ابن باجة

أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ التُجيبي الكندي السرقسطي المعروف بابن باجّه. أول مشاهير الفلاسفة العرب في الأندلس اشتغل أيضا بالسياسة والعلوم الطبيعية والفلك والرياضيات والموسيقى والطب. أسهم في الطب خاصة, توفي في فاس المغرب، مسموما سنة 529 هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مولده ونشأته

وُلِد في سَرَقُسطة Zaragoza في الثغر الأعلى من الأندلس، من اصل يمني من بنو تجيب من قبيلة كندة ألمّ بعلوم الثقافة الإسلامية في عصره، وبعلوم اليونان، واشتهر بتضلّعه في الفلسفة والطب والموسيقى، ونظم الشعر.

عمل زهاء عشرين عاماً كاتباً ووزيراً لأبي إبراهيم بن تيفلويت المَسوفي صهر علي بن يوسف بن تاشفين، وأخباره معه كثيرة. وبعد وفاة ابن تيفلويت عام 510هـ/1116م، وقيل بعد سُقوط سرقسطة بيد ألفونسو الأول ملك أرغون Aragon عام 512هـ/1118م، غادر ابن باجّه سرقسطة إلى جنوبي الأندلس، فسكن المريّة وغرناطة وارتحل إلى فاس، وفيها اتُّهم بالإلحاد ومات مسموماً.

كان بينه وبين بعض أعلام الأندلسيين خصومة شديدة، ومن هؤلاء ابن زهر[ر] (ت557هـ/1162م) والفتح بن محمد بن خاقان[ر] (ت528هـ/1134م). وقد حمل عليه ابن خاقان حملة عنيفة في كتابه «قلائد العقيان» واتهمه بالإلحاد.

كان ابن باجّه أول الواقفين في الأندلس والمغرب على فلسفة المشائين فشرح قضاياها، ومهد الطريق لمن جاء بعده، ومنهم ابن رشد[ر] (ت595هـ/1198م) الذي بثّ في كتاب «النفس» بعضاً من آراء ابن باجّه، واعترف بفضله في حقل الفلسفة. ومن أشهر تلامذة ابن باجّه أبو الحسن علي بن الإمام وابن رشد.


أهم مؤلفاته

  • تأليف اشراقية
  • رسائل ابن باجة الإلهية

مصنفات في الطب

  • كلام على شيء من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس
  • كتاب التجربتين على أدوية بن وافد
  • كتاب اختصار الحاوي للرازي
  • كلام في المزاج بما هو طبي

مشروعه

عمد ابن باجة إلى العودة بالفلسفة إلى أصولها الأرسطية خالصة كما هي في كتب أرسطو مبتعدا عن أفكار العرفان و الأفلاطونية المحدثة فكان بذلك أحد أفراد تيار تجديدي أندلسي حاول فصل الأفكار العرفانية التي اختلطت كثيرا بالفكر الإسلامي و الذي بدأ بمشروع ابن حزم الذي عمد إلى تأسيس منهج العودة إلى الأصول و استبعاد القياس في الفقه و استأنف بعد ابن باجه باين رشد الذي عمد إلى فصل نظام البيان الفقهي عن نظام البرهان الفلسفي. بمصطلح آخر فصل الدين عن الفلسفة كأنظمة استنتاجية و ربطهما عن طريق الغايات و الأهداف.

فلسفته

  • في الإنسان : " كل حي يشارك الجمادات في أمور، وكل إنسان يشارك الحيوان في أمور.. لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية، ولا يكون إنساناً إلا بها ".
  • في منازل الناس :
    • المرتبة الجمهورية: وهؤلاء لا ينظرون إلا للمعقول.
    • المرتبة النظرية : وهؤلاء ينظرون إلى الموضوعات اولاً، وإلى المعقول ثانياً ولأجل الموضوعات.
    • مرتبة السعداء : وهم الذين يرون الشيء بنفسه.

يمكن أن يطلق على فلسفة ابن باجّه اسم «علم الإنسان» فقد كان جل ما تناوله فيها يبحث في ميدان الإنسان، والفكرة الأساسية التي أضافها إلى التراث الفلسفي هي ما يتصل باتحاد العقل الفعّال بالإنسان.

ولابن باجّه خطرات شعرية ينثرها أشتاتاً في كل اتجاه، وقد نظم في الموشح ويُروى أن ابن تيفلويت أعجب بموشح مدحه فيه فحلف ألاّ يمشي الشاعر إلى داره إلا على الذهب، فجعل ابن باجّه في نعله ذهباً، ليبرّ يمينه. وشعره دقيق المعاني، أكثره في المديح والهجاء والرثاء والنسيب، من ذلك قوله في مديح الملثمين:

قوم إذا انتقبوا رأيتَ أهلّة

وإذا همُ سَفروا رأيت بدوراً

وقوله في رثاء أبي بكر الصنهاجي:

وسألنا متى اللقاءُ فقيلَ الحشرُ

قلنا صبراً إليه وحزناً

وأكثر شعره دلالة على شخصه وفنّه قوله وهو يُحتضر:

أقول لنفسي حين قابلها الردى

فراغت فراراً منه يُسْرى إلى يُمنى

قَرِي تحملي بعضَ الذي تكرهينه

فقد طـالما اعتدت الفرار إلى الأهنا


تعاقبت اهتمامات ابن باجّه العلمية، فتعلق بالموسيقى، وتذوّقها كأستاذه الفارابي، ثم مال إلى المنطق والفلسفة والطب والرياضيات والطبيعة والنفس وترك فيها رسائل وكتباً، وقد ذُكر منها «في عيون الأنباء في طبقات الأطباء» سبعة وعشرون عنواناً يغلب عليها طابع التكرار والشذرات والتعليقات، من أهمها:

ـ رسالة الوداع: وجهها إلى تلميذه علي ابن الإمام السرقسطي قبيل رحلته إلى المشرق وتحدث فيها عن غاية الوجود الإنساني في تجاوز حدود الفردية والاتحاد بالنفس الكونية، ثم الاتصال بالله الذي لا يكون إلاّ بالعلم والفلسفة. نشرها المستشرق الإسباني ميجيل آسين بالاثيوس Migul Asén Palacios مع ترجمة إسبانية عام 1943م بمدريد.

ـ تدبير المتوحد: ويعني بالتدبير ترتيب الأفعال نحو الاتحاد بالعقل الفعّال والمتوحد هو الفرد، وتحقيق وجود الفرد هو الخطوة الأولى في صلاح المجتمع وتضامنه. حقق الرسالة معن زيادة ونشرت في بيروت 1978م.

ـ شرح كتابي الأدوية المفردة للطبيب اليوناني جالينوس (ت201م) وللوزير الأندلسي العالم ابن وافد (ت467هـ/1067م). اللذين يأخذان بمبدأ العلاج الطبيعي بالأغذية بدلاً من العقاقير الطبية، وبالأدوية المفردة بدلاً من المركبة، وقد انتفع بهذا ابن البيطار (ت645هـ/1248م).

ـ شرح السماع الطبيعي Physike Akroasis لأرسطو، ويدور على المبادئ الكبرى لعلم الطبيعة. وتذكر المصادر العربية أن أقدم ترجمة لهذا الكتاب ترجع إلى عصر هارون الرشيد (170-193هـ/786-809م). فقد ذُكر في الفِهرست للنديم تحت عنوان: أسماء النَقَلة من اللغات إلى اللسان العربي: سلام الأبرش من النقلة القدماء أيام البرامكة، ويوجد بنقله «السماع الطبيعي».

هذه المؤلفات ذات قيم غير محدودة، وقد أشاد ابن طفيل (ت581هـ/1185م) بعمق تفكير ابن باجه فقال في مقدمة «حي بن يقظان»: «ثم خلف من بعدهم (يقصد المهتمين بالمنطق والفلسفة في الأندلس) خلفٌ أحذق منهم نظراً، وأقرب إلى الحقيقة، ولم يكن فيهم أثـقب ذهناً، ولا أصدق رؤية من أبي بكر بن باجّه، غير أنه شغلته الدنيا حتى اخترمته المنية قبل ظهور خزائن علمه وبثّ خفايا حكمته».

مصادر