بنجامان كونستان

(تم التحويل من بنيامين كونستانت)
هذه المقالة تتعلق بكاتب وسياسي اوروبي؛ للآخرين انظر بنجامين كونستانت (توضيح).
كونستان-ربك تحوِّل إلى هنا؛ انظر أيضاً جان ڤيكتور ده كونستان ربك.
بنجامان كونستان
Benjamin Constant
Benjamin Constant.jpg
وُلِد(1767-10-25)25 أكتوبر 1767
لوزان، سويسرا
توفي8 ديسمبر 1830(1830-12-08)
باريس، فرنسا
الوظيفةكاتب
العرقسويسري
الصنف الأدبيالرواية والعلوم السياسية
أبرز الأعمالأدولف

هنري-بنجامان كونستان ده ربـِك Henri-Benjamin Constant de Rebecque (عاش 25 أكتوبر 1767 - 8 ديسمبر 1830) كان نبيلاً مفكراً وكاتباً وسياسياً فرنسياً وُلِد في سويسرة.


هناك اثنان، اسمُ كلٍّ منهما كونستانت (قسطنطين) - في حياة نابليون العاصفة: فيري كونستانت، خادمه المعنى بشؤون ملابسه الذي كتب عن الحياة الخاصة للدكتاتور الكبير (نابليون) مذكرات طويلة، وبنيامين كونستانت دي ريبك Benjamin Constant de Rebeque الذي ولد في سويسرا وتعلم في عدة مدن (اثنتي عشرة مدينة) وأخيراً أعد للمعركة في فرنسا وضيَّع حياته في ديون لم يسدّدها وخليلات منبوذات وتقلّبات سياسية حتى أصبح التعامل معه لا يكاد يكون مُربحاً هنا إلاّ إذا اقترب من التاريخ بالدخول في كثير من المنازعات فأحبَّته امرأة ذات حيثية لتلهو به، وكان قادراً على وصف أخطائه ببلاغة وحدَّة ذهن وموضوعية وتجرّد وربما يكون قد ساعدنا بعمله هذا على فهم أنفسنا.

لقد أرَّخ للعشرين سنة الأولى في حياته في كتاب سماه المذكرة الحمراء Cahier rouge وكتب عن العشرين سنة التالية من حياته في رواية قصيرة بعنوان أدولف Adolphe وكتب عن الأعوام من 4081 إلى 6181 مُؤلَّفاً بعنوان اليومّيات Journal intime تنقل فيه من باريس إلى كوبت إلى فيمار إلى لندن وذكر فيه نُتَفاً من التاريخ والأدب والسيكولوجيا والفلسفة وروايته أدولف هي المؤلف الوحيد الذي تم نشره أثناء حياته (لندن 6181)، أما اليوميات Journal فظلّ مخطوطاً حتى سنة 7881، والمذكرة الحمراء حتى سنة 7091، وهذه المؤلفات المتناثرة بالإضافة لآلاف المراجع المعاصرة هي التي تكون فكرتنا عن كونستانت (قسطنتطين) هذه الأيام.

أنه سليل أسرة سويسرية عريقة ترجع بها شجرة نسبها إلى ثمانمائة سنة، لكننا لن نحتاج إلاّ لتناول حياة والده في هذا الصَّدد، فقد كان أبوه أيضاً منشغلاً بآثامه لدرجة أنَّه لم يكن لديه وقت لرعاية ابنه. وكان البارون أرنولود جوست كونستانت دي ربك ضابطاً في فرقة عسكرية سويسرية في خدمة برلمان الأراضي المنخفضة (هولندا) وكان وسيماً قارئاً جيداً لفولتير وصديقاً له.

وفي بواكير سنة 7671 تزوّج من بروتستنطية (هوجونوت) فرنسية هي هنريت دي شاندييه (كاندييه) Henriette de Chandieu، وكان هو في الأربعين من عمره بينما كانت هي في الخامسة والعشرين، وفي 52 أكتوبر أنجبت له بنيامين في لوزان Lausanne ثم ماتت بعد الإنجاب بأسبوع، فكانت هي الأولى من بين نساء كثيرات عانيْن من عدم انضباطه، وعهد الأب بابنه لمشرفين كثيرين لم يكن يدقق عند اختيارهم، حاول أحدهم بالضرب تارة والتدليل أخرى أن يجعل منه طفلاً أعجوبة في اليونانية وعندما أضرّ الضرب بصحة بنيامين تمَّ نقله إلى مشرف (معلّم) ثان فأخذه إلى ماخور في بروكسيل، أما مشرفه (معلّمه) الثالث فعلمه قدراً طيباً من المعلومات الموسيقية، أما المعلِّمون الآخرون فعوّلوا على أن يُعلّم نفسه بنفسه بتدريبه على القراءة، فكان بنيامين يقرأ من ثماني ساعات إلى عشر يومياً، فأضر ذلك - بشكل دائم - بعينيه وإيمانه(37) وقضى عاماً في جامعة إرلانگن Erlangen ثم نُقل إلى إدنبره، حيث شعر بالهبّة الأخيرة للتنوير الاسكتلندي لكن هناك أيضاً بدأ في المقامرة، فأصبح القمار (الميسر) في المحل الثاني بعد ممارسة الجنس في حياته المضطربة. وبعد مغامرات في باريس وبروكسل استقر في سويسرا وبدأ يكتب تاريخ الدين من وجهة نظر تُظهر تفوق الوثنية على المسيحية.

وراح يتنقل من امرأة إلى امرأة ومن كازينو (نادي قمار) إلى كازينو حتى رتّب أبوه أخيراً (5871) أمر إقامته في باريس مع أسرة جان-باتيست سوار Jean - Baptiste Suard الناقد الأدبي الوَدُود.

لقد تلقتني جماعته بقبول تام، وكان يَنْقُصني في ذلك الوقت السلامة والانضباط نقصاً معيباً، لكن حدث تغير مُحكم بشكل مضحك في حياتي. فقد بدا تعليمي - الذي كان متقطعاً غير منهجي، لكنه أرقى من تعليم معظم أدباء الجيل الصاعد - وأصالة شخصيتي أمراً جديداً وشائعاً... وعندما أتذكر نوعية الموضوعات التي اعتدتُ تناولها في ذلك الوقت والأزدراء المُقْنِع الذي كنتُ أبديه لكل الناس، أحتار في معرفة كيفية تسامح الآخرين معي(47).

وفي سنة 7871 قابل أول امرأة ذات ذكاء فائق عرفتها حتى الآن زيليدا Zélide أو إيزابيلا ڤان تويل Van Tuyll - إذ كانت فيما مضى صعبة المراس مُستعصية في بوزويل Boswell أثناء الفترة التي قضيتُها في هولندا. لقد سبق لها أن رفضت آخرين لتتزوّج من معلِّم أخيها وأصبحت تعيش الآن معه ساخطة مستاءة في مدينة كولومبييه Colombier بالقرب من بحيرة نيوشاتل Neuchatel وعندما التقى بها كونستانت Constant كانت في باريس تتابع روايتها كالست Caliste في المطبعة وكانت في السابعة والأربعين لكنها بدت كعاشقة في التاسعة عشرة من عمرها، فاتنة لا يزال جسدها ينادي ولازال عقلها متألقاً، كما كانت نافرةً لدرجة أظهرتْه فتى مغروراً ذا ثقافة سطحية. لقد كُنت لاأزال أتذكر بعاطفة تلك الأيام والليالي التي قضيناها معاً نشرب الشاي ونتحدث بحرارة لا تنضب في كل موضوع ممكن. وعندما عادت إلى كولومبييه Colombier اتخذ له مسكناً بالقرب من لوزان واعتقد زوجها - وكان مخطئاً في اعتقاده - أنَّ فارق السن بين كونستانت (قسطنطين) وزوجته (زيليدا) سيحُدّ من العلاقة بينهما، لكنها راحت تعلّم بنيامين كونستانت بحماسه غواية النساء وأكاذيب الرجال. لقد أسْكرَ كلٌّ منا الآخر بسخريتنا من الجنس البشري واحتقاره(57).

وقطع أبوه عليه هذا اللَّهو شبه الفكري بإرساله إلى برونسفيك Brunswick ليعمل كمرافق للدوق الذي كان عليه - حالاً - أن يقود جيشاً ضد الثورة الفرنسية. وأثناء مراسم التشريفات وقع في فخ (شَرَك) سهل نصبته له البارونة فيلهيلمينا فون كرام Withelmina Von Cramm فتزوجها (في 8 مايو سنة 1789) ووجد أن الزواج أسوأ من العِشق وخَلُص إلى أن مينا Mina أحبت قططاً وكلاباً وطيوراً وأصدقاء وعشيقا أكثر من حبها لزوجها الشرعي، وتسعى للطلاق. وعندما شعر أن قلبه أصبح خالياً تودّد لشارلوت فون هاردنبرج زوجة البارون فون مارينهولتس Marenholz، فرفضت إرضاءه بممارسة الزنا معه لكنها عرضت عليه أن يتزوجها حالماً تستطيع الحصول على الطلاق من البارون، ، خاف كونستانت من فكرة الزواج مرة ثانية فانْسل إلى لوزان (3971) وكولومبييه Colmbier حيث واصلت زيليدا Zelida تعليمه. لقد أصبح الآن في السادسة والعشرين من عمره وشعرت هي أن عليه أن يضحّي بلذَّة التنويع (مضاجعة نساء مختلفات) ليستقر معها ويرتبط بها. لقد قالت له: لو أنني أعرف امرأة أخرى شابة ونشيطة تحبك كما أحبك وليست أكثر غباءً مني، لكان لديّ من الكرم ما يجعلني أقول لك: اذهب إليها(67) ويا لدهشتها ونقمتها، إذ وجدت أنه سرعان ما عثر على امرأة غيرها شابة ونشيطة.

في 28 سبتمبر سنة 1794 وفي الطريق بين نيون Nyon وكوپـِّه Coppet قابل بنيامين كونستانت جيرمين دي ستيل وكانت في الثامنة والعشرين من عمرها، فقفز داخل مركبتها وبدأ كوميديا (مهزلة) استمرت خمسة عشر عاماً من العهود والوعود والدموع والكلمات. لم يسبق له أن عرف أبداً امرأة ذات فكر بهذه الخصوبة وإرادة بهذه القوة وعواطف ومشاعر بهذه الحرارة وفي مقابل هذه القوى، كان هو يُمثّل الضَعف كلَّه فقد كان قد فقد شخصيته خلال فترة شبابه الإباحية الممزّقة وقلّص حيويته الطبيعية (الجنسيّة) بسبب معاركه البدنية (الفسيولوجية) (المفهوم مع أجساد النساء) دون وقار وقبل الزواج. وهنا أيضاً كان انتصاره الفعلي هزيمة فرغم أنها (جيرمين دي ستيل) قبلته كعشيق وجعلته يعتقد أنه كان والداً لأليبرتين (أن ألبرتين من نُطفته) إلاّ أنها حثَّته على أن يوقِّع معها - في تاريخ لا نعلمه - قسم ولاء يجعله مرتبطاً بها ارتباطاً معنوياً (النص: سيكولوجيا) حتى بعد أن اصطحَبت جيرمين غيره إلى مخدعها، واصطحب هو غيرها إلى مخدعه، وقد استغلت جيرمين كوْنه مديناً لها لإجباره على التوقيع على هذا العهد (القَسَمْ).

إننا نقسم على أن يكرّس كلّ منا حياته للآخر. إننا نعلن أننا نعتبر شخصينا وقد ارتبطنا رباطاً لا يقبلُ الانفصال. قدرنا واحد للأبد وفي كل الظروف ولن يدخل أيّ منا إطلاقاً في أي رباط آخر، وأننا سنقوِّي الرباطَ الذي يوحِّد بيننا الآن بكل ما لدينا من طاقة. إنني أُعلن أنني أقررت بهذا الاتفاق بقلب مخلص وأنني أعرف ألاَّ شيءَ في العالم يستحق مني كما يستحق حب مدام دي ستيل، وأنني كنت أسعد الرجال خلال الأشهر الأربعة التي قضيتُها معها، وأنني أعتبر أن أعظم سعادة في حياتي هي أن أجعلها سعيدة في فترة شبابها، وأن أكون إلى جانبها مسالماً مع تقدمنا في العمر وأن أقضي عمري (أجلى term) معها (مع الروح التي تفهمني) والتي بدون وجودها تصبح الحياة على الأرض (في هذه الدنيا) لا قيمة لها بالنسبة لي التوقيع بنيامين كونستانت(77).

وتبعها إلى باريس في سنة 5971 فكانت لهما سياسات مشتركة فأيّد حكومة الإدارة (حكومة المديرين) وقبل انقلاب نابليون كضرورة تُمليها ظروف فرنسا وكان متحدثاً رسمياً باسمها، كما كان يتحدث بالأصالة عن نفسه عندما أصبح عضواً في التريبيونيت (مجلس الدفاع عن حقوق الشعب) بعد تعيين نابليون له. ولكن حالما ظهرت علامات من القنصل الأول (نابليون) تشير لرغبته في الحكم المطلق عارضه العاشقان معاً: هي في صالونها وهو في خطبته غير المسبوقة (5 يناير سنة 0081) والتي طالب فيها بحق التريبيونيت (مجلس الدفاع عن حقوق الشعب) في إطلاق حرية النقاش والحوار دون قيد أو شرط، وقد حقّق شهرة كخطيب مُفَوَّه، لكنه وُضع في اعتبار الحكومة بحيث يتم عزله من هذا المجلس حالما يأتي ميعاد تغيير أعضائه (2081) وعلى أىة حال فعندما استمر العاشقان في حربهما ضد نابليون، تم إبعادهما - عقاباً لهما - عن باريس.

وذهب كونستانت (قسطنطين) معها إلى كوبت، رغم أن أقاربهما كانوا - فيما ظهر - غير متحمسين لهذا الهدوء الأفلاطوني. لقد قال لنفسه: إنني أريد امرأة، وجيرمين غير شهوانية (والمعنى لا تُشْبِعُني)(87) وعرض أن يتزوجها ولكنها رفضت قائلة إن هذا الزواج قد يجعلها تضحّي بمكانتها الاجتماعية ويُضيِّع فرص الزواج المشرّف أمام ابنتها، وفي سبتمبر سنة 2081 أحبّت كاميل جوردان Camile Jordan ودعته لصحبتها إلى إيطاليا وتم دفع كل النفقات ونذرت نفسها أمامه أن أنسى كل شيء معك، فأنا أحبك بعمق(97) ورفض جوردان العرض. وفي إبريل سنة 3081 غادر كونستانت (قسطنطين) كوبت إلى عقار كان قد اشتراه بالقرب من مافلير Mafliers على بعد حوالي ثلاثين ميلاً من باريس، وفي الخريف خاطرت بإثارة غضب نابليون بانتقالها مع أسرتها لمنزل ريفي في مافلير، وعندما علم نابليون أَمَرها بإطاعة أوامره بالابتعاد 021 ميلاً عن باريس، ففضلت أن تزور ألمانيا، وقرر كونستانت (قسطنطين) - لامتعاضه من قسوة نابليون وتأثره بحزن جرمين- أن يصحبها.

وساعدها وأطفالها على تحمل مشاق الرحلة وابتهج عند وصوله إلى فيمار فأقام فيها ليؤلف كتابه عن تاريخ الدين.

وفي 22 يناير سنة 4081 بدأ يدوّن كتابه (اليوميات Journal Intime) بادئاً إياه بمدخل مرح: لقد وصلت لتوي إلى فيمار إنني أنوي البقاء هنا بعض الوقت ففي هذا المكان سأجد المكتبات والمناقشات الجادة التي تتمشَّى مع ذَوْقي، والأهم من هذا الهدوء الذي يساعدني على العمل(08) وبعض الفقرات الأخرى في يومياته هذه تشير إلى تطوره العقلي والنفسي: 32 يناير: إنني أعمل قليلاً وبشكل سيء، لكن عوّضني عن ذلك أنني رأيتُ جوته Goethe! صفاء وعزّة وحساسية مفرطة لدرجة المعاناة. روح فياض وملامح وسيمة وجسد اعتراه الوهن شيئاً ما.. وبعد العشاء تحدثت بغير كلفة مع ڤيلاند Wieland - روح فرنسية، بارد كفيلسوف رقيق كشاعر... هردر Heder كسرير دافئ ناعم حيث يمكن للمرء أن يرى أحلاماً طيبة ...

27 يناير: شرح لي المؤرخ السويسري جوهان فون ميلر Jonannes Von Muller خطته في كتابة تاريخ العالم... ومعه ثار سؤال شائق: هل العالم مخلوق أم غير غير مخلوق. وفقاً لكيفية الإجابة عن هذا السؤال، فإن مسار التاريخ البشري سيظهر لنا نتيجة متناقضة (متعارضة) بمعنى الكلمة: فإن كان العالم مخلوقاً فلا محالة من فنائه وإن كان غير مخلوق فلا محالة من تحسّنه (تطوره)...
21 فبراير: أعدت قراءة فاوست Faust لجوته (الجزء الأول. إنها تسخر من الجنس البشري وكل العلوم. لقد وجد الألمان فيها عمق تفكير غير مسبوق، لكنني أفضل كانديد Candide.
26 فبراير: زيارة لجوته..
27 فبراير: أمسية مع شيلر...
28 فبراير: عشاء مع شيلر وجوتة. لا أعرف من العالم ما هو أكثر مرحاً وفكاهة ورقة وقوة وسعة صدر من گوته...
29 فبراير:... غدا سأغادر قاصداً ليبتسج Leipzig وسأكون حزيناً لتركي فيمار. لقد قضيت هنا ثلاثة أشهر كنت فيها سعيداً جداً. لقد درست، وعشت في أمان ولم أعانِ إلاّ قليلاً.. لم أطلب أكثر من هذا...
3 مارس: زرت المتحف في ليبتسج.. المكتبة تحوي 000،08 مجلد.. لم لا أبقى هنا وأعمل؟...
10 مارس: لقد اشتريت بستة لويسيّات (جنيهات ذهبية فرنسيةslash حوالي 051 دولار) كتباً ألمانية(18).

لقد ترك مدام دي ستيل في ليبتسج واتخذ طريقه إلى لوزان لزيارة أقاربه، وبمجرد وصوله علم بموت والد جيرمين (نيكر) - هذا السيّد الطيِّب نيكر كم هو نبيل وكم هو كُفء وكم هو نقي: لقد أحبني. مَنْ الآن سيُرشد ابنته؟(28) واندفع عائداً إلى ألمانيا على أمل أن يُخفف وطأة الخبر عليها فقد كان يعلم أن هذه الخسارة ستجتاحها. وعاد معها إلى كوبت ومكث معها حتى أفاقت من هَوْل الصدمة.

لقد كانت في مسيس الحاجة إليه في تلك الأيام التي كان يتطلع فيها لفراقها ليكون حراً في متابعة أموره السياسية وأعماله دون أن يربط نفسه بمصالحها. لقد شعر أنه كان قد دمّر مصالحه السياسية عندما أصبح ليفتنانت في حربها ضد نابليون. وفي أبريل سنة 6081 دوّن في يومياته تحليلاً يبيِّن اختلال إرادته: إنني دائماً أميل إلى قطع علاقتي بمدام دي ستيل، لكن في كل مرة أحس فيها بضرورة السير في هذا الطريق أجد نفسي في صباح اليوم التالي على خلاف ما كُنتُ عقدت عليه العزم. وفي هذه الأثناء أجد أن اندفاعها وطيشها يجعلاني في عذاب وخطر دائم. يجب أن نفترق... إنها فرصتي الوحيدة لحياة آمنة(38) وبعد ذلك بشهر نقرأ في يوميّاته: في المساء كان المشهد مرعباً - ألفاظ شنيعة لا مبالية ومرعبة. إنها مجنونة أو أنني مخبول. فكيف تكون النهاية؟(48).

ومثل كثيرين من المؤلفين الذين لا يستطيعون أن يسوسوا حياتهم، عمد إلى كتابة حكايته من وجهة نظره في رواية أخفى فيها الشخوص الحقيقية والوقائع الحقيقية بعناية، لكنها كانت اعترافات صريحة. لقد كتب في خمسة عشر يوماً (يناير 7081) وهو ممتعض بحرارة من سيطرة جيرمين وتوبيخها له، غاضب من نفسه لتردده وضعف إرادته - مائة صفحة أصبحت هي أول رواية نفسية (سيكولوجية) في القرن التاسع عشر. لقد كانت أكثر سَبْراً لأغوار النفس البشرية وكانت طريقة تناوله أكثر ذكاء وألمعية من معظم الروايات. لقد حلَّل شخصية الرجل والمرأة بطريقة لا ترحم.

لقد تابعت هذه الرواية التي جعل عنوانها (أدولف) شبابه الضائع (الذي لا هدف له) وتعليمه المتقطع غير المنتظم وغير المنهجي، وعلاقاته العاطفية السطحية والمتسرِّعة، وشغفه بالقراءة الذي جعل إيمانه يُشاب بالسخرية (الكلبيّة Cynicism) مما أثر في حياته فجعلها بلا معنى. وقد حكى تطوافه في مجال العشق غير المسؤول ووصل بأحداثه إلى ذروة المأساة في حكاية قصة إلينور Ellenore - وهي قصة إمرأة من النبلاء ضحّت بأسرتها وشرفها ومستقبلها لتكون خليلة للكونت ب... ولاحظ أدولف (بطل القصّة) أن المجتمع يعاقب المرأة التي تخرج عن القواعد المرعية بالقيل والقال والازدراء (أكثر بكثير مما يفعل مع الرجل)، ذلك لأن المجتمع يقيم نظامه واستقراره على القوانين والأعراف التي تكبح الرغبات التي لا تتمشى مع صالح المجتمع. وكان سهلاً أن يتحوّل عطفه على إليّنور Ellenore (إحدى شخصيات القصة) المنبوذة، وإعجابه بشجاعتها إلى حب، وربما لرغبة سرّية (مكبوته) في انتزاع حب امرأة ترضى غروره. وبمجرد أن بَرُدت حرارة حبه استسلمت له وتركت الكونت وأمواله واتخذت له مسكناً متواضعاً وحاولت أن تعيش على زيارات أدولف وأمواله، وكلما زاد إخلاصها قل اهتمامه بها. لقد حاول أن يبتعد عنها لكنها وبَّخته وأخيراً تشاجرا وانفصلا. لقد تركته وتاهت في غياهب الفقر وفقدان الإرادة فلم تستطع العيش، ولم يلحق بها إلاّ لتموت بين ذراعيه.

وعمد كونستات إلى التعمية على شخصياته في الرواية حتى لا يُدرك أحد أنه يقصد شخصيات مقيمة في كوبت، فجعل بطلة القصة بولندية، وجعلها خاضعة سَلِسلة غير متحكّمة وجعلها تموت يأسا، ومع هذا فإن كل من قرأ الكتاب وكان يعرف مؤلفه قَرَنَ بين المؤلف وشخصية أدولف وبين مدام دي ستيل وشخصية إلينور. وأحجم كونستانت (قسطنطين) تسع سنوات عن نشر كتابه، لكن الخُيلاء انتصر على الحذر فراح يقرأ مقاطع منه وأحياناً يقرأه كله لأصدقائه، وأخيراً لجيرمين نفسها التي فُجعت بنهاية القصة.

وبعودة شارلوت فون هاردنبرگ انتعشت حياة كونستان شيئاً ما. لقد كانت طلِّقت زوجها الأول وعانت مع زوجها الثاني الفيكونت دي ترتر Tertre، وهي الآن تواصل ما انقطع من علاقتها الغرامية بكونستانت، وتزوجا في 5 يونيو سنة 8081 لكن عندما عاد بنيامين كونستانت إلى عبوديته في كوبت، ارضاءً لمدام دي ستيل، عادت شارلوت إلى ألمانيا. ولم يشعر كونستانت أنه أصبح حراً إلا بعد أن اكتشفت جيرمين عشيقاً جديداً هو جون روكا Rocca (1181)، عندها ذهب كونستانت مع شارلوت ليعيشا بالقرب من گوتنگن Gottingen وأعانته مكتبة جامعتها فواصل عمله في كتابه عن تاريخ الأديان. وربما كان العامان التاليان هما أسعد عامين مرَّا في حياته.

لكن السعادة لم تكن ملائمة له أو بتعبير آخر لم تكن متَّفقة مع طبعه، فعندما سمع (في يناير سنة 3181) من الكونت دي ناربون de Narbonne لأول مرة عن قصة الكارثة التي حلّت بنابليون في روســيا، أحس بقــرب ســقوط نابليــون، فعــاد إليه قلقه القديم فسأل نفسه - كما كتــب في يومياته، أيجــب أن أكون دائما مجرد متفرج؟ وأثناء تراجــع نابليــون إلى الرايــن أمــام قــوات الحلفــاء المنتصــرة، اتجه كونســتانت إلى هانوفــر، وقابل بيرنادوت هناك، فحثه على كتابة نشرة روح الغزو Esprit de Congete يعزو فيها انهيار فرنســا إلى دكتاتوريـة نابليـون واستبداده. وتم نشر هذا الكتيب (النشرة) في هانوفر في ينايـر سـنة 1814 فـي ذروة اندفـاع قـوات الحلفـاء داخـل فرنسـا، وقـد أدى هـذا إلى اعتباره أي (كونستانت) شخصاً مهما كقادة القوات المتحالفة وتبع كونستانت جيوشهم إلى باريس (أبريل (1814) على أمل أن يتلقى تعويضا شخصيا (على أمل أن يستعيد مكانته).

وزار صالون مدام دي ستيل الذي تم افتتاحه من جديد فوجدها غير عابئة به بالمرّة. ولأن شارلوت كانت لا تزال في ألمانيا فقد صرّح في يومياته (13 أغسطس 4181) أنه قد وقع في حب مدام ريكامييه وكان كونستانت (قسطنطين) يسخر منذ زمن طويل من استراتيجية مدام ريسامييه التي تجعلها تتيح عسيلتها مع الحفاظ على عذريتها (أو بتعبير آخر تتيح لمن تحبّه أن يظهرها لكنها لا تُمكنه من نقبها، (وبالفعل فقد استطاع كثيرون أن يعلوها ولكنهم ما استطاعوا لها نقبا) وقد اعترف للدوق بروجلي Broglie أنه حاول أن يبيع روحه للشيطان مقابل الاستمتاع بجسد جولييت ريكامييه. وكانت مدام ريسامييه من المؤيدين المتحمسين للبوربون وخافت على حياتها عندما علمت أن نابليون هرب من إلبا Elba ووصل إلى كان Cannes، فطلبت من كونستانت أن ينشر في جريدة باريس Journal de Paris (6 مارس 5181) نداء لشعب فرنسا ليهب ضد مغتصب العرش (تقصد نابليون) إن نابليون يَعِد بالسلام لكن مجرد ذكر اسمه يشير إلى الحرب. انه يَعِد بالنصر ومع هذا تخلّى عن جيوشه كجبان ثلاث مرات - في مصر، وفي اسبانيا وفي روسيا(68). لقد أجّجت ريسامييه نيران كونستانت - وكان لهوباً بطبعه - حتى بدا وكأنه يحرق كل الجسور وراءه أو بتعبير آخر يقطع على نفسه طريق التراجع. وفي 91 مارس أعلن في جريدة الحوار slash جورنال دي ديبات Journal des debats أنه مستعد للموت في سبيل الملك الذي عزلوه (لويس 81) وفي هذه الليلة هرب لويس الثامن عشر إلى جنت Ghent وفي اليوم التالي دخل نابليون باريس فاختبأ كونستانت في سفارة الولايات المتحدة، وأصدر نابليون عفواً عاماً فظهر كونستانت من مخبئه، وفي 03 مارس أكد له جوزيف بونابرت أن أخاه الإمبراطور في مزاج معتدل يميل للعفو. وفي 41 أبريل استقبله نابليون وطلب منه أن يصيغ مشروع دستور ليبرالي، وراجع نابليون مشروع الدستور بعناية وأعلنه كعهد أو ميثاق للحكومة الفرنسية. فأدار الإحساس بالمجد رأس كونستانت.

وفي 02 يونيو - بينما كان يقرأ روايته أدولف للأميرة هورتنس، دخل الدوق دي روفيجو Rovigo ليخبرها أن نابليون قد لاقى الهزيمة في واترلو Waterloo منذ يومين. وفي 8 يوليو عاد لويس إلى قصر التوليري، فأرسل له كونستانت اعتذارا متذللا فأصدر الملك عفوا عنه، أثار استغراب الجميع، لأن الملك اعتبره مراهقاً غير مسؤول تمرّد، وأنه يكتب الفرنسية بامتياز. وتجنّبه كل أهل باريس وراحوا يحبكون التوريات (جمع تورية) والكنايات (جمع كناية) حول اسمه. وكتب كونستانت إلى مدام ريسامييه يُسامحها لأنها دمرت مجال عمله ومستقبله وسمعته وسعادته(78) وفي أكتوبر غادر قاصداً بروكسل حيث التحق بشارلوت الصبورة، وفي أوائل سنة 6181 عبرا معاً إلى انجلترا حيث كانت روايته أدولف قد نشرت. وفي سبتمبر عاد مع زوجته إلى باريس، واشتغل بالسياسة وبدأ مرحلة جديدة من عمره.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش


انظر أيضاً

وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة ببنجامان كونستان، في معرفة الاقتباس.