دوگما

الدوگما Dogma، هو تنظيم رسمي لاعتقاد أو مذهب يسيطر عليه الدين، أو مجموعة أو تنظيم معين.[1] وتكون بمثابة الجزء الأساسي الأولي للأيديولوجيا أو النظام العقائدي، ولا يمكن لها أن تتغير أو تنبذ بدون التأثير على پراگماتية النظام، أو بإصدار قرارات من السلطات السياسية.[2]

المصطلح مشتق من الكلمة اليونانية δόγμα "والتي تعني الرأي والمعتقد"[3] والمشتقة من δοκέω (dokeo)، "أن تفكر، تهدف، تتصور".[4]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في الأديان

يعود تاريخ مفهوم الدوگما إلى بلاد اليونان القديمة، حيث كانت تحمل هذا الاسم أوامر السلطة الحاكمة. بينما في فترة القرون الوسطى، كانت الدوگما المسيحية تعني الايمان بما مصدره الوحي والكتاب المقدس. قد تؤدي مغامرة اي فرد بأنكارها إلى تبرؤ وسطه الاجتماعي منه، اذا لم يحصل له ما هو أسوأ من ذلك. [5]


استخدامات أخرى

الفلسفة

في الفلسفة، ارتبط مفهوم الدوگما منذ البداية بالمعرفة الانسانية وامكانيتها. فالشكيون اليونان مثلاً كانوا يطلقون كلمة دوگمائي على كل من يعتقد أن بامكانه الحصول على أية معرفة عن الأشياء.

ويبدو أن التصور عن الگ يعود في جانب كبير منه إلى بداية ما يعرف بالأزمنة الحديثة، أي فترة صعود البرجوازية. فصراع فرنسيس بيكون ضد الدوگما ولأجل تعزيز المعرفة كان يجد تعبيره في تعظيمه لدور التجربة على حساب منهج القياس المنطقي الأرسطي (الاستنباط).

بينما كان الاتجاه العقلاني في المعرفة (ديكارت ولايبنتز) يدعو الى استخدام نور العقل من أجل تبديد ظلام الايمان الدوگمائي. هيوم كان ينعت العقلانيين بالدوگمائية. كانت كان يرفض الادعاء الدوگمائي بامكانية الوصول الى الشيء بحد ذاته. هيگل يلعن الذين ينكرون تناقض العالم وأشيائه ويعتبره أحادية نظر ميتافيزيقية. ماركس وأنجلس يقيمون المنهج الديالكتيكي الهيگلي (الذي هو ضد الدوگمائية) على أساس مادي.

في أوساط الماركسية نشأ صراع بين الدوگمائية والتحريفية، كان حله، كما هو معروف، عملياً ونظرياً، في للينينية، التي كانت تنتقدهما معاً على ان كليهما ناتج عن: عدم فهم التناسب الصحيح بين المتغير والثابت نسبياً من عناصر النظرية.

أما في اوساط الفلسفة البرجوازية المعاصرة، فقد تصدرت الوضعية الجديدة مجال ما يعرف بفلسفة العلم، التي تحمل لواء مكافحة ما تسميه بالميتافيزيقية التقليدية. إلا أن هذا لم يمنع أحد ممثلي هذه المدرسة، وهو ويلارد كواين، من ان يخرج عليها بنفس سلاحها متهماً اياها بانها تنطوي على عناصر دوگمائية.

هذه النسبية الواضحة في تداول المفهوم، في ظننا، تقف وراء النظر اليه على أنه يعبر عن التمسك غير المبرر بالآراء والمواقف القديمة. وهو صحيح الى حدٍ ما، بقدر اعترافه الضمني بتطوّر وحركة الاشياء، إلا أنه غير كاف على وجه الدقة. لان النسبية لوحدها تؤدي للمحاكمة على أساس ان كل فكر حي الآن لا بد وان يتقادم عليه الزمن، فيجدر عندها استبداله بجديد، لا يلبث هو الآخر أن يصير قديماً، لا حاجة لنا به. وهكذا، قد يصبح البريء من الدوغما هو من لا يحمل اي نظرية اطلاقاً . ولربما يصل الامر الى التنظير في الدفاع عن هذا الموقف، وفي هذا مفارقة بيّنة.

