ابن بسام

(تم التحويل من ابن بسام الشنتريني)

هو أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (شنترين، 450 هـ - إشبيلية، 542 هـ). من أهل شنترين بالبرتغال حاليا، انتقل إلى قرطبة بعد سقوط مدينته الأصلية في أيادي مسيحيي الشمال بقيادة ألفونسو الأول وقد وصف الكاتب هذا الحادث في أشهر أعماله وكيف خرج من بلده مقهورا وتأثره بهذا المصاب.

صنف ابن بسام كتابه "الذخيرة في معرفة أهل الجزيرة" والذي يعد من أهم المراجع الأدبية والحضارية في بلاد الأندلس. وكان ذلك في سنة 502 هـ في أشبيلية حيث استقر وتفرغ للتأليف معتمدا في كسب عيشه على قلمه يكيل المديح لمن يجزيه عنه بالمال.

أبو الحسن عليّ بن بسّام الشَنْتَريني التغلبي. أديب وعالم في اللغة وشاعر أندلسي. ولد في منتصف القرن الخامس الهجري بشَنْتَرين غربي الأندلس، وهي اليوم في البرتغال إلى الشمال الشرقي من لشبونة (أشبونة) العاصمة، على الضفة اليسرى لنهر التاجُه.

كان عصر ابن بسام عصراً مضطرباً يُعدّ أخطر مرحلة في تاريخ الأندلس، أواخر عصر ملوك الطوائف وأوائل الفتح المرابطي، وهي مرحلة بداية انهيار الحكم العربي الإسلامي. ولذلك غادر ابن بسام بلده هارباً من الزحف الإسباني، فارتحل أولاً إلى أشبونة ثم إلى إشبيلية حيث أمضى بضعة أعوام في بؤس ومشقة درس فيها على شيوخها يتعيّش بقلمه وأدبه، لكنه لم يلق فيها التكريم الذي يستحقّ. وفي سنة 494هـ قصد قرطبة، ودرس على شيوخها، واستقرّ فيها بقية حياته. ظهر ابن بسّام على غير توقّع في ذلك الركن القصيّ من الأندلس، حتى إن عبدالله بن إبراهيم الحجاري الأندلسي صاحب «المسهب في أخبار المغرب» يقول: «العجب أنه لم يكن في حساب الآداب الأندلسية أنه سُيبعث من شَنترين قاصية المغرب، ومحلّ الطعن والضرب مَنْ ينظمها قلائد في جيد الدهر، ويُطلعها ضرائر للأنجم الزهر...».

كان ابن بسّام حاضر الجواب ممدَّحاً بألسنة الشعراء، لقي ابن عَبْدون (ت520هـ) وابن حَمْديس (ت527هـ)، وأبا بكر مُحمّد بن عُبادة القزّاز (ت484هـ) الذي خاطبه في أثناء مقامه بأشبونة بقوله:

يا منيفاً على السِمَاكَين سامِ حُزْتَ فَضْلَ السّباقِ عن بسّام

لم يعرف عن ابن بسام أنه خدم أحداً من الأمراء، أو تطفّل على موائدهم أو تقلب في صلاتهم على غرار معاصريه من الأدباء، بل كان عصامياً عزيز النفس يحتمل شظف العيش ولا يريق ماء وجهه.

حدّد ابن بسام صلته في الشعر، فقال: «ومع أن الشعر لم أرضه مركباً ولا اتخذته مكسباً، ولا ألفته مثوى ولا مُنقلباً، إنما زرته لِماماً، ولمحته تَهمّماً لا اهتماماً». وقد روي له في «المُغرِب» مقطوعة عدّت من الطبقة الراقية مطلعها:

