أبو حيان الأندلسي

(تم التحويل من أبو حيان الغرناطي)
إذا كنت تبحث عن أبو حيان التوحيدي نابغة أهل المشرق في الأدب والفلسفة, فاضغط هنا.

أثير الدين محمد بن يوسف, المعروف بأبو حيان الغرناطي (آخر شوال 654هـ = 19 من نوفمبر 1256م - 28 من صفر 745هـ = 11 من يوليو 1344م) إمام عصره في النحو والتفسير والحديث، صاحب البحر المحيط في التفسير.

جاء من غرناطة إلى مصر واستقر بها فأشاع فيها من علمه وفضله؛ وهو ما جعل الدنيا تقر بإمامته وأستاذيته.   

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المولد والنشأة

في إحدى ضواحي مدينة غرناطة الأندلسية ولد "أثير الدين محمد بن يوسف"، المعروف بأبي حيان في (آخر شوال 654هـ = 19 من نوفمبر 1256م)، وبها نشأ وتعلم، فكان مترددا على حلقات العلم المنتشرة في المساجد، وكانت غرناطة آنذاك كبرى حواضر العلم الأندلسية، بعد أن انحسرت دولة الإسلام وتقلصت أراضيها في الأندلس، فدرس الفقه والحديث، ومالت نفسه إلى النحو واللغة و القراءات، فأقبل على تعلمها بهمة عالية ورغبة شديدة.


أساتذته

تتلمذ على:

وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، ودرس الفقه والأصول والحديث والتفسير. ولم يكتفِ أبو حيان بما حصل، بل طوف في بلاد الأندلس يقابل الشيوخ الأعلام، ويتتلمذ عليهم، فرحل إلى مالقة والمرية، ثم بدأت رحلته الكبرى إلى بلاد المشرق.  

الرحلة إلى الشرق

خرج أبو حيان من موطنه إلى المشرق شابًا في الخامسة والعشرين من عمره، سنة (679هـ = 1280م) فنزل بجاية وتونس والإسكندرية، ثم رحل إلى مكة، وأدى بها فريضة الحج، ثم عاد إلى مصر، فدخلها في سنة (695هـ = 1295م). وهذه الرحلة الطويلة قضاها في طلب الحديث واللغة والنحو القراءات، فلا يحل ببلدة إلا اتصل بشيوخها وتلقى عنهم، ولهذا كثرت شيوخه كثرة مفرطة. ولم يشتهر أحد من النحاة بكثرة الشيوخ مثلما اشتهر أبي حيان، ويشير هو إلى ذلك بقوله: "وجملة الذين سمعت منهم أربعمائة شخص وخمسين، وأما الذين أجازوني فعالم كثير جدًا من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقيا وديار والحجاز والعراق والشام"، وقد ذكر المقري في "نفح الطيب" شيوخ أبي حيان والكتب التي درسها عليهم.  

الاستقرار في القاهرة

نزل أبو حيان القاهرة تسبقه شهرته في النحو وتمكنه من القراءات، وبراعته في اللغة، وكانت القاهرة تعيش فترة من أزهى فتراتها العلمية، فاستقبلت الوافد الجديد استقبالاً حسنًا، ولم تضن عليه بما يستحقه من تقدير وإكبار، فأسندت إليه تدريس الحديث في المدرسة النصورية، وفي الوقت الذي صار فيه شيخًا يُشار إليه بالبنان كان تلميذًا في حلقة العالم الكبير بهاء الدين ابن النحاس يتلقى عليه القراءات، فلما توفى ابن النحاس خلفه أبو حيان في حلقته، وجلس مكانه لإقراء الناس القرآن، وعهد إليه بتدريس النحو في جامع الحاكم بالقاهرة سنة (704هـ = 1304م).

وفي القاهرة طالت به الحياة، واتسعت شهرته، وتحلق حوله طلاب العلم من كل مكان، وكان ابن حيان يعجب بطلابه الأذكياء فيحنو عليهم ويساعدهم ويتودد إليهم، لا يمنعه جلال منصبه ولا عظم هيبته أن يفعل ذلك معهم، فتألق بعضهم في حياته ونال منزلة كبيرة.

