائكة ويسميها اليونان شياطين diamones ويسميها أفلاطون أفكاراً. ويقول فيلو إن في وسعنا أن نتصوّر هذه الكائنات في صورة أشخاص، وإن كانت في واقع الأمر لا وجود لها إلا في العقل الإلهي بوصفها أفكار الله وقواه(16) وهي مجتمعة تكون ما يسميه الرواقيون الكلمة أو العقل الإلهي خالق العالم وهاديه. وكان فيلو يتأرجح بين الفلسفة واللاهوت، وبين التجريد والتجسيد، ولهذا كان يفكر في العقل الإلهي مرة كأنه شخص وفي ساعة من ساعات نشوته الشعرية يسميه أول ما ولد الله"(17). وغبن الله من الحكمة العذراء(18)، ويقول إنه عن طريق الكلمة كشف الله عن نفسه للإنسان. وإذا كانت الروح في رأيه جزءاً من الله، فإن في وسعها أن تسمو عن طريق العقل فترى الكلمة رؤيا صوفية، وإن كانت لا ترى الله نفسه؛ وربما كان في وسعنا إذا تحررنا من دنس المادة والحس، وتدرّبنا على الزهد والتفكير الطويل، أن نصبح في ساعة من الساعات روحاً خالصة، وأن نرى الله نفسه في لحظة من لحظات النشوة(9).

ولقد كانت "عقيدة العقل الإلهي" التي يقول بها فيلو من الآراء ذات الأثر الأكبر في تاريخ التفكير البشري. ولرأيه هذا سابقات واضحة في فلسفة هرقليطس وأفلاطون، والرواقيين؛ وأكبر الظن أنه كان يعرف الآداب اليهودية التي نشأت في العصر القريب من عصره، والتي جعلت من حكمة الله بوصفه خالق الكون شخصاً محدداً مميزاً، وما من شك في أنه قد انطبعت في عقله تلك العبارات الواردة في سِفْر الأمثال (8:22) وما بعدها، والتي تقول فيها الحكمة، "الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مُسِحَت منذ البدء، منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أبدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت إذا لم يكن قد صنع الأرض بعد".

وكان فيلو معاصراً للمسيح ويلوح أنه لم يسمع قط عنه، ولكنه قد أسهم على غير علم منه في تكوين اللاهوت المسيحي. ولم يكن أحبار اليهود راضين عن تفسيراته المجازية للكتاب المقدّس، لظنهم أن هذه التفسيرات قد تُتّخذ حجة لنبذ الطاعة الحرفية للشريعة اليهودية؛ وكانوا يرتابون في عقيدة الكلمة ويعدّونها ارتداداً عن عقيدة التوحيد، كما كانوا يرون في هيام فيلو بالفلسفة اليونانية نذيراً بضياع ثقافتهم، وفقدان الجزء الأكبر من خصائصهم العنصرية، وما ينشأ عن هذا وذاك من اختفاء اليهود المشتتين في بقاع الأرض. ولكن آباء الكنيسة المسيحية كانوا يعجبون بورع هذا الرجل اليهودي المنبعث عن تفكير عميق، وكثيراً ما كانوا يلجئون إلى آرائه وتعبيراته المجازية ليردّوا بها على من يتصدّون لنقد التوراة العبرية، وانضموا إلى جماعة العارفين ، ورجال الأفلاطونية الحديثة في القول بأن رؤيا الله الصوفية هي أسمى ما تصل إليه المحاولات البشرية. ولقد حاول فيلو أن يوفق بين اليهودية والفلسفة الهلينية؛ فأما من وجهة النظر اليهودية فقد أخفق في مسعاه وأما من وجهة النظر التاريخية فقد أفلح، وكانت ثمرة فلاحه هي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


الهامش

وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بفيلون، في معرفة الاقتباس.