ألا بادِرْ فما ثانٍ سوى ما عهدت: الكأسُ والبدرُ التمام

ولئن لم يجرِ ابن بسام في ميدان الشعر طويلاً فإنه قد عوّض عن ذلك بانكبابه على شعر أهل الأندلس يجمعه دواوين ومختارات، وقد عُدَّ الأثر الباقي له «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» أهم آثاره، وقد ذكر دوافعه إلى تأليف هذا الكتاب في مقدمته، فذكر أنه رأى انصراف أهل العصر والقطر إلى أدب المشرق والتزوّد منه والإعجاب به وإهمال أدب الأندلس، فأراد أن يبصّر بكتابه هذا أهل الأندلس بتفوّق أدبائهم وروعة إنتاجهم الذي لا يقصّر عمّا أنتجه المشارقة، كما أراد أن يعارض «بالذخيرة» «يتيمة الدهر» للثعالبي، إذ إنّ كلاً من المؤلّفين يتحدث عن محاسن أهل عصره وقطره. ويعدّ ابن بسّام في «الذخيرة» رأس المنحازين إلى الأدب الأندلسي في وجه طغيان أدب المشرق ولم يعرض ابن بسّام لشيء من أشعار الدولة المروانية، ولا للمدائح العامرية، فلم يتعدّ أهل عصره ممن شاهده أو لحقه بعض أهل دهره. يعدّ كتاب «الذخيرة» من أصول الأدب العربي في الأندلس، أبرز فيه مآثر عدد من الشخصيات الفكرية والسياسية والأدبية، ولاسيما محاسن معاصريه من الأدباء والشعراء. وذكر طائفة من مشهوري المغاربة والمشارقة على غرار ما فعل الثعالبي عندما ذكر في «اليتيمة» طائفة من الشعراء المغاربة.

ويتجلى في «الذخيرة» علم ابن بسام وإلمامه بتاريخ العرب وتمثّله وحفظه أشعارهم وأمثالهم. وقد قدم لأقسام الكتاب بتمهيد تاريخي ذكر فيه أنه كفاه مؤونته مؤرخ قرطبة ابن حيان (ت469هـ) كما اعتمد تاريخاً منظوماً للأندلس لأبي طالب عبد الجبار المتيني من جزيرة شَقَر، وقد عاش هذا المؤرخ في حدود سنة 520هـ، وبعد هذا التمهيد بدأ تراجم الأعلام فذكر اسم المترجم له ولقبه ونسبه وبلده وبعضاً من شعره ونثره.

وقد خالف ابن بسّام كتب التراجم، فكان ينتقل من الجدّ إلى الهزل لتنشيط القارئ، كما أدخل كتابه في حيز الدراسات النقدية والبلاغية، وهي ميزة تضاف إلى ميزات الكتاب، فكان يورد آراء النقاد والأدباء، ويدلي بدلوه في ذلك بآراء وأحكام تدلّ على سعة اطّلاعه على بلاغات العرب السابقين والتفطّن إلى ما ينطوي عليه الكلام من نوادر الأدب والأدباء في عصره، وقد سجّلها في نثر شديد الشبه بنثر الثعالبي في «اليتيمة»، ومع أنه لم يدرج الموشّحات في كتابه، ولم يشارك في هذا الفن، فإنه أثنى على اختراع الأندلسيين له.

تذكر لابن بسّام طائفة من المؤلفات، لم تصل إلينا، وهي: «الاعتماد على ما صحّ من شعر المعتمد بن عبّاد» و«الإكليل» المشتمل على شعر عبد الجليل و«سلك الجواهر في ترسيل ابن طاهر» و«نخبة الاختيار من أشعار ذي الوزارتين أبي بكر بن عمّار» و«ذخيرة الذخيرة» و«سرّ الذخيرة».


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

للاستزادة

  • ابن سعيد علي بن موسى، المغرب في حلى المغرب، تحقيق شوقي ضيف (القاهرة 1954).
  • محمد عبد الله عنان، تراجم إسلامية، الطبعة الثانية (مطبعة الخانجي، القاهرة 1970).