علم الاجتماع

وبما أننا لسنا ممن يتنكر للفكر، فاننا نرى ضرورة دراسة هذه الظاهرة فيه، وتعريتها بأدواته. الدوگما (كأي مفهوم تاريخي) يجب تناولها من جانبين مترابطين لايمكن فصل احدهما عن الآخر. ولربما يشكلان مصدر خواصها الاساسية، أي ما يدعى بمحتوى المفهوم، مما يساعد بالنتيجة على تحديد حجمه (مجال انطباق المفهوم، او ما يدعى بالماصَدَق)، فيقلل من العشوائية في استخدامه. الأول هو الجانب المعرفي، والثاني هو الجانب الاجتماعي-التاريخي.

أولاً - تناول المفهوم على انه يمثل مشكلة معرفية، أي عندما تكون النظرية (أو أجزاء منها) غير صادقة في معالجتها للواقع الموضوعي فأن المشكلة تتعلق، بالضرورة، بالمنهج. أي أنها تقع في دائرتي: المنطق الاعتيادي (الشكلي) والمنطق الديالكتيكي. الاول يقوم على مبدأين اساسيين - احدهما الاستنباط، الذي يعني اشتقاق حقائق جديدة خاصة من مقدمات عامة، وهو مبدأ نتائجه صحيحة بالكامل، اذا ما كانت مقدماته صحيحة.

فرنسيس بيكون انتقد هذا الاسلوب على انه دوگمائي، وذلك لان المقدمات دائما غير مؤكدة. وحتى لو كانت مشتقة من مقدمات اسبق صحيحة، فأن الاخيرة غير مبرهن عليها بصورة قطعية. لذلك فضّل المبدأ الثاني - أي الاستقراء، الذي ينطلق من تجارب عملية محدودة كي يصل الى نتائج اكثر عمومية. وهو مبدأ، وان كان لايضمن ، في اغلب اشكاله، الاّ الصحة التقريبية للنتائج، لكنه يشكل احد اهم مصادر معارفنا الجديدة. اليوم لا يوجد عالم منطق لا يعترف بأهمية استخدام المبدأين معاً. ومنذ اوخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين جرى تطوير ملموس في مجال المنطق الشكلي من اجل ضمان دقة نتائجه، وذلك عن طريق اقرانه بالرياضيات، ما كان ثمرته ما يدعى اليوم بالمنطق الرياضي، لأول مرة عام 1879 على يد گوتلوب فريگه. ورغم هذا التطور الكبير، الا انه بقي يعالج بفاعلية ظواهر الطبيعة والمجتمع الساكنة نسبياً او المتوازنة. وبمجرد حصول اي تطور في الواقع المدروس ، فان ذلك يعني وجوب الخروج من هذه الدائرة والدخول في دائرة اوسع هي دائرة المنطق الديالكتيكي، وهو - علم اشمل قوانين حركة وعلاقات كافة ظواهر الطبيعة والمجتمع. يحدث هذا عندما يلوح قصور النظرية عن تفسير الواقع المتغير، مما يستدعي تدقيق كافة عناصرها من مفاهيم وفرضيات وقوانين، وفق قوانين الديالكتيك المادي، بعد الرجوع للواقع المدروس في حركته وعلاقته مع محيطه. اي الرجوع الى الديالكتيك الموضوعي، وعكسه في النظرية . بهذه المنهجية يحقق العقل انجازاته في تطور المعرفة، والتي تتقدم الى الامام دائماً، الا انها مع ذلك تبقى نسبية، لا تحصل دفعة واحدة . ولكي نميّز بين الدوغما الفعلية والقصور المعرفي الناتج عن اسباب ثقافية - تاريخية ، لا بد من الكشف عن جانبها الثاني.

ثانياً - لعل الدوگما واحدة من بين الكثير من الظواهر الفكرية البشرية، التي لايمكن فهمها بوضوح دون الاضاءة على الوضيفة التي تقوم بها ضمن النسق الفكري المحدد، على حقيقة التحزب فيه ، اي انحيازه وتعبيره عن مصالح طبقية، وبشكل مموّه على الاغلب . يصعب تشخيصها عن طريق المنطق فقط ، بدون الكشف عن دورها الاجتماعي.

ان نظرة سريعة على الخط العام للتطور الفكري للبرجوازية منذ لحظة صعودها التاريخي، وارتباطاً بتغير وضعها الاجتماعي ستكشف لنا: ان البرجوازية، في البداية، وبسبب وضعها الاجتماعي الخاص المتجسد في مشروعها الثوري، كانت مجبرة على عرض مصلحتها الطبقية الخاصة على انها مصلحة عامة المجتمع. فكان لابد للفكر ان يقدم النموذج العام للسلوك والرؤية وطرائق التفكير، ان يقدم نظماً فلسفية كاملة، تطمح لأن تقدم حلولاً شاملة، ما يمكن اعتباره نمطاً عاماً في الفكر البرجوازي. لكن هذا الوضع بدأ يتغير بتآكل وظائفها التقدمية. وظهور تناقض مصلحتها الخاصة مع المصلحة العامة، وهو ما ادى الى تآكل القاعدة الاجتماعية للفكر البرجوازي الكلاسيكي، والى تحول هائل في ميكانزمات عمله. تفتت الوحدة الاجتماعية السابقة ، وتذرّى المجتمع بصورة تدريجية، وتعددت الآراء والمواقف ، بسبب بروز طائفة من المشاكل الخاصة بكل طبقة او فئة اجتماعية. واذا بنا امام تعددية واسعة للمدارس الفلسفية، تعبر كل منها ليس فقط عن مشاكل وطموحات منظومة اجتماعية محددة، ولربما عن امزجة وطرائق تفكير فئة معينة ايضا. فمثلاً: الوضعية الجديدة متخصصة، على الاغلب، للاستهلاك من قبل الانتلجنسيا في مجال العوم الطبيعية والتقنية. الوجودية تتوجه الى انتلجنسيا الادب والفن. والبرغماتية هي العطر الخاص بنمط التفكير البرجوازي الامريكي ..وهكذا. وبالرغم من نزوع كل مدرسة منها لان ترتقي الى مستوى نظام فلسفي شامل ، وذلك انسجاماً مع الخطاب القديم ، لكن هيهات اياً منها ان تصيب نجاحا في مسعاها . اذ مادامت مبادئها وادواتها تنطلق من وضع اجتماعي خاص ( اي من منظومة اجتماعية خاصة لاتملك مشروعاً تأريخياً لكامل المجتمع ) ، فكيف يمكنها اعادة تركيب او احتواء فكر أية منظومة اجتماعية اخرى ، ناهيك عن ان تكون فكراً لكامل المجتمع.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ [1], "dogma." Dictionary.com Unabridged. Random House, Inc. 24 Oct. 2011. <Dictionary.com http://dictionary.reference.com/browse/dogma>.
  2. ^ [2], "Dogma" The Concise Oxford Dictionary of World Religions. Ed. John Bowker. Oxford University Press, 2000. Oxford Reference Online. Oxford University Press. York University. 25 October 2011 <http://www.oxfordreference.com.ezproxy.library.yorku.ca/views/ENTRY.html?subview=Main&entry=t101.e2044>.
  3. ^ Dogma, Henry George Liddell, Robert Scott, A Greek-English Lexicon, at Perseus
  4. ^ Dokeo, Henry George Liddell, Robert Scott, A Greek-English Lexicon, at Perseus
  5. ^ مهدي علوش (2012-03-03). "محاولة لفهم الدوغما". الحوار المتمدن. Retrieved 2012-12-04.

وصلات خارجية

الكلمات الدالة: