عبور كوكب الزهرة 2012

(تم التحويل من عبور الزهرة 2012)
نبيل عبدالقادر عبدالوهاب
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال

عبور الزهرة 2012 هو حدث عبور فلكي لكوكب الزهرة سيقع في يومي 5 و6 من يونيو/حزيران سنة 2012. وهو يُعد العبور الثاني للزهرة في هذا القرن بعد عبور سنة 2004[1] (الذي كان الأول منذ سنة 1882[2] ولن يحدث أي عبور آخر مماثل له حتى سنة 2117.[3][4]

عبور كوكب الزهرة بين الأرض والشمس


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عبور الزهرة في الماضي والمستقبل

عبور الزهرة عادة يكون مزدوجاً (عبوران يفصل بينهما 8 سنوات يحدثان كل 121.5 سنة). لكن عبوراً فردياً حدث عام 1153 وسيحدث عبور آخر مشابه عامل 3089، ذلك أن العبور الآخر المفترض أن يحدث قبل 8 سنوات سيمر قرب الأرض ولن يتمكن من رسم ظله عليها. في المقابل فإن عبور 2854 لن يتم رصده إلى في مكان ضيق من جنوب الكرة الأرضية.

الرسوم المتحركة من عبور كوكب الزهرة من حزيران عام 2012 في الإحداثيات الاستوائية والصيف في أوروبا الوسطى.[5]


عبور الزهرة هي الظاهرة الفلكية التي يسببها مرور الزهرة بين الشمس والأرض، فتبدو كنقظة سوداء صغيرة عابرة قرص الشمس. يقاس هذا العبور وأمثاله عادة بالساعات. العبور الماضي الذي جرى عام 2004 م وكذلك العبور القادم 2012 م لهما من الطول نحو 6 ساعات. يشبه العبور الكسوف الذي يسببه مرور القمر بين الأرض والشمس، ومع أن الزهرة أكبر من القمر بأربع مرات تقريباً إلا أن المسافة التي تفصلها عن الأرض تجعلها تبدو صغيرة للعيان. لقد ساهمت عمليات الرصد التي تابعت عبور الزهرة في حساب المسافة بين الشمس والأرض باستخدام قانون اختلاف المنظر. ويحدث عبور مشابه هو عبور عطارد لكنه صعب الرصد لأنّ عطارد أصغر حجماً من الزهرة وأقرب منها إلى الشمس وبالتالي أبعد عن الأرض.

يعتبر عبور الزهرة أحد أكثر الظواهر الفلكية الدورية ندرة، إذ تتكرر في دورة مدتها 243 سنة، بعبورين يفصل بينهما 8 سنوات ثم آخر بعد 121.5 سنة، يليه آخر بعد 105.5 سنة. قبل عبور عام 2004 وقع آخر عبور عام 1874 و 1882، لاحقاً للعبور القادم بعد 2012 ستعبر الزهرة عام 2117 ثم 2125. (عبوران يفصل بينهما 8 سنوات) ثم تمر 121.5 سنة ليحصل (عبور وبعد 8 سنوات يقع عبور آخر) وهكذا.

جونز كيبلر كان أول من تنبأ بحدوث العبور، وتوقع أن يكون في عام 1631 م، لكن أحداً لم يرصده، ذلك أن توقعات كيبلر لم تكن دقيقة بما يكفي، فهو لم يتمكن من أن يتوقع أن العبور لن يكون مرئياً من معظم أرجاء أوروبا.

تم أول رصد للعبور قرب بريستون في إنكلترا بعيني جيرمي هوروكس من منزله هناك، في 4 ديسمبر 1639 م، كما أن صديقه ويليام كريبتري رصد العبور نفسه من سالفورد قرب مانشستر. وبعد أن استمر هوروكس في رصد السماء معظم النهار من دون جدوى، كان من حسن حظه أن تفرقت الغيوم وكشفت الشمس ليتمكن من رصد العبور مدة نصف ساعة إبان الغروب ولم تنشر نتائج رصده إلى عام 1666 بعد مدة من وفاته.

في العام 1761 توقع ميخائيل لومونسوف بناءا على نتائج رصده لعبور ذلك العام، أن لكوكب الزهرة غلاف جوي.

في ذلك الوقت تقدم العالم الفلكي إدموند هالي باقتراح فذ للاستفادة من العبور في حساب بعد الشمس عن الأرض وحجهما. وتم رصد العبور من مختلف مناطق العالم.

لقد كان من غير الممكن تحديد اللحظة التي يلامس فيها ظل الزهرة قرص الشمس أو يغادره، وذلك تحت تأثير ظاهرة حيود الضوء، وهي ظاهرة بصرية.


مناطق المشاهدة

خريطة توضح أين سيكون العبور مشاهداً وفي أي توقيت في مختلف أنحاء العالم.

سيكون العبور مرئياً في معظم أنحاء العالم المأهولة بالسكان، لكن مع ذلك فإنه لن يُرى في مساحات كبيرة منها. أفضل المناطق التي يمكن أن يرصد منها العبور هي الشرق الأقصى، بما في ذلك شرق الصين وروسيا وكامل منغوليا واليابان وبابوا غينيا الجديدة، بالإضافة إلى قسم كبير من قارة أستراليا وولاية ألاسكا الأمريكية والمنطقة الشمالية الغربية الكندية، وسيُشاهد العبور في هذه المناطق مع شروق شمس يوم الخامس من يونيو.

لاحقاً وفي إثر شرق آسيا وأستراليا وألاسكا سيُشاهَد العبور تدريجياً في باقي أنحاء كندا التي لم يظهر بها في بداية اليوم، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية بأكملها وكامل المكسيك وجميع دول أمريكا الوسطى، بالإضافة إلى دول فنزويلا وكولومبيا والإكوادور ومعظم البيرو (شمال وغرب أمريكا اللاتينية)، حيث سيشاهد العبور في كافة هذه المناطق مع غروب شمس الخامس من يونيو.[6]

بعدَ مغيب الشمس لن تكون مشاهدة العبور ممكنة بطبيعة الحال في أي مكان بالعالم حتى شروق شمس السادس من يونيو (حيث أن العبور سيكون قد انتهى بالفعل في نصف الكرة الأرضية الذي تشرق الشمس فيه)، وهنا تأتي المنطقة التي لن يُشاهَد فيها العبور على الإطلاق، وهي باقي أنحاء أمريكا اللاتينية، وأغلب غرب وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى كامل البرتغال وقرابة نصف إسبانيا، فضلاً عن كامل أنتاركتيكا.

عدى عن هذه المناطق، ستكون مشاهدة العبور ممكنة في كل باقي أوروبا وأفريقيا وآسيا دون استثناء مع شروق شمس السادس من يونيو. وستكون مشاهدته ممكنة في أغلب أنحاء الوطن العربي، ما عدى ثلاث دول، هي موريتانيا والمغرب بكاملهما، بالإضافة إلى جزء كبير من غربيّ الجزائر.[7]

أوقات العبور بالوطن العربي

أوقات إمكانية رصد العبور في مختلف أنحاء الوطن العربي بتوقيتها المحليّ (علماً أن أوقات "البدء" و"الانتهاء" تعني بدء أو انتهاء إمكانية الرصد، لا بدء وانتهاء وقت العبور الفعليّ):

الدولة بدء العبور (بالتوقيت المحلي) انتهاء العبور (بالتوقيت المحلي) المصدر
عُمان 05:18 08:53 [8]
البحرين 4:50 07:44 [9]
السعودية 05:30 08:00 [10]

الأهمية العملية للعبور

قياس زاوية عبور الزهرة

تطبيقاً لفكرة فذة اقترحها الفلكي الشهير هالي مطلع القرن الثامن عشر، تمكن العلماء آنذاك من حساب بعد الشمس عن الأرض وتقوم الفكرة على مايلي:

يتم إرسال مجموعتي رصد (أو أكثر) إلى قطبي الكرة الأرضية لمراقبة ظاهرة العبور وقياس مجموعة من الزوايا والأبعاد (زاوية العبور، نقطة الدخول ونقطة الخروج، زاوية ميل نقطة مستوي العبور عن محور الأرض)، ثم يتم جمع المعلومات الناتجة عن أعمال الرصد التي تقوم بها المجموعتان وتستخدم لحساب بعد الشمس عن الأرض ومن ثم قطر الشمس، وكذلك حجمها. العبور القادم للزهرة سيكون يوم 6 جوان/ يونيو 2012.

حالياً لم يعد رصد العبور مهماً من ناحية حساب بعد الشمس، فتلك الحسابات باتت تعتمد على الرادار، لكن الفوائد العلمية من الرصد الآن تهتم بنسبة انخفاض شدة الشمس الناجمة عن عبور الزهرة، لمقارنتها في عمليات رصد النجوم البعيدة. فإذا ما حدث تغير في شدة سطوع نجم بعيد يمكن أن يكون ذلك نتيجة لعبور أحد الكواكب التي تدور حوله، ومن ثم يمكن استنتاج حجم الكوكب وبعده عن ذلك النجم حسب التغير الذي لاحظ في شدة سطوع النجم. فحتى الآن كانت طرق رصد كواكب تدور حول نجوم بعيدة تعتمد على ظاهرة اهتزاز النجوم الناتجة عن شدة الجذب التي تسببها كواكبها، لكن تلك الاهتزازات لا يمكن أن تكشف عن وجود كواكب بحجم الأرض، بل تحتاج إلى كوكب كبير من حجم المشتري، ليسبب الأثر الاهتزازي الكافي للرصد. لذلك فإن طريقة احتساب الفروق في شدة السطوع ستكون أكثر فعالية وأدق لكنها بالطبع تشترط حدوث عبور الكوكب بين النجم المرصود والأرض.


الاقتران

رسم توضيحي يظهر الزاوية بين مداري الزهرة والأرض خلال العبور.

كون مدار كوكب الزهرة منحرفاً بمقدار 3.4ْ عن مدار الأرض فهو عادة ما يمرّ بالقرب من الشمس، مقترناً معها اقتراناً داخلياً (والمقصود بهذا المصطلح هو وقوع الأرض والزهرة والشمس على خط واحد).[11] وأما العبور فيحدث عندما يقترن الزهرة مع الشمس عند نقطة الاعتدال المدارية، وهي النقطة التي يتقاطع فيها مدار الزهرة مع مدار الأرض من المنظور الأفقي (بالأحرى، مع سهل النظام الشمسي). وعلى الرغم من أن الفرق بين زاويتي المدارين هو 3.4ْ فحسب، فيمكن أن تبلغ المسافة بين الزهرة والشمس في سماء الأرض 9.6ْ خلال الاقترانات الداخلية.[12] وبما أن قطر الشمس الزاوي يبلغ نصف درجة تقريباً فمن الممكن أن تصل المسافة بين الزهرة والشمس في السماء خلال اقتران عاديّ إلى 18 قطراً شمسياً.[11]

يحدث عبور الزهرة في دورات تتكرّر مرة كل 243 سنة، وتتألف من عبورين متتالين تفصل بينهما 8 سنوات فحسب، ثم يتبعهما بعد فاصل زمني مقداره 121.5 سنة زوج آخر من عبورين تفصل بينهما ثمانية سنوات أيضاً، وأخيراً يأتي زوج العبور الثالث بعد فاصل زمني آخر يبلغ 105.5 سنوات، قبل أن تتكرّر دورة الـ243 عاماً مرة أخرى. ويرجع سبب هذا الرقم إلى أن 243 سنة فلكية أرضية (وهي دورة مدتها أطول بقليل من السنة المدارية، إذ تأخذ 365.25636 يوماً) تأخذ 88757.3 يوماً، فيما أن 395 سنة فلكية زهرية (والتي يبلغ طولها 224.701 يوماً أرضياً) تأخذ 88756.9 يوماً أيضاً. وهكذا فإن كوكبي الأرض والزهرة يعودان تقريباً بعد هذه المدة إلى نفس المواقع التي كانا فيها قبل 243 سنة، وهي فترة تعادل 152 دورة مدارية للزهرة.[13]

