ألبرخت دورر

(تم التحويل من Albrecht Dürer)
ألبرخت دورر
Albrecht Dürer, Selbstbildnis mit 26 Jahren (Prado, Madrid).jpg
پورتريه ذاتي في السادسة والعشرين من عمره]]، متحف پرادو.
وُلِدَ(1471-05-21)21 مايو 1471
توفي6 أبريل 1528(1528-04-06) (aged 56)
نورنبرج، الامبراطورية الرومانية المقدسة
الجنسيةألماني
أسماء أخرىAdalbert Ajtósi, Albrecht Durer, Albrecht Duerer
اللقب
الحركةالنهضة العليا
الزوجأجنس فراي (ز. 1494)
التوقيع
Signatur Albrecht Dürer.PNG

ألبرخت دورر (Albrecht Dürer؛ عاش في نورمبرگ 1471-1528) هو رسّام ألماني. أمضى فترة أولى متنقلا بين مدن "كولمار"، "بال" و"ستراسبورگ". كما أقام مرتين في البندقية. إلا أنه مسيرته الفنية الحقيقية كانت في مدينة "نورمبرگ". أظهر موهبته في فن التصوير الزيتي، كما أنجز العددي من الرسومات التخطيطية وبعض الرسومات المائية بالإضافة إلى الرواشم (تستخرج عن طريق الطباعة بالرسوم البارزة). كان مولعا بالنظريات التي تتناول الفن (المنظور وغيرها)، فقام في أواخر حياته بنشر بعض المؤلفات في الموضوع (رسالة في أبعاد الجسم الآدمي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة وحياته الأولى

لم يسبق لأمة أخرى غير ألمانيا أن اختارت بالإجماع أحد أبنائها ليكون ممثلا لها في الفن- فقد وقع اختيار البروتستانت والكاثوليك وأهل الشمال وأهل الجنوب على الفنان ديرر. وفي اليوم السادس من أبريل عام 1928، وبمناسبة الذكرى السنوية الأربعمائة لوفاته طرح الريخستاج في برلين ومجلس المدينة في نورمبرج الأمور السياسية والمذهبية جانباً، وذلك لتكريم فنان تحبه ألمانيا أكثر من أي فنان آخر. وفي غضون ذلك عرض خبراء الفنون دون طائل مبلغ 1.000.000 دولار لشراء لوحة - اسمها "عيد أكاليل الورد"، وهي لوحة تقاضى عنها ديرر مبلغ 110 جيلدر (2.750 دولار؟).

وكان والده المجري صائغا استقر به المقام في نورمبرج. وكان ألبرخت الابن الثالث من ثمانية عشر ولدا مات معظمهم في سن الطفولة وتعلم الولد في مرسم أبيه كيف يرسم بالقلم الرصاص والفحم والريشة وكيف يحفر بالنقاش، ودرب نفسه على قوة الملاحظة وتمثيل الأشياء والموضوعات بتفصيل لا يعرف الكلل، حتى أن كل شعرة تقريباً في بعض لوحاته تبدو وكأنها تلقت ضربة خاصة بها وحدها من الفرشاة.

الأرنب اليافع


ألبرخت الفنان

كان الوالد يأمل أن يخلفه ابنه في حرفته كصائغ إلا أدعن لرغبة الشاب في أن يتوسع في نطاق فنه. فأرسله إلى فولجيموت ليتمرن هناك 1486 وتدرج ألبرخت في عمله ببطئ ومكنت له عبقريته في الطموح والمثابرة والصبر. وقال: "لقد حباني الله بفضيلة الجد فحسن تعليمي ولكني اضطررت أن أتجاوز عن قدر كبير من الإزعاج الذي سببه لي أعوانه" ونظراً لأنه لم تسنح له فرصة كبيرة لدراسة الجسم العاري فإنه تردد على الحمامات العامة ورسم أجساماً في جمال أپولو وذلك بقدر ما سمحت له الظروف هناك. وكان هو نفسه يحاكي أبولو بعض الشيء في تلك السنوات. وقد وصفه أحد أصدقائه في اعتزاز بقوله: له جسم رائع متين البناء معتدل القوام جدير بما يحمله من عقل نبيل... وجه ذكي الملامح وعينان تلمعان وجيد طويل وصدر عريض وخصر نحيل ومنكبان قويان وساقان ثابتتان، أما يداه ففي وسعك أن تقول إنك لم تر قط يدين تبزهما في الرشاقة. أما حديثه فعذب شائق حتى ليتمنى المرء ألا ينتهي أبداً.

واجتذبته أعمال الحفر التي قام بها شونجاور فاتخذ طريقه إلى كولمار 1492 وإذا به يجد الأستاذ قد مات فتعلم قدر المستطاع من إخوة شونجاور ثم رحل إلى بازل حيث تعلم من جرونيفالد أسرار الفن الديني الخالص وكان قد أصبح رساماً بارعاً. وتحمل طبعة من رسائل سان جيروم نشرت في بازل عام 1492 على صفحتها الأولى صورة شخصية للقديس رسمها دورر ، ونالت هذه الصورة استحسان النقاد حتى تنافس ناشرون عديدون للحصول على أعماله المستقبلية. ومهما يكن من أمر فإن أباه حثه على العودة للوطن ليتزوج من الفتاة التي اختارها له إبان غيابه. وعاد إلى نورمبرج واستقر هناك وعاش مع زوجته أجنس فراي 1494.

لوحة شخصية بريشة ألبرخت دورر 1493

لوحات شخصية

قد رسم ألبرخت نفسه قبل ذلك في صورة شاب يرتدي زياً يكاد يكون زي امرأة ويصفف شعره مثلها تقريبا، معتزاً بنفسه وخجولاً في الوقت ذاته يرتاب في العالم ويتحداه، وفي عام 1498 وكان لا يزال معجباً بوسامته ولحيته أيضاً رسم لنفسه صورة شخصية في زي نبيل شاب يرتدي ملابس فاخرة وعلى رأسه قلنسوة لها شرابة تبرز منها خصل طويلة من الشعر البني ، وتعد هذه اللوحة من أعظم الصور الشخصية التي رسمها فنان لنفسه في جميع العصور. ورسم نفسه مرة أخرى عام 1500 في ملابس أكثر بساطة والوجه مستطيل بين خصل غزيرة من الشعر تتهدل فوق الكتفين، وفي العينين النافذتين بريق غامض ويبدو أن دورر رسم نفسه هنا في صورة خيالية تشبه صورة المسيح لا عن زهو يتسم بالزندقة ولكن لأن له رأياً ردده كثيراً كأمر مسلم به وهو أن أي فنان عظيم هو الناطق بلسان الله وبوحي منه تعالى. وكان الغرور هو الدعامة التي يستند إليها في عمله، إذ أنه لم يضاعف من عدد صوره الشخصية فحسب، ولكنه أفسح لنفسه أيضاً مكاناً في كثير من لوحاته. وكان في بعض الأوقات يتمسك بأهداب التواضع ويدرك في أسى أن قدراته محدودة، وقال لبيركهايمر "عندما يثني علينا فإننا نشمخ بأنوفنا ونصدق كل ما قيل عنا ولكن من يدري؟ لعل أستاذا ساخرا يضحك علينا من وراء ظهورنا". أما بالنسبة لغير هذا فقد كان سليم الطوية ورعاً مخلصاً كريماً سعيداً بقدر ما تسمح الظروف.

شعار الجيش محفور على الخشب من أعمال ألبرخت دورر

إيطاليا

ولم يستطيع أن يعيش مسلوب اللب مع زوجته؛ فقد انطلق إلى إيطاليا بعد زواجه بوقت قصير وخلفها وراءه. وكان قد سمع عما يطلق عليه "النمو الجديد" للفنون في إيطاليا بعد أن ظلت دفينة ألف عام. وعلى الرغم من أنه لم يسهم مطلقاً في هذا البعث للأدب الكلاسيكي والفلسفة والفن التي واكبت عصر النهضة فإنه كان تواقاً لأن يرى من المصدر الأصلي مباشرة ما الذي حبا الإيطاليين بهذا التفوق في الرسم والنحت والنثر والشعر. وأقام بصفة أساسية في البندقية ولم تكن النهضة قد بلغت فيها أوج الازدهار ولكنه عندما عاد إلى نورمبرج 1495 كان قد تلقى بوسيلة ما الحافز الذي أطلق شرارة طاقة الإنتاج السريعة في خلال السنوات العشر التالية. وفي عام 1507 ذهب إلى إيطاليا مرة أخرى بعد أن اقترض مبلغ مائة فلورين (2500 دولار) من بيركهايمر وأقام فيها هذه المرة عاماً ونصف عام .

Melencolia I, 1514, Albrecht Dürer engraving

فنان عصر النهضة

درس ألبرخت دورر أعمال ماتنيا وسكوارسيوني في بادوا ونسخ في تواضع بعض الرسوم وسرعان ما اعترف به بليني وفنانون آخرون من البندقية رساما بارعا ونالت لوحة "عين أكاليل الورد"، التي رسمها لكنيسة ألمانية، الاستحسان حتى من الإيطاليين، وكانوا لا يزالون يعدون معظم الألمان برابرة. وعرض عليه سيد البندقية منصبا دائماً إذا أقام هناك ولكن زوجته وأصدقاءه ألحوا عليه في العودة إلى نورمبرج. ولاحظ أن الفنانين في إيطاليا أحرزوا مكانة اجتماعية رفيعة مكانة تفوق مكانة زملائهم في ألمانيا وقرر أن يطالب بمنزلة اجتماعية مماثلة عند عودته وكتب يقول: "إني هنا سيد مهذب أما في الوطن فأنا طفيلي" أي غير منتج لسلع مادية. وأبهجه الاهتمام بالفن في إيطاليا وكثرة الفنانين وما يدور بينهم من صراع ومناقشات الذكية والحادة التي تدور حول نظريات الفن. وعندما شرح له جاكوبو دي بارباري مبادئ بييرو ديلا فرانشسكا وغيره من الإيطاليين عن النسب الرياضية للجسد البشري الكامل قال ديرر إنه "يؤثر أن يشرح له هذا خير عنده من أن يتلقى مملكة جديدة". واعتاد في إيطاليا رسم "الجسم العاري" فنيا، وقد ثقف ذلك بدراسة التماثيل القديمة وفي الوقت الذي حافظ في أعماله على الطابع التيوتوني والمسيحي فإنه شغف بالفن الوثني الذي يعجب به الإيطاليون وسعى في سلسلة طويلة من المقالات أن يعلم مواطنيه من الفلاحين أسرار المنظور والنسب والتلوين. وانتهى الأسلوب القوطي في رسم الألماني بهاتين الرحلتين اللتين قام بهما دورر إلى إيطاليا، وهكذا قبل الجيل الألماني، الذي رفض أن يتبع روما في الدين، أن يسير على نهج إيطاليا في الرسم.

وظل دورر نفسه في حالة توتر خلاق ، وإن اتسم بالتردد بين العصور الوسطى وعصر النهضة، وبين الاتجاه الصوفي الألماني والإقبال الإيطالي على الدنيا ولم تتغلب في روحه قط بهجة الحياة التي رآها في إيطاليا على التأمل في الموت. وإذا استثنينا صوره الشخصية فإن موضوعاته ظلت برمتها تقريبا دينية، وكان كثير منها صوفية. ومع ذلك كان الفن دينه الحقيقي. كان يعبد الخط الكامل ويؤثره بالعبادة على محاكاة المسيح. وقد أظهر حتى في أعماله الدينية اهتمام الفنان الشديد بكل الأشياء التي تعرض له حتى في الحياة اليومية العادية ورسم مثل ليوناردو كل شيء تقريبا.. صخورا وجداول ماء وأشجارا وجيادا وكلابا وخنازير، وجوها قبيحة وأشكالا قميئة وكائنات خيالية لها شكل عجيب أو مروع. ورسم ساقه اليسرى كما ترى في أوضاع مختلفة وبعج وسادة لتتخذ سبع أشكال مختلفة لدراستها بريشته التي لا تعرف الكلل. وحشد في عمله معرضا حقيقيا للحيوان ورسم أحيانا مدينة كاملة لتكون مهادا لإحدى لوحاته. وصور حياة الناس وأعمالهم في الريف بنشوة وفكاهة. وكان يحب الألمان فرسم رؤوسهم الضخمة وسمات وجوههم التي تنزع إلى الحمرة دون احتجاج وعرضهم في البيئات غير المتوقعة حتى في روما أو فلسطين وهم يرتدون دائما ملابس فاخرة مثل أبناء الطبقة الوسطى من السراة ويتدثرون ويتلفعون وكأنهم يتقون برد ألمانيا، ورسمه وصف إثنوجرافي لأجيال نورمبرج، وكان أهم عملائه الأثرياء من التجار الذين خلد ذكرهم في لوحاته - ومع ذلك فقد تلقى مكافآت من الدوقات والأمراء المختارين في الإمبراطورية، وأخيرا من ماكسمليان نفسه، وكما كان تيسيان يحب أن يصور طبقة الأشراف والملوك، فإن دورر كان يألف تصوير أبناء الطبقة الوسطى، ولقد جعلت هذه الصورة، التي حفرها على الخشب، الإمبراطور يبدو كما وصفه لويس الثاني عشر "عمدة أوجسبورج". ورسم ديرر مرة واحدة في حياته النبالة في صورة - وهي صورة خيالية لشارلمان.

رثاء المسيح، زيت، 1500-

فن ألبرخت دورر

ألبرخت دورر له ست وثلاثون صورة شخصية تعد من أحسن أعماله التي تقربها العين ويسر بها الفؤاد، لأنها بسيطة وحسية دنيوية زاخرة بما يميزها من شخصيات. انظر إلى صورة هيرونيموس هولتسشوهر عضو مجلس الشيوخ في نورمبرج، رأس ينم على القوة ووجه صارم الملامح وشعر ناحل على جبهة عريض ولحية مهذبة في تناسق تام وعينان حادتان كأنه يرقب بهما السياسيين، ومع ذلك فإن فيهما شروع في بريق. نحن أمام رجل طيب القلب مرح حسن الشهية. أو تأمل صورة ويليبالد بيركهايمر، وهو أعز أصدقاء دورر، رأس ثور يخفي عقل علامة ويشير إلى شهوات معدة جارجانتوا. ومن كان يتوقع أن وجه فردريك الحكيم الضخم، حكيم ساكسونيا، بتقاطيعه المتغضنة المهدلة، يخفي وراءه الأمير المنتخب الذي تحدى البابا ليحمي لوثر؟ إن كل صور الأشخاص تقريبا تخلب اللب. صورة اوزفولت كريل الذي يبدو تركيزه الحاد حتى في عروق يديه أو صورة برنارد فون رستن بالصدار الأزرق الرقيق والقبعة العريضة الفخمة والعينين المتأملتين لفنان مستغرق أو صورة جاكوب موفيل عمدة نورمبرج، وهي استغراق في الفكر للتعبد الجاد، وهي تلقى بعض الضوء على عظمة المدينة وثرائها، أو صورتا والد دورر وهو يبدو في إحداهما منهوك القوى من النصب عام 1490، وفي الثانية خائر القوى إلى أقصى حد عام 1497، أو صورة سيد مهذب في البرادو - رجواة مجسمة تدنسها القسوة والجشع، أو صورة إليزابث توخر وهي تحمل خاتم زواجها متطلعة إلى إتمام الزواج في خفر، أو صورة سيدة من البندقية التي اضطر ديرر من أجلها أن يسافر إلى إيطاليا ليجد الجمال والقوة. وقلما تجد في صور من رسمهم من الذكور رقة، وهي تخلو من الرشاقة، وإن بدت فيها دائماً قوة الشخصية. قال: "إن ما لا يفيد في الرجل ليس جميلا" ، وكان يهتم بالواقع وحكايته بأمانة أكثر من اهتمامه بجمال القسمات أو الشكل، وقد أشار إلى أن الفنان يستطيع أن يرسم بالرصاص أو يصور بالزيت صورة جميلة لشيء قبيح أو لموضوع كريه. كان تيوتونيا فطر على الجد وتقديس الواجب والإخلاص، وقد ترك الجمال والرشاقة للسيدات وركز على القوة في الرجال.

ولم يكن مبرزاً في التصوير ، ولم يكن الرسم ينسجم مع ذوقه، ولكن زيارته لإيطاليا أثارت فيه الرغبة في أن ينشد اللون والخط معاً. وصور هيكلا متعدد التنيات عرف فيما بعد باسم مذبح درسدن، وذلك لفردريك صاحب ساكسونيا والكنيسة الملحقة بقصره في فيتنبرج. وهنا نجد أن الأساليب الإيطالية في النسبة والمنظور قد شكلت إطار الأجسام بأسلوب ألماني بحت: سيدة ألمانية تمثل العذراء، وأستاذ يمثل القديس أنتوني، وشماس معمداني ألماني يمثل القديس سباستيان، والنتيجة صورة فذة. وأبدع منها الصور والنقوش الهيكلية لباومجارتنر في ميونخ: صورة رائعة للقديس يوسف والعذراء مريم فوق مهاد معماري من الأطلال الرومانية. ولكن صدر الصورة قد شوهته أقزام سخيفة، أما صورة اعجاب المجوس في الأوفيزي فهي انتصار للون يتمثل في رداء العذراء الأزرق والثياب الفخمة التي يرتديها الملوك الشرقيون، ولوحة المسيح بين الأطباء تبين عيسى الوسيم، له خصلات شعر فتاة، ويحيط به ثقات نحارير من ذوي اللحى والوجوه المتغضنة - أحدهم يشبه صورة هزلية كله أنف وأسنان. وصورة عيد أكاليل الورد تضارع الصور الإيطالية في هذا العهد، بتكوينها البارع وجمال الأم والطفل معا وروعة اللون بصفة عامة، وتعد أعظم لوحة لديرر، ولكن على المرء أن يجازف بقطع كل الطرق إلى پراگ ليشاهدها. وفي فينا وبرلين لوحات جذابة من عمل دورر لمريم العذراء؛ وفي نيويورك لوحة للعذراء والطفل مع القديسة آن، وهي تقدم لنا فتاة ألمانية رقيقة، تمثل العذراء، وسيدة سامية سمراء تمثل أمها، وما أروع اللوحات في البرادو التي تصور آدم وحواء، فهنا نتوقف لحظة لنجد فناناً ألمانيا يظهر لنا جمال أنثى صحيحة البدن وهي عارية. ولقد ثبط من همة دورر المكافأة القاصرة التي حصل عليها من التصوير، وربما أوهن من عزيمته اضطراره إلى تكرار الموضوعات الدينية القديمة، فتحول بصورة متزايدة إلى عمل يدر عليه ربحاً أكثر، ويتسم بمزيد من الأصالة، وهو نحت الخشب والحفر، لأن لوحا واحداً في هذه الحالة يكفي لصنع ألف نسخة يمكن نقلها بسهولة إلى كل سوق في أوروبا، ويمكن أن تزود ألف مجلد مطبوع بالرسم نفسه.

كانت براعة دورر تتجلى في رسم الخط وكان الرسم مملكته التي لا يبزه فيها رجل من الأحياء وقتذاك، بل إنه في هذا المجال أذهل برقته المتناهية الإيطاليين المزهوين بأنفسهم. ولقد شبه إرازموس كرسام بأستاذ قديم بارع في الخط فقال: إن أبلز كان يتعين باللون... أما دورر فما الذي لا يستطيع أن يعبر عنه بلون واحد؟... والنسب والإيقاعات المنسجمة؟ كلا إنه يرسم ما لا يمكن تصويره - النار وأشعة الضوء والرعد.. والبرق.. وكل الأحاسيس والانفعالات في رقة، وعقل الإنسان بأسره وهو يعكس نفسه بسلوك الجسد، بل إنه يكاد يرسم الصوت نفسه، وهو يضع هذه الأشياء أمام الأعين بأصلح الخطوط خطوط، سوداء، ومع ذلك فإنك لو نشرت عليها ألواناً لأضررت بالعمل الفني. ثم أليس عجيباً أن يحقق فنه دون أن يتوسل باللون ما حققه أبلز متوسلاً بها؟

ورد ديرر على هذا الإطراء بحفر صورة شخصية لارازموس 1526 ولم يجلس من أجلها أرازموس أمامه ولكنه رسمها عن صورة من عمل ماسيس، وهي إن كانت لا تضارع هذه الصورة الشخصية، ودون الصورة التي رسمها هولبين؛ فإنها من روائع الرسم مع هذا كله، وذلك للبراعة في تصوير ثنيات العباءة وظلالها وتجاعيد الوجه واليدين والأوراق المطوية للكتاب المفتوح.

العذراء والمسيح ويوسف النجار يهربون إلى مصر. بريشة ألبرخت دورر، ح. 1503-1505.

وقد خلف لنا دورر أكثر من ألف صورة معظمها يعد معجزات من التصميم الواقعي أو المعبر عن الورع أو الخيال الخارق، وبعضها صور هزلية صريحة، وإحداها تصور السن والحكمة في دقة متناهية، ومن آن لآخر يكون الموضوع من ذلك النوع الذي لا ينبض بالحياة، كما في لوحة الطاحونة، أو مجرد خضرة خالصة مثل لوحة "المرج"، أو حيواناً مثل صورة رأس فيل البحر. وتحتشد عادة النباتات والوحوش حول أشخاص أحياء، كما في اللوحة المركبة "السيدة العذراء مع حشد من الحيوانات"، أما الموضوعات الدينية فهي أقل أعماله نجاحاً، ومع ذلك فإننا يجب أن نستثني وتقدر اللوحة الرائعة المسماة "يدا رسول يصلي". وأخيراً فثمة دراسات رائعة في الأساطير القديمة مثل لوحة أبولو وصورة أورفيوس.

يد تصلى


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أعمال الحفر

قد حول دورر نحو 250 من رسوماته إلى أعمال من الخشب المحفور المنحوت ومائة إلى حفر، وهاتان المجموعتان تمثلان أروع جانب يستحق التقدير من تراثه. ولقد حفر بنفسه التصميمات حتى مدار القرن، ثم عهد فيما بعد بحفر الخشب إلى آخرين. وما كان، بغير هذا التعاون، ليستطيع أن يصور مثل هذا القطاع الواسع من الحياة. وقد بدأ بتصوير رسوم لكتب مثل الفارس "فون تورن" و"الطيش" لسباستيان برانت، ورسم بعد عشرين عاماً صوراً هامشية لكتاب الصلوات الخاص بماكسمليان. وجرب ريشته في رسم الجسم العاري، ونجح نجاحاً عظيماً في لوحة "حمام الرجال" ولم يبلغ الشأن نفسه في صورة "حمام النساء"، وقد أفاد في كليهما كدافع ثوري للفن الألماني الذي كان قد أعرض عن رسم الجسم العاري باعتباره عملاً فاضحاً أو تبديداً للأوهام. واشتهرت أعمال الحفر في الخشب، التي صورت حياة العذراء وآلام المسيح عند الصلب، فقد غدا في وسع النساء المتعبدات وقتذاك أن يتأملن، وهن يصطلين بجوار مدافئهن، صورة مطبوعة تبين خطبة يوسف ومريم، وكان الألمانيون العمليون يسرهم أن يجدوا في صورة إقامة العائلة المقدسة في مصر كل التفاصيل المريحة للألفة والجد اللذين عرف بهما الشعب التيوتوني-مريم تحيك الثياب، ويوسف يعمل وهو جالس على دكته، وأطفال عليهم مسحة ملائكية يحضرون الحطب دون أن يطلب أحد ذلك منهم. وثمة سبع وثلاثون صورة من أعمال حفر الخشب الصغير- "آلام المسيح الصغرى"- وإحدى عشرة صورة أكبر-"آلام المسيح الكبرى"- عرضت قصة تعذيب المسيح ووفاته في آلاف البيوت، ونبه شوق الرأي العام لترجمة لوثر للعهد الجديد. وثمة سلسلة أخرى من الصور زينت سفر الرؤيا وبعضها حفر على الخشب مثل "الفرسان الأربعة في سفر الرؤيا" و"القديس مايكل يقاتل التنين" وكانت من النضارة والوضوح بحيث ظل لذهن الألماني قرونا طويلة يفكر في سفر الرؤيا كما عبر عنها دورر برسومه.

هذه التفصيلة من سلڤاتوره موندي، رسم زيتي غير مكتمل على الخشب تـُظهر أسلوب دورر التمهيدي عالي التفصيل. انظر اللوحة الكاملة

النقش

وتجاوز مرحلة حفر الخشب إلى فن يحتاج إلى مزيد من الجهد هو فن النقش، وحاول بين الفينة والفينة النقش بالحفر الإبري، كما في الصورة المظللة "العائلة المقدسة" وكان عادة يعمل بإزميل. و"سقوط الإنسان" نقش على النحاس في أشكال تليق باليونان وفي نسبة وتناسق جديرين بالإيطاليين مع ما عهد في دورر من إسراف في رسم الحيوان والنبات، حيث نجد إن لكل وحدة تقريباً دلالة رمزية بالنسبة له ولجيله. وبرزت إناث عاريات في روعة لم يسبق لها مثيل في الفن الأماني من المعدن، وذلك في صورة "وحش البحر" و"الصراع بين الفضيلة واللذة"، بخلفية من المناظر الخلوية رسمت ببراعة.

أما الستة عشرة صورة من الحفر والتي تكون "آلام المسيح منقوشة" فإنها أقل تأثيراً من صورة "تعذيب المسيح" المحفورة على الخشب، ولكن صورة القديس ايوستاس فهي مجموعة من الرسم الحية: خمس كلاب وجواد وغابة، وحشد من الطيور وسلسلة من القلاع فوق تل، وغزال يحمل صليباً بين قرنيه، ويتوسل إلى الصياد أن يعفيه من القتل ويغريه بأن يصبح قديساً.

وبلغ دورر في عامي 1513 و1514 الذروة كرسام في ثلاث رائعات من الحفر، فالفارس والموت والشيطان نسخة قوية من موضوع كئيب من القرون الوسطى.. فارس صارم الملامح بالدروع والسلاح، يمتطي صهوة جواد فيروكشي، تكتنفه صورة قبيحة للموت والشيطان، ومع ذلك فإنه يتقدم إلى الأمام في إصرار منتصراً للفضيلة على كل شئ، ويبدو أن أحداً لا يصدق أنه يمكن نقش صورة في المعدن بمثل هذه المبالغة والدقة في التفاصيل. فصورة القديس جيروم في قاعة درسه، توضح مرحلة أهدأ من انتصار المسيحي.. القديس العجوز الأصلع منحن فوق مخطوطته يكتب على ما يبدو في ضؤ هالته وعلى الأرض، ومعه في هدوء أسد وكلب، وعلى أسكفة النافذة تجثم جمجمة في سكون مبين، وما يبدو في نظر كل الناس قبعة زوجته معلقة على الحائط، وكل الحجرة مرسومة بمنظور روعيت فيه القواعد، ورسمت فيها كل الظلال وأشعة الشمس بدقة فائقة. وأخيراً فإن النقش، الذي أطلق عليه ديرر اسم "السوداء"، يكشف عن ملاك يجلس في وسط أنقاض مبنى لم يتم، وتحت قدميه خليط من الأدوات الميكانيكية والآلات العلمية، ويتدلى من منطقته كيس ومفاتيح رمزاً للثروة والسلطان، ويستند برأسه مفكراً على إحدى راحتيه، وعيناه تحملقان حولها ما في شيء من الدهشة وشئ من الفزع. أتراه يتساءل لأي غرض يبذل كل هذا الجهد، وما فائدة هذا البناء، والهدم والبناء، وهذا السعي الحثيث وراء الثروة والسلطان والجري وراء السراب الذي يسمى الحقيقة ومجد العلم هذا وبلبلة ذوي الفكر وهو يكافحون عبثا الموت المحتوم؟ وهل يمكن أن يكون ديرر في بداية العصر الحديث نفسه قد أدرك المشكلة التي واجهها العلم الظافر وهي مشكلة الوسائل التقدمية التي أساءت استخدامها الغايات التي لا تتغير.

تمثال وحيد القرن محفور على الخشب من أعمال ألبرخت دور 1515

من أهم أعماله

  • مجوعة لوحات شخصية؛
  • سِفر الرؤيا (مجموعة من الرواشم المطبوعة التي تتناول نهاية العالم، 1498 م)؛
  • الأرنب البري اليافع (رسم مائي، متحف ألبريتينا- فيينا).
St. Christopher, engraving, 1521, by Albrecht Dürer

العودة إلى نورمبرگ

وهكذا دخل ديرر عصر لوثر بالرسم تلو الرسم والتصوير وراء التصوير، بدأب جهيد وصبر يختلفان عن تسويف ليوناردو وترف رافائيل، واشترى حوالي عام 1508 البيت الذي أضفى الشهرة على نورمبرج، وقد دمر منه. وكان الطابقان فيه من الحجر، أما الطابقان الثالث والرابع فمن الخشب المكسو بالملاط، وفوق طنف بارز يجثم طابقان آخران تحت السقف الهرمي. وهناك عاش ديرر تسعة عشر عاماً في بؤس غير مفرط مع زوجته العقيم. وكانت أجنس ربة بيت بسيطة وتعجب لماذا يمضى ألبرخت هذا الوقت الطويل في دراسات لا تسمن ولا تغنى من جوع، أو مع أصدقاء يدمنون الشراب. كان يتحرك في دوائر لا تستطيع أن تدركها بعقلها القاصر وكان يهملها من الناحية الاجتماعية، وكثيراً ما كان يسافر دون أن يصحبها معه، ولكنه عندما اصطحبها معه إلى الأراضي الواطئة، كان يتناول غذاءه مع الشخصيات المشهورة أو مع أحد ضيوفه ويترك زوجته تتناول طعامها في (المطبخ الأعلى) مع خادمتهما. وفي عام 1504 انضمت إلى ديرر والدته الأرملة لتعيش معهما في البيت واستمرت معهما عشر سنوات. والصورة التي رسمها لها تثير عطفنا على الزوجة - ولم تكن جد فاتنة - ولقد رأى أصدقاؤه في أجنس امرأة سليطة اللسان، لا تستطيع أن تشارك ديرر حياته الفكرية المستغرقة.

Title page of Vier Bücher von menschlicher Proportion showing the monogram signature of Albrecht Dürer

نهاية رائد الفن الألماني

في سنواته الأخيرة تمتع أستاذ نورمبرج بشهرة تعم قارة أوربا، باعتباره رائداً للفن الألماني ومفخرة له. وفي عام 1515 منحه الإمبراطور معاشاً متواضعاً قدره مائة فلورين في عام (2,500 دولار؟)، وكان يدفع له بصورة غير منتظمة، لأن دخل ماكسمليان كان لا يتفق أبداً مع خططه.

وعندما مات ماكسمليان توقف المعاش، فقرر ديرر أن يزور الأراضي الواطئة ويطلب تجديد معاشه من شارل الخامس. وأخذ معه مجموعة منوعة من الرسوم والصور الزيتية لبيعها أو يقايض عليها في هولندا أو في الفلاندرز. واستطاع بذلك أن يدفع كاف نفقات الرحلة تقريباً. وتكاد تبدو في اليوميات التي احتفظ بها عن جولته (يوليو 1520 - يوليو 1521) وإن لم تكن تماماً - شخصية مثل التي كتبها بوزويل بعد قرنين آخرين، فهي تسجل نفقاته ومبيعاته ومشترياته وحفلات تكرينه، وتكشف عن عناية ابن الطبقة الوسطى بالتفاصيل المالية، وابتهاجاً لفنان بالاعتراف بعبقريته، وهو أمر يغتفر له. ولقد حصل دورر على الحق في تجديد معاشه بعد مطاردة شارل في اثنتي عشرة مدينة، وهكذا استطاع أن يخصص باقي رحلته لمشاهدة مناظر الأراضي الواطئة وأبطالها. وأذهلته ثروة غنت وبروكسل وبروجز وروعتها، ومذبح آل فان أيك المتعدد الطيات في كنيسة سانت بافون. وكاتدرائية أنتورب "التي لم أر لها مثيلا في الأراضي الألمانية". والتقى بإرازموس ولوكاس فان ليدني وبرنرت فان أورلي وآخرين من وجهاء الأراضي الواطئة، ورحبت به طوائف الفنانين في تلك المدن، وأصيب بالملاريا في مستنقعات تسيلاند المليئة بالبعوض فأتلفت صحته فيما بقي له من عمر.

ويقول في صفحة من يومياته: "لقد اشتريت كراسة لوثر الدينية بخمس بنسات فضية وأعطيت واحدة لإدانة هذا الرجل القوي". وفي أنتورب (مايو 1521) سمع شائعة تقول إن لوثر "قبض عليه غدراً" وهو يرحل عن مجلس نواب (دايت) ورمز، ولم يعرف دورر أن هذا الإبعاد إنما قصد به حماية هذا المصلح العظيم وخشي أن يكون لوثر قد قتل فكتب في يومياته دفاعاً حاراً عن الثائر متوسلاً بإرازموس أن يخف لنجدة أنصاره:

"إذن فقد اختفى هذا الرجل الذي أنار عقله الروح القدس ليتابع الحقيقة... وإذا كان قد تعذب فإن هذا في سبيل الحقيقة المسيحية ضد البابوية غير المسيحية التي تعمل ضد حرية المسيح وتستنزف دماءنا وعرقنا لتقتات به وتعيش في ترهل في الوقت الذي تحيا فيه الشعوب في مسغبة. رباه! إن الناس لم تسحق قط بمثل هذه القسوة تحت وطأة القوانين التي من صنع البشر، كما حدث لهم تحت كرسي الأسقفية الرومانية... إن كل إنسان يرى مدى الوضوح الذي أعلنت به العقيدة في كتب لوثر وكيف أنها تطابق ما ورد في الإنجيل المقدس. إننا يجب أن نصون هذه الكتب من أن تحرق بل دعونا نقذف في النار الكتب التي تعارضه... وأنتم أيها المسيحيون الأتقياء جميعاً ابكوا معي حزنا على فقد هذا الرجل، وصلوا للرب أن يرسل لنا هادياً آخر. وأنت يا إرازموس الروتردامي أين تقيم؟ ألا ترى الظلم والاستبداد الأعمى للسلطات الحاكمة الآن؟ استمع إلي يا فارس المسيح واركب بجانب سيدنا كما هو حالك... أنت أيضا تستطيع أن تفوز بتاج الشهيد. اجعل صوتك مسموعاً يا إرازموس، فعسى الله الذي يحكم على أعمالك أن يظهر تمجيده فيك"

The Cannon, Dürer's largest etching, 1518

وعندما عاد دورر إلى نورمبرج وقف حياته كلها تقريبا على الفن الذي يتسم بالطابع الديني، مع الاهتمام الفائق بالأناجيل من جديد. وأتم عام 1526 أعظم مجموعة من لوحاته - الرسل الأربعة - وهي تسمية غير صحيحة لأن مرقس المبشر الإنجيلي لم يكن واحدا من الحواريين الأثنى عشر، ولكن لعل هذا الخطأ يشير إلى البروتستانت في العودة من الكنيسة إلى الأناجيل. واللوحتان من بين الممتلكات التي يعتز بها "بيت الفن" والذي جمعت فيه ميونخ، التي أضرت بها الحرب، مجموعتها الفنية الشهيرة. وإحدى اللوحتين تصور يوحنا وبطرس، والأخرى تصور مرقس وبولس، والأربعة كلهم يرتدون ثياباً زاهية اللون، لا تكاد تتفق مع قديسين من عامة الصيادين، وفي هذه الملابس عكف دورر على تصوير المثال الإيطالي بينما أكد تأثير بيئته الألمانية في الرؤس العريضة الضخمة. ولعل هذه الصور قصد بها أن تكون أجنحة لمذبح ثلاثي الطيات في كنيسة كاثوليكي. ولكن مجلس نورمبرج أعلن عام 1525 تأييده للإصلاح الديني. فتخلى ديرر عن فكرة عمل صورة مذبح، وقدم اللوحات إلى المدينة، وألحق بكل لوحة نقوشا تؤكد بإصرار أهمية الأناجيل؛ وعلى الرغم من وجود المفاتيح في يد بطرس - وهي تعد عادة أداة تمثل الكنيسة الرسمية المقدسة وسلطات الكنيسة - فإن من الممكن تفسير هذه اللوحات بأنها عهد دورر البروتستانتي.

ولم يبق من عمره آنذاك إلا عامان وكان يعاني من نوبات متعاقبة من حمى الملاريا حطمت وروحه معا. ولقد رسم في عام 1522 آخر صورة له باسم رجل الأحزان، وتصوره عاريا أشعث الشعر شاحب الوجه، عليلا يقاسي من الألم، ويمسك في يديه سوط تعذيب المسيح، وظل مع ذلك يعمل إلى النهاية وعندما مات (6 أبريل سنة 1528) بالغاً من العمر سبعة وخمسين عاما ترك من الرسوم والصور المحفورة في الخشب والنقوش إلى جانب 6000 فلورين - ما يكفي لإعالة عائلته في يسر كئيب، وذلك فيما تبقى لها من العمر. وها هو بيركهايمر يقول في رثائه:

"خير صديق لي في حياتي" وكتب نقشاً تذكارياً متواضعاً على القبر: "ما كان فانياً من ألبرخت ديرر يرقد تحت هذه الربوة".

بيركهايمر

ولقد افتقد دورر الغاية السامية باعتباره فناناً، ذلك لنه ضحى بمهمة الفن العظمى في سبيل مهمة أقل وزنا.. كان يفتتن برؤية الأشكال العابرة للأشخاص والأماكن والأشياء، وهي تدب فيها الحياة تحت يديه إلى حد جعله يستغرق بصفة أساسية في تصوير الواقع - سواء أكان جميلاً أم قبيحاً، له معنى أو لا معنى له - ولم يكن يمزج إلا عرضاً العناصر المتناثرة للإدراك الحسي لتكتفل في خيال خلاق، ثم تعود مجسمة في خط أو لون وجمال مثالي، يكشف لنا عن أهداف يسعى إلى تحقيقها أو يكشف عن رؤى تيسر الفهم أو تحقق الهدؤ، ولكنه ارتفع إلى مستوى نداء عصره فحفر في الخشب أو نقش على النحاس سيرة ذاتية لجيله المترصد المنتج وأن ريشته أو قلمه الرصاص ومنقاشه أو فرشاته استدعت الأرواح الخفية للرجال المقتدرين الذين وطأوا بأقدامهم مسرح ذلك العصر.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معرض الصور

انظر أيضا

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

وصلات خارجية

Sanzio 01.jpg فنانون من عصر النهضة
تيتيان | رفائيلو سانزيو | بوتيتشيلي | ليوناردو دا فنتشي | مايكل آنجلو | يان فان آيك | ألبرخت دورر | جيوفاني أنطونيو كانال | كارافاجيو