أدريان لكوڤرير
أدريان لكوڤرير Adrienne Lecouvreur (عاشت 5 أبريل 1692 - 20 مارس 1730) كانت ممثلة فرنسية.
وكانت أدريان ليكوفرير أعظم الممثلات الفرنسيات في زمانها مثلاً واضحاً لهذه المتناقضات في حياتها ومماتها. إنها ولدت في 1692 في دامري قرب ريمس. وجاءت إلى باريس في العاشرة من عمرها، وأقامت قرب "المسرح الفرنسي" وكثيراً ما شقت طريقها إليه، ثم قلدت في البيت الممثلات اللاتي أعجبت بهن وهي واقفة على أرض المسرح تحت الشرفات. وفي سن الرابعة عشرة نظمت فرقة من الهواة قاموا بالتمثيل على مسارح خاصة. وأعطاها الممثل "لي جراند" دروساً، وهيأ لها مكاناً في فرقة تمثل في ستراسبورگ. وقامت بالتمثيل في الأقاليم لعدة سنوات، كما فعل موليير، وانتقلت من دور إلى دور، ومن قصة غرام إلى أخرى دون ريب. وهفت نفسها إلى الحب، فلم تصادف إلا الداعرين الفجرة، وتركها اثنان منهما على التعاقب حاملاً، ورفضا الزواج منها. وفي سن الثامنة عشرة وضعت بنتاً. وفي الرابعة والعشرين وضعت بنتاً أخرى. وفي 1715 عادت إلى باريس، والتقى بها هناك ڤولتير الشاب، وكان لها لبعض الوقت أكثر من صديق(7). وفي 1717 أصبحت السيدة الأولى في "الكوميدي فرانسيز" الذي كان مأواها ومبعث إلهامها في شبابها.
ولم تكن مثل معظم الممثلات الشهيرات بارعة الجمال، بل كانت بدينة، وكانت قسمات وجهها غير متناسقة، ولكنها تميزت برقة تفوق الوصف في جلستها ووقفتها وحركتها وعاداتها، وموسيقى مغرية في صوتها، وبريق من الشرر والاحساس في عينيها السمراوين، وتعبير متحرك كريم في وجهها. وكان كل تصرف منها يعبر عن شخصيتها. ورفضت أن تتبع الأسلوب الخطابي الذي كان قد أصبح تقليداً سائداً في التمثيل في فرنسا في المسرح الطويل المستطيل الشكل في المسارح القديمة. وعقدت العزم على أن تمثل دورها وتنطلق بعباراتها على خشبة المسرح كما تتحدث في الحياة الواقعية، اللهم إلا في إخراج الحروف من مخارجها والإبانة في اللفظ، ورفع درجة الصوت، مما هو لنقل كلماتها إلى أبعد مكان يوجد فيه الجمهور. إنها في فترة عملها القصيرة حققت ثورة أو انقلاباً في فن التمثيل المسرحي. وتحقق هذا أيضاً في عمق شعورها، وقدرتها على نقل انفعالات الحب أو رقته، وكل العطف أو الرعب في أي مشهد مأساوي. وتفوقت في الفن الشاق، فن الإصغاء المعبر اليقظ حين يتكلم الآخرون.
وامتدحها الشيب، أما الشبان فقد وقعوا في غرامها. وهام بحبها الشاب شارل أوجسطين دي ڤريول كونت أرجنتال الذي كان مقدراً أن يصبح "ممولاً ومدعماً بنقوده" لفولتير ووكيلاً له، وجزعت والدة شارل لهذا خشية أن يعرض على أدريين الزواج فتقبل، فأقسمت الأم أن تبعث بولدها إلى المستعمرات، وعندما سمعت الممثلة بهذا أرسلت إلى مدام دي قريول (22 مارس 1721) وتؤكد لها أنها لن تشجع الشاب على الاتصال بها أو تبادل الرسائل معها: "سأكتب إليه بأي شيء يرضيك. ولن أراه بعد الآن إذا كنت ترغبين في ذلك. ولكن لا تهدديه بإرساله إلى أقصى الأرض. وسيعمل كل ما يبعث في قلبك الرضا والارتياح، ويضفي عليك الشهرة والمجد، وما عليك إلا أن توجهي مواهبه وقدراته وتنمي فضائله لتؤتى ثمارها(8).
وكانت آدريين على حق، فإن دارجنتال فاز بعضوية برلمان باريس، وفي سن الخامسة والثمانين، حين كان يقلب النظر في الأوراق التي تركتها والدته، عثر على هذه الرسالة التي لم يكن يعرف عنها شيئاً من قبل.
واستمتعت آدريين بدورها بنشوة الحب كما عانت من الهجران والصدود. وكان الأمير الشاب موريس السكسوني كثيراً ما يتردد على المسرح الذي تعمل فيه، ولم يكن بعد قد انفتحت أوداجه زهواً بانتصاراته، ولكنه كان وسيماً عاطفياً خيالياً حتى أنه عندما أقسم على الإخلاص والولاء لها مدى حياته ظنته فارس أحلامها الذي طال انتظارها له، وإذا وصل الأمر بالرجال إلى وعد بالإخلاص مدى الحياة، فإنهم يحيون ويموتون عدة مرات مثل القطط (بسبع أرواح). ورضيت به عشيقاً (1721)، وعاشا لفترة من الزمن يرشقان كؤوس المحبة والإخلاص إلى حد أن باريس قارنتهما بقمريات لافونتين الحبيبات. ولكن الجندي الشاب الذي أصبح لتوه "قائد معسكر" راوده الحلم بأن يكون ملكاً، وقد رأيناه يسارع إلى كورلند (جزء من تلقيا الحالية) طمعاً في الحصول على التاج فيها، وكان نصف الأموال التي حملها معه من مدخرات آدريين.
فتسلت عن فراقه بتأسيس "صالون" في بيتها. ولم يكن غير ذي عائد فكري لها إنها كانت قد تعلمت رشاقة راسين وأفكار موليير، حتى أصبحت من خيرة سيدات فرنسا ثقافة وعلماً، ولم يكن أصدقاؤها من المعجبين العابرين، ولكنهم رجال ونساء أحبوا عقلها. فقصد فونتيل وفولتير ودارجنتال والكونت دي كايلوس بانتظام إلى دارها لتناول العشاء، ووجد بعض السيدات الأنيقات من ذوات الألقاب والأحساب متعة في الانضمام إلى هذه الجماعة المتألقة.
وفي 1728 عاد الجندي الذي لم يواته الحظ ولم يتحقق أمله إلى باريس.
وكان البعاد قد خفف من لوعة حبه. وتبين أن آدريين كانت تكبره آنذاك بأربعة أعوام حيث كانت في السادسة والثلاثين وعرض كثير من السيدات الثريات أن يشاركنه مضجعه، وكان الدم الملكي يجري في عروق إحداهن مثله تقريباً، وهي لويز دي لورين دوقة بويون حفيدة بطل بولندة النبيل جان سوبيسكي، وكانت تختال في جرأة أمام موريس في مقصورتها في المسرح الفرنسي، إلى حد أن آدريين ولت وجهها شطر هذه المقصورة، حين كانت تلقي في شيء من التوكيد بعض أبيات غاضبة من رواية راسين "Phedre" "لست واحدة من هؤلاء السيدات الوقحات اللائي تعلمن، وهن يلقين ظلالاً من الجريمة على مظهر الوئام الهادئ الوادع، إن يكن صفيقات إلى حد لا يستشعرن معه الخجل من سوء تصرفهن"(9).
وفي يولية 1729 أبلغ سيمون بوريه، القسيس رسام المنمنمات الآنسة ليكفرير أن رسولين مقنعين من إحدى سيدات البلاط عرضا عليه أن يعطي الممثلة بعض أقراص السم لقاء 6600 جنيه إذا قام بالمهمة. فأخطرت آدريان الشرطة بذلك. فقبضوا على القسيس وأجروا معه تحقيقاً دقيقاً. ولكنه صمم على أقواله. وكتبت آدريين إلى مدير الشرطة رسالة رائعة تطلب منه إطلاق سراح القسيس: "إني تحدثت إليه، وجعلته يتحدث إليّ كثيراً لوقت طويل، وأجاب دائماً إجابات محكمة ذكية، ليس لأني أرغب في أن يكون ما قال صحيحاً. فإن لدي مزيداً من الأسباب التي تحملني على أن أتمنى أن يكون مخبولاً. آه: أليس إلى الله وحده أتوسل ان يغفر له؟ ولكن إذا كان بريئاً فأرجو أن نفكر يا سيدي إلى أي حد يجدر بي أن أهتم بمصيره. لا تلق بالاً إلى مهنتي أو مولدي وأصلي، ولكن حاول متفضلاً أن تستشف حقيقة نفسي التي بين جنبي، وكم هي صادقة مخلصة، وقد كشفت لك عن سريرتها. بجلاء ووضوح في كتابي هذا(10).
وأصر الدوق دي بويون على أية حال، على احتجاز القسيس، ثم أفرج عنه بعد بضعة شهور، وظل مصراً على أقواله. ولسنا ندري حتى يومنا هذا مبلغ صدق روايته.
وفي فبراير 1730 بدأت الآنسة ليكوفريير تعاني من إسهال يزداد سوء يوماً بعد يوم. وظلت تمثل أدوارها على المسرح، ولكن في أوائل مارس حملوها من المسرح مغمى عليها. وفي 15 مارس مثلت، وهي تلتقط آخر أنفاسها "جوكاست" في رواية فولتير "أوديت" وفي يوم 17 مارس لزمت الفراش، وصارت تنزف نزيفاً مميتاً من أمعائها، ولم يعد الماريشال يزورها، ولكن فولتير ودارجنتال فقط هما اللذان سهرا على العناية بها في هذه الخاتمة الفاجعة المذلة، وفاضت روحها في 20 مارس بين ذراعي فولتير.
وحيث كانت آدريان قد رفضت الشعائر الأخيرة للكنيسة(11). فإن القانون الكنسي حرم دفنها في الأرض المخصصة للمؤمنين، واستأجر أحد الأصدقاء اثنين من حملة المشاعل ليحملا جثمانها في عربة أجرة لدفنه سراً على ضفاف السين، فيما أصبح فيما بعد شارع بورجون. (في نفس العام 1730 دفنت الممثلة الإنجليزية آن أولدفيلد باحتفال عام في كنيسة وستمنستر.) وفي 1730 نظم فولتير قصيدة (موت الآنسة ليكوفرير يستنكر فيها المعاملة المهينة في دفنها بهذه الطريقة: "تأثرت كل القلوب، مثل قلبي، بالأسى والفجيعة. وإني لأسمع كل الفنون الذاهلة تولول من حولي، وهي تذرف الدمع. أن ملبومين (ربة المأساة) قضت نحبها، ماذا عساكم تقولون أيها الأعقاب رجال الغد إذا علمتم بهذا الأذى الأليم المدمر الذي ألحقه أناس قساة بلا قلوب بهذه البائسة التي تخلى عنها أصدقاؤها؟ لقد حرموا من الدفن من إذا كانت في اليونان القديمة لأقاموا لها مذبحاً في الهيكل. لقد رأيتم يقدسونها ويزدحمون حولها. إنها لا تكاد تموت متى تصبح محرمة، لقد سحرت ألباب العالم، ثم ها أنتم تعاقبونها، كلا، لن تكون هذه الضفاف بعد الآن دنسة، إنها تضم رفاتك، وستكون هذه المقبرة الحزينة معبداً جديدا لنا، نمجده في ترانيمنا، وتضفي عليه ظلالك قدسية".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهامش
المصدر
- ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.