لكن على الرغم من ذلك فنتيجة للفرق البسيط بين فترتي دورتي الأرض والزهرة فإن نمط السنوات الـ105.5 والـ8 والـ121.5 والـ8 ليس السيناريو الوحيد الممكن خلال دورة الـ243 سنة. فعلى سبيل المثال، كان نمط دورة العبور قبل سنة 1518م هو 8 سنوات ثم 113.5 ثم 8 سنوات يتبعها فاصل 121.5 سنة (أي أن فاصل الـ105.5 سنوات تغير إلى 113.5)، كما أن فاصل السنوات الثمانية بين كل عبورين في زوج واحد يبلغ 121.5 سنة قبل عام 546م. بالنسبة لنمط العبور الحالي فهو سيستمرّ ثمانية قرون أخرى حتى عام 2846، عندما يحلّ محله نمط جديد من 105.5 سنوات فـ129.5 فـ8. وعموماً تظل دورة الـ243 سنة مستقرة نسبياً ككل، لكن عدد مرات العبور خلالها والفواصل الزمنية بينها تختلف مع الوقت.[13][14]

الرصد القديم

"لوح الملك آمي سادوقا لكوكب الزهرة": لوح كتابة مسمارية طيني قديم يحوي تنبؤات تنجيمية تعود إلى عهد الإمبراطورية الآشورية الحديثة، معروض بمكتبة آشوربانيبال.

رصد الفلكيون المصريون والبابليون والهنود والإغريق والصينيون القدماء كوكب الزهرة وسجّلوا حركاته. وقد ظنّ الفلكيون الإغريق أن ظهور الزهرة أثناء الشروق والغروب كان يُمثل جرمين سماويَّين مختلفين، فأطلقوا على الأول اسم "هيسبيروس" (باليونانية: Hesperus) نجمة الصّباح والثاني "فوسفوروس" (باليونانية: Phosphorus) نجمة المساء[15] (ولو أن الفضل يُنسَب إلى فيثاغوروس في إدراك كونهما جرماً واحداً). كما كانت شعوب الأمريكتين القديمة - وخصوصاً المايا - تولي هذا الكوكب اهتماماً كبيرا،ً وقد أطلقت عليه اسم "نوه إك" (أي "النجم العظيم"). لكن على الرغم من ذلك فما من أدلّة على أن أياً من هذه الأمم عرفت بحدث عبور الزهرة أو رصدته.[16] ومع أن المايا خصوصاً رسموا وخططوا دورة كوكب الزهرة الكاملة ودرسوها بدقة، فلم يعرفوا شيئاً عن عبوره.[17]

الرصد الحديث

طريقة قياس أوقات عبور الزهرة لحساب تزيح الشمس، ومن ثم المسافة بينها وبين الأرض.

بغض النظر عن ندرة هذا الحدث الكبيرة، فإن السبب الأصلي وراء الاهتمام العلميّ اتجاهه كان في إمكانية استغلاله لقياس المسافة بين الأرض والشمس، ومن ثم حجم النظام الشمسي كله اعتماداً على مبدأ التزيح وقانون كبلر الثالث في الحركة الكوكبية. وقد كانت تتمثّل طريقة هذا القياس في عمل قياسات دقيقة بداية للاختلافات الزمنية البسيطة في أوقات رصد العبور بين نقاط متباعدة على سطح الكرة الأرضية، ومن ثم تستخدم المسافة بين هذه المواقع كحجر أساس لحساب المسافة بين الشمس والزهرة عبر التثليت.[18]

ومع أن الفلكيين كانوا قادرين بحلول القرن السابع عشر على إعطاء قياسات تقريبية للمسافات بين الكواكب والشمس بناءً على المسافة بينها وبين الأرض، فإنهم لم يستطيعوا تحديد هذه المسافات بدقة قاطعة.

كان العالم الفلكي يوهانس كبلر في سنة 1627 أول شخص يتنبأ بعبور لكوكب الزهرة، إذ تنبأ بعبور سنة 1631. غير أن الطريقة التي اتّبعها في إجراء حساباته لم تكن دقيقة كفاية ليدرك أن العبور لم يكن مرئياً في قارة أوروبا، ونتيجة لذلك لم يستطع أحد رصد الحدث.[19]

1639: أول رصد علميّ

وليام كرابتري - صديق هورّوكس - يرصد عبور الزهرة سنة 1639 من مانشستر، ويعد هذا أول عبور مرصود معروف للزهرة في التاريخ.

أول رصد معروف لعبور لكوكب الزهرة كان في 4 ديسمبر سنة 1639 (24 نوفمبر حسب التقويم اليولياني) على يد الفلكيّ جيريمياه هوروكس، الذي رصده من منزله في قرية متش هول ‏(en) الواقعة قرب مدينة برستون بإنكلترا. كما رصد صديقه وليام كرابتري العبور في الآن ذاته من ضاحية براوتون قرب مدينة مانشستر.[20] وكان كبلر قد تنبأ بعبوري سنتي 1631 و1761، غير أن عبور سنة 1639 فاته. فقام هورّوكس بتصحيح حساباته لمدار الزهرة، وتوصّل إلى أن العبور يحدث في أزواج تفصل بين كل عبورين فيها مدة 8 سنوات، ومن ثم تمكّن من التنبؤ بعبور 1639.[21] وقد تمكن هوروكس من تحديد أن وقت العبور سيبدأ في الساعة الثالثة ظهراً، غير أنه لم يكن متأكداً من التوقيت الدقيق. ولرصد الحدث استخدم تلسكوباً بسيطاً وجَّهه نحو الشمس، ثم وضع تحت عينيّته ورقة، بحيث تسقط عليها صورة الشمس ("الرصد بالإسقاط")، مما يمكنه من رؤيتها بسهولة ودون تعريض عينيه للخطر. وقد تمكّن أخيراً بعد أن قضى اليوم كله في الرصد من رؤية العبور عندما انقشعت السحب قليلاً في الساعة 3:15 ظهراً، أي قبل الغروب بنصف ساعة فحسب. وقد مكَّنَ هذا الرصد هوروكس من إعطاء تخمين جيد لحجم كوكب الزهرة، بالإضافة إلى تقدير المسافة بين الأرض والشمس، التي توصَّل إلى أنها حوالي 95.6 مليون كيلومتر (0.639 و.ف)، أي ما يعادل ثلثي المسافة الحقيقية تقريباً التي تبلغ 149.6 ميلون كيلومتر، غير أنه كان الرقم الأكثر دقة على الإطلاق آنذاك. لكن على الرغم من ذلك كله فإن نتائج أرصاد هوروكس لم تُنشَر حتى سنة 1661، أي بعد موته بفترة ليست بالقليلة.[21]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

1761 و1769

توقع الرياضياتي السويدي جيمس غريغوري في سنة 1663 بكتابه "Optica Promota" أن رصد عبور لكوكب عطارد من على نقاط متباعدة على سطح الأرض يمكن أن يستخدم لحساب تزيح الشمس، ومن ثمّ بعدها عن كوكب الأرض. وقد رصد الفلكي اليافع إدموند هالي عبوراً لعطارد في سنة 1676 من سانت هيلينا بناءً على ذلك، على أمل أن يستطيع قياس المسافة بين الأرض والشمس، غير أنه أحبطَ عندما علم أنه لم يُجرَ سوى رصد واحد في بقعة أخرى من العالم للعبور غير رصده، ولذلك فلم يرتح للنتيجة التي توصل إليها بخصوص التزيح الشمسيّ (والتي بلغت 45 ثانية قوسية)، إذ اعتقد أنها لم تكن دقيقة نظراً إلى قلة أرصاد العبور التي اعتمد عليها القياس. لكن في سنة 1678 توقّع أنه من الممكن الحصول على قياسات أدقّ في حال اعتُمِدَ على عبور لكوكب الزهرة بدلاً من عطارد، غير أن العبور التالي لم يكن ليأتي قبل سنة 1761. توفيَّ هالي في سنة 1742، لكن عبور سنة 1761 جاء مختلفاً عن سابقيه، إذ أرسلت بعثات عديدة إلى أنحاء مختلفة من العالم لإجراء قياسات وأرصاد دقيقة للعبور، بهدف إجراء الحسابات التي أراد هالي العمل عليها قبل ذلك دون نتيجة، وقد كانت تلك من حالات التعاون العالميّ المبكرة في المجال العلمي.[22] وقد شملت جنسيّات العلماء الذين رصدوا هذا العبور فلكيين بريطانيين ونمساويّين وفرنسيين، ارتحلوا إلى بقاع مختلفة من العالم، منها صربيا والنرويج ومدغشقر.[23] ومعظمهم لم يتمكّنوا من سوى من رصد جزء يسير من العبور، وأما أنجح الأرصاد فقد تمت على يدي الفلكيَّين جيريمياه دكسون وتشارلز ماسون في رأس الرجاء الصالح.[24]

تنبّأ الفلكيّ الروسي ميخائيل لومونوسوف بوجود غلاف الزهرة الجوي منذ أواسط القرن الثامن عشر، بناءً على أرصاده لعبور سنة 1761 من مرقب سانت بطرسبرغ. وقد تمكّن من ذلك بملاحظته انكسار أشعة الشمس بجوار الكوكب أثناء رصده العبور، واستنتج من ذلك أنه لا يمكن سوى لانكسار الأشعة عبر غلاف جوي تفسير ظهور حلقة من الضوء حول جزء من كوكب الزهرة لم يلامس قرص الشمس بعد خلال المرحلة الأولية من العبور.[25]

أما في أيام عبور الزهرة سنة 1769 فقد ارتحل الفلكيّون والعلماء لرصد الحدث من خليج هدسون في كندا وسان جوس دل كابو في المكسيك حتى إسكندنافيا والنرويج، فضلاً عن جزيرة تاهيتي في المحيط الهادئ، عندما رُصدَ الحدث من هناك خلال بعثة القبطان جيمس كوك الأولى،[26] ولا زال يُعرَف الموقع الذي رصد فيه العبور هناك بـ"نقطة الزهرة".[27] وفي روسيا، دعت الإمبراطورة كاثرين العظيمة الفلكي التشيكي كريستيان ماير لرصد العبور في سانت بطرسبرغ مع الفلكي أندريس يوهان لكسل، كما توزّع ثمانية أعضاء آخرون في الأكاديمية الروسية للعلوم على مواقع أخرى في أنحاء الإمبراطورية الروسية لرصد الحدث.[28] وأما في الولايات المتحدة فقد أقامت الجمعية الفلسفية الأمريكية في فيلادلفيا ثلاثة مراصد مؤقتة وعيّنت لجنة لتنسيق رصد جماعيّ للعبور. وقد دوّنت نتائج الأرصاد الثلاثة في المجلد الأول من مجلة علمية تصدرها الجمعية، نشرت في سنة 1771.[29] لكن لم تنجح جميع المحاولات الرصديةو مع ذلك، فعلى سبيل المثال قضى الفلكي الفرنسي غويملا لي غنتل ثمانية سنوات يرتحل محاولاً رصد العبورين، غير أنه فشل فشلاً ذريعاً، وقد خسر أملاكه نتيجة لذلك بعد أن أعلنَ أنه ميت.[23]

لكن واجهت الفلكيين الذين كانوا يحاولون إجراء القياسات المشكلة، إذ لم يكن من الممكن تحديد التوقيت الدقيق الذي يبدأ وينتهي فيه العبور نتيجة ظاهرة "تأثير الدمعة السوداء". وقد اعتقد طويلاً أن هذا التأثير كان ناجماً عن غلاف الزهرة الجوي السميك، كما أدى ذلك إلى اعتباره أول دليل حقيقيّ على امتلاك الزهرة غلافاً جوياً. غير أن الدراسات الحديثة أثبتت أنه ليس سوى تأثير بصريّ سببه تشويه اضطراب الغلاف الجوي الأرضيّ لصورة كوكب الزهرة في السماء، أو أحياناً أيضاً بسبب رداءة أدوات الرصد.[30][31]

المصادر

  1. ^ موقع الصورة الفلكية اليومية - عبور الزهرة. جمعية الشعرى الفلكية الجزائرية. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  2. ^ جفأ: الزهرة. الجمعية الفلكية الأردنية. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  3. ^ الحجري: عبور الزهرة يُرى هذا العام وفي 3089. صحيفة الوسط البحرينية. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  4. ^ الحجري: عبور الزهرة للشمس واختفاء كوكب المشتري خلف القمر ابرز الظواهر الفلكية القادمة لهذا العام. صحيفة الوسط البحرينية. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  5. ^ Venus transit on 6 June 2012 - hemel.waarnemen.com (in Dutch)
  6. ^ Where to Be (and When) (متى تكون (وأين). موقع "Transit of venus" (عبور الزهرة). تاريخ الولوج 20-05-2012.
  7. ^ Global Visibility of the Transit of Venus of 2012 June 05/06 (إمكانية رؤية عبور الزهرة في 05/06 يونيو سنة 2012 بأنحاء العالم). وكالة ناسا. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  8. ^ سماء السلطنة تشهد عبور كوكب الزهرة أمام الشمس.. 6 يونيو المقبل. صحيفة الرؤية العمانية. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  9. ^ تشهد سماء البحرين عبور كوكب الزهرة أمام قرص الشمس 6 يونيو المقبل. موقع فضاء مجتمعي. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  10. ^ الشرقية تراقب عبور «الزهرة» أمام الشمس 6 يونيو. صحيفة اليوم. تاريخ النشر 16-05-2012. تاريخ الولوج 20-05-2012.
  11. ^ أ ب "Venus compared to Earth". European Space Agency. 2000. Retrieved 25 September 2006.
  12. ^ Juergen Giesen (2003). "Transit Motion Applet". Retrieved 26 September 2006.
  13. ^ أ ب Fred Espenak (2004-02-11). "Transits of Venus, Six Millennium Catalog: 2000 BCE to 4000 CE". NASA. Retrieved 21 September 2006.
  14. ^ John Walker. "Transits of Venus from Earth". Fourmilab Switzerland. Retrieved 21 September 2006.
  15. ^ Paul Rincon (2005-11-07). "Planet Venus: Earth's 'evil twin'". BBC. Retrieved 25 September 2006.
  16. ^ Morley, Sylvanus G. (1994). The Ancient Maya (5th ed.). Stanford Univ Press. ISBN 978-0-8047-2310-7.
  17. ^ Bohumil Böhm and Vladimir Böhm. "The Dresden Codex—the Book of Mayan Astronomy". Retrieved 25 September 2006.
  18. ^ Dr. Edmund Halley. A New Method of Determining the Parallax of the Sun, or His Distance from the Earth, Sec. R. S., N0 348. p. 454. {{cite book}}: |work= ignored (help)
  19. ^ Robert H. van Gent. "Transit of Venus Bibliography". Retrieved 11 September 2009.
  20. ^ Kollerstrom, Nicholas (2004). "William Crabtree's Venus transit observation" (PDF). Proceedings IAU Colloquium No. 196, 2004. International Astronomical Union. Retrieved 10 May 2012.
  21. ^ أ ب Paul Marston (2004). Jeremiah Horrocks—young genius and first Venus transit observer. University of Central Lancashire. pp. 14–37.
  22. ^ Leverington, David (2003). Babylon to Voyager and beyond: a history of planetary astronomy. Cambridge, UK: Cambridge University Press. pp. 140–142. ISBN 0-521-80840-5.
  23. ^ أ ب Prof. Richard Pogge. "Lecture 26:How far to the sun? The Venus Transits of 1761 & 1769". Retrieved 25 September 2006.
  24. ^ "Oxford Dictionary of National Biography: Jeremiah Dixon". Oxford University Press. Retrieved 22 February 2012.
  25. ^ Mikhail Ya. Marov (2004). "Mikhail Lomonosov and the discovery of the atmosphere of Venus during the 1761 transit". Proceedings of the International Astronomical Union. Cambridge University Press: 209–219.
  26. ^ Ernest Rhys, ed. (1999). The Voyages of Captain Cook. Wordsworth Editions Ltd. pp. 29–30. ISBN 1-84022-100-3.
  27. ^ See, for example, Stanley, David (2004). "Moon Handbooks South Pacific" (8 ed.). Avalon Travel Publishing: 175. ISBN 978-1-56691-411-6. {{cite journal}}: Cite journal requires |journal= (help)
  28. ^ Christian Mayer. "An Account of the Transit of Venus: In a Letter to Charles Morton, M. D. Secret. R. S. from Christian Mayer, S. J. Translated from the Latin by James Parsons, M. D". Royal society (GB). Philosophical transactions. 54: 163.
  29. ^ Wikisource-logo.svg "American Philosophical Society". Encyclopedia Americana. 1920. 
  30. ^ "Explanation of the Black-Drop Effect at Transits of Mercury and the Forthcoming Transit of Venus". AAS. 2004-01-04. Archived from the original on 10 July 2006. Retrieved 21 September 2006.
  31. ^ "Transits of Venus—Kiss of the goddess". The Economist. 2004-05-27. Retrieved 25 September 2006.

قراءات إضافية

وصلات خارجية