تلامذته

ولم يكن عند أبي حيان مطمع في منصب أوجاه مثلما كان يفعل بعض العلماء، ولكنه استغنى عن ذلك بالانشغال في تحصيل العلم وتدريسه، والإخلاص في نشره، ولم يجد في غيره لذة وسعادة كالتي يجدها حين يقرأ كتابا أو يطالع مسألة من العلم، وعبر هو عن ذلك بأبيات رقيقة من الشعر، قال فيها:

أعاذل: ذرني وانفرادي عن الورى فلست أرى فيهم صديقًا مصافيًا
نداماى كتب أستفيد علومهـــا أحباي تغني عن لقائي الأعاديا
وآنسها القرآن فهو الذي بـــه  نجاتي إذا فكرت أو كنت تاليـًا

                 وفي الوقت الذي أعرض فيه عن السعي وراء المناصب كان ذو الجاه والسلطان يرجون ودَّه ويطلبون صداقته، فكانت علاقته مع نواب السلطنة والسلاطين أنفسهم جيدة، وكانت له صداقة خاصة مع الأميرسيف الدين أرغون كافل المملكة المصرية، وكان يتبسط معه في الحديث، وكان السلطان الناصر قلاوون يجله ويعظمه، وله في نفسه مكانة لا تدانى.

وبلغ من مكانته وتقدير الناس له أنه مدح كما يمدح الأمراء والسلاطين، لا رغبة في نوال ولا طمعًا في مال، وإنما مدح مديح المحب لمن يعرف قدر من يمدحه، فهو يمدح اختيارًا لا اضطرارًا، وممن مدحه من أهل الأدب محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الرسائل في مصر، و صدر الدين بن الوكيل، و نجم الدين الإسكندري، و القاضي ناصر الدين شافع، و خليل من أيبك الصفدي. وقد فطن إلى هذه الظاهرةصدر الدين بن الوكيل حين زاره ابن حيان في منزله فلم يجده، فكتب له على مصراع الباب ما يفيد أنه حضر للزيارة، فلما جاء ابن الوكيل وقرأ ما كتبه ابن حيان على الباب قال:

 

قالوا: أبو حيان – غير مدافع- ملك النحاة، فقلت بالإجماع

   

اسم الملوك على النقود: وإنني شاهدت كنيته على المصراع

 

مؤلفاته وكتبه

أجمع المترجمون لأبي حيان على تبحره في علوم اللغة والنحو والقراءات والتفسير، ووصفه تلميذه النابغة خليل بن أيبك الصفدي بقوله: ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه؛ لأني لم أره قط إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب، ولم أره غير ذلك؛ لذلك لم يكن من الغريب أن تكثر مؤلفاته، وألا يدع فنًا من فنون العربية إلا وضع فيه مؤلفًا، فصنف في التفسير وفي الفقه والنحو الصرف واللغة و القراءات، ومن تلك المؤلفات:

في اللغة والنحو

في القراءات

وله كتب في القراءات، مثل:

بلغات غير العربية

وكان ابن حيان يجيد الفارسية والتركية والحبشية إلى جانب اللغة العربية، وألف بهما، فيذكر الصفدي في ترجمته لشيخه أبي حيان عدة مؤلفات له بهذه اللغات، منها:

 

في تفسير القرآن الكريم

أشهر أعمال أبو حيان وأبقاها هو تفسيره المعروف بالبحر المحيط، الذي يعد قمة التفاسير التي عنيت بالنحو، وتوسعت في الإعراب ورواية القراءات وتوجيهها والاحتجاج لها والدفاع عنها، وهذا العمل الفذ هو خلاصة علم أبي حيان ونتاج حياته الحافلة بالدرس والتحصيل، وضعه بعد أن رسخت قدمه في العربية وعلومها، ونضجت خبرته، وساعده على إنجازه قيامه بالتفسير في قبة السلطان الملك المنصور سنة 710هـ وهو في السابعة والخمسين من عمره.

وفاته

طالت الحياة بأبي حيان الغرناطي فتجاوز التسعين، قضاها متنقلاً من أرض إلى أرض، كما قاضها متنقلاً بين العلوم من فن إلى آخر، ولم تزل قدمه في أي موضع نزلت، وبارك الله في عمره؛ فوضع أكثر من ثلاثين مصنفًا، وذلك منكبًا على الدرس والتحصيل حتى لقي الله في (28 من صفر 745هـ = 11 من يوليو 1344م) ودفن بمقبرة الصوفية خارجباب النصر، وصلى عليه بالجامع الأموي بدمشق صلاة الغائب.

المصادر

  • أحمد بن محمد المقري – نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – 1968م.
  • عبد الوهاب السكبي- طبقات الشافعية الكبرى – تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو- هجر للطباعة والنشر – القاهرة – 1413هـ = 1992م.
  •    عبد العال سالم مكرم – المدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة – مؤسسة الرسالة – بيروت – 1410 هـ = 1990م.
  •    إبراهيم عبد الله رفيده – النحو وكتب التفسير – الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان مصراته – ليبيا – 1399 هـ = 1990م.
  •   شوقي ضيف – المدارس النحوية – دار المعارف – القاهرة – 1983م.
  •    محمد عبد الغني حسن – تراجم عربية – دار الكتاب العربي للطباعة والنشر – القاهرة 